ورحمته وإفضاله ، في ترك المعاجلة بعذابه ونقماته ، لمن أعرض عما ذكر به من آياته ، فقال سبحانه : ( لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ) (58) [الكهف : 58] ، فمن أشد إعراضا عن آياته؟! وما أوضح بها وفيها من بيناته ، ممن جهل فرض الله عليه فيها ، أو ليس هذا هو الذي لم يلتفت قط إليها؟! بلى (1) إنه لهو ذلك ، وإن لم يكن عند من لا يعقل كذلك.
وقد جهل قوم ما قلنا به في الموالاة ، وما زعمنا أنه منها من القرب والمداناة ، بالجوار والمحالة ، والخلطة والمعاملة ، وقد يقال للقوم إذا تتابعوا جميعا في مجيء ، أو قالوا كلهم قولا واحدا في شيء : إنهم جميعا لمتوالون فيه ، وفي المجيء إلى البلد : إنهم لمتوالون عليه. وإذا جاءوا متتابعين ، قيل : جاءوا متوالين ، وكذلك يقال للقوم إذا دخلوا أرضا ، وكان بعضهم مجاورا فيها بعضا ، إنهم بالجوار لمتوالون فيها ، كما يقال : إذا ساروا إلى الأرض إنهم لمتوالون إليها. وكما يقال للمتاصفين : إنهم أصفياء المودة والصفاء ، كذلك يقال للمتوالين : أولياء في المقاربة والولاء ، وقد قال الله تبارك وتعالى في أهل الكتاب من اليهود ، إنهم أولياء لأهل الكفر والشرك والجحود.
فاسمعوا لقول الله سبحانه لرسوله في بني إسرائيل ، وما وقفه عليه من ذلك في التنزيل: ( ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون (80) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ) (81) [المائدة : 80 81] ، يقول سبحانه لو كانوا يؤمنون بالنبي الذي كان فيهم ، وبمن صار من أنبياء الله ورسله صلى الله عليهم إليهم ، لما والوا عدوا مشاقا ، ولا أدخلوا (2) عليهم إذ كانوا أعداء للرب مرفقا ، بمخالطة منهم لهم ولا معاملة ، ولا بمجاورة لأحد منهم ولا محالة ، وقد تعلمون أن من ذكره الله سبحانه في هذه الآية بالتولي للكفار من اليهود ، وإن كانوا قد نقضوا في أكثر الأمور ما بينهم وبين الله من
Page 264