Hegel : une très courte introduction
هيجل: مقدمة قصيرة جدا
Genres
إن الخطوة الأولى لتوضيح هذا اللغز هي أن نطرح سؤالا واقعيا: هل الدولة العقلانية على نحو مثالي، التي يصفها هيجل، هي مجرد وصف لدولة بروسيا في الوقت الذي كان يكتب فيه؟ لا ليس الأمر كذلك. هناك تشابهات قوية، لكن هناك أيضا اختلافات جوهرية. سأذكر منها أربعة اختلافات. ربما أهم اختلاف هو أن الملك الدستوري عند هيجل لديه - بصورة مثالية - القليل ليقوم به عدا التوقيع باسمه، بينما كان فريدريش فيلهلم الثالث ملك بروسيا أقرب للملك المطلق المستبد. الاختلاف الثاني هو عدم وجود برلمان عامل نهائيا في بروسيا، بينما السلطة التشريعية عند هيجل - على الرغم من كونها عديمة السلطة نسبيا - تقدم متنفسا للتعبير عن الرأي العام. الاختلاف الثالث يكمن في أن هيجل كان - ولو في حدود محدودة للغاية - مؤيدا لحرية الرأي. بمعايير اليوم بالطبع يبدو ضيق الأفق جدا فيما يتعلق بهذه القضية؛ لأنه استثنى من هذه الحرية أي شيء من شأنه تشويه سمعة الحكومة ووزرائها، أو الإساءة إليهم، أو عمل «رسوم ساخرة مقززة» ضدهم. نحن لا نسعى الآن إلى الحكم عليه وفقا لمعايير اليوم، ولكن لمقارنة أفكاره بالوضع القائم في بروسيا في وقت كتابته. ونظرا لأن كتاب «فلسفة الحق» ظهر بعد ثمانية عشر شهرا فقط من فرض الرقابة الصارمة بموجب مراسيم كارلزباد لعام 1819، كان هيجل بلا شك يدافع عن مساحة من حرية التعبير أكبر مما كان مسموحا بها في عصره. الاختلاف الرابع يتمثل في أن هيجل كان يؤيد المحاكمة بواسطة هيئة المحلفين باعتبارها طريقة لإشراك المواطنين في العملية القانونية، ومع ذلك لم يكن هناك حق للمحاكمة بواسطة هيئة محلفين في بروسيا في ذلك الوقت.
هذه الاختلافات كافية لتبرئة هيجل من تهمة أنه قد وضع فلسفته بالكامل بهدف إرضاء حكام بروسيا. ومع ذلك، لا تجعل هذه الاختلافات من هيجل ليبراليا بالمعنى الحديث. ويكفي لإظهار ذلك رفضه لحق الاقتراع والقيود التي فرضها على حرية التعبير. لقد تمادى في كرهه لأي شيء يتعلق بالتمثيل الشعبي، لدرجة أنه كتب مقالا يعارض فيه قانون إصلاح النظام الانتخابي الإنجليزي، الذي عند إقراره أخيرا في عام 1832 أنهى تحيزات ومساوئ في عملية انتخاب أعضاء مجلس العموم البريطاني (على الرغم من أنه كان لا يزال يستبعد غالبية الذكور البالغين - فضلا عن الإناث - من لائحة الناخبين).
وعلى الرغم من ذلك، ينبغي ألا يفاجئنا هذا بعد ما رأيناه من أفكار هيجل عن الحرية؛ فقد كان هيجل يعتقد أن الانتخاب العام سينتهي إلى إدلاء الناس بأصواتهم وفقا لمصالحهم المادية، أو وفقا لتفضيلات يهيمن عليها التقلب، بل وحتى الهوى، قد تتكون لديهم بشأن أحد المرشحين دون آخر. ولو أنه أتيحت له مشاهدة عملية انتخابية في دولة ديمقراطية حديثة، لما كان سيغير رأيه بهذا الشأن. إن أولئك الذين يدافعون عن الديمقراطية اليوم لن يختلفوا كثيرا مع هيجل حول الطريقة التي يقرر بها معظم الناخبين تأييد المرشحين، لكنهم سيختلفون معه تماما في كون الانتخابات عاملا أساسيا في المجتمع الحر، بصرف النظر عما يمكن أن يكون عليه معظم الناخبين من اندفاع أو عدم عقلانية. كان هيجل يرفض هذا بالتأكيد بحجة أن الاختيار المندفع أو غير العقلاني ليس تصرفا حرا. فنحن أحرار فقط عندما يستند اختيارنا إلى العقل. إن جعل اتجاه الدولة بالكامل يستند إلى مثل هذه الاختيارات غير العقلانية - في رأيه - يساوي ترك مصير المجتمع للمصادفة.
هل يعني هذا أن هيجل بالفعل مدافع عن الدولة الشمولية؟ هذا هو رأي كارل بوبر في كتابه الشهير «المجتمع المنفتح وأعداؤه»، ويدعم رأيه باقتباسات لهيجل تثير سخط أي قارئ ليبرالي حديث. وفيما يلي بعض الأمثلة:
الدولة هي الفكرة الإلهية كما توجد على الأرض ... علينا إذن أن نعبد الدولة كتجل للرب على الأرض ... إن الدولة هي مسيرة الإله في العالم ... إن الدولة ... قائمة لذاتها.
يرى كارل بوبر أن هذه الاقتباسات كافية لإظهار إصرار هيجل على «السلطة الأخلاقية المطلقة للدولة التي تهيمن على كل الأخلاق الشخصية وكل الضمائر»، ولتوضيح دور هيجل المهم في تطور الشمولية الحديثة.
إن تأكيد هيجل على العقلانية باعتبارها عاملا أساسيا في الحرية يعطي هذا التفسير المزيد من المصداقية. فمن الذي سيحدد ما هو عقلاني؟ فأي حاكم مدعوم بالاعتقاد بأن الاختيارات العقلانية فقط هي الاختيارات الحرة يمكنه تبرير قمع كل من يعارض خططه العقلانية الخاصة بمستقبل الدولة. فإذا كانت خططه عقلانية، فدافع من يعارضوه ليس العقل، وإنما رغباتهم الأنانية أو أهواؤهم غير العقلانية. ونظرا لأن اختياراتهم لا تستند إلى العقل، فلا يمكن أن تكون حرة؛ وعليه فإن حجب صحفهم ومنشوراتهم ليس قمعا لحرية الرأي، واعتقال قادتهم ليس اعتداء على حريتهم في التصرف، وغلق كنائسهم وتأسيس أشكال جديدة وأكثر عقلانية من العبادة ليس اعتداء على حريتهم الدينية . ولن يصبح هؤلاء الأشخاص المضللون المثيرون للشفقة أحرارا حقا حتى يقدروا - نتيجة لهذه الأساليب - عقلانية خطط قائدهم! فإذا كان هذا هو مفهوم هيجل عن الحرية، فهل قام فيلسوف مطلقا بإعطاء مثال أفضل لازدواجية الخطاب الأورويلي - نسبة لإحدى روايات جورج أورويل - التي استخدمها هتلر وستالين بفاعلية كبيرة لتطبيق مخططاتهما الشمولية؟
إن حجة كارل بوبر ليست بالقوة التي تبدو عليها. أولا: تقريبا جميع الاقتباسات التي استشهد بها ليست من كتابات هيجل نفسه، لكن من الملاحظات التي كتبها طلابه على محاضراته ونشرها بعد مماته محرر ذكر في مقدمته أنه قام بقدر ما من إعادة الصياغة. ثانيا: واحدة على الأقل من هذه الاقتباسات الرنانة ترجمت خطأ؛ فالعبارة التي اقتبسها كارل بوبر «إن الدولة هي مسيرة الإله في العالم»، قد تكون الترجمة الأكثر دقة لها هي: «إن نهج الإله في العالم، أن توجد الدولة.» وهذا لا يعني أكثر من رأيه القائل بأن وجود الدول هو جزء من الخطة الإلهية على نحو ما. ثالثا: من وجهة نظر هيجل، «الدولة» لا تعني ببساطة «الحكومة»، بل تشير إلى الحياة الاجتماعية بأكملها. وهكذا لا يمجد هيجل الحكومة ضد الشعب، لكنه يشير إلى المجتمع ككل. رابعا: تحتاج هذه الاقتباسات إلى موازنتها باقتباسات أخرى؛ فكثيرا ما يقدم هيجل جانبا من موضوع في شكل متطرف قبل أن يوازنه مقابل جانب آخر؛ لذا تأتي تعليقات هيجل على الدولة في أثر فقرات سابقة يقول فيها: «إن الحق في الحرية الذاتية هو محور ومركز الاختلاف بين العصور القديمة والعصور الحديثة.» ويواصل كلامه قائلا إن هذا الحق «في عدم محدوديته» قد أصبح «المبدأ الفعال الكوني» لشكل الحضارة الجديد. وفيما بعد، نجده يقول: «أهم شيء أن قانون العقل ينبغي أن يكون ممزوجا بقانون الحرية الخاصة ...» بالإضافة إلى ذلك، يصر هيجل على أنه «نتيجة لحق الوعي الذاتي»، لا يمكن للقوانين أن تتمتع بقوة ملزمة إلا إذا كانت معروفة للناس. فليس من العدل أن تعلق القوانين عاليا حتى لا يستطيع أي مواطن قراءتها - بالطريقة التي يقال إن ديونيسيس الطاغية قد قام بها - أو أن تدفنها في مجلدات لغتها صعبة لا يمكن لمواطن عادي قراءتها. وعلى نحو مماثل، جاء هجوم هيجل اللاذع على الكاتب الرجعي فون هالر، الذي دافع عن مبدأ: «القوة تصنع الحق» الذي كان يناسب هتلر تماما، ويقول هيجل عن هذا الكاتب: «إن كراهية القانون وأن يصبح الحق مقررا في القانون، هما الأساس الذي يظهر من خلاله بكل وضوح التعصب والحماقة ونفاق النوايا الحسنة، بغض النظر عن الصور التي قد تظهر بها.» إن مثل هذا الدفاع الشديد القوة عن سيادة القانون هو أساس غير ملائم لبناء دولة شمولية بما تتضمنه من شرطة سرية وسلطة استبدادية.
لا شك في أن كلا من اللغة المفرطة التي استخدمها هيجل لوصف الدولة وفكرته أن الحرية الحقيقية تكمن في الاختيارات العقلانية، يمكن إساءة استخدامه وتحريفه تماما لخدمة الدولة الشمولية؛ لكن لا شك أيضا في كونها مجرد إساءة استخدام وتحريف. لقد رأينا ما يكفي من آراء هيجل بشأن الملكية الدستورية وحرية التعبير وسيادة القانون والمحاكمة بواسطة هيئة محلفين لتوضيح هذا. المشكلة هي أن هيجل كان جادا فيما يتعلق بالعقل لدرجة قليل منا قد يصل إليها الآن. فعندما يخبرنا شخص ما بكيفية إدارة شئون الدولة بأكثر الطرق عقلانية، ننظر إليه على أنه يعبر عن تفضيلاته الشخصية، ونفترض أن آخرين سيكون لديهم تفضيلات أخرى؛ وفيما يتعلق بأكثر الطرق «عقلانية»، حسنا، نظرا لأنه لا يوجد منا من يستطيع أن يجزم بهذا الشأن، فيمكننا أيضا أن نتغاضى عن هذا ونقبل بما نفضله أكثر. لذلك عندما يكتب هيجل عن «عبادة» الدولة أو عن تحقيق الحرية في دولة عقلانية، نميل إلى تطبيق هذه التعليقات على أي نوع من أنواع الدول التي تخطر ببالنا؛ وهو تفسير مخالف تماما لما قصده هيجل. إن هيجل قصد بمصطلح «الدولة العقلانية» شيئا موضوعيا ومحددا تماما؛ فيجب أن تكون دولة يختار فيها الأفراد حقا الامتثال لها وتأييدها؛ لأنهم توافقوا بصدق مع مبادئها، ووجدوا بالفعل إشباعهم الفردي في كونهم جزءا منها. يرى هيجل أنه لا يمكن أبدا لأي دولة عقلانية أن تتعامل مع مواطنيها بالطريقة التي تعاملت بها كل من الدولة النازية ودولة ستالين مع مواطنيها. فالفكرة ذاتها تبدو متناقضة. وبالمثل، يزول خطر حدوث صراع بين مصالح الدولة وحقوق الفرد وسحقها لها بقسوة، عندما ندرك أنه في دولة هيجل العقلانية تتناغم مصالح الفرد والمجتمع.
على الأرجح سيكون رد فعل القارئ المعاصر على كل هذا هو «نعم، ولكن ...» «نعم» للإشارة إلى أن هيجل نفسه لم يكن مؤيدا للشمولية، و«لكن» لإظهار أنه في هذا التفسير كان هيجل متفائلا على نحو مفرط بشأن إمكانية حدوث تناغم بين البشر، وكان على خلاف مع الواقع على نحو غريب إذا ما آمن أن التناغم يمكن أن يتحقق في نوع الدولة التي وصفها.
Page inconnue