لا يزال في النفس شيء من حتى. «حتى» التي أرهقت سيبويه، ولم يجد لها موضعا نحويا محترما، ومات وفي قلبه شيء منها. حرف لعوب زلق لا يمكن الإمساك به وتصنيفه، فهو مرة للابتداء ومرة للعطف ومرة للنصب ومرة للجر، ويتنقل بين كل المواضع كوزير فاسد بكشف التنقلات الوزاري الجديد، بحكومة تعشق تدوير نفاياتها، في بلاد تجاوزها العالم، وتخطاها الزمن، فلم يبق لها إلا تاريخ غابر. تنكص إليه، وتتمسك به؛ لتبرر به حاضرها البائس.
لقد رآه بعض الشهود وهو يرمي بنفسه من على جسر المنشية في الثالثة صباحا، ما يطابق الزمن التقديري لوقت الوفاة.
ظلت تلك العبارة هي «حتى» الخاصة بي.
ربما لهذا دلالة ما؟
ما هي؟!
لمع خاطر في ذهني فجأة، فتوقفت بالسيارة إلى جانب الطريق، وبسرعة رحت أبحث عن هاتفي المحمول، ثم رحت أقلب في سجل المكالمات الواردة.
حتى وجدتها.
المكالمة الأخيرة التي وردتني من «عمار»، كان وقت المكالمة في الرابعة والنصف صباحا.
يقول الشهود إنهم رأوه يقفز في الثالثة صباحا.
تقرير الطبيب الشرعي يؤكد أقوال الشهود في أن الوفاة قد حدثت في الثالثة صباحا.
Page inconnue