أيها الحكيم الجليل موسيو تولستوي:
لم نحظ بمعرفة شخصك، ولكننا لم نحرم التعارف مع روحك، سطع علينا نور من أفكارك، وأشرقت في آفاقنا شموس من آرائك، ألفت بين نفوس العقلاء ونفسك، هداك الله إلى معرفة سر الفطرة التي فطر الناس عليها، ووقفك على الغاية التي هدى البشر إليها، فأدركت أن الإنسان جاء إلى هذا الوجود لينبت بالعلم، ويثمر بالعمل، ولأن تكون ثمرته تعبا ترتاح به نفسك، وسعيا يبقى به ويربي جسمه، وشعرت بالشقاء الذي نزل بالناس لما انحرفوا عن سنة الفطرة، وبما استعملوا قواهم التي لم يمنحوها إلا ليسعدوا بها فيما كدر راحتهم، وزعزع طمأنينتهم.
ونظرت نظرة في الدين مزقت حجب التقاليد، ووصلت بها إلى حقيقة التوحيد، ورفعت صوتك تدعو الناس إلى ما هداك الله إليه، وتقدمت أمامهم بالعمل؛ لتحمل نفوسهم عليه، فكما كنت بقولك هاديا للعقول، كنت بعملك حاثا للعزائم والهمم، وكما كانت آراؤك ضياء يهتدي بها الضالون؛ كان مثالك في العمل إماما يقتدي به المسترشدون، وكما كان وجودك توبيخا من الله للأغنياء، كان مدادا من عنايته للضعفاء الفقراء، وإن أرفع مجد بلغته، وأكبر جزاء نلته على متاعبك في النصح والإرشاد، هو هذا الذي سماه الغافلون بالحرمان والإبعاد، فليس ما حصل لك من رؤساء الدين سوى اعتراف منهم أعلنوه للناس أنك لست من القوم الضالين، فاحمد الله على أن فارقوك في أقوالهم كما كنت فارقتهم في عقائدهم وأعمالهم.
هذا؛ وإن نفوسنا لشيقة إلى ما يتجدد من آثار قلمك فيما تستقبل من أيام عمرك، وإنا نسأل الله أن يمد في حياتك، ويحفظ عليك قواك، ويفتح أبواب القلوب لفهم قولك، ويسوق النفوس إلى التأسي بك في عملك، والسلام.
رثاء أحمد شوقي لتولستوي
ولما انتقل الفيلسوف تولستوي من دار الفناء إلى دار البقاء وقع نبأ وفاته وقعا مؤلما في الغرب والشرق، ورثاه الفلاسفة والشعراء، ومن ذلك ما قاله شاعر وادي النيل صاحب السعادة أحمد بك شوقي حيث قال: (طولستوي) تجري آية العلم دمعها
عليك ويبكي بائس وفقير
وشعب ضعيف الركن زال نصيره
وما كل يوم للضعيف نصير
ويندب فلاحون أنت منارهم
Page inconnue