Hegel : une très courte introduction
هيجل: مقدمة قصيرة جدا
Genres
هل من الممكن أن يكون هيجل ملحدا؟ لقد رأينا أنه يضع الفلسفة في مرتبة أعلى من الدين كوسيلة لإدراك الفكرة المطلقة. ويصف الفيلسوف الإيطالي بنديتو كروتشي فلسفة هيجل بأنها «مخالفة للدين بصورة جذرية؛ لأنها لا ترضى بأن تضع ذاتها في مقابل الدين أو أن تصنفه بجانب ذاتها، بل تحول الدين إلى ذاتها وتحل محله.» كان كروتشي على حق في الإشارة إلى هذا المعنى في فلسفة هيجل؛ فرفض أن يحتل الدين مكان الصدارة هو أمر مخالف للدين بشدة. ومع ذلك، هناك الكثير من أفكار هيجل التي لا يمكن إدراكها إلا في قالب ديني. فهناك صوره وتعبيراته المجازية، مثل التي استخدمها لوصف طبيعة كتابه «علم المنطق». وهناك فلسفته التاريخية، التي تهدف لتوضيح كيفية عمل التاريخ لتحقيق غايته بتوجيه من العقل. وهناك أيضا وجهة نظره عن الواقع المطلق بوصفه يستطيع إدراك ذاته، مما يوحي بأن الواقع المطلق شخصي. فوصف هيجل بأنه ملحد سيكون معارضا لبعض أهم أفكاره الرئيسية.
شكل : جورج فيلهلم فريدريش هيجل (1770-1831).
إذن هيجل ليس مسيحيا أرثوذكسيا مؤمنا بوجود إله منفصل عن العالم، ولا هو مؤمن بوحدة الوجود، ولا هو ملحد، فماذا تبقى؟ منذ بضعة أعوام، حاول أحد الباحثين في فلسفة هيجل، يدعى روبرت فيتمور، أن يثبت أن هيجل كان مؤمنا بوحدة الموجود. والمقابل الإنجليزي لمصطلح وحدة الموجود يأتي من كلمات يونانية تعني «الكل في الإله». ويصف هذا المصطلح وجهة النظر القائلة بأن كل شيء في الكون هو جزء من الإله، لكن - وهنا يختلف عن وحدة الوجود - الإله أكبر من الكون؛ لأنه هو الكل، والكل أكبر من مجموع أجزائه. تماما مثل أن الإنسان أكبر من مجموع كل الخلايا التي تكون جسده، على الرغم من أن الإنسان ليس شيئا منفصلا عن الجسد. إذن وجهة النظر هذه تقول بأن الإله أكبر من كل أجزاء الكون، لكنه ليس منفصلا عنه. وكما أنه لا توجد خلايا منفردة ترقى لتكون إنسانا، فلا توجد أيضا أجزاء منفردة من الكون ترقى لتكون الإله.
إن تفسير ويتمور مقبول، ليس فقط لأنه يتسق مع ما يقوله هيجل عن الإله تحديدا، لكن أيضا لأنه يجعل من الفكرة الرئيسية المهيمنة في فلسفة هيجل منطقية. فإذا كان الإله هو الفكرة المطلقة، والواقع المطلق للكون، والكل بالنسبة لأجزائه، فيمكن أن نفهم السبب وراء ضرورة تجلي الفكرة المطلقة لذاتها في العالم، وتقدمها هناك نحو إدراكها لذاتها. فالإله يحتاج الكون على النحو الذي يحتاج فيه الإنسان الجسد.
إن فكرة أن الإله يفتقر إلى أي شيء مستهجنة من قبل أغلبية المؤمنين المتدينين. وكون هيجل يشير لهذه الفكرة، في نظرهم، سبب لوصف فلسفته بأنها مخالفة للدين، لكنني أعتقد أن هذا خطأ؛ فهيجل يرى الإله، ليس بوصفه خالدا وغير متغير، لكن كروح تحتاج لأن تتجلى في العالم، وما إن تتجلى، فإنها تجعل العالم كاملا كي تجعل ذاتها كاملة. إنها رؤية غريبة، لكنها رؤية قوية. إنها رؤية تضفي أهمية هائلة على ضرورة التقدم: إن حركة تقدم التاريخ هي المسار الذي يجب أن يسلكه الإله لتحقيق الكمال. وهناك قد يكمن سر التأثير الهائل لهيجل، على الرغم من كونه محافظا ظاهريا، على المفكرين الراديكاليين والثوريين.
الفصل السادس
تأثير هيجل
بعد وفاة هيجل، انقسم من كانوا يعتبرون أنفسهم أتباعه إلى معسكرين؛ اتبع الهيجليون التقليديون أو «اليمينيون» الأسلوب الذي اتبعه هيجل في سنواته الأخيرة، ووفقوا بين آرائه الدينية والمسيحية البروتستانتية، وقبلوا وجهة النظر الإيجابية عموما عن دولة بروسيا التي عبر عنها هيجل في كتابه «فلسفة الحق». لم يتمخض عن هذه المدرسة الهيجلية المحافظة أي مفكرين كبار، وبعد أن ظلت فلسفة هيجل لبضع سنوات الفلسفة شبه الرسمية في برلين، تدهورت بشدة حتى تم هجرها في ألمانيا في ستينيات القرن التاسع عشر.
أما المعسكر الآخر فكان مختلفا تماما. وكان يتكون من مجموعة من الشباب ذوي الميول الراديكالية، وكان موقفهم من هيجل مثل موقف هيجل من كانط. فكما رأى هيجل مبدأ كانط بشأن الشيء في ذاته بوصفه عجزا عن استكمال الدلالات الراديكالية لفلسفته، كذلك رأى تلاميذ هيجل هؤلاء قبول هيجل للمسيحية ودولة بروسيا والأحوال العامة لعصرهم بوصفه عجزا عن استكمال الدلالات الراديكالية لفلسفته. أصبحت هذه المجموعة معروفة باسم «الهيجليون الشباب» أو «الهيجليون اليساريون». وشكل هؤلاء مستقبل الحركة الهيجلية.
شكل : الهيجليون الشباب يتجادلون، كما رسمهم فريدريك إنجلز (1820-1895).
Page inconnue