| أورد عليك الوارد ليتسلمك من يد الأغيار ، وليحرر من رق الآثار أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهودك ، الأنوار مطايا القلوب والأسرار . النور جند القلب كما أن الظلمة جند النفس فإذا أراد الله أن ينصر عبده أمده بجنود الأنوار وقطع عنه مدد الظلم والأغيار ، النور له الكشف ، والبصيرة لها الحكم ، والقلب له الاقبال والأدبار لا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك وافرح بها لأنها برزت من الله إليك ، فل بفضل وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون قطع السائرين له والواصلين إليه عن رؤية أعمالهم وشهود أحوالهم ، أما السائرون فلأنهم لم يتحققوا الصدق مع الله فيها وأما الواصلون فلأنه غيبهم بشهوده عنها ، ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع ما قادرك شيء مثل الوهم ، أنت حر مما أنت عنه آيس ، وعبد لما أنت له طامع من لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان ، من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ومن شكرها فقد قيدها بعقالها ، خف من وجود إحسانه إليك ودوام إساءتك معه أن يكون ذلك استدراجا لك سنستدرجهم من حيث لا يعملون من جهل المريد أن يسيء الأدب فتؤخر العقوبة عنه فيقول لو كان هذا سوء أدب لقطع الإمداد وأوجب الإبعاد ، فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ولو لم يكن إلا منع المزيد ، وقد يقام مقام العبد وهو لا يدري ولو لم يكن إلا أن يخليك وما تريد ، إذا رأيت عبدا أقامه الله تعالى بوجود الأوراد وأدامه عليها مع طول الإمداد ، فلا تستحقرن ما منحه مولاه لأنك لم تر عليه سما العارفين ولا بهجة المحبين ، فلولا وارد ما كان ورد ، قوم أقامهم الحق لخدمته وقوم اختصهم بمحبته كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان ما سئل ومعبرا عن كل ما شهد وذاكرا كل ما علم ؛ فاستدل بذلك على وجود جهله ؛ إنما جعل الدار الآخرة محلا لجزاء عباده المؤمنين لأن هذه الدار لا تسع ما يريد أن يعطيهم ؛ لأنه أجل أقدارهم عن أن يجازيهم في دار لا بقاء لها من وجد ثمرة عمله عاجلا فهو دليل على وجود القبول آجلا ؛ إذا أردت أن تعرف قدرك عنده فانظر فيما ذا يقيمك ؛ متى رزقك الطاعة والغنى به عنها ؛ فاعلم أنه قد أسبغ عليك نعمة ظاهرة وباطنة ، خير ما تطلب منه ما هو طالبه منك ، الحزن على فقدان الطاعة مع عدم النهوض إليها من علامات الاغترار ؛ ما العارف من إذا أشار وجد الحق أقرب إليه من إشارته بل العارف من لا إشارة له لفنائه في وجود وانطوائه في شهود ، الرجاء ما قارنه عمل ؛ وإلا فهو أمنية ، مطلب العارفين من الله تعالى الصدق في العبودية ، والقيام بحقوق الربوبية ، بسطك كي لا يبقيك مع القبض ، وقبضك كي لا يتركك مع البسط ، وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيء دونه ، العارفون إذا بسطوا أخوف منهم إذا قبضوا ؛ ولا يقف على حدود الأدب في البسط إلا قليل ، البسط تأخذ منها حظها بوجود الفرح ، والقبض لاحظ للنفس فيه ، ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك ، متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء ، الأكوان ظاهرة غرة وباطنها عبرة ؛ فالنفس تنظر إلى ظاهر غرتها ، والقلب ينظر إلى باطن عبرتها ؛ أن أردت أن يكون لك عز لا يفنى فلا تستعزن بعز يفنى الطي الحقيقي أن تطوى مسافة الدنيا عنك حتى ترى الآخرة أقرب إليك منك ، العطاء من الخلق حرمان ، والمنع من الله إحسان ؛ جل ربنا أن يعامله العبد نقدا فيجازيه بسيئة ، كفى من جزائه إياك على الطاعة أن رضيك لها أهلا ، كفى العاملين جزاء ما هو فاتحه على قلوبهم في طاعته ؛ وما هو مورده عليهم من وجود مؤانسته ، من عبد لشيء يرجوه منه أو ليدفع بطاعته ورود العقوبة عنه ؛ فما قام بحق أوصافه متى أعطاك أشهدك بره ومتى منعك أشهدك قهره ، فهو في كل ذلك متعرف إليك ومقبل بوجود لطفه عليك ، إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه ، ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول
Page 284