برغم مرور أكثر من أسبوعين على انطلاق الانتفاضة الشبابية، لم تتوقف المظاهرات اليومية في الشوارع.
كان أعنفها على الإطلاق ما أطلق عليها اسم «جمعة الشهداء» قبل عشرة أيام تقريبا، تقاطرت فيها الجموع من شمبات، وود نوباوي، والعباسية، والفتيحاب، وجبرة، والصحافة، وأمبدة، والثورة، وبري، والكلاكلة، والديم، والشجرة، والسلمة، ومايو، وشارع الستين وامتداد ناصر شارع أوماك، والحاج يوسف، والجريف، كل مناطق الخرطوم تقريبا بأعداد وصلت للآلاف.
وبرغم أن جموع المشاركين كانت قد بدأت تخف نوعا ما في أكتوبر بعد «جمعة الحرية» قبل ثلاثة أيام، تناهت إلى مسامعنا بعض الدعوات للخروج مجددا في مسيرات حاشدة مجددا.
ما زالت الشوارع تغلي، كما هو واضح، بلا أمل في تهدئتها.
أقود سيارتي متجها إلى جامعة الخرطوم، وأحاول قدر الإمكان تفادي الشوارع التي تمتلئ بالمسيرات. وبصعوبة أتخطى الشوارع التي تمتلئ بالمتظاهرين أو الإطارات المحترقة مرات، ثم أعود أدراجي؛ لأسلك طرقا أخرى عوضا عن الطرق الرئيسية التي تسدها مدرعات مكافحة الشغب والشرطة مرات أخرى.
هكذا، وبعد كثير من الجهد والوقت - والوقود للأسف - وصلت إلى مدخل الجامعة التي بدت لي خاوية على عروشها، إلا من بعض الطلبة المتناثرين هنا وهناك خارج الحرم الجامعي فرادى وأزواجا وجماعات، يتحلقون حول «ستات الشاي».
أثار انتباهي على نحو خاص وجود عدد من مدرعات الشرطة قرب الجامعة، وتوقف بعض أفرادها في تحفز واضح.
في الداخل أستوقف أحد الطلبة، وأسأله عن طلبة «المستوى الثاني، اقتصاد»، فيشير إلى بعض القاعات في آخر الجامعة، ويقول لي: «لا أعرف منهم أحدا، لم يبدأ عامهم الدراسي الجديد بعد، والدراسة متوقفة حاليا فلا يوجد طلاب، لكن تلك قاعاتهم الدراسية، قد تجد بعضا منهم هناك.»
أعبر الممر الطويل المؤدي إلى الاتجاه الآخر من الجامعة، وجدت طالبا وطالبة يجلسان أمام إحدى القاعات في وضعية بدت لي حميمة للغاية، كانت الطالبة تضحك بصوت خافت، وبتلك الطريقة التي توحي بأنه يقص عليها شيئا «قليل أدب»، رأياني فتوقفا عن التهامس، وأطرقت الفتاة للأرض بحياء؛ مما أكد لي ما تخيلته، بينما رفع لي الشاب عينين متسائلتين منزعجتين؛ لتعكيري صفو خلوته غير الشرعية، سألته عما إذا كان يعرف المدعو «عمار سليمان» أو أحد أصدقائه، فعاد يكرر الاسم مفكرا، ثم قال: «عمار سليمان، امممم ليس الاسم غريبا، أحد الطلاب الدارفوريين، أليس كذلك؟»
لم يعجبني وصفه، وبدا لي تنميطا في غير محله، فرددت بلهجة يشوبها الانزعاج: «نعم». - «نعم أعرفه، كنت أراه أحيانا يخطب في أركان النقاش بالكلية، خطيب مفوه لو طلبت رأيي، كان يعرف دوما كيف يثير حماس الحضور بخطابه.» - «هل تعرف أين أجد أحدا من أصدقائه؟»
Page inconnue