Hegel : une très courte introduction
هيجل: مقدمة قصيرة جدا
Genres
إذا كان هذا هو أساس اعتبار هذا الاستنتاج - أن الحرية تكمن في القيام بواجبنا - متناقضا، فإذن ينبغي أن ننحيه جانبا. فاستنتاج كانط كان أن الحرية تكمن في القيام بما نراه واجبنا حقا بالمعنى الأوسع للمصطلح. ولصياغة وجهة نظره بطريقة قد يكون القارئ المعاصر أكثر استعدادا لقبولها نقول: الحرية تكمن في اتباع الضمير الشخصي. هذا يعبر بدقة عما قصده كانط، ما دمنا نتذكر أن «الضمير» هنا لا يعني «الصوت الداخلي» المشروط بظروف اجتماعية الذي قد أسمعه، بل يعني الضمير الذي يستند إلى قبول عقلاني للأمر المطلق بوصفه القانون الأخلاقي الأعلى. وبهذه الصياغة، قد لا يزال الاستنتاج الذي توصلنا له حتى الآن صعب التصديق، لكن ينبغي ألا يبدو متناقضا بعد الآن. فحرية الضمير، على أي حال، معروفة على نطاق واسع بأنها جزء محوري مما نؤمن بأنه الحرية، حتى وإن لم تكن الحرية بأكملها.
حان وقت العودة إلى هيجل. الكثير مما كنت أصفه على أنه رأي كانط، هو أيضا رأي هيجل. فنحن لسنا أحرارا عندما نتصرف انطلاقا من رغبات فطرية أو اجتماعية معينة، والعقل كوني بصورة أساسية، كما أن الحرية يمكن العثور عليها في ما هو كوني؛ كل هذه الآراء يستقيها هيجل من كانط ويتبناها. علاوة على ذلك، في كتاب «فلسفة التاريخ» - كما رأينا - يعتبر هيجل حركة الإصلاح الديني فجر العصر الجديد للحرية؛ لأنها تنادي بحقوق الضمير الفردي. وهكذا يرى هيجل - مثله مثل كانط - علاقة بين الحرية وتطور الضمير الفردي. كما لا يعارض هيجل فكرة أن الحرية تكمن في القيام بواجبنا. الواجب - يقول هيجل - يظهر كقيد على رغباتنا الطبيعية أو القسرية، لكن الحقيقة هي أن «في الواجب، يجد الفرد تحرره ... من دافع طبيعي خالص ... في الواجب يكتسب الفرد حريته الحقيقية.» قال هيجل معلقا بشكل مباشر على ما قاله كانط: «عند القيام بواجبي، أنا مستقل وحر. إن التأكيد على هذا المعنى للواجب يشكل أهم ما يميز فلسفة كانط وشموخ رؤيتها.»
إذن يرى هيجل أن القيام بواجبنا لذاته هو تقدم بارز عن الفكرة السلبية للحرية بوصفها فعل ما يحلو لنا. ومع ذلك، نجد أن هيجل غير راض عن رؤية كانط. نعم هو يرى العوامل الإيجابية فيه، لكنه في الوقت ذاته من أشد النقاد اللاذعين له. فالجزء الثاني من كتاب «فلسفة الحق»، الذي يحمل عنوان «الأخلاق»، هو في معظمه هجوم على نظرية كانط الأخلاقية.
لهيجل وجها اعتراض؛ يتمثل أولهما في أن نظرية كانط لا تتعمق مطلقا إلى تفاصيل ما يجب أن نفعله. وذلك ليس نتيجة لعدم اهتمام كانط نفسه بمثل هذه المسائل العملية، لكن نتيجة لأن نظريته بالكامل تؤكد بشدة أن الأخلاق يجب أن تستند إلى التفكير العقلي العملي المحض، مجردة من أي دوافع خاصة. ونتيجة لذلك، لا يمكن أن تقدم النظرية سوى الشكل المجرد والكوني للقانون الأخلاقي؛ فهي لا تستطيع أن تخبرنا بماهية واجباتنا المحددة. يقول هيجل إن هذا الشكل الكوني هو ببساطة مبدأ الاتساق أو عدم التناقض. فإن لم تكن لدينا نقطة لننطلق منها، فلن نصل إلى أي مكان. على سبيل المثال، إن قبلنا بصحة التملك، تكون السرقة غير متسقة؛ لكن يمكننا إنكار أن التملك يولد أي حقوق، ونكون لصوصا متسقين تماما. فإذا كان التوجيه «تصرف بما لا يناقض ذاتك !» هو المحرك الوحيد لتصرفاتنا ، فقد نجد أنفسنا لا نفعل شيئا على الإطلاق.
شكل : هيجل أثناء إلقاء محاضرة.
سيكون هذا الاعتراض على مبدأ الأمر المطلق الخاص بكانط مألوفا ليس فقط لتلاميذ كانط، بل أيضا للمهتمين بالفلسفة الأخلاقية المعاصرة. لا يزال هناك إصرار واسع النطاق على أهمية مطلب كون المبادئ الأخلاقية كونية في شكلها - على سبيل المثال، من قبل آر إم هير، مؤلف كتابي «الحرية والعقل» و«التفكير الأخلاقي» - كما أن الاعتراض على أن هذا المطلب هو نوع من الشكليات الفارغة التي لا تخبرنا بشيء لا يزال يطرح على نحو متكرر. ودفاعا عن كانط، قد تم اقتراح تفسير نظريته بوصفها تسمح لنا بالانطلاق من رغباتنا، لكنها تتطلب منا التصرف حيالها فقط في حال قدرتنا على وضعها في شكل كوني؛ أي أن نقبلها كأساس ملائم للتصرف لأي شخص في موقف مماثل. يستبق هيجل هذا التفسير زاعما أن أي رغبة يمكن أن توضع في شكل كوني؛ ولذا ما إن يسمح بأن نتخذ رغبات خاصة كنقطة انطلاق لتصرفاتنا، فلا يمكن لمطلب الشكل الكوني منعنا من تبرير أي تصرف غير أخلاقي يخطر ببالنا.
أما اعتراض هيجل الثاني على كانط، فهو أن رؤية كانط تجعل الإنسان منقسما على نفسه، وتضع العقل في صراع أبدي مع الرغبة، وتحرم الجانب الطبيعي للإنسان من أي حق للإشباع. فرغباتنا الطبيعية هي شيء يجب كبته، ويكلف كانط العقل بمهمة كبتها الشاقة، إن لم تكن المستحيلة. في هذا الاعتراض - كما رأينا - كان هيجل يتفق مع طرح شيلر في كتابه «محاضرات في التربية الجمالية للإنسان»، إلا أن هيجل استغل نقد شيلر بطريقته الخاصة.
يمكننا وضع هذه النقطة في سياق مشكلة أخرى مألوفة متعلقة بالأخلاق الحديثة. إن اعتراض هيجل الرئيسي الثاني على نظرية كانط الأخلاقية هو أنها لا تقدم حلا للتعارض بين الأخلاق والمصلحة الشخصية؛ فكانط ترك السؤال التالي دون إجابة ودون إمكانية الإجابة عنه أبدا: «لماذا ينبغي أن نكون على خلق؟» لقد أخبرنا أنه ينبغي علينا القيام بواجبنا لذاته، وأن البحث عن أي سبب آخر هو بعد عن الدافع الحر والخالص الذي تتطلبه الأخلاق؛ لكن هذه ليست إجابة بأي حال من الأحوال، بل مجرد رفض للسماح للسؤال بأن يطرح.
في كتابه «محاضرات في التربية الجمالية للإنسان»، أشار شيلر إلى وقت مضى لم يكن فيه هذا السؤال ببساطة قد طرح، ولم تكن فيه الأخلاق قد انفصلت عن المثل العرفية للحياة الجيدة، ولم يكن فيه هناك مفهوم كانط عن الواجب. رأى هيجل أنه بمجرد أن طرح السؤال، أصبح من المستحيل عودة الأخلاق العرفية. على أي حال، اعتبر هيجل مفهوم كانط عن الواجب تقدما يجب عدم الندم عليه؛ لأنه يساعد الإنسان الحديث في أن يصبح حرا بطريقة لم يتمكن اليونانيون - وهم مكبلون في آفاقهم العرفية الضيقة - مطلقا من تحقيقها. إن ما سعى هيجل لفعله هو أن يجيب عن السؤال على نحو يجمع بين الإشباع الطبيعي لأسلوب حياة اليونانيين والضمير الحر لفكرة كانط عن الأخلاق. وكانت إجابته في الوقت ذاته تقدم علاجا للخلل الرئيسي الآخر في نظرية كانط؛ ألا وهو الافتقار التام للمضمون.
المجتمع العضوي
Page inconnue