كان مختلفا عنهم، نحيلا طويل القامة قليلا، له ملامح طفولية وادعة، على عكس باقي الحراس، ضخام الجثة الذين يتطاير الشر والحقد من عيونهم المحتقنة. وعلى نحو ما بدا لي أنه يتعاطف معنا.
جلس «عمار» جواري مسندا ظهره للحائط ، ومدد إحدى ساقيه أمامه بينما ثنى الأخرى تحتها، أعطيته أحد السندويتشات فهز رأسه رافضا، قلت له: «أعتقد أنه يجب علينا التعاون معهم، وإخبارهم بما يريدون معرفته، أنت لن تتحمل المزيد.»
شبح ابتسامة خافتة يرتسم على شفتيه الداميتين، ينظر للأرض في شرود بعينين متورمتين، طال الصمت حتى بدا لي أنه لم يسمعني، ثم راح يردد:
لا تصالح!
ولو منحوك الذهب.
أترى حين أفقأ عينيك، ثم أثبت جوهرتين مكانهما.
هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى.
كانت إحدى قصائد أمل دنقل التي يرددها دوما في أركان النقاش بالجامعة، أعرف أنه يحب الرجل، ويحفظ الكثير من أشعاره.
قلت له بعصبية: «ليس هذا وقت الأشعار، ولا وقت ادعاء البطولات، هل تعرف ما معنى أنهم جلبونا لأحد بيوت الأشباح؟ يعني أننا في الأغلب لن نخرج من هنا أحياء، إن لم نخبرهم بما يريدون معرفته، لا أحد يعرف أين نحن، لا أحد سيبحث عنا. هل تريد أن تتعفن في هذه المزبلة؟ ومن أجل ماذا؟ فقط أخبرهم عن المشتركين في تلك اللجان، ودعنا نخرج من هنا أحياء ما دمنا نستطيع.»
Page inconnue