إن هذا التشدد وتلك المطاليب تعرقل السير. فاتكلوا على الله لا على ثروة العريس ولا على مال العروس، تأملوا بالطيور كما قال المسيح : فهي لا تزرع ولا تحصد وأبوكم السماوي يقيتها.
ما رأيت في حياتي حيوانا مهما ولا رأيت بهيمة ماتت من الجوع. إن الاتكال على الثروات يهدم اللذات، والهم مرض من ليس به مرض. إن تربيتنا الناعمة لبناتنا هي سبب بقائهن في البيت. نخاف على أيديهن الرخصة أن يخشن ملمسها فلا ندعهن يعملن عملا، فيدخلن بيوت الناس وكأنهن غريبات لم يسمعن قط بشئون البيت، فلا طبخ ولا نفخ. ولا نذكر التنظيف بأيديهن لأن هذا يسقطهن من عين من يراهن يكنسن أو يغسلن أو يشطفن أو يطبخن.
قيل لي: إن أغنياء الألمان كانوا يتبادلون بناتهم ليعودوهم على العمل البيتي كله. فبنتك تخدم في بيتي، وبنتي تخدم في بيتك، ومتى أتقنت كل منهما العمل تعود إلى بيت أبيها، حتى إذا تزوجت تصلح أن تكون ربة بيت، ولا يصح فيها قول الشاعر الشعبي، عمر لزعني:
بيضه ما بتعرف تقلي
شاطره بتركيب المقلي
إن تربيتنا من هذه الناحية ناقصة، فالرجل عندنا يكون عنده دزينة بنات ويستعين بالخادمات لأن الشغل في نظرنا عيب، ولا يليق ببنات البيت الشبعان. قلما تجد في أميركا خادمات ملازمات البيوت كما هي الحالة عندنا. فالخادمة تأتيك ساعة زمان، وفي وقت معين، فكأنها أستاذ في جامعة يوزع ساعاته هنا وهناك.
حدثني صديقي الأستاذ محيي الدين النصولي أنه ضاف بروفوسورا فرآه يعاون زوجته في غسل الصحون ولا خادم عنده.
زرت يافا منذ ثلاثين سنة 1927 فدعاني تلاميذي لرؤية تل أبيب، ودخلنا أكبر مقاهيها فإذا سعر فنجان الشاي عشرة غروش فلسطينية، ولكن المقهى خال من البشر ليس فيه أحد غيرنا، فسألت لماذا؟ فأخذ بيدي تلميذي سهيل النابلسي وأراني جموعا لا تحصى قاعدين على الرمل، وبعضهم معهم كراسي، وكلهم يصنعون شايهم بأيديهم، وبناتهم ونساؤهم قائمات على خدمتهن حتى إذا انتهى التجهيز قعدوا جميعا يشربون ويأكلون.
قال سهيل: العائلة الكاملة منهم تدفع نصف قرش رسم بلدية وفي عمرهم كله ما دخلوا هذا المكان لأنه غال.
وفي سنة 1908 دعينا إلى حفلة تدشين مدرسة في وادي شحرور كان يترأسها قنصل إيطاليا في ذلك الزمان ، فرأيت الحاضرات من نسائنا يلبسن أغلى الثياب وأثمن الحلي، والأحذية اللماعة التي كعبها محط كف، بينما زوجة القنصل الآتية لزيارة رسمية في بلد غريب كانت تلبس فسطانا من الساتين وسكربينة لا كعب لها إلا قليلا، وليس في معصمها ولا أذنها شيء من الحلي.
Page inconnue