كان من جهة وجود العلة وعدمها إلا أن من أجزاء العلة هو الاختيار الذي هو فعل من أفعال النفس ، فالعبد إما أن يختار الوجود بعد تمامية باقي أجزاء العلة ، فيصير الفعل واجب الوجود وضروري الوجود بالاختيار ، وإما أن يختار العدم والترك ، فيصير الفعل ممتنع الوجود بالاختيار ، والامتناع أو الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، ففي الحقيقة أمر الوجوب والامتناع يكون بيد العبد ، فمتى اختار الوجود فيوجد علته فيجب وجوده ، ومتى اختار الترك والعدم يكون ممتنع الوجود.
ثم اعلم أن المخالف في هذا المقام جميع الأشاعرة.
المقام الثاني : في رد مقالة أبي هاشم وهي أنه لو كان اختيار أمر شيء بيد العبد أولا فاختار الوجود أو العدم ، وبعد ذلك خرج عن تحت اختياره بحيث لو اختار بعد ذلك خلاف ما اختاره أولا من الوجود أو العدم ومن الفعل أو الترك ، لم يقدر على ذلك ، لا مانع من الخطاب بعد أن خرج عن تحت اختياره بالاختيار ، كما إذا قصد قتل أحد وأخرج السهم من القوس أو ألقاه من شاهق ، فإن الفاعل بعد ذلك لا يقدر على إمساك السهم أو الملقى من الشاهق فيجيبون عنها بهذه القاعدة ، وأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا لا خطابا ، إذ لا يمكن عقلا الخطاب بالحفظ والنهي عن القتل ، لأنه قبيح حينئذ ، ولكن هذا لا ينافي استحقاق العقاب على القتل ، فالامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار لكن عقابا لا خطابا. والفرق بين المقامين واضح.
ولا شبهة في أن العقلاء يرون هذا الشخص مستحقا للعقاب مع تقبيحهم الخطاب ب «لا تفعل» أو نحوه.
المقدمة الثانية : أنه قد سبق منا قريبا أن الشروط والقيود على قسمين ،
Page 38