نائب قائد حامية كاليه (المدينة الفرنسية التي كانت تابعة لإنجلترا)؛ إذ بهره سحر بيانه وإخلاصه الشديد، فزكاه إلى الملك هنري السابع الذي حكم إنجلترا من عام 1485م إلى 1509م، وعندما توفي نانفان عام 1507م، اتخذ الملك ذلك القسيس الشاب كاهنا خاصا له فأثار حسد الكثيرين. وحذره الملك من مكائد القصر ونصحه بمواصلة الجد والاجتهاد، ويقول بعض المعاصرين إن الملك أبعده عن القصر عمدا بتعيينه رئيسا لكاتدرائية لنكن
Lincoln
حتى يكون بمأمن من أحابيل الحساد.
كان وولزي في عنفوان شبابه حين توفي الملك هنري السابع عام 1509م، وخلفه الملك هنري الثامن الذي كان ما يزال في الثامنة عشرة، وكان طالبا مجتهدا برع في اللغات القديمة فكان يؤلف باللاتينية وهو في هذه السن المبكرة، ويعزف الموسيقى ويكتب الشعر، واستهوته رسائل وولزي المكتوبة بلاتينية سلسلة تنم عن ذكاء متوقد، كما بلغت أسماعه أنباء الإنجازات الإدارية والمالية لذلك القسيس العصامي فقرر استدعاءه واصطفاه لنفسه، وقرر تعيينه مديرا لصندوق البر والإحسان التابع للملك
royal almoner
وهو الصندوق الذي كان يعتمد على بعض موارد الأوقاف
endowments
في الإنفاق على الفقراء. ولم تمض سنوات معدودة حتى بزغ نجم وولزي في سماء القصر الملكي؛ إذ كان هنري الثامن يعمل بمشورته وينتصح بنصحه، وكان الملك آنذاك يفتقر إلى الخبرة اللازمة بشئون السياسة الدولية بل وعازفا عنها، فأول مذاق لها لديه كان زواجه ممن تكبره سنا ومن لا يحبها، لأسباب سياسية، وهي كاثرين خالة الإمبراطور شارل الإسباني، وكان دائم التطلع إلى الحب الذي قرأ عنه في أشعار اليونان والرومان، فكان يقضي سحابة يومه في الصيد والقنص والاستماع إلى القيان وتطارح الشعر في المساء، وكان اهتمامه الشديد بالرياضة البدنية والمهارة الحربية لا يترك له وقتا للنظر في أمور الدولة؛ ولذلك فقد كان يرحب بكل ما يقترحه عليه الكاهن ذو البيان الساحر، ويكاد يقتصر دوره على التوقيع والموافقة على ما يقوله الكاهن بنبرات خفيضة تمثل أقصى درجات الخضوع والخشوع وتقوى الله.
وما انقضت السنة الرابعة من حكم هنري الثامن (1513م) حتى لاحت للكاهن فرصة نادرة لتحقيق أول طموحاته في مجال السياسية، فأقنع الملك بضرورة الهجوم على فرنسا وضم أراضيها إلى إنجلترا أثناء انشغال لويس الثاني عشر بالحرب في إيطاليا. وكان الصراع قائما ومحتدما بين إسبانيا التي يحكمها الإمبراطور شارل ابن أخت الملكة (وكان اسمها جوانا)، وبين فرنسا؛ ولذلك فلو تمكن الملك من عقد حلف مع إسبانيا لتأمين حملته في فرنسا فسوف يكتب له النجاح. ورأى هنري الثامن أن النجاح العسكري سيوطد سلطانه في القارة الأوروبية (وفي إنجلترا بطبيعة الحال) وأنه سوف يساعده كذلك في تحقيق المثل الأعلى للملوك في العصور الوسطى، وهو المثل الأعلى الذي ورثه عن أسلافه واستقاه من قراءاته؛ إذ سوف يعود منتصرا بأكاليل الغار، وسوف يدخل لندن على صهوة جواده فيحييه أبناء الشعب، ويتغنى الشعراء بمدائحه وهو بعد في الرابعة والعشرين!
وأبحر الجيش الإنجليزي بقيادة الملك وكبار النبلاء والفرسان، وحقق نصرا كبيرا طارت أنباؤه بفضل رسائل وولزي وأتباعه عام 1513م، فأثلج الصدور وأحيا الأمل في نفوس الشعب بقرب استعادة أراضي فرنسا وضمها إلى إنجلترا. وبلغ من سرور الملك أن استجاب لطلب وولزي فاقترح على البابا ليو العاشر أن يعينه أسقفا للكاتدرائية التي عمل فيها نائب رئيس ذات يوم (كاتدرائية لنكن) وإن كان يريده في الحقيقة أن يظل إلى جواره.
Page inconnue