Hegel : une très courte introduction
هيجل: مقدمة قصيرة جدا
Genres
كان هيجل على دراية بهذا المفهوم للحرية، لكنه، على عكس برلين وكثير غيره من الليبراليين والمؤمنين بحرية الإرادة المعاصرين الذين يرون أن هذا هو أفضل شكل للحرية، يشير إليه بالحرية الشكلية أو المجردة ؛ أي إنه يتسم بمظهر الحرية لكن دون جوهرها. يقول هيجل: «إذا سمعنا من يقول إن تعريف الحرية هو القدرة على فعل ما يحلو لنا، فإن هذه الفكرة لا تعكس سوى عدم نضوج فكري تام؛ لأنها لا تتضمن حتى تلميحا إلى الإرادة الحرة كليا والحق والحياة الأخلاقية وغيرها.» إن اعتراض هيجل على هذا المفهوم للحرية يرجع إلى أنه يجعل اختيارات الفرد الأساس الذي يجب أن تبدأ منه الحرية؛ أما كيف ولماذا يتم اتخاذ هذه الاختيارات، فهو السؤال الذي لا يطرحه أصحاب هذا المفهوم بشأن الحرية. لكن هيجل يطرح هذا السؤال، وإجابته هي أن اختيار الفرد، بمعزل عن أي شيء آخر، هو نتاج ظروف قسرية؛ لذا فهو اختيار غير حر حقا.
يبدو هذا غطرسة؛ فكيف يجرؤ هيجل على إخبارنا بأن اختياراتنا قسرية، بينما اختياراته - كما هو مفترض - حرة بحق؟ أليست هذه محاولة سافرة لفرض قيمه علينا؟
ربما، لكن قد نصبح أكثر تعاطفا مع ما يحاول هيجل قوله إذا ما تأملنا جدالا معاصرا مشابها. يعتقد بعض علماء الاقتصاد أن الاختبار الحقيقي لقياس سلامة أي نظام اقتصادي هو مدى تمكينه للناس من تلبية تفضيلاتهم. يتخذ علماء الاقتصاد هؤلاء من التفضيلات الفردية أساسا يجب أن تبدأ منه عملية التقييم. هم لا يسألون عن كيفية تشكل هذه التفضيلات. يقول علماء الاقتصاد هؤلاء إن الاختيار من بين التفضيلات، وإعطاء بعض التفضيلات أهمية أكثر من الأخرى - دون النظر إلى مستويات الأهمية المختلفة التي وضعها الأفراد أنفسهم لتفضيلاتهم - قد تكون محاولة سافرة لفرض قيمنا الشخصية على الآخرين عبر إنكار قدرتهم على تحديد ما يرغبون فيه حقا من حياتهم.
شكل : أشعيا برلين (1909-1997).
سأطلق على علماء الاقتصاد هؤلاء «الاقتصاديين الليبراليين»، وهناك أيضا نقاد لهؤلاء الاقتصاديين، سأطلق عليهم «الاقتصاديين الراديكاليين». يطرح الاقتصاديون الراديكاليون بعض الأسئلة حول كيفية تشكل التفضيلات الفردية قبل أن يوافقوا على اعتبار هذه التفضيلات الأساس الأوحد لحكمهم على سلامة أي نظام اقتصادي. ويضربون أمثلة مشابهة لما يلي: افترض أن في وقت ما تقبل الناس في مجتمعنا رائحة الجسد البشري الطبيعية كأمر مسلم به، وأن عرق الإنسان وإمكانية أن تفوح رائحة منه هما من الأشياء التي لا يلاحظونها إلا بالكاد؛ وبقدر عدم ملاحظتهم لها، هم لا يعتبرون تلك الرائحة كريهة. ثم يكتشف شخص ما منتجا يمنع العرق والرائحة التي تنتج عنه. هذا اكتشاف رائع، لكن في المجتمع الذي وصفناه، سيكون الاهتمام بهذا المنتج محدودا للغاية. ومع ذلك، لا يستسلم صاحب المنتج بسهولة، ويطرح حملة دعائية ذكية تم تصميمها لتثير قلق الناس بشأن ما إذا كانوا يتصببون عرقا أكثر من الآخرين، وما إذا كان أصدقاؤهم قد يجدون رائحة جسدهم كريهة. تنجح حملته الدعائية، ويتشكل لدى الناس تفضيل لاستخدام المنتج الجديد. ونظرا لتوافر المنتج على نطاق واسع وبسعر في متناولهم، يمكنهم تلبية هذا التفضيل. من وجهة نظر الاقتصاديين الليبراليين، كل هذا رائع؛ فعمل الاقتصاد بهذه الطريقة لا يعطيهم أي سبب لمنحه تصنيفا أقل إيجابية مما كان من الممكن أن يمنحوه إياه بخلاف ذلك. أما الاقتصاديون الراديكاليون، فيرون أن هذا عبث واضح. ولتجنب مثل هذا العبث - في رأيهم - يجب على الاقتصاديين التصدي للمهمة الصعبة المتمثلة في التدقيق في أساس تكوين هذه التفضيلات والحكم على الأنظمة الاقتصادية وفقا لقدرتها على تلبية - ليس فقط أي تفضيلات، ولكن - التفضيلات القائمة على احتياجات إنسانية حقيقية أو التي تسهم في تحقيق منفعة إنسانية فعلية. يقول الاقتصاديون الراديكاليون بأننا إذا اتبعنا طريقتهم، فلا يمكننا الزعم بأن تقييمنا سيكون متجردا من القيمة، لكنهم يضيفون أنه لا توجد أي طريقة لتقييم أي نظام اقتصادي يمكن أن تكون متجردة من القيمة. فطريقة التقييم التي يستخدمها الاقتصاديون الليبراليون اعتمدت ببساطة على قيمة تلبية التفضيلات الحالية فقط. وهكذا يكون الحكم القيمي مضمنا في استخدام هذه الطريقة، على الرغم من كونه متخفيا تحت عباءة الموضوعية. فالاقتصاديون الليبراليون يباركون في الواقع أي ظروف تصادف تأثيرها على تفضيلات الناس.
هناك تشابه واضح بين هذا الجدال وجدال هيجل مع من يعرفون الحرية بأنها القدرة على فعل ما يحلو لنا. فهذا المفهوم السلبي للحرية يشبه مفهوم الاقتصاديين الليبراليين عن النظام الاقتصادي الجيد؛ فهو يرفض طرح أسئلة حول المؤثرات التي تشكل «المتع» التي نستمتع بها عندما نكون أحرارا في فعل ما يحلو لنا. يؤكد أصحاب هذا المفهوم عن الحرية أن طرح مثل هذا السؤال واستخدام الإجابات عنه كأساس لفرز الاختيارات الحرة الحقيقية عن الاختيارات الحرة في ظاهرها فقط وليس في جوهرها، سيكون كمن يسجل قيمه الشخصية في مفهوم الحرية. ويأتي رد هيجل، مثل رد الاقتصاديين الراديكاليين، أن المفهوم السلبي للحرية يستند بالفعل إلى قيمة، قيمة الفعل التي تستند إلى الاختيار، بصرف النظر عن كيفية الوصول إلى هذا الاختيار أو مدى كونه قسريا. بكلمات أخرى، يبارك مفهوم الحرية السلبي أي ظروف تصادف تأثيرها على طريقة اختيار الناس.
إذا كنت موافقا على أنه من العبث عدم رؤية أي وجه اعتراض على نظام اقتصادي يقوم بإنشاء تفضيلات جديدة على نحو زائف، حتى يتربح البعض من تلبية تلك التفضيلات، فيجب حينها أن تقر بأن الاقتصاديين الراديكاليين على حق. بالطبع سيكون من الصعب فرز التفضيلات التي تسهم في تحقيق منفعة إنسانية حقيقية عن التفضيلات التي لا تفعل ذلك. وقد يكون من المستحيل الوصول إلى اتفاق بهذا الشأن. ومع ذلك، يجب ألا تكون صعوبة المهمة سببا لتقبل جميع التفضيلات كمقياس لسلامة أي نظام اقتصادي.
إذا كنت موافقا على أن الاقتصاديين الراديكاليين على حق، فلا ينقصك إلا خطوة واحدة صغيرة كي توافق على أن هيجل على حق. في الواقع، هي ليست خطوة على الإطلاق؛ فقد استبق هيجل النقطة الرئيسية لموقف الاقتصاديين الراديكاليين، وهي النقطة التي أصبحت شائعة في العصور الحديثة على يد جيه كيه جالبريث وفانس باكارد ومجموعة كبيرة من النقاد الآخرين للاقتصاد الصناعي. فنجد هيجل يكتب في مستهل أيام المجتمع الاستهلاكي، لكن بإدراك كاف للتعرف على الطريق الذي كان يسلكه:
إن ما يطلق عليه الإنجليز «الراحة» هو شيء لامتناه ولا حد له. ويمكن أن يكشف لك آخرون أن ما تعتبره راحة في مرحلة ما هو مشقة، ومثل هذه الاكتشافات لا تنتهي أبدا . ولذلك فإن الحاجة إلى مقدار أكبر من الراحة لا تنبع تحديدا من داخلك مباشرة، بل يوحي إليك بها أولئك الذين يأملون في التربح منها.
يأتي هذا التعليق في جزء من كتاب «فلسفة الحق» يتناول ما يطلق عليه هيجل «نسق الحاجات»، ويأتي على إثر إشارة إلى شخصيات بارزة في النظرية الاقتصادية الليبرالية الكلاسيكية، وهم آدم سميث وجيه بي ساي وديفيد ريكاردو. يوضح نقد هيجل لنسق الحاجات هذا أن سبب معارضته للرؤية الاقتصادية الليبرالية للمجتمع هو في جوهره السبب نفسه الذي يبديه الاقتصاديون الراديكاليون اليوم. وخلف هذا يكمن منظور هيجل التاريخي الثابت. فلا تغيب عن ناظره مطلقا حقيقة أن احتياجاتنا ورغباتنا يشكلها المجتمع الذي نحيا فيه، وأن هذا المجتمع في المقابل هو مرحلة في عملية تاريخية. وهكذا تكون الحرية المجردة - أي حرية أن نفعل ما يحلو لنا - هي الحرية في أن تقودنا القوى الاجتماعية والتاريخية لعصورنا.
Page inconnue