وكان يقف بالمواسم عَلَى القبائل فيقول لهم قبيلة قبيلة: "يَا بَنِي فُلَانٍ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ، يأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا" ولا يقبلون منه، وأبو لهب خلفه يقول: لا تطيعوه. وكان ﷺ ينادي: "مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ " (١) فلا يجيبه أحدٌ حتى بعث الله له الأنصارَ من المدينة فبايعوه.
هذا، وهو صابر عَلَى الدعوة إِلَى الله ﷿ عَلَى هذا الوجه راضٍ بما يحصل له فيها من الأذى، منشرح الصدر بذلك، غير متضجرٍ منه ولا جزع. كان إذا اشتكى أحدٌ من أصحابه شيئًا يقول: "إني عبد الله وأنه لن يضيعني" (٢).
صرت لهم عبدًا وما ... للعبد أن (يعترضا) (٣)
من لمريض لا يرى ... إلا الطبيب المُمْرضا؟
وفي "الصحيح" (٤) عن عائشة قالت: قلت، يا رسول الله، هل من يوم كان أشد من يوم أحد؟ فَقَالَ: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ (٥) فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ لَكَ مَلَكَ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكَ الجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنَِي إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ وَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ
_________
(١) أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند (٣/ ٤٩٢).
ووقع في مطبوع "مسند أحمد": "أن هذا الحديث من رواية أحمد، والصواب أنه من زيادات ابنه عبد الله. وانظر "المسند الجامع" (٥/ ٤١٧).
(٢) هناك بياض قدر كلمة.
(٣) في "الأصل": يتعرض وبعدها بياض قدر كلمة.
(٤) البخاري (٣٢٣١)، ومسلم (١٧٩٥).
(٥) قرن الثعالب: هو ميقات أهل نجد تلقاء مكة. "معجم البلدان" (٤/ ٣٧٧).
1 / 236