لم أستطع مساعدة «منى»، ولم أستطع مساعدته.
وللهروب من شعوري بالتقصير تجاهه، رحت أبحث في قضيته بعد وفاته، حتى أجد ما أبرئ به نفسي أمامها.
هل كان بإمكاني تغيير أي شيء حقا؟! هل كان بوسعي تلافي أي مما حصل؟!
ثم أمسك القلم وأبدأ الكتابة. «هل كان بالإمكان تلافي بعض مما كان؟»
السؤال الذي ظل يؤرقني ويقض مضجعي.
تلك هي اللعنة التي أورثني إياها «عمار»، وظلت تطاردني منذ وفاته.
القاضي الصامت في أعماقي ينظر لي في صرامة. حان وقت المحاكمة يا عزيزي.
لكن لم يكن بإمكاني تغيير شيء، تلك أقدارك ومشيئتك، ومن أنا لأغير خطتك الأزلية؟!
لسنا سادة أنفسنا، ولا أصحاب مصائرنا. فما بين الكاف والنون كان كل شيء، وما سيكون كذلك. كل القتلة والقديسين والأنبياء والعاهرات واللصوص والملوك والفقراء بلا مأوى ولا قوت والملائكة والشياطين، من عاش ومات منهم ومن سيعيش، كل قصص الحروب، ومجازر ما قبل التاريخ وما بعده، من قتل ومن قتل، من زنى ومن عف، من صدق ومن كذب، من آمن ومن هرطق، ومن أباد البشر والشجر في دارفور، وفي التاريخ ألف دارفور. ما كل هؤلاء إلا دمى الماريونت التي تتراقص بلا هوادة على خشبة مسرحك الأزلية، ولا يسمح فيها بالارتجال عن النص المكتوب، فلا تملك الأعناق إلا الانصياع مكرهة.
فلماذا تقاضيني على ما قضيته لي رغما عني بلا حيلة مني في تغييره؟ ولماذا تؤلب علي ضميري؟ لم يكن بوسعي تغيير شيء، هل تسمعني؟
Page inconnue