يتعاون شابان مع اللحاد في إنزال الجثمان في القبر، بينما كنت أرمق «إبراهيم» خلسة من خلف نظارتي السوداء؛ إذ يقف واجما مطرقا للأرض.
كانت الخرطوم قد استعادت هدوءها، ظل اهتمام الناس منصبا على شهداء الثورة، لذلك لم تنل وفاته قدرا من الاهتمام، لقد توفي في خلفية الحدث الأهم الذي يشغل الناس فلم يعيروه انتباها.
أتحسس السوار الأبيض الذي يحيط بمعصمي كالساعة، وقد نقشت عليه كلمات باللغتين العربية والإنجليزية بخط منمق دقيق.
عندها رأيتها.
كانت تقف خارج المقبرة، تستظل من حر الشمس بأحد الأشجار، وتحمل منديلا ورقيا تدفن فيه أنفها، وهي تبكي بلا انقطاع.
على يديها نقوش طازجة لرسومات حناء مزخرفة، والقلادة والأساور الذهبية حول جيدها ويديها، مع الثوب السوداني الخفيف المميز للمتزوجات حديثا. كانت هي.
الجسد الأنثوي الصارخ النحيف نوعا، والنظارات الطبية الأنيقة، والعينان الواسعتان البريئتان اللتان تشعرانك بأنك وغد جدا، نجس جدا، منحط جدا.
عينا ملاك لو كان للملائكة عيون، تحكيان عن البراءة الخام كما خلقها الله.
نفس العينين اللتين فتنتا «عمار» من قبل.
الآن أعرف أنه يجيد الوصف حقا.
Page inconnue