ولا إثم فيه، بل صاحبه إذا اجتهد فله أجر عَلَى اجتهاده، وخطؤه موضوع عنه، ومع هذا فلم يمنع ذلك من علم أمر الرسول الَّذِي خالفه هذا: أن يبين للأمة أن هذا مخالف لأمر الرسول، نصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين.
وهب أن هذا المخالف عظيم له قدر وجلالة، وهو محبوب للمؤمنين؛ إلا أن حق الرسول مقدم عَلَى حقه، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
فالواجب عَلَى كل من بلغه أمر الرسول وعرفه أن بيينه للأمة وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة، فإن أمر الرسول ﷺ أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم، قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ.
ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العُلَمَاء عَلَى كل من خالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد، لا بغضًا له؛ بل هو محبوب عندهم، معظم في نفوسهم؛ لكن رسول الله ﷺ أَحَبّ إليهم، وأمره فوق أمر كل مخلوق. فَإِذَا تعارض أمر الرسول ﷺ وأمر غيره فأمر الرسول ﷺ أولى أن يقدم ويتبع، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره لأنّ كان مغفورًا له؛ بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول ﷺ بخلافه؛ بل يرضى بمخالفة أمره ومتابعة أمر رسول الله ﷺ إذا ظهر أمره بخلافه. كما أوصى الشافعي -إذا صح الحديث في خلاف قوله- أن يتبع الحديث ويترك قوله.
وكان يقول: ما ناظرت أحدًا فأحببت أن يخطئ، وما ناظرت أحدًا فباليت أظهرَ الحقُّ عَلَى لسانه أو عَلَى لساني.
لأنّ تناظرهم كان لظهور أمر الله ورسوله، لا لظهور نفوسهم ولا الانتصار لها. وكذلك المشايخ والعارفون كانوا يوصون بقبول الحق من كل من قال الحق صغيرًا أو كبيرًا، وينقادون لقوله.
قيل لحاتم الأصم: أنت رجل أعجمي لا تفصح، وما ناظرت أحدًا إلا قطعته، فبأي شيء تغلب خصمك؟ قال: بثلاث: أفرح إذا أصاب خصمي،
1 / 245