الإهداء
مقدمة
أوريستيس
ملخص المسرحية
أشخاص المسرحية
المنظر: في القصر بأرجوسي
هيكوبا
ملخص المسرحية
أشخاص المسرحية
المنظر
الإهداء
مقدمة
أوريستيس
ملخص المسرحية
أشخاص المسرحية
المنظر: في القصر بأرجوسي
هيكوبا
ملخص المسرحية
أشخاص المسرحية
المنظر
هيكوبا وأوريستيس
هيكوبا وأوريستيس
جمع وترجمة
أمين سلامة
الإهداء
إلى عشاق المسرح القديم والحديث.
يقول زكي طليمات: «كنت أزرع المسرح في الصحراء.»
وأقول: «إن كان أيسخولوس قد جعل من المسرح علما بين الأسماء،
واستطاع سوفوكليس، بعظمته، أن يبلغ به القمم الشمخاء،
فكفى يوريبيديس فخرا أن علا به إلى قباب السماء.»
أمين سلامة
مقدمة
تتفق حياة يوريبيديس وأشد العصور جهادا في تاريخ أثينا وأعظمها انتصارا. ليس الجهاد والانتصار في القتال فحسب، بل وفي الفكر أيضا كان عصرا زاخرا بالمشروعات الجريئة في كل من الغزو المادي والتقدم في الفنون والشعر والتأملات الفلسفية. ولد هذا الشاعر في سنة 480ق.م. وهي السنة التي حدثت فيها موقعتا ثيرموبولاي
Thermopylae
وسالاميس
Salamis . وكانت أثينا إذ ذاك في أوج مجدها وقوتها وزادت جمالا عاما بعد عام. وكانت عبقرية يوريبيديس عندئذ في بداية تكوينها. ظل يوريبيديس يكتب أكثر من أربعين عاما قبل عرض تراجيدية الحملة الصقلية، وبموته
Felix apportunitate mortis ، أعفي من العلم بنتيجة أرجينوساي
Arginusae
المخجلة، وكارثة أيجوسبوتامي
Aegospotami
الفظيعة، وهي آخر آلام أثينا المهلكة. مات يوريبيديس قبل نزول هذه المحن المفجعة بسنة واحدة.
أما أبوه فهو نيسار خيديس
Mnesarchides
وأما أمه فهي كليتو
Kleito . ولا بد أن كان والداه ثريين لأن ابنهما لم يمتلك عقارات واسعة فحسب (دفع نفقات تجهيز سفينة حربية مرة على الأقل، وكان سفيرا تجاريا أو قنصلا في ماغنيسيا
Magnesia ، وكل من هذين المنصبين رفيع)، بل ويمتلك مكتبة أيضا، وكانت المكتبات في ذلك الوقت عظيمة القيمة. ولا بد أن كانت أسرته عريقة الأرومة؛ إذ سجل التاريخ أنه اشترك وهو صبي في بعض أعياد أبولو، التي لا يحضرها أي فرد وضيع الأصل.
ظهر يوريبيديس في المجتلد الدرامي وقت أن كان يؤمه المتنافسون، ووقت أن كان من العسير على أي كاتب جديد أن يجد فيه منصبا. وكان أيسخولوس
Aeschylus
وقتئذ قد مات منذ فترة وجيزة بعد أن ظهر أمام الجمهور مدة خمسة وأربعين عاما، وكان سوفوكليس
Sophocles
في المرتبة الأولى لمدة عشر سنوات، وكتب مدة خمسين سنة بعد ذلك، بينما كان غيره من المنسيين الآن، مجيدين بحيث يستطيعون انتزاع الفوز من هؤلاء، في نصف المباريات الدرامية السنوية، على الأقل. وفضلا عن هذا، لم يقنع هذا الشاعر الجديد بالامتياز في المجال الذي وضعه سابقوه، واتسم بطابع الاستحسان العام. كان نبوغه طريفا، فاندفع وراءه في غير ما خوف؛ ولذا صار مجددا في معالجة المسائل الدينية والأخلاقية التي قدمتها الأساطير القديمة. فأضفى عليها طابعا أدبيا وفنيا لكي تلائم العرض فوق منصة المسرح. ولما كانت الطرافة ذات أثر معارض على حكام الأدب الرسميين، ولما كانت مؤلفاته تسير في عكس اتجاه كثير من المعارضات، التي بعضها مخلص في اعتراضه وبعضها غير مخلص؛
1
فمن المدهش حقا أن تنال مسرحياته الجائزة الأولى خمس مرات فحسب في خمسين سنة.
بيد أن عدد هذه الانتصارات الرسمية لا يعتبر قائمة بشهرته الحقيقية وباستيلائه على القلوب، ليس قلوب مواطنيه فقط، بل وقلوب كل من كان يتكلم لغة بلده وقد روي كيف خضع ألد أعداء أثينا لسحره في مناسبتين، حتى إنهم، إكراما لخاطره، أبقوا على مواطنيه المهزومين وعلى أثينا التي استولوا عليها، وجنبوهم ويلات الحرب وآخر إذلال للمغلوبين. ظل يوريبيديس بعد موته، طالما بقيت الإغريقية لغة حية، ظل أشهر عظماء أساتذة التراجيديا الثلاثة، كما ظل أكثرهم نفوذا. وقد تلا أفول نجمه في القرن التاسع عشر، رد فعل اعترف له فيه بأنه يمثل إحدى الدراسات الممتعة في الأدب كله.
غادر يوريبيديس أثينا وهو في الثالثة والسبعين من عمره، كما غادر أعداءه الصاخبين، فنزل ضيفا مكرما في بلاط ملك مقدونيا. وإذ لم تقلقه الدسائس الخبيثة ولا الاضطرابات السياسية، ولا الأخطاء الجسام التي تعرضت لها أثينا في ذلك الوقت، شرع يكتب بحرية وبسرعة وبجد وبتفكير عميق وعظمة تعبير قلما أتيحت له من قبل.
مات شاعرنا هذا في عام 406ق.م. فلبست أثينا ثياب الحداد عليه وهي في ثورة من الإعجاب والحب والندم. ومن بعض ثمار استجمامه في مقدونيا، أربع مسرحيات عرضت في أثينا بعد موته بفترة وجيزة، وتوجت بالجائزة الأولى، رغم محاولة أريستوفانيس
Aristophanes ، في كوميديته «الضفادع»، قبل ذلك ببضعة أشهر، أن يحط من قدر عبقريته.
أما خصائص يوريبيديس بالمقارنة مع أخويه في الدراما فيمكن تلخيصها فيما يلى:
تناول أيسخولوس المبادئ العظمى، ولا سيما ما يختص منها بالعقاب الذي تنزله الآلهة بالبشر، وبالتمادي في الخطيئة على أنهما وصمة وبائية لا يمكن القضاء عليها. يؤمن أيسخولوس بذلك ويرتجف ذعرا. أما سوفوكليس فيصور الأخلاق العظمى؛ يتجاهل متابعة القدر للبشر في عناد كما يتجاهل قوة الشر الدائمة، ويعتقد أن «الإنسان هو الإنسان وهو المسيطر على مصيره». وأما يوريبيديس فيستعرض المسائل الأخلاقية الكبرى؛ فيحلل الطبيعة البشرية وغرائزها وعواطفها وبواعثها، وينطق بصيحة الروح البشرية ضد طغيان القوى الخارقة للطبيعة وأنانية الإنسان وقسوته، والعبء الساحق للبيئة. فيتساءل، لأنه: «لا يصدر حكمه بعمى».
كتب يوريبيديس أكثر من تسعين مسرحية، لم يحفظ منها سوى أسماء إحدى وثمانين، وبقيت منها تسع عشرة - عبارة عن ثماني عشرة تراجيدية، ودراما ساتورية واحدة هي «الكوكلوبس
Cyclops »،
2
وقد عرضت أولى مسرحياته «بنات بيلياس
»
3 (مفقودة) في سنة 455ق.م. ويمكن ترتيب المسرحيات الباقية تبعا لأحدث المصادر الموثوق بها، بالترتيب التالي حسب تواريخ عرضها. والتواريخ الموضوعة بين الأقواس تخمينية: (1) ريسوس
Rhesus (وربما كانت أقدمها). (2) الكوكلوبس. (3) ألكيستيس
Alcestis
سنة 438. (4) ميديا
Medea
سنة 431. (5) أولاد هرقل (سنة 429-427). (6) هيبولوثوس
Hippolytus
سنة 428. (7) أندروماخي
Andromache
سنة 430-424). (8) هيكوبا
Hecuba (سنة 425). (9) المتضرعات (سنة 421). (10) جنون هرقل (سنة 423-420). (11) إيون
Ion (419-416). (12) بنات طروادة سنة 415. (13) إلكترا
Electra (سنة 413). (14) إيفيجينيا
Iphigenia
في تاوريكا
Taurica (سنة 414-412). (15) هيلين
Helen
سنة 412. (16) العذارى الفينيقيات (سنة 411-409). (17) أوريستيس
Orestes
سنة 408. (18) الباكخانال
Bacchauals
سنة 405. (19) إيفيجينيا في أوليس
Aulis
سنة 405.
وترتب هذه المسرحيات في ثلاث مجموعات أساسية تبعا لعلاقتها: (1) بقصة الحرب الطروادية، (2) بأساطير طيبة
Thebes ، (3) بأساطير أثينا. وقصة ألكيستيس قصة تسالية قديمة. ومع ذلك، يجب على القارئ أن يعلم أن سلسلة مسرحيات الحرب الطروادية لا تمثل قصة مرتبطة الحلقات، وبعض تفاصيلها غير مناسب ... أخرجت تلك المسرحيات في تواريخ متباعدة جدا، وليس بترتيب حوادث القصة، وتمثل أحيانا (كما في هيكوبا، وبنات طروادة، وهياين) مواقف متضاربة؛ لأن الشاعر لم يتبع نفس الأسطورة طوال مجموعة المسرحيات.
يمكن اعتبار النص الإغريقي الذي نقلنا عنه هذه المسرحية تابعا لمذاهب الفلاسفة عديمي المدارس، ومبنيا تبعا لما يبدو، بعد البحث الدقيق، أنه أضبط ما وصل إليه الناشرون والنقاد السابقون. وقد ذكرت بعض الحواشي في حالات قلائل ولأسباب خاصة. واتبع ترتيب نوك
Nauck
للكوروسات مع قليل من الاستثناءات. •••
كان يوريبيديس كاتبا واقعيا له خيال الشعراء. لقد جعل الناس يفكرون وجعلهم يواجهون المشاكل التي يسرهم التفكير فيها. قص عليهم الحكايات القديمة، وكتب عن قدامى الآلهة، فصحا سامعوه، على الأقل، من نشوة إيمانهم بالآلهة.
كان يوريبيديس ثائرا فكريا، محبا للتجديد في أكثر من ناحية؛ إذ تعبر فلسفته حقبة ألفي عام وتربط بين عصره وعصرنا. ومع ذلك فبينما كان النقاش على أشده حول يوريبيديس، اضطر جمهوره إلى التأمل في إنتاج ذهنه الحاد والإصغاء إلى شعره المتدفق. وكان ذلك المجدد إبان عصره أشهر شاعر في بلاد الإغريق طرا، وكان قبل موته على يقين من أن شهرته لن تموت. •••
قلنا إن يوريبيديس ولد حوالي سنة 480ق.م. في العام الذي استعرت فيه نار موقعة سالاميس البحرية العظيمة التي التقى فيها الأغارقة بالأسطول القوي لإكسيركسيس
Xerxes
ملك فارس، ومزقوه شر ممزق. ويقول التاريخ إن ذلك العام شهد أحداثا جساما لثلاثة من أعظم كتاب الأغارقة؛ فقد حارب أيسخولوس في سالاميس، ورقص سوفوكليس في كوروس الصبيان، وولد يوريبيديس، كل ذلك في نفس السنة التي وقعت فيها تلك المعركة. ويقول أيضا إن والد يوريبيديس كان محتالا ومفلسا، وإن والدته كانت بائعة خضراوات تبيع الخضر الفاسدة. بيد أن هذه الرواية ليست سوى تشهير كاذب اختلقه النقاد المعاصرون، وافتراء ابتدعه الشعراء الهزليون، الذين اتخذوا من يوريبيديس موضوعا لسخريتهم ... ولكننا نعرف أن والده نيسارخيديس كان من أسرة عريقة المحتد ميسورة الحال، وأنه كان يشغل منصبا وراثيا في معبد أبولو بمدينة فلوا
. أما والدته فكانت بعيدة كل البعد عن بيع الخضر إذ كانت من أصل نبيل.
كذلك زوجته لم تسلم من أمثال تلك القصص والمفتريات؛ فقيل إن زوجته الأولى كانت تدعى «الخنزيرة» وإنها كانت اسما على مسمى؛ ولذلك طلقها ليتزوج بأخرى تفضلها. غير أن هذه الأخيرة لم تكن خيرا من سابقتها، فطلقها أيضا. ومع ذلك، فيمكننا إهمال هذه القصص وغيرها؛ لأن منشأها الوهم والحقد.
درس يوريبيديس الرسم في حداثة سنه، وكان ينوي الاستمرار في ذلك الفن. إلا أنه تركه قبل أن يبلغ الخامسة والعشرين، وتعلق بالشعر وكتابة التراجيديات.
أنتج يوريبيديس أولى تمثيلياته، «بنات بيلياس» في سنة 455ق.م. فأيقن الشعب الإغريقي منذ تلك اللحظة أن نجما جديدا قد احتل مكانا مرموقا في سماء الأدب. أدركوا أن ذلك الشاعر الجديد قد جاء بأفكار جديدة وأسلوب مباشر أخاذ، دون الاستعانة بالأساليب البلاغية أو الطرق المسرحية العنيفة. لقد هب تيار قوي من الواقعية على المسرح الأتيكي للتقاليد والقصص التقليدية.
كانت هناك متعات في هذا الشاعر؛ كان يستخدم حيلا فنية جديدة لعرض رواياته المثيرة، وأبدى أقصى ما في مكنته في معالجة مواقفه الدرامية، كما استخدم أرقى وأروع الشعر والبراعة الفنية الفائقة في أجمل رواياته التي سيطرت على إعجابنا في كل منظر ابتدعه.
يمكن تكوين فكرة ما عن مقدرته الفنية وبراعته، إذا تأملنا في رواية تيليفوس
Telephus
4
وكيفية تصميمه لها ومعالجته لأحداثها. فقد أثار رجة عندما أنتجها في عام 438ق.م. وهذه الرواية الآن في عالم المفقودات، غير أنه بقي لنا منها بعض كسرات.
جرح أخيل
Achilles
تيليفوس ملك موزيا
Mysia
وهو يقاتل من أجل الطرواديين ضد الأغارقة. وقد تنبأ له الوحي بأن لا شيء يشفيه غير رمح أخيل الذي أحدثه. وعلى هذا خرج يطلب ذلك العلاج الوحيد. فتنكر في زي متسول، أعرج (بسبب جرحه)، وطفق يعرج خلال أرض العدو. وأخيرا وصل ذلك الشحاذ إلى مكان كان يجتمع فيه قادة الإغريق. فتكلم في المجلس، وضرب نظير وقاحته، ولكنه على أية حال نال بغيته. بعد ذلك استقبلته كلوتيمنسترا
Clytemnestra
زوجة أجاممنون
Agamemnon ، ورحبت به كلاجئ. فما كان منه إلا أن أمسك طفلها أوريستيس
Orestes ، وأخبرهم بحقيقة شخصيته، وهددهم بقتل الطفل إن تقدم نحوه أحد. ثم احتفظ بالطفل وديعة، وأملى عليهم شروطه ، فعولج بالرمح المطلوب.
اشتهرت تمثيلية تيليفوس بغض النظر عما فيها من وقائع مثيرة؛ إذ كان بها بدعة أدهشت أساتذة المسرح الأتيكي؛ لأن الشحاذ ظهر على المسرح في أسمال حقيقية. ومن الصعب في عصرنا هذا أن ندرك الأثر الذي أحدثته هذه الواقعية في مسرح محافظ، كان تمثيل الروايات فيه جزءا من المهرجان الديني.
كانت واقعية التمثيل وواقعية معالجة القصة من النقط التي اتخذها أريستوفانيس أساسا لمهاجمته يوريبيديس، وكان أريستوفانيس هذا أعظم الشعراء الهزليين الأتيكيين وكان أعنف نقاد يوريبيديس. كانت أسمال الشحاذ وأهداب فلسفة يوريبيديس غبطة وذخيرة لأريستوفانيس الذي وجه إليه أيضا تهمة كراهية النساء. ففي كوميديته ثيسموفوريازوساي
Thesmophoriazusae ، يصور نساء الإغريق يدبرن مؤامرة للانتقام من يوريبيديس؛ لاتخاذه شخصيات مسرحياته من النساء الشريرات.
غير أن شخصيات يورييبديس النسائية مهما تمادت بهن العواطف إلى سفك الدماء والانتقام، لم يكن ثقيلات الظل، بل كان فيهن جاذبية في ناحية من النواحي. إذ كان يدرس شخصياته النسائية جيدا ويصوغهن بعناية؛ فمن أمثلة بطلاته: ألكيستيس التي بذلت روحها من أجل زوجها، وإيفيجينيا، الضحية العذراء التي كانت قدوة في سلوكها. ومع كل فقد كن من لحم ودم. وحتى فايدرا
التي كانت سببا في قتل هيبولوتوس، وميديا التي كانت مولعة بإراقة الدماء، صيغتا بحيث تنالان عطفنا عليهما، وانحيازنا إلى جانبهما.
كانت عاطفة يوريبيديس نحو السيدات جزءا من شعوره وفهمه للطبقة الدنيا. كان يعطف على العبيد والفلاحين والفقراء، أكثر من عطفه على رؤسائهم الذين كانت حروبهم وإمعانهم في الانتقام مادة للتراجيديا الراقية.
وفي الأساطير التي كانت مادة عامة لتصميم التراجيديات، قامت معالجة يوريبيديس لأحداث مسرحياته بعجائب جديدة وأحدثت ريبة جديدة في أذهان الناس. ألم تكن تلك الانتقامات الدموية القديمة التي تغنى بها هوميروس وأيسخولوس في ملاحم البطولات، مجرد قصص دنيئة للمكر والخيانة؟ وأولئك الآلهة الخرافيون، الذين ارتفعت معابدهم فوق المدينة، أيمكن تبجيلهم حقيقة بالرغم من منازعاتهم وخداعهم غير اللائقة بالآلهة؟ هكذا كانت المسائل التي يثيرها يوريبيديس في تراجيدياته.
كذلك شمل تفكيره التاريخ المضطرب لتلك العصور . كان يوريبيديس ديموقراطيا، وكان يمقت زعماء الحكومات الطغاة ورؤساء المصالح الحكومية المستبدين، ومن تحجرت قلوبهم، والقادة الأنانيين الذين جلبوا معهم الحرب والويلات. وإنا لنرى آثار الظلمة والفظائع التي نتجت عن نشوب الحرب مع إسبرطة في روايتيه «اللاجئون» و«النساء الطرواديات».
ليس بوسعنا أن نقول إلا القليل غير الكافي عن حياة يوريبيديس وهو يؤلف التراجيديات التي خلدت اسمه. كان يعيش من ضيعته في سالاميس، وكان يكتب شعره في كهف مواجه للبحر. كان رجلا رزينا صارما، لم يختلط بمواطنيه إلا بأقل ما يمكن.
وإنها لصورة تنطبق على جمال مؤلفاته العنيف: أن يحبس الشاعر نفسه وحيدا في مغارة، بعيدا عن ضجيج المدن وصخبها، لا يصل إلى سمعيه غير خرير البحر يتمشى مع الموسيقى الدائرة في رأسه. بيد أن تلك العزلة زادت في تهمة عداوته للبشرية والآلهة، وشذوذه الفظ في تحاشيه الاتصال بزملائه.
ولما كان يوريبيديس مواطنا أثينيا، فلم يستطع أن يفصل نفسه عن الحياة العامة. فأدى الخدمة في الجيش، وذات مرة قام بخدمة للدولة على حسابه الخاص، كما شغل «قنصل» لمغنيسيا.
تمثلت حياته في رواياته التي أسرت العالم وروعته. إذ كان تجديفه على الآلهة يجلب عليه شتائم الشعب الأثيني باستمرار، بينما نال المعجبين في جميع أنحاء العالم المتمدين؛ لجمال شعره وقوته.
نال الأغارقة الذين أسروا في الحملة المشئومة على سورا كوزة
Syracuse ، حريتهم وتخلصوا من العبودية نظير إلقائهم بعض فقرات من روايات يوريبيديس. وكاد أهل مدينة أبديرا
Abdera
أن يخرجوا عن طورهم عندما شاهدوا روايته «أندروميدا
Andromeda »
5
فكانوا يسيرون في الطرقات يتغنون بأشعاره، ولا سيما الأغاني ذات النغمة الفردية في أندروميدا، ويلقون فقرات من خطبة بيرسيوس
، واحدا وراء الآخر، حتى امتلأت المدينة بالشعراء المأسويين (التراجيديين) في فترة أسبوع واحد، كلهم ممتقعو الوجوه نحيلو الأجسام، يصيحون بأعلى أصواتهم: «محبوب أنت، أيها الملك، أكثر من جميع الآلهة والبشر»، وهكذا.
بيد أن حالة التوتر في أثينا طغت على كل ذلك التقريظ. فقد كانت الحرب الطويلة الأمد تستنزف دم الحياة من المدينة، ويبدو أن يوريبيديس كان يظهر شخصيته خلال كل تلك الظلال الدكناء، إنه منطو على نفسه، وحيد في مغارته، يمقت تجار الحرب ورؤساء الحكومات؛ ولا يزال يكتب مسرحياته التي توخز سامعيه، وتجبرهم في نفس الوقت على الاستماع.
ولكن بلغ السيل الزبى، وغدا تهكم الكوميديين والرعاع عليه أكثر مما يطيق، فاضطر أخيرا إلى الرحيل عن مسقط رأسه إلى بلاط أحد ملوك البرابرة.
بعد أن أنتج ذلك الرجل العجوز روايته «أوريستيس» في عام 408ق.م. غادر أثينا إلى ما شاء الله، كان في الثانية والسبعين من عمره، ولا بد أنه كان يدرك عندما هجرها، أنه لن يرى بعد ذلك مدينته التي حارب من أجلها وأحبها.
رحب بمقدمه أرخيلاوس
Archelaus
6
ملك مقدونيا وأحسن استقباله. ويبدو أن يوريبيديس كان يأمل في حياة جديدة في ذلك البلد. فيقول الأستاذ جلبرت مري، الذي يجب أن يقرأ كل فرد ترجمته الإنجليزية اللطيفة ليوريبيديس: «مات بعد وصوله إلى مقدونيا بحوالي ثمانية عشر شهرا، غير أن الطمأنينة والراحة اللتين لقيهما في بيئته الجديدة، تركت أثرهما في مؤلفاته. فهناك تجديد فذ وجمال فريد في الروايتين «باكخاي
Bacchae » و«إيفيجينيا في أوليس» اللتين تركهما عند وفاته غير تامتين».
كان ليوريبيديس أصدقاء في البلاط الملكي؛ منهم أجاثون
Agathon
الكاتب الروائي، وتيموثيوس
Timotheus
الموسيقي. ويبدو أن حياته عادت لذيذة من جديد، ولكن نهايته كانت على الأبواب.
تقول الروايات القديمة إن كلاب الملك مزقت جسد يوريبيديس إربا، وقد أطلقها عليه حاسدوه من رجال البلاط، وربما تكون تلك الرواية قد خلطت بينه وبين بانثيوس
أحد شخصيات تمثيليته «الباكخاي»، إذ يبدو من المؤكد أن وفاة ذلك الشاعر لم تكن إثر كارثة، كما أنها لم تكن مفجعة.
ترك يوريبيديس ثلاثة أبناء، نسج أحدهم على منوال أبيه، وأخرج المسرحيات التي كانت باقية بعد وفاته.
ورغم اتساع شهرته لم تحظ تمثيلياته بأكاليل الغار على المسرح في بدء إنتاجها؛ لأنه لم يفز بغير أربع جوائز أولى في مسابقات التراجيديا طوال حياته، وجائزة واحدة بعد وفاته.
ومع ذلك فمن اللحظة التي بدأ يكتب فيها وشهرته راسخة لا تتزعزع، وإنها لعظيمة اليوم بقدر عظمتها في أي وقت خلال الأربعة والعشرين قرنا المنصرمة بعد وفاته.
وتصلح ملاحظة فيليمون
الرائعة لأن تكتب على ضريحه: «لو كنت واثقا من أن الموتى يعون بعد مماتهم لشنقت نفسي كي أرى يوريبيديس».
أوريستيس
ملخص المسرحية
عندما انتقم أوريستيس لأبيه، بقتل والدته كلوتمنسترا
Clytemnestra
وعاشقها أيجيسثوس
Aegisthus ، كما ذكر في تراجيدية «إلكترا» تسلطت عليه الإيرينويس
Erinyes (ربات الانتقام) على الفور، وهن المنتقمات لقتل الوالدين، فأصبنه بالجنون، وفي أثناء عذابه الذي استمر ستة أيام، حتى بلغ شفا الموت، ناضل للحصول على براءته.
عندئذ قص كيف خدمته شقيقته إلكترا، وكيف حكم عليهما شعب أرجوس بالإعدام، بينما تنحى أقاربهما عن مد يد العون إليهما، وكيف ناضلا ضد مصيرهما.
أشخاص المسرحية
إلكترا
Electra :
ابنة أجاممنون.
هيلين
Helen :
زوجة مينيلاوس.
أوريستيس
Orestes :
ابن أجاممنون.
مينيلاوس
Menelaus :
شقيق أجاممنون.
بولاديس
:
صديق أوريستيس.
تونداريوس
Tyndareus :
والد كلوتمنسترا.
هيرميوني
Hermione :
ابنة هيلين.
رسول:
خادم عجوز لأجاممنون.
عبد فروجي
:
لهيلين.
أبولو
Apollo .
كوروس:
يتألف من بعض نساء أرجوس.
خدم هيلين ومينيلاس وتونداريوس.
المنظر: في القصر بأرجوسي
(أوريستيس نائم على فراشه وإلكترا ساهرة إلى جانبه.)
إلكترا :
ما من شيء يفظع النطق به،
وما من عذاب جسدي أو عقاب إلهي،
إلا ويتحتم على البشرية المسكينة أن تتحمله.
فهو، الذي كان مباركا فيما مضى - ولا أسخر من مصيره -
تانتالوس
Tantalus
1
المولود من زوس، كما يقول الناس،
يخاف الصخرة الساقطة فوق رأسه،
والمعلقة وسط الهواء، ويؤدي عقوبته،
كما تروي القصة؛ لأنه كان رجلا،
مكرما بالجلوس إلى المائدة مع الآلهة كأحدهم،
ومع ذلك، فلم يضبط زمام لسانه - فيا للجنون المخزي!
أنجب بيلوبس
، وولد له أتريوس
Atreus ،
الذي جعلت له ربة القدر بشريط خيوط قضائها
أن يقاتل ضد ثويستيس
Thyestes ،
2
شقيقه الحقيقي -
ولماذا يتحتم علي أن أروي أشياء لا يصح التفوه بها؟
فلأجل وليمة أبيهم ذبح أتريوس أبناءه.
أما بخصوص أتريوس - فلا أروي ما حدث بينهم -
قام أجاممنون المشهور - لو كانت هذه شهرة -
ومينيلاوس ابن أيروبي
Aerope
3
الكريتية.
وتزوج مينيلاوس هيلين، المقيتة
من السماء، وفي تلك الأثناء حظي الملك أجاممنون
بفراش كلوتمنسترا، التي يتذكرها الهيلينيون.
كان له ثلاث بنات؛ خروسوثيميس
Chrysothemis ،
وإيفيجينيا وإلكترا، وابن
أوريستيس، المولود من أم غير تقية،
أوقعت سيدها في شرك معثر، وقتلته:
ولماذا قتلته - إنه ليخجل العذراء أن تخبر به! -
سأتركه دون أن أخبر به لمن يخمن عنه.
ماذا ينفع أن تعصي أمر فويبوس
،
4
الذي حث أوريستيس على قتل الأم
التي ولدته - يصيح القليلون بالعار من هذه الفعلة،
ومع ذلك قتلها طاعة لأمر ذلك الإله،
وشاركته في الفعلة، بقدر ما تستطيع المرأة -
وبولاديس الذي ساعد في تدبيرها.
بعد ذلك، ذوى بمرض وحشي،
وقع أوريستيس السيئ الحظ، على فراشه،
راقدا؛ عذبه دم أمه
بالجنون. قلما أستطيع الكلام لأني أرهب ذكر أسمائهن.
أولئك اللواتي تعذبه فظائعهن، اليومينيديس
Eumenides
5
وإلى هذا اليوم، السادس منذ أن لفت النار المطهرة
الجثة المقتولة، جثة أمه،
لم تذق شفتاه لقمة طعام،
ولم يغسل لحمه، ولكن في عباءته
يلتف الآن؛ إذ من مهلة العذاب،
يبكي بمخ غير غائم، وحينا من فراشه
يقفز مجنونا بقدمين وحشيتين كأنه جواد أزيل عنه النير.
وقررت أرجوس أن لا أحد ذا سقف
أو ذا وطيس يستقبلنا، ولا أحد يتحدث معنا بكلمة،
نحن قاتلي الأم. هذا هو اليوم المحدد،
الذي ستعطي فيه حكومة أرجوس أصواتها،
عما إذا كان يجب أن نموت كلانا، رجما بالحجارة،
أو يغيب الصلب المسنون في رقبتينا.
ومع ذلك، فلنا أمل واحد في الإفلات من الموت؛
لأن مينيلاوس وصل من طروادة إلى البر
وملأ الميناء الناوبلي
Nauplian
بأسطوله.
ألقى المراسي بعيدا عن الشاطئ، ذلك الذي تجول طويلا،
آتيا من طروادة ولا وطن له ولكن هيلين - نعم،
تلك التي كانت سببا
في ويلات لا تحصى - أرسل تحت جنح الظلام
من قبل إلى بيتنا؛ لئلا يراها البعض، ممن أولادهم
وقعوا في إيليوم
Ilium ،
6
إذا جاءت في ضوء النهار
أن يروها ويرجموها بالحجارة. والآن هي تبكي في الداخل
على أختها وبؤس بيتها.
ومع ذلك، فلها تعزية ما في أحزانها؛
فالطفلة التي تركتها، وهي مبحرة إلى طروادة،
هيرميوني
Hermione ، التي أحضرها مينيلاوس
من إسبرطة لكي تربيها أمي،
تفرح بها، ويمكنها أن تنسى همومها.
إنني أتطلع إلى الطريق البعيد، وأجهد نفسي لكي أرى
مينيلاوس قادما . أملنا في النجاة واه
أن نركب، إذا لم ينقذنا.
فالبيت المنحوس الطالع في حالة نضال اليائس. (تدخل هيلين.)
هيلين :
يا ابنة كلوتمنسترا، وطفلة أجاممنون،
يا إلكترا، أيتها العذراء المتعبة وأنت لم تتزوجي بعد،
كيف أمكنك، يا ذات طالع الشؤم، أنت وذلك المريض،
شقيقك أوريستيس، أن تقتلا أما هكذا؟
جئت غير مدنسة بكلامك.
إذ ألقي بكل ذنبك على فويبوس.
ومع ذلك، فإني أتأوه لمصير كلوتمنسترا،
شقيقتي، التي منذ أن أبحرت إلى إيليوم -
إذ أبحرت مضروبة بلوثة جنون من السماء -
لم أرها، وإذ تركت الآن مهجورة، فإني أبكي حظنا.
إلكترا :
أي هيلين، لماذا تتحدثين بما تستطيعين رؤيته بنفسك -
حال ابن أجاممنون المحزنة؟
إنني أجلس ساهرة بجانب جثة بائسة؛
لأنه جثة، إلا أن به نفسا ضعيفا.
فإن شروره - لا ألومه على شيء منها؛
ولكنك أتيت في بحبوحة عز، وفي عز يأتي
سيدك، إلينا نحن المصابين بالبؤس.
هيلين :
منذ متى وهو راقد هكذا على فراشه؟
إلكترا :
منذ أراق دم التي ولدته.
هيلين :
وا حسرتاه، عليه وعليك! يا لها من ميتة تلك
التي ماتتها!
إلكترا :
هكذا حالته، حتى سحقته الأمراض.
هيلين :
أستحلفك باسم السماء، يا فتاة، أن تفعل لي معروفا.
إلكترا :
بقدر ما يسمح لي إشرافي هذا.
هيلين :
هل تذهبين من أجلى إلى قبر شقيقتي؟
إلكترا :
قبر أمي؟ أيمكنك أن تطلب مني هذا؟
لأي غرض؟
هيلين :
لتحملي خصلات قصصتها من شعري وتقدمات من
الشراب.
إلكترا :
وما الخطيئة في أن تقتربي من قبر شخص عزيز؟
هيلين :
يخجلني أن أظهر نفسي لشعب أرجوس.
إلكترا :
يا لها من فضيلة متأخرة لمن هربت من بيتها!
هيلين :
إنك تقولين الصدق، وتتكلمين بقسوة.
إلكترا :
وأي عار ينالك من عيون موكيناي؟!
7
هيلين :
أخاف من آباء الذين ماتوا في إيليوم.
إلكترا :
حسنا تخافين. فإن أرجوس كلها تبكي عليك.
هيلين :
امنحيني هذا المعروف، واكسري سلسلة خوفي.
إلكترا :
لا يمكنني أن أبصر قبر أمي.
هيلين :
وإنه لمن العار أن تحمل الخادمات هذه الهدايا.
إلكترا :
ولماذا لا ترسلين ابنتك هيرميوني؟
هيلين :
لا يليق بالفتيات أن يمررن وسط الحشود.
إلكترا :
يجب أن تدفع دين الطبيعة إلى الموتى.
هيلين :
لقد قلت حقا؛ إنني أصغي إليك، يا فتاة.
نعم، سأرسل ابنتي، إن كلامك صائب.
يا بنية، تعالى، يا هيرميوني، خارج البيت: (تدخل هيرميوني.)
خذي تقدمات الشراب هذه، وشعري هذا، في يدك،
واذهبي، حول قبر كلوتمنسترا.
واسكبي مزيج عسل النحل واللبن وزبد النبيذ؛
وقولي هذا الكلام وأنت واقفة على مرتفع كوم القبر: «تعطيك أختك هيلين تقدمات الشراب هذه؛
إذ تخاف الاقتراب من القبر، وترتجف ذعرا
من عوام أرجوس.» واطلبي منها أن تكون في حال
رقيقة، نحوي، ونحوك، ونحو سيدي،
ونحو هذين البائسين اللذين أصابهما الرب.
كل الهدايا التي يأمر الواجب بتقديمها
للموتى، أقدمها لشقيقتي، أعدك بهذا.
اذهبي، يا بنية بسرعة، وبمجرد أن تقدمي
للقبر تقدماته، عودي بكل سرعة. (تخرج هيلين وهيرميوني.)
إلكترا :
أواه، أيتها الطبيعة الفطرية، تبعثين اللعنة للبشر،
والخيرات لورثتك الأفاضل!
لاحظي أنها لم تقص سوى أطراف شعرها،
مدخرة جمالها - ولا تزال هي هيلين الزمن الماضي!
فلتصبك كراهية الرب، يا من جربتني،
وأمي وكل هيلاس
Hellas
8
الويل لي!
انظروا، تأتي إلى هنا صديقاتي اللواتي يبكين معي
مراثي! سرعان ما سيوقظن من النوم
ذاك الراقد الآن في سكون، وسيغرقن عيني
في الدموع عندما أبصر أخي يهذي. (يدخل الكوروس.)
أواه، يا صديقاتي، يا صديقاتي العزيزات، تقدمن بوقع
أقدام عديمة الصوت؛
لا تحدثن أية غمغمة، ولن يكون هناك صوت ما.
لتكن صداقتكن هذه رقيقة، بيد أنها لي،
فإذا أيقظتنه، فستنزل المصائب.
الكوروس (الأنشودة الأولى) :
صه يا هذه، صه يا هذه! ليكن وقع الحذاء
خفيفا، لا تحدثي غمغمة ولا قرقعة.
إلكترا :
ابتعدن عن فراشه إلى هناك!
الكوروس :
انظري، ها أنا ذا أسمع كلامك.
إلكترا :
ليكن صوتك كالنفس الخفيف، المنفوخ
في مزمار من الغاب، يا صديقتي، أرجوك!
الكوروس :
انظري، إنني أتأوه
في غمغمة خافتة.
إلكترا :
نعم -
أكثر انخفاضا، نعم أكثر انخفاضا! - برقة، نعم
اقتربي برقة!
أجيبي، لماذا جئت إلى هنا، نعم لماذا؟
طالما أنه رقد وهدأ في نومه .
الكوروس (الرد على الأنشودة الأولى) :
كيف حاله ؟ تكلمي، يا صديقتي العزيزة.
هل من أنباء لي؟ ماذا حدث؟
إلكترا :
رغم كونه يتنفس، فأنينه ضعيف.
الكوروس :
كيف تقولين هذا؟ وا حسرتاه!
إلكترا :
ستقتلينه بمجرد أن تطردي من عينيه
حلاوة النوم المخيم عليهما.
الكوروس :
وا حسرتاه على أعمال حقد السماء!
وا حسرتاه على هذه الآلام المبرحة!
إلكترا :
كان مخطئا، ذاك الذي نطق بتلك النصيحة الخاطئة
عندما قرر لوكسياس
Loxias
المتربع فوق عرش ركيزة
ثيميس
Themis
9
الثلاثية الأرجل
موت والدتي، الذي كان فعلة شريرة غير طبيعية!
الكوروس (الأنشودة الثانية) :
أترين؟ إنه يتحرك تحت عباءته!
إلكترا :
ويحك! كان صوتك هو الذي قطع
أربطة النوم، بصياحك الوحشي.
الكوروس :
كلا، ولكني اعتبرته لا يزال نائما.
إلكترا :
ألا تنصرفين من هذا البيت؟
وتستديرين ثانية وتسرعين بالرجوع
برنين صوتك، وبصوت وقع خطواتك!
الكوروس :
ومع ذلك، فهو نائم.
إلكترا :
هذا كلام صحيح.
الكوروس (يغني بصوت منخفض) :
يا ربة الليل، يا ذات العظمة،
يا واهبة النوم للبشر المثقلين بالمتاعب،
طيري من إيريبوس
Erebus
10
منقضة بأجنحة عريضة
تعالي، تعالي، خفيفة إلى قصر أجاممنون!
إنه منهوك بالألم الشديد، ومرتبك بحالته المحزنة،
إننا نغوص، نغوص عميقا.
إلكترا :
لقد دخلت بصوت مقعقع!
صه! نعم صه! اجتنبي طنين
الشفاه المنشدة، واكفلي نعمة
هدوء النوم في مكان راحته.
الكوروس (الرد على الأنشودة الثانية) :
أخبريني، ما نهاية محنته؟
إلكترا :
أن يموت - وماذا تكون غير ذلك؟
لأنه لا يدري، حتى أن يطلب الطعام.
الكوروس :
إذن، فمصيره واضح - واضح كل الوضوح!
إلكترا :
لقد جعل منا، فويبوس، ضحيتين كلينا
ذلك الذي قرر أن نريق دم الأم
من أجل الأب! إنها فعلة بغير اسم!
الكوروس :
كانت فعلة عدل.
إلكترا :
فعلة عار!
تقتلين، ومت،
أيتها الأم التي ولدتني، ووضعت في القبر
والدنا وأولاد رحمك هؤلاء.
لقد صرنا كجثث الموتى، وهربت حياتنا.
إنك في هاديس:
11
وأسرع بالمضي من أيامي
نصفها وسط قضاء
الحزن والتأوه المتعب
والدموع خلال الليالي الطويلة، تسقط
من عيني.
بدون زوج، انظري إلي! نعم وبغير ولد،
أقضي حياة مقفرة.
الكوروس :
انظري، يا آنسة إلكترا ، يا من تجلسين إلى جانبه،
لئلا يموت أخوك هذا بغتة.
لا يعجبني الكلام الخافت ولا العديم الحركة.
أوريستيس (يستيقظ) :
يا سحر النوم العزيز، يا ملطف المرض،
ما أحلى أن جئتني في أشد أوقات الحاجة!
أيها الملك المنسي للألم، نعم ما أعقلك
من ربة! كيف أثارتك المحن المنهكة!
من أين جئت إلى هنا؟ وكيف وجدت هذا المكان؟
لأنني نسيت؛ فالأفكار الماضية انطمست.
إلكترا :
يا عزيزي المحبوب، كيف أبهجني نومك!
هل تسمح لي بأن أمسكك وأرفع جسمك؟
أوريستيس :
خذيني، نعم، خذيني، ومن شفتي المتألمتين
امسحي الزبد المتجمد، ومن عيني.
إلكترا :
انظر! ما أحلى الخدمة، ولست أفكر بازدراء
إلى يد الأخت تعنى بأعضاء أخيها.
أوريستيس :
ضعي جنبك أسفل جنبي، والشعر الأشعث
امشطيه من فوق جبيني؛ لأن عيني تبصران ضئيلا.
إلكترا :
أيها الرأس التعيس ذو الخصلات المتشابكة،
ما أشد ترنحك بوحشية! وما أطول أن لم تغسل!
أوريستيس :
أرقدينى ثانية، عندما تتركني
نوبات الجنون، منهوك القوى، خائر الأعضاء.
إلكترا (ترقده) :
انظر يا ذاك. يرحب المرضى بالفراش،
ذلك المكان المليء بالألم، ورغم هذا فهو ضروري.
أوريستيس :
ارفعيني مرة أخرى، وأنهضيني، أديريني.
ما أصعب إرضاء المرضى؛ لعجزهم!
إلكترا :
هل تضع قدمك على الأرض وتخطو
خطوة، أخيرا؟ فالتغير في كل شيء حلو.
أوريستيس :
نعم، يقينا؛ هذا أشبه بالصحة.
فالشبه أحسن من لا شيء، ولو أنه غير حقيقي.
إلكترا :
استمع إلي الآن، يا شقيقي،
بينما تترك الشيطانات عقلك غير غائم.
أوريستيس :
ألديك أخبار؟ أرحب بهذا، وليكن جميلا!
إذا كان الحزن كافيا لإيذائي.
إلكترا :
جاء مينيلاوس شقيق والدك إلى الوطن!
ورست سفنه في ناوبليا.
أوريستيس :
كيف تقولين هذا؟ أيأتي نورا على محنك القائمة
ومحني، قريبنا هذا، والمدين لوالدنا؟
إلكترا :
نعم، أتى؛ خذ كلامي هذا،
أكيدا؛ إنه أحضر هيلين من حوائط طروادة.
أوريستيس :
كان من الأكثر نعمة، لو هرب وحده؛
فلئن أحضر زوجته فإنما أحضر لعنة مقيمة.
إلكترا :
كما كانت على علامات اللوم وسوء السمعة
خلال هيلاس، أولئك البنات اللاتي ولدهن تونداريوس.
12
أوريستيس (في هياج فجائي) :
لا تكوني مثل أولئك الشريرات ؛ فقد تكونين هكذا -
ليس بالألفاظ فقط، ولكن بالنوايا!
إلكترا :
الويل لي، يا أخي؟ إن عينك لتدور بوحشية:
ما أسرع ما تحولت إلى الجنون، الآن فقط!
أوريستيس :
أماه! أتوسل إليكن، ألا تسمعنني
أيتها العذراوات ذوات العيون الدموية والشعور الثعبانية!
انظري يا هذه! إنهن قريبات، يقفزن فوقي!
إلكترا :
امكث، أيها البائس، ولا ترتجف فوق فراشك؛
إنك لا ترى شيئا ما يخيل إليك.
أوريستيس :
أواه، يا فويبوس! سيقتلنني، أولئك
الشيطانات ذوات وجوه الكلاب،
أولئك الربات المرهوبات، الجورجونات كاهنات الجحيم!
إلكترا :
لن أدعك من يدي! فستمسك بك ذراعاي
القابضتان، وتحفظانك من قفزة محنتك.
أوريستيس :
لا تسلميني، إنك من شيطاناتي الملازمات لي -
إنك تمسكين وسطي لتقذفي بي إلى الجحيم!
إلكترا :
ما أتعسني! أية نجدة يمكنني الحصول عليها؛
إذ صرنا مقدسين لعدونا؟
أوريستيس :
أعطني قوسي ذات الأطراف القرنية، هدية
لوكسياس،
التي أمرني أبولو بأن أطرد بها الشيطانات،
إذا خوفنني بنوبات جنونهن.
ستضرب ربة بيد بشرية،
إلا إذا اختفت من أمام عيني
ألا تسمعين؟ ألا ترين السهام ذات الريش
تكاد تنطلق من قوسي البعيدة المدى؟
ها! ها!
لماذا تتلكئين؟ طيري إلى ارتفاعات السماء
فوق أجنحة! هنا ألوم وحي فويبوس!
أواه!
لماذا أهذي، وألهث بشدة من رئتي؟
إلى أين قفزت، إلى أين، من فراشي؟
فبعد العاصفة، أرى الهدوء من جديد.
أختاه، لماذا تبكين وتضعين قناعا فوق رأسك؟
إنه ليخجلني أن أدعك تشاركينني محني،
فأعذب فتاة بمرضي.
لا تتحطم، أيها القلب العزيز، من أجل عذابي.
لم ترض وقتذاك، ومع ذلك، فقد أريق مني
دم والدتي. ألقي اللوم على لوكسياس،
الذي زج بي إلى فعلة ملعونة،
ومع ذلك، أخذ يبهجني بالأقوال، دون الأفعال.
ظننته أبي، فسألته وجها لوجه،
عما إذا كان يجب على أن أقتل أمي،
فتوسل إلي في جدية، بلحيته تلك
ألا أغيب السيف في قلب أمي؛
لأنه لن يعود إلى النور ثانية،
أما أنا، والويل لي! فيجب أن أتجرع كأس الأتراح هذه!
أسفري الآن، يا شقيقتي المحبوبة؟
وكفي عن الدموع مهما كنا بائسين،
وعندما ترينني يائسا،
لطفي فزعي وضعف قلبي،
وهدئي من روعي، وعندما تبكين ؛
يجب أن أكون قريبا منك، ألومك بمحبة؛
لأن مجد الصداقة مثل هذا العجز.
والآن، وأنت مثقلة بالأحزان، ادخلي البيت،
ارقدي، وأعطي جفونك الساهرة نوما،
وضعي طعاما في شفتيك، واغسلي جسمك.
لأنك لو عجزت عن خدمتي، أو مرضت من السهر
المضني، ضعت. فإنني أعتمد عليك وحدك
في مساعدتي، أما الآخرون، فكما ترين، من سقط المتاع.
إلكترا :
لن أتركك قط! سأختار الموت معك
أو الحياة معك؛ نحن شخص واحد، لأنك لو مت،
فماذا تفعل المرأة؟ كيف أهرب وحدي،
بدون صديق أو أب أو أخ؟ ومع ذلك، فإذا
رأيت الأمر على هذا النحو، وجب علي. ولكن ارقد،
ولا تهتم كثيرا بالفظائع التي تقض مضجعك، بل امكث
في فراشك.
إذ على الرغم من أن مرضك ليس سوى مرض عقل،
فإنه عذاب ويأس للبشر.
الكوروس (أنشودة) :
أيتها الربات الفظيعات، ذوات الأقدام المنقضة،
ذوات الأجنحة المبحرة بعيدا،
يا من يرن البكاء والعويل،
خلال سهرات رقصكن، حيث لا يلتقي الباكخانال،
أيتها اليومينيديس القاتمات اللون، يا من تطرن في مجال واسع
تحت قبة السماء،
تنتقمن، تنتقمن لجريمة الدم - رويدكن؛ فإني آتية،
أتوسل، أتوسل!
لابن أتريديس
Atreides
كي ينسى
هذيانه الجنوني.
وا حسرتاه على عمل الجماعة المصابة بالبلاء!
أواه من الطلب المخرب
لتنفيذ أمر الركيزة الثلاثية الأرجل، تلك الكلمة
التي نطق بها فريبوس
عند سرة الأرض بينما أنت واقفة، عندما تحرك
الكهف المعتم وهو يتمتم! (الرد على الأنشودة.)
أي زوس، هل هناك رحمة؟ أي نضال للقدر
يأتي محملا بخطر الموت،
لقد وثق بك ذلك البائس، الذي
كدست عليه الإيرينويس المنتقمة
دموعا فوق دموع، وجاءت بدم
أمك عليك
وعلى بيتك، حتى أصابتك بالجنون
إني أبكيك، أبكيك!
ما من حظ عادل بين البشر،
ولكن كالشراع الذي مزقته العاصفة،
يتمرغ في مد العذاب جالب الموت
بحقد السماء،
كلا، فإنه لا يقيم؛ إذ أين أجد لي مجالا
أكثر مجدا في الرواية
من بيت تانتالوس، من الزواج الإلهي
المقتفي أثر مجده
ولكن رويدك، يبدو لي أن أميرا يأتي إلى هنا
الملك مينيلاوس! لأن درعه البراقة
في عظمة متزايدة،
تظهر دم البيت التانتاليدي.
مرحبا بك، يا من أبحرت بألف سفينة
مسرعا إلى آسيا!
مرحبا بك، أيها الساكن ذو الحظ الجميل،
يا من نالت كل صلواتك نعمة الله! (يدخل مينيلاوس مع الخدم.)
مينيلاوس :
مرحبا بك يا بيتي: أراك وأنا نصف فرحان،
إذ عدت من طروادة، وأراك وأنا نصف حزين،
لأنني لم أبصر بيتا آخر قبل هذا
مفعما بالمتاعب والويلات المفجعة.
إذ عرفت مصير أجاممنون المؤثر،
وبأية ميتة مات، بيدي زوجته،
فعندما لمس حيزوم سفينتي في ماليا
Malea : لمسته الأمواج
أعلمني عراف السفينة. ذلك الإله الذي لا يخطئ،
جلاوكوس
Glaucus
13
ابن نيريوس
Nereus ،
14
قائلا: «يرقد أخوك ميتا، يا مينيلاوس،
أوقع في الحمام، شرك الموت الذي أعدته زوجته!»
وهكذا، ملأني أنا وبحارتي، بالدموع
الغزيرة. ولما لمست أرض ناوبليا،
وحتى عندما أسرعت زوجتي إلى هنا،
ونظرت لتمسك بابن أجاممنون الميت،
أوريستيس، وأمه في ذراعين محبتين،
وإن كنت لا أزال مرحا، سمعت صياد سمك يروي
مقتل ابنه تونداريوس، الملعون من السماء.
والآن أخبرنني، أيتها الآنسات، أين هو،
ابن أجاممنون، الذي اجترأ على تلك الفعلة البشعة؟
كان طفلا رضيعا في ذراعي كلوتمنسترا،
ولذا، فإني لن أعرفه إذا رأيته.
أوريستيس :
أنا أوريستيس! أنا الذي تبحث عني،
سأخبرك بويلاتي من تلقاء نفسي؛
ولكني كمتوسل، أبدأ أولا، بأن أمسك ركبتيك،
كمقدمة،
وأقدم لك الصلوات عديمة أوراق الأشجار، التي تنطق
بها الشفاه
15
وتربطني بها.
أنقذني: إنك أتيت وأنا في أشد الحاجة إليك.
مينيلاوس :
أيتها الآلهة! ماذا أرى؟ أي شبح أرى؟
أوريستيس :
الحقيقية أنني شبح - إنني ميت حي بسبب الويلات!
مينيلاوس :
ما أشد وحشية خصلات شعرك الملبد، أيها التعيس!
أوريستيس :
إن الحقيقة الصارمة، غير اللائقة المظهر، لتعذبني.
مينيلاوس :
وإنك لتحملق بمقلتين حجريتين، بطريقة مخيفة!
أوريستيس :
ذهبت حياتي، ولم يبق غير اسمي فحسب.
مينيلاوس :
يا لها من سحنة شوهت، بما يفوق كل تصور!
أوريستيس :
إنني قاتل أم تعيس.
مينيلاوس :
سمعت ذلك، وفر عليك ذكر فظائعها، ولتكن
ألفاظك قليلة
أوريستيس :
إنني أوفرها، ولكن السماء لا توفر دون أية فظائع!
مينيلاوس :
ماذا يؤلمك ؟ أي مرض يدمرك؟
أوريستيس :
تبكيت الضمير! أن أعرف أني اقترفت فعلة مخيفة.
مينيلاوس :
ماذا تعني؟ الوضوح حكمة، وليس الغموض.
أوريستيس :
الحزن أكثر كل شيء، هو الذي ينهكني،
مينيلاوس :
الحزن ربة مرهوبة، ومع ذلك، يوجد علاج للحزن.
أوريستيس :
والجنون، الانتقام لدم الأم.
مينيلاوس :
ومتى بدأ جنونك؟ في أي يوم؟
أوريستيس :
يوم أن وضعت كوما فوق قبر أمي.
مينيلاوس :
في البيت، أو وأنت ساهر بجانب كومة حرق الجثة؟
أوريستيس :
في سهر تلك الليلة التي تجمع فيها العظام.
مينيلاوس :
وهل كان هناك أحد ليرفع جسمك إلى أعلى؟
أوريستيس :
بولاديس، شريكي في دم أمي.
مينيلاوس :
وما نوع الأشباح التي تنتابك؟
أوريستيس :
أعتقد أنني رأيت ثلاث فتيات أشبه بالليل.
مينيلاوس :
أعرف عمن تكلم، ولكني لن أذكر أسماءهن.
أوريستيس :
إنهن الربات المرهوبات؛ إنك لعاقل إذ لم تذكر
أسماءهن.
مينيلاوس :
وهل يجئنك هؤلاء بسبب دم الأقارب؟
أوريستيس :
الويل لأقدامهن المفزعة التي تتبعني.
مينيلاوس :
من أجل الأفعال المخيفة، آلام مخيفة! لا غرابة
في هذا.
أوريستيس :
ولكن، هل لي أن أطرح عني عبء العذاب هذا؟
مينيلاوس :
كلا، لا تتكلم عن الموت! ليس هذا من الحكمة في شيء.
أوريستيس :
وعن فويبوس؛ الذي أمرني بأن أريق دم أمي.
مينيلاوس :
إنه ليفتقر تماما إلى العدالة وإلى الحق!
أوريستيس :
إننا عبيد الآلهة، مهما كانت تلك الآلهة.
مينيلاوس :
ألم يحمك لوكسياس في آلامك؟
أوريستيس :
إنه يتلكأ طويلا - هذه عادة الآلهة.
مينيلاوس :
كم مضى من الوقت على خروج آخر أنفاس والدتك؟
أوريستيس :
هذا هو اليوم السادس؛ لا تزال كومة حرق الجثة
ساخنة.
مينيلاوس : «تتلكأ الآلهة طويلا!» لم يتلكأ هؤلاء طويلا.
أوريستيس :
لست مكارا، وإنما أنا صديق مخلص لصديق.
مينيلاوس :
وهل نفعك شيئا انتقامك لوالدك؟
أوريستيس :
لا شيء حتى الآن؛ إنني أعتبر التأخر عدم فعل.
مينيلاوس :
وأرجوس، كيف نظرت إلى فعلتك؟
أوريستيس :
صرت مكروها بسببها، ولا أحد يتحدث إلي.
مينيلاوس :
وهل تطهرت يداك من الدم، كما يقضي القانون؟
أوريستيس :
كلا؛ فمقفلة هي جميع الأبواب التي أقترب منها.
16
مينيلاوس :
ومن من المواطنين سينفيك؟
أوريستيس :
أويا كس
Oiax
17
إذ بينه وبين والدي عداوة
متأصلة من طروادة.
مينيلاوس :
نعم هو هكذا؛ لينتقم منك الدم بالأميديس.
18
أوريستيس :
لم أكن أنا الذي سفك ذلك الدم. إنني مغلوب
على أمري ثلاث مرات.
مينيلاوس :
ومن غيره من الأعداء؟ أهناك بعض من
أصدقاء أيجيسثوس؟
أوريستيس :
نعم، هؤلاء يوجهون إلي الإهانات، وتستمع إليهم
أرجوس الآن.
مينيلاوس :
هل سمحت لك أرجوس بالاحتفاظ بصولجان والدك؟
أوريستيس :
كيف يسمح لي بذلك أولئك الذين لا يسمحون
لي بأن أعيش؟
مينيلاوس :
وماذا فعلوا غير ذلك، مما لا تستطيع ذكره أكيدا؟
أوريستيس :
سيصدرون اليوم حكما على مصيري.
مينيلاوس :
ألنفيك، أو لموتك، أو لأي مصير آخر غير الموت؟
أوريستيس :
لأموت رجما بالحجارة بيد الشعب.
مينيلاوس :
ولماذا لا تهرب إلى خارج حدود بلدك؟
أوريستيس :
إنني داخل الحصار، مطوق بأذرع نحاسية.
مينيلاوس :
من أعداء معينين، أو من كل قوة أرجوس؟
أوريستيس :
من جميع القوم؛ لأموت، سينطق بهذا حالا.
مينيلاوس :
يا لك من بائس! لقد وصلت إلى أعمق أعماق سوء الحظ!
أوريستيس :
إن أملي ليلجأ إليك لإنقاذي من آلامي.
لقد أتيت غنيا إلى قوم فقراء:
فأعط أصدقائك نصيبا من ثرائك،
ولا تحتفظ بسعادتك لنفسك،
بل تحمل بدورك جزءا من الآلام؛
سدد ما عليك من أفضال والدي إلى من يستحقونها.
إن لهم اسم الصداقة دون حقيقتها،
الأصدقاء الذين ليسوا أصدقاء في وقت الشدة.
الكوروس :
اسمع يا هذا، إن تونداريوس الإسبرطي،
ليناضل بأقدام شاخت، وهو يرتدي السواد،
وقد قص شعره، حدادا على ابنته.
أوريستيس :
أسقط في يدي، يا مينيلاوس - ها هو ذا توندرايوس
يقترب مني، هذا الذي أتحاشى لقاء عينه أكثر من أي
شخص آخر؛
بسبب الفعلة التي اقترفتها
لقد رباني رضيعا، وكم أوسعني
تقبيلا، وهو يدلل في ذراعيه
ابن أجاممنون، وإلى جانبه ليدا
Leda ،
19
وليس هذا بأقل من الأخوين التوءمين اللذين أكرماني.
إليهما - يا للأسف على قلبي وروحي البائسين!
إذ قدمت الجزاء سيئا! أي قناع من الظلام
يمكنني أن آخذ لوجهي؟ وأنشر أمامي
أية سحابة، لأتحاشى عين هذا الرجل العجوز الباحثة ؟ (يدخل تونداريوس.)
تونداريوس :
أين، أين أرى سيد ابنتي
مينيلاوس؟ إنه على قبر كلوتمنسترا،
يصب السكائب؛ فقد سمعت أنه عاد،
بعد سنين طويلة، إلى ناوبليا، مع زوجته.
قدني؛ فأنا أتوق إلى الوقوف عن يمينه،
وأحيى شخصا حبيبا رأيته بعد غيبة طويلة.
مينيلاوس :
مرحبا بك، أيها العجوز، الشريك في فراش زوس!
تونداريوس :
ومرحبا بك أيضا، يا مينيلاوس، يا قريبي!
أواه، ما ألعن العمى بالمستقبل!
ها هو ذا الثعبان قاتل أمه أمام الأبهاء،
يبرق ببروق السم، ذلك الذي أمقته!
أنتكلم يا مينيلاوس مع الملعون؟
مينيلاوس :
ولم لا؟ إنه ابن رجل حبيب إلى نفسي.
تونداريوس :
ابن البطل هذا! نذل مثله!
مينيلاوس :
ابنه. فإذا كان بائسا، فإنه لا يزال جديرا بالإجلال.
تونداريوس :
لقد صرت بربريا؛ إذ عشت طويلا وسط البرابرة.
مينيلاوس :
لا يزال الإغريق يحترمون دم الأقارب.
تونداريوس :
نعم، ولا يرغبون في كسر القوانين.
مينيلاوس :
إن ضحايا القدر، عبيد القدر في عيون الحكماء.
تونداريوس :
اعتقد أنت بذلك؛ فلن أعتقد أنا به.
مينيلاوس :
ليس من الحكمة أن تغضب وقد اتصل الشعر
الأبيض بغضبك.
تونداريوس :
أتناقش الحكمة؟ وما صلة هذه به؟
فإذا ما كان الصواب والخطأ ظاهرين للجميع،
فأي رجل عديم العقل أكثر من هذا،
الذي لم يتجه ببصره نحو العدالة إطلاقا،
ولم يلجأ إلى قانون الأغارقة العام؟
فعندما أخضع أجاممنون الشبح،
قطعت ابنتي رأسه،
وهذه فعلة شنيعة للغاية، لن أحبذها قط،
كان ينبغي أن يقاضيها من أجل الدم
بانتقام قانوني، ويغادر البيت،
لكي ينال من المكروه، شهرة الحكمة،
التي يثبتها له القانون ومخافة الرب.
ولكنه اشترك في لعنة أمه؛
وبما أنه يعتبرها نذالة بحق؛
فإنه صار أكثر نذالة بقتله الأم.
ولكني أطلب منك هذا، يا مينيلاوس:
إذا كان هذا الرجل قد قتل بيد زوجته الشرعية،
وقتل ابنه أمه انتقاما لمقتل والده،
فانتقم ابنه من الدم بالدم،
إذن فأين تقف حدود هذه الفظائع؟
حسنا قرر آباؤنا الأقدمون:
ألا يسمحوا للملوث بالدم
أن يأتي أمام عيونهم، أو يجتاز طريقهم «الحكم بالمنفى، وليس الدم بالدم».
وإلا صار المرء عرضة للموت
إذا كانت جريمة الدم لا تزال في يديه.
أما عن نفسي، فإني أمقت بحق النساء الشريرات،
وابنتي أكثر منهن جميعا، تلك التي قتلت سيدها.
ولن تنال هيلين زوجتك أي ثناء مني:
لن أتحدث إليها، ولن أحسدك
على رحيلك إلى طروادة من أجل مثل هذه الزوجة
الشريرة.
ولكن كل ما أستطيعه هو الوقوف أمام القانون؛
لأطفئ هذه النزوة الوحشية في الإنسان، ذلك
التعطش للقتل،
الذي يخرب الأراضي والمدن باستمرار.
أي قلب كان لديك، أيها المعدوم الضمير، في تلك الساعة،
عندما كشفت أمك عن ثديها
وهي تتوسل إليك؟ فأنا الذي لم أشاهد تلك
الفظائع هناك،
أغرق، والويل لي! عيني المسنتين بالدموع.
شيء واحد يؤيد كلامي، بأية حال،
وهو أنك بغيض إلى الآلهة، معاقب على قتل الأم
بالفزع وبنوبات الهذيان الجنونية. وما حاجتي
إلى شهود آخرين، عن أشياء واضحة أمام البصر؟
إذن، فلتحذر يا مينيلاوس: لا تناضل
ضد الآلهة؛ إذ تتوق إلى مساعدة هذا الرجل.
اتركه ليموت رجما بواسطة القوم،
وإلا فلا تضع قدمك على أرض إسبرطية.
أدت ابنتي دين العدالة، بموتها،
ومع ذلك، فيبدو أنه ليس المدبر لقتلها.
إنني سعيد في كل شيء آخر
عدا بناتي؛ هؤلاء المنحوسات الطالع للغاية.
الكوروس :
يعيش سعيدا من بورك له في أولاده،
ولم يحظ بسوء الحظ الذائع الصيت في العالم.
أوريستيس :
أيها العجوز، أخشى أن أقدم لك دفاعي؛
إذ لا يسعني إذ ذاك إلا الإساءة إلى روحك.
دع شيخوختك التي ترهب لساني،
غير المقيد، أن تبتعد عن طريق دفاعي،
وسأستمر، أنا الذي أخاف شعرك الأشيب الآن.
أعرف أنني ملوث بجريمة قتل أمي،
ولكني طاهر؛ إذ انتقمت لأبي.
ماذا كان يجب علي أن أفعل؟ فلتواجه المرافعة المرافعة؛
أبي هو الذي أوجدني، أما ابنتك فهي التي ولدتني -
إنها الحقل الذي تسلم البذرة من الزارع؛
وبغير أب لا تكون هناك ذرية.
قلبت الأمر في ذهني وقتذاك، فوجدت أن الدفاع
عن منشأ
حياتي، خير من الدفاع عن تلك التي لم تفعل شيئا
سوى تربيتي.
إن ابنتك - ويخجلني أن أسميها أمي -
سعت في مغازلة غير شرعية وفاسقة
إلى عاشق؛ من العار علي أن أتكلم
في موضوع غرامها، ومع ذلك فسأنطق به:
كان أيجيسثوس هو ذلك العاشق السري.
فقتلته وقتلت أمي على مذبح واحد -
اقترفت إثما، بيد أنني أخذت بثأر والدي.
اسمع كيف أنني بذلك الأمر الذي تهددني من أجله بمصير
الرجم، قدمت خدمة لجميع بلاد الإغريق؛
فإذا أقدمت الزوجات، بذلك الاستهتار الجريء،
على قتل أزواجهن، ووجدن ملاذا إذ ذاك
عند أولادهن بأن تستدر كل منهن العطف بتعرية ثديها،
إذن لاعتبرن قتل بعولهن أمرا غير ذي بال،
معتذرات بأعذار حسب الظروف. بالأعمال المفزعة -
كما هي الحال في كلامك الطنان - أبطل القانون:
كلا، ولكني قتلت أمي بكراهية مشروعة،
تلك التي، لما كان سيدها يحارب بعيدا عن الوطن،
رئيسا لجيوشنا، من أجل خاطر هيلاس كلها،
خانته، ولم تحتفظ بفراشه غير مدنس.
وعندما كشفها إثمها، لم تعاقب
نفسها، وإنما، لئلا يعاقبها سيدها،
صبت نقمتها على أبي العفيف، وقتلته.
أقسم بالسماء، إنه لزمن سيئ! أصرخ على السماء،
أنني بهذا القتل الدفاعي، قد أكدت
أفعالها بالصمت، ماذا فعلت الميتة؟
ألم تضايقني إيرينويس كراهيتها؟
أو هل تحارب ربات إلى جانب الأم،
وما من آلهة إلى جانب ذلك الذي لقي ظلما أعمق؟
أيها العتيق، لقد حطمتني بإنجابك،
ابنة شريرة؛ إذ بسبب استهتارها
صرت عديم الأب، وقاتل أم
لاحظ هذا؛ لم يقتل تيليماخوس
Telemachus
20
زوجة أوديسيوس
Odysseus ؛
21
لأنها لم تتخذ زوجا
طالما كان سيدها حيا،
بل ظل فراشها طاهرا في أبهائها.
لاحظ هذا؛ يعطي أبولو، عند عرش سرة الأرض
أعظم الأفكار الحقيقية للبشر،
ذلك الذي أطيعه في كل ما يقول.
وإذ أطعته، قتلت أمي.
اعتبره غير مقدس، نعم، واقتله!
إنه هو الذي أذنب، ولست أنا. ماذا كان يجب علي
أن أفعل؟
أو إنه ليست للإله قوة على غفران الخطيئة
التي أنسبها إليه؟ إلى أين يهرب الإنسان، إذن؟
إذا لم ينجني من الموت، ذلك الذي أمرني به؟
كلا، لا تقل إن ذلك لم يكن عملا حكيما،
ولو أنني كنت الفاعل المنفذ له .
سعيدة هي حياة الناس الذين بوركت
زيجاتهم ، أما أولئك الذين يلازمهم النحس
في الوطن، وفي الخارج، فهم التعساء.
الكوروس :
خلقت النساء لتنغيص حياة الرجال
ويعملن دائما لسقوطهم الأكيد.
تونداريوس :
بما أنك غير خجلان، وتدور بالحديث،
فتجيب بهذا الرد لكي تغيظ روحي،
فإنك إنما تزيدني حراسة لأحث على موتك،
وهذا حافز عادل للعمل المقصود
الذي أتيت لأجله، وهو أن أزين قبر ابنتي!
سأذهب إلى اجتماع مجلس أرجوس
وأثير القوم - فهم في حاجة إلى قليل من الإثارة! -
وأحثهم على أن يرجموك بالحجارة، أنت وأختك حتى
تموتا.
نعم، إنها أجدر منك بأن تموت،
فهي التي حرضتك ضد أمك، نعم
بإرسالها إلى أذنك رسائل سامة،
فتخبرك بأحلام مرسلة من أجاممنون،
وتخبرك بأن آلهة العالم السفلي تمقت
فراش أيجيسثوس - البغيض جدا على الأرض -
حتى اشتعل البيت بنار غير عادية.
أحذرك بهذا، يا مينيلاوس، نعم، هذا يكفي:
إذا كنت تعمل حسابا لكراهيتي، ولصلة قرابتنا،
فلا تحم هذا الرجل من الموت، ضد حقد السماء.
اتركه ليموت رجما بالحجارة بأيدي القوم،
وإلا، فلا تضع قدمك فوق أرض إسبرطية!
سمعت هذا، فتذكر! لا يقع اختيارك على عديم الصلاح،
وتترك الأصدقاء الذين يوقرون الرب.
خذوني، يا خدمي، من هذا المكان. (يخرج.)
أوريستيس :
انصرف، حتى يصل ما أقول
إلى أذنيه دونما عائق، مفلتا من عمرك المعوق.
أيا مينيلاوس، لماذا تذرع الأرض جيئة وذهابا تفكر،
وتطأ متاهات الحيرة؟
مينيلاوس :
اترك ما أفكر فيه داخل نفسي؛
لا أدري أين أستدير في هذا المضيق.
أوريستيس :
لا تنه تفكيرك بالتعجل: استمع أولا
إلى مرافعتي، ثم اتخذ قرارك بعد ذلك.
مينيلاوس :
قل؛ فقد تكلمت حسنا. يكون السكوت أحيانا
خيرا من الكلام، كما أن الكلام أحيانا خير من السكوت.
أوريستيس :
سأتكلم الآن. ستكون ألفاظي خيرا
من قليل، وأوضح فهما.
لا تعطني شيئا مما تملك، يا مينيلاوس،
بل أعط مما أخذت من أبي.
لست أعني كنزا: ولكن، إذا أنقذت حياتي،
كان ذلك أغلى عندي من أي شيء آخر.
افرض أنني أخطأت؛ يجب، لهذا الخطأ،
أن أحظى منك بخطأ ؛ لأن أجاممنون
أخطأ، بأن قاد جيوش بلاد الإغريق إلى إيليوم؛
لم يذنب هو، ولكنه سعى إلى إصلاح
ذنب وخطأ زوجتك.
يجب أن تمنحني معروفا لقاء ذلك المعروف.
الحقيقة أنه باع حياته من أجلك، كما يجب على الأصدقاء،
لأجل الأصدقاء، يقاتل جاهدا تحت الترس،
حتى يجعلك تحظى ثانية بزوجتك.
نلت هذا هناك، فجازني بمثله.
جاهد مدة يوم واحد من أجل خاطري، قف
من أجل حياتي، لا أطلب منك أن تنهك نفسك
مدة عشر سنوات.
تسلمت أوليس
Aulis
دم شقيقتي: أعفيك
من هذا، ولا أطلب منك أن تذبح هيرميوني.
يجب عليك، عندما أكون في حال كالتي أنا فيها الآن،
أن تنتهز الفرصة، ويجب أن أتنازل عن الدين.
ولكنا نعطي حياتنا لوالدي التعيس،
حياتي وحياة أختي، التي ظلت مدة طويلة بغير زواج؛
إذ لما كنت بغير وارث، فإذا مت، فسأترك بيته.
هل تقول إنها قضية ميئوس منها؟ هذه هي ساعتك
في وقت الحاجة الماسة، يتحتم على الأصدقاء أن يساعدوا
أصدقاءهم.
أما إذا منحت ربة الحظ نعمتها، فلا حاجة إلى الأصدقاء
بل تكفي معاونتها، إذا رغبت في أن تعاون.
تعتقد بلاد الإغريق كلها أنك تحب زوجتك،
لا أقول هذا لكي أخدعك برقيق الألفاظ؛
إنني أستحلفك بها! ... (هامسا) الويل لحزني!
إلى أي طريق وصلت! لماذا أتذلل هكذا؟
ومع ذلك، فإني أتوسل من أجل بيتنا كله!
أيا شقيق والدي، افرض أنه
يسمع هذا الكلام، ذلك الراقد تحت الأرض، والذي
تحوم
فوقك روحه. فإن ما أقوله أنا، يقوله هو.
قلت هذا مدفوعا بالدموع، وبالتأوهات، وبتوسلات
الضيق، وطالبتك بحياتي،
ساعيا إلى كل ما يسعى إليه جميع الناس، ولست
أنا وحدي
الكوروس :
وأنا أيضا أتوسل إليك، رغم كوني امرأة،
لإنقاذ من كان في حاجة إلى الإنقاذ، ولديك القوة.
مينيلاوس :
يا أوريستيس، إنني أبجلك حقا،
وأتوق إلى مساعدتك في احتمال عبء آلامك.
نعم، يقضي الواجب بذلك، فعندما يعطي الله القوة،
ينبغي للأقارب أن يتحمل كل منهم أعباء الآخر.
حتى ولو جر ذلك إلى الموت، أو قتل أعدائهم؛
ولكن القوة - عسى الله أن يعطينيها!
أتيت، رمحا فردا، لا حليف لي،
أرتحل طويلا بعمل متعدد النواحي،
ولم يبق لي إلا مساعدة ضعيفة من الأصدقاء.
لا نستطيع، في القتال، أن نتغلب قط.
على أرجوس البيلاسجية
، وإذا أمكننا التغلب
بالألفاظ الرقيقة، فهذا جل أملنا؛
إذ أنى للمرء، بوسائل ضعيفة، أن يحقق
أشياء عظيمة؟ إن مجرد تمني ذلك ضرب من الغباوة.
إذ إن أول انقضاض لغضب الجمهور،
أشبه بمحاولة الإنسان أن يخمد نارا عاتية.
ولكن إذا وجهها الإنسان برفق نحو هدفه،
وأبطأ القوة، ولاحظ الوقت المناسب،
ذهبت قوة ريحهم، وعندما تهدأ شدة الريح،
يمكنك بالرفق أن تحظى بغرضك منهم.
إن فيهم لرحمة، وإن فيهم لروحا عالية،
وهذا شيء بالغ القيمة ينتهز فرصة وقته.
والآن، سيسعى تونداريوس والمدينة
إلى التأثير على القوم بحسب حالتهم الثائرة.
فإذا شد المرء شراع السفينة الرئيسي بقوة،
مالت كثيرا نحو الأعماق، ثم تعتدل ثانية عند إرخاء ذلك
الشراع الرئيسي.
لأن الرب يمقت التفاني في العنف،
كما يكرهه المواطنون أيضا. يجب أن أفرض أنني أنقذك -
بالحكمة، وليس بتحدي القوى.
لا أستطيع - كما تحلم أنت - أن أنقذك
بالقوة. إنه لمن الشاق علي، برمحي الفرد
أن أنتصر على الشرور المحيطة بك؛
وإلا فلن أحاول بالعنف استدرار
عطف أرجوس؛ ولكن، لما كانت الحاجة ماسة الآن،
يجب على الرجال الحازمين أن يكونوا عبيدا للقدر. (يخرج.)
أوريستيس :
لا شيء يجدي - لقيادة حشد
إلا في قضية امرأة! - والجبن في تحدي الأصدقاء!
أتتحول عني؟ أتهرب مني؟ أعمال أجاممنون
المنسية؟ وا أبتاه، يا عديم الأصدقاء في محنتك!
ويلى، لقد خدعت. لم يعد للأمل وجود
للاحتماء من قضاء أهل أرجوس بالموت!
لأن كل أمل لي في النجاة كان في هذا الرجل.
ولكن انظر، ها أنا ذا أرى أعظم من أحب من الرجال،
ها هو بولاديس يسرع إلى هنا من فوكيس
إنه منظر مبهج! فالصديق المخلص، في وقت الضيق
مرحب به أكثر من ترحيب البحارة بهدوء الريح. (يدخل بولاديس.)
بولاديس :
جئت إليك مخترقا طرقات المدينة بسرعة لم تعهدها؛
لأنني سمعت مجلس أرجوس، نعم ، رأت عيناي ذلك المجلس
اجتمع من أجل مصيرك ومصير أختك؛ لقتلكما الآن.
ما معنى هذا؟ كيف صحتك، وما حالتك؟
إنك أعز رفقاء العمر،
نعم، أنت أعز على نفسي من الأصدقاء والأقارب،
من كل واحد من هؤلاء.
أوريستيس :
إننا لهالكان! هذا موجز أخبرك به بكل محنتي.
بولاديس :
سيكون هلاكك سقوطا لي؛ فالأصدقاء شخص
واحد في الضراء والسراء.
أوريستيس :
إن مينيلاوس خائن نذل، لي ولأختي.
بولاديس :
الغرابة قليلة في هذا الأمر، لقد صار الزوج
خائنا بتأثير زوجته الخائنة!
أوريستيس :
بما أنه لم يأت؛ فإن دينه لي لم يسدد بعد.
بولاديس :
وكيف إذن؟ هل وضع قدمه في كل عمل
داخل هذه الأرض؟
أوريستيس :
جاء متأخرا، ولكنه وقت مبكر، متهما بخيانة قريبه.
بولاديس :
وزوجته، الخائنة الأولى، هل أحضرها، مبحرا
إلى هنا!
أوريستيس :
لم يكن هو الذي أحضرها إلى هنا، وإنما هي
التي أحضرت سيدها إلى هنا.
بولاديس :
أين هي، تلك التي قتلت من أهل أرجوس أكبر
من أية امرأة أخرى؟
أوريستيس :
في بيتي - إذا كان يمكنك تسمية ذلك القصر
الآن هكذا - إنها تقيم فيه.
بولاديس :
ماذا ستجني من عملك بالتوسل؟
أوريستيس :
ألا يرى الشعب يقتلني ويقتل أختي.
بولاديس :
أقسم بالآلهة - وماذا قال هو عن ذلك؟ - إنني
في غاية الشوق لمعرفة هذا منك.
أوريستيس :
كان حذرا - كما هي عادة الصديق الكاذب نحو
أصدقائه.
بولاديس :
متهربا بأي عذر؟ هذا كل ما أعرفه عندما
أسمع هذا الكلام منك.
أوريستيس :
أتى والد البنات المعدومات النظير.
بولاديس :
أتقصد تونداريوس؛ لأنه حانق من أجل ابنته.
أوريستيس :
لقد خمنت بالصواب؛ اختار مينيلاوس مثل هذا
القريب، قبل أبي.
بولاديس :
ألم يجرؤ على مد يده على حملك، عندما كان
واقفا هنا؟
أوريستيس :
إنه لا يتصف بالبطولة إطلاقا! - أما وسط النساء
فتجده شجاعا.
بولاديس :
إذن، فأنت في أحط أعماق الشر؛ لا بد أن
الموت في غير حاجة إلى مقام.
أوريستيس :
من المؤكد أنه سيعطي صوته مع أهل أرجوس
فيما يختص بوجوب قتلنا.
بولاديس :
وماذا تكون نتيجة هذا؟ أخبرني؛ فإن قلبي مفعم
بالخوف.
أوريستيس :
الموت أو الحياة. سرعان ما ستقال الكلمة التي
تعين المصير العديم التاريخ.
بولاديس :
إذن، فاهرب؛ غادر أبهاء القصر تلك، اهرب
مع شقيقتك.
أوريستيس :
ألا ترى؟ إننا محروسون تماما، والحراس
حولنا من كل جهة.
بولاديس :
لاحظت صفوفا من الرماح والتروس، وقد أقفلوا
منافذ كل طريق.
أوريستيس :
إننا محاصرون، كما يحاصر الأعداء مدينة.
بولاديس :
اسألني عن حالتي، أنا أيضا؛ لأنني مثلك قد
أسقط في يدي.
أوريستيس :
أحقيقي؟ بواسطة من؟ سيكون هذا شرا
يضاف إلى مصيبتي.
بولاديس :
نفاني ستروفيوس
Strophius
من وطني؛ لقد
زج بي غضب أبي إلى ذلك المكان.
أوريستيس :
وما هي التهمة الموجهة إليك؟ بينك وبينه؟
أو هل وجدت الأمة ذنبا ما؟
بولاديس :
أنني ساعدتك على قتل أمك؛ يعتبر هذا
عملا مخالفا لتعاليم الدين.
أوريستيس :
الويل لي! أيجب أن تتصل آلامي المبرحة
بآلامك الشديدة!
بولاديس :
لست مينيلاوس، يجب أن أتحمل هذا العذاب.
أوريستيس :
ألا تخاف أن تحكم أرجوس عليك بحسب
فعلتي، فتشاركني موتي؟
بولاديس :
لست تابعا لهم فيعاقبوني، بل لأرض فوكيس.
أوريستيس :
مخيف هو غضب الشعب، عندما يسيطر الأشرار
على مجرى ذلك الغضب.
بولاديس :
كلا، ولكنهم إذ اتخذوا لهم رؤساء أمناء،
أسدوا إليهم نصحا أمينا.
أوريستيس :
تعال، ولتتصادق أنت وهو.
بولاديس :
فيما يختص بأي حاجة غير صالحة؟
أوريستيس :
هل أذهب وأخبر الشعب ...
بولاديس :
بأنك تعمل باستقامة؟
أوريستيس :
أخذا بثأر والدي؟
بولاديس :
قد يسرهم القبض عليك.
أوريستيس :
وكيف إذن، أرتجف ذعرا وأموت في صمت؟
بولاديس :
يحدث هذا بنوع من الجبن.
أوريستيس :
وماذا أفعل، إذن؟
بولاديس :
أيكون لديك أمل في الحياة وأنت قابع هنا؟
أوريستيس :
كلا.
بولاديس :
ولكن هل هناك أمل في الذهاب للخلاص من المكروه؟
أوريستيس :
قد يكون هناك أمل.
بولاديس :
أليس هذا خيرا من الجلوس ساكنا؟
أوريستيس :
فهل أذهب، إذن؟
بولاديس :
نعم، لتموت ميتة الأبطال.
أوريستيس :
حسنا؛ فقد نجوت من وصمة «الجبن».
بولاديس :
أكثر ما لو بقيت هنا.
أوريستيس :
والحق معي.
بولاديس :
أرجو فقط أن يرى كل الناس الفعلة.
أوريستيس :
ربما بعضهم يعطف -
بولاديس :
نعم، وإن مولدك الملكي ليتشفع لك بقوة.
أوريستيس :
ساخط على موت أبي.
بولاديس :
كل هذه الأشياء واضحة للعيان.
أوريستيس :
هيا! فالموت غير المشرف ليس خليقا بالرجال!
بولاديس :
يرن المثل بشجاعة.
أوريستيس :
هل نذهب ونخبر شقيقتي بهدفنا؟
بولاديس :
كلا، بحق السماء!
أوريستيس :
حقا؛ فقد تنخرط في البكاء.
بولاديس :
هكذا أخبر بطوالع الشؤم.
أوريستيس :
لا جدال في أن السكوت أفضل.
بولاديس :
عندئذ تجد مقاومة أقل.
أوريستيس :
ومع ذلك، فتواجهني عقبة كأداء.
بولاديس :
أي شيء جديد في مخيلتك؟
أوريستيس :
أخشى أن تصيبني الشيطانات بالجنون.
بولاديس :
كلا، سأعنى بضعفك.
أوريستيس :
إنه لعمل ملوث أن تلمس المريض!
بولاديس :
ليس لي من أجلك، يا صديقي.
أوريستيس :
إذن فاحذر لوثة جنوني هذا.
بولاديس :
يا لها من شكوك دنيئة!
أوريستيس :
أيمكن أنك لا تتراجع؟
بولاديس :
تراجع الأصدقاء ذنب وضيع.
أوريستيس :
هيا إذن، يا مرشد خطواتي.
بولاديس :
حلوة هي عنايتي المحبة هذه.
أوريستيس :
قدني إلى كومة قبر أبي.
بولاديس :
وماذا تفعل هناك؟
أوريستيس :
أتوسل إليه في أن يخلصني.
بولاديس :
نعم، من العدل أن يكون هكذا.
أوريستيس :
ولكني لن أرى قبر أمي ...
بولاديس :
لأنها كانت عدوة.
أسرع إذن؛ لئلا يكون الأرجوسيون قد قرروا مصيرك
قبل أن تصل إلى ذلك المكان،
وإذا انتاب المرض جسمك وأنهكك، فاعتمد على معانقتي.
خلال الطرقات في غير ما خجل؛ ودون الاهتمام بالعوام؛
سأحملك قدما. وبذا أبرهن على أني صديق صدوق،
إذا لم يظهر عجزي في عذاب مخيف!
أوريستيس :
إذن، فهنا يصدق المثل القديم: «اتخذ
لنفسك أصدقاء، وليس أقارب فقط.»
فذلك الذي روحه هي روحك يلتصق بك على الرغم
من كونه ليس من أقاربك،
فلأن تربح صديقا، خير من ألف قريب. (يخرج أوريستيس وبولاديس.)
الكوروس (أنشودة) :
الحظ الملكي، والجرأة الفائقة،
اللذان رن مجدهما خلال أرض الأغارقة،
نعم، رن حيث يتدفق نهر سيمويس
Simois ،
فصارت ثمرته وبالا على أبناء أتريوس،
هي عاقبة اللعنة التي زرعت منذ زمن سحيق،
عندما حلت بأبناء تانتالوس محنة مقيمة.
نضال الحمل ذي الجزة الذهبية،
أقام وليمة، وضعت فوقها الأهوال؛
إذ من أجلها سفك دم طفل رضيع ابن ملك،
حيث اقتفى القتل خطوات القتل
الحمراء، وأحاط بالجرح النازف من
التوءمين الأتريديين بغير توقف. (الرد على الأنشودة.)
أيتها الفعلة الجميلة المظهر، أيتها الفعلة غير المقدسة!
بيد مسلحة بنصل من الفولاذ ليقطع عنق
أم، ويرفع أمام بصر إله الشمس،
ضرج النصل القاتم بالموت، أواه إنه خدعة
السفسطة غير الصالحة لوضع الباطل
موضع الحق، إنها غباوة المذنب العاشق!
وا حسرتاه، صرخة ابنة تونداريوس، في خوف
مذهل من الموت، صرخت في رعبها المؤلم، «أي بني، أتقتل أمك، وتدوس حقها
تحت قدميك! احذر لئلا يطويك معروفك
للميت والدك، في خزي تام،
ويظل اسمك كالنار، خامدا إلى الأبد!» (موال.)
أي عذاب أعظم، وأي سبب للبكاء،
وأي حزن مؤسف في أية أرض،
أكثر من أن يغمس الابن يده في دم أمه؟
كيف في عربدة الجنون يقفز؟
لقد طوحت به الفعلة التي اقترفتها يده،
وأجنحة كلاب الجحيم تسرع في اقتفاء أثره،
بعيون تدور في وحشية، وفي فزع لا تذوق النوم،
إن سليل أجاممنون قاتل أم ملعون!
يا له من نذل ذلك الذي لا يتخاذل قلبه ولا يرتجف،
عندما، فوق ثوبها الموشى بالذهب،
رأت عيناه ثدي الأم!
ومع ذلك ذبحها كأنها حيوان عند المذبح؛
إذ ألهبت مظالم الأب الشعلة. (تدخل إلكترا.)
إلكترا :
أيتها السيدات، لا شك في أن أوريستيس، الذي
أنهكته المصائب لم يهرب
من هذه الأبهاء المحملة بالجنون المرسل من السماء؟
الكوروس :
كلا، كلا، بل ذهب إلى أهل أرجوس؛
ليحضر المحاكمة المعينة للحكم في حياته،
الذي يتوقف عليه مصيرك، سواء بالموت أو بالحياة.
إلكترا :
الويل لي! ماذا فعل؟ من الذي أساء قيادته هكذا؟
الكوروس :
بولاديس، انظري، هو ذلك الرسول، سرعان
ما يخبر، على ما يبدو، بحالة أخيك هناك. (يدخل رسول.)
الرسول :
يا ابنة رئيسنا الحربي، أيتها البائسة التي أنهكتها
المصائب،
يا ابنة أجاممنون، أيتها السيدة إلكترا، اسمعي
القصة المحزنة التي أتيت بها إليك.
إلكترا :
وا حسرتاه! لقد انتهينا؛ فكلامك واضح.
يبدو لي أنك أتيت رسول شؤم.
الرسول :
قرر صوت بيلاسجيا
، اليوم، أنك،
أيتها البائسة، وأخاك، تموتان.
إلكترا :
يا للنحس! لقد حدث ما كنت أتوقعه، ذلك الذي طالما
خشيته ، ونحل جسمي من العويل على مصيرنا!
كيف سارت المحاكمة؟ أية مرافعات أمام
شعب أرجوس، حطمتنا وحكمت علينا بالإعدام؟
أخبرني، أيها العجوز، هل يجب علي أن ألفظ
نفس موتي، تحت الأيدي الراجمة، أو بالنصل،
أنا الشريكة في محنات أخي؟
الرسول :
تصادف أنني كنت أجتاز الأبواب
خارج الدولة، تواقا إلى معرفة حالتك،
وحالة أوريستيس؛ لأنني كنت مخلصا
لوالدك؛ إذ رباني بيتك.
رجلا فقيرا، بيد أنني وفي لأصدقائي.
فرأيت جموعا جالسة على مقاعد فوق ذلك المرتفع
حيث، كما يقول الناس، لما اتهم أيجوبتوس
Aegyptus
22 -
داناوس
Danauas
23
جمعنا في جلسة عامة.
فلما رأيت الجمع، سألت أحد المواطنين: «ما الأخبار في
أرجوس؟ هل جاءت جماعة متوحشة من الأعداء،
وفاجأت مدينة الدانائيين؟»
فإذا بي أبصر منظرا لم أبصره من قبل إطلاقا، أبصرت
ذلك المنظر المتوقع -
رأيت بولاديس مع أخيك يسيران؛
هذا مشلول بالمرض ورأسه متدل إلى أسفل،
وذاك، كأخ إبان عذاب صديقه
معذب، يعني بالمريض كأنه ممرضة.
وعندما امتلأ مجتمع الأرجوسيين،
نهض حاجب وصاح يقول: «من منكم يتوق إلى الكلام
عما إذا كان أوريستيس يجب أن يعيش أو يموت
من أجل قتل الأم؟» عندئذ قام تالثوبيوس
Talthybius
24
مساعد والدك عندما نهبت طروادة،
فتكلم - متحيزا إلى القوي -
وبنصف جرأة أخذ يمجد أباك،
ولكنه لم يثن على أخيك، فصاغ
ألفاظا طيبة وخبيثة - أنه وضع قانونا
سيئا من أجل الوالدين، وهكذا كان ينظر
بعين التملق إلى أصدقاء أيجيسثوس.
وهكذا فعلت قبيلة الحاجب؛ فإنهم يتحيزون بسرعة
إلى جانب المحظوظين؛ لأن صديقهم هو
من كان ذا سلطة في الدولة وله الحكم.
وتكلم بعده الأمير ديوميديس
Diomedes .
25
مشيرا بألا يقتلوك أو يقتلوا أخاك،
ولكنه أشار بنفيكما احتراما للآلهة.
فتهامس البعض بأن مشورته طيبة:
وبعض آخر لم يمتدحها. وبعد ذلك نهض واحد
ذو لسان لا يضبط، قوي في الوقاحة،
إنه أرجوسي، ومع ذلك فليس بأرجوسي، وإنما فرض
علينا.
26
فقام يطنطن بطلاقة خشنة، وهو واثق من نفسه،
وقدرته على إيقاع القوم في الأذى؛
فعندما يحث القلب الشرير، ذو اللسان
الظافر، الحشد ، تغدو العاقبة سيئة على الدولة؛
فمن ذلك الذي يجيد النصح بفهم رفيع
فيفيد الدولة - عن طريق غيره - إن لم يكن مباشرة.
هكذا يجب علينا أن ننظر إلى كل قائد من الناس،
وهكذا نقدره؛ إذ يكون كلاهما في حال مماثلة،
الخطيب، والرجل المعين في منصب الحكم.
فأمر هذا الرجل برجمك أنت وأوريستيس حتى الموت.
أما تونداريوس، فما فتئ يلقنه أشد الألفاظ
التي يمكن أن تقال للحث على حتفكما.
ثم قام آخر ليترافع ضد السابق،
لم يكن ذا جاه، ولكنه رجل بكل معاني الرجولة،
قلما تجد مثله في المدينة أو في دائرة السوق،
إنه راعي ماشية - كأولئك الذين يبقون في الأراضي -
ومع ذلك، فهو حاذق في الرد بالألفاظ، إذا اقتضت الحال؛
هو رجل لا غبار على سلوكه، يحيا حياة خالية من كل لوم.
قام يقول إنهم يجب أن يتوجوا ابن أجاممنون
أوريستيس؛ إذ تجاسر على الأخذ بثأر والده،
فقتل الزوجة الشريرة الكافرة بالنعمة
التي أضعفت قوتنا، فلم يستطع أحد أن يحمل ترسا
على ذراعه،
أو يترك بيته ليذهب إلى الحرب
طالما قد اعتدى الباقون في الوطن على عفاف حارسات
بيوت الرجال أثناء غيابهم، وتدنست المخادع.
يبدو أن الرجال الأمناء أخذوا كلامه على أنه عين
الصواب والحق،
ولا أحد تكلم بعده. ثم نهض أخوك،
وقال: «أيا سادة أرض إناخوس
Inachus ،
27
أرض البيلاسجيين القدماء، ثم أولاد داناوس،
كان من أجل صالحكم، كما هو من أجل صالح أبي،
إنني قتلت أمي؛ لأنه لم يكن سفك دم الأزواج
جريمة على الزوجات، فأسرعوا بالموت؛
وإلا وجب عليكم أن تعيشوا عبيدا لزوجاتكم،
وبذا تأثمون ضد كل عدل وحق.
لأن الخائنة لفراش أبي،
ميتة الآن؛ بيد أنكم إذا عزمتم على أن تقتلوني حقا،
ألغي القانون: من الخير إن مات الرجال سريعا؛
إذ لا تحتاج الزوجات الآن إلى جرأة لاقتراف أية
جريمة.»
فلم يسمعوا، رغم أنه تكلم جيدا، كما بدا لي.
سيطر ذلك الوغد على الموقف، ذلك الذي سبق أن
توسل إلى الرعاع،
والذي طلب منهم أن يقتلوا أخاك ويقتلوك.
من النادر أن يحظى أوريستيس التعيس بنعمة
الإفلات من الموت رجما بالحجارة. فتعهد بأن
يفارق الحياة بيده هو نفسه في هذا اليوم
معك. والآن، سيأتي به بولاديس من الجمع
باكيا، يتبعه أصدقاؤه
يبكون بنحيب قوي. وهكذا سيأتي
إليك منظر، مجرد النظر إليه مرير ومحزن.
أعدي السيف أو المشنقة لرقبتك؛
لأنه يجب أن تغادري النور، أما مولدك الملكي
فلم ينفعك شيئا، ولا الملك البوثي
أبولو ذو العرش الثلاثي الأرجل، كلا، بل حطمك. (يخرج.)
الكوروس :
أيتها الفتاة المفعمة بالبؤس، لماذا
تصمتين، وتطأطئين رأسك المقنع إلى الأرض،
كمن ستجري شوطها من البكاء والعويل!
إلكترا (أنشودة) :
أيا أرض بيلاسجيا، ها أنا ذا أوقظ العويل،
وأحفر خطوطا حمراء بأصابعي البيضاء
في خدي، لو كنت ألوثهما بخطوط من الدم، وأنزل
على رأسي اللطمات، التي تدعي بأنها من حقها،
الملكة الجميلة الحاكمة على الموتى الراقدين تحت الأرض.
ضعي نصل الضوء البتار، على خصلات شعرك،
أيتها الأرض العملاقة، انخرطي في البكاء،
من أجل ويلات بيت أمرائك المتأوهين،
أيتها الرحمة الحديثة النعمة، أيتها الدموع غير المجدية؛
من أجل أولئك الذين يذهبون إلى موتهم في هذه
الساعة،
أمام قوة معارك رؤساء هيلاس. (الرد على الأنشودة.)
انتهت ... انتهت! انظر إلى سلسلة نسب بيلوبس قد مضت
إلى لا شيء تماما، وزالت
عزة بيت تربع في النعمة عاليا،
نسف بحسد السماء؛ إذ متعطش للقتل
هو المصير الذي نطق به المواطنون لتنفيذ الإعدام.
أيتها القبائل المنهوكة القوى بالقتال، التي لا
تحمل سوى يوم واحد
وسط البكاء، انظروا إلى مخرج نخاع العظام
موت آمالكم، يأتي لينهي المصير؛
ويكيل لكل إنسان عدة أحزان متنوعة،
لكل واحد بدوره، خلال السنين المتعاقبة،
ولا نستقر نحن على حال واحدة قط.
عساي أذهب إلى الصخرة المعلقة بين السماء،
28
والأرض في دوائر متأرجحة،
ومحمولة بواسطة السلاسل الذهبية التي قلما تمسك،
القشرة المنفصلة من أوليمبوس؛
حتى إنني من أجل تانتالوس، والد العصر القديم،
أصرخ بصيحات بكاء ترن بوحشية؛
إذ من حقويه جاء أولئك الآباء الذين أخذنا عنهم اسمنا
الذين شاهدوا جريمة العشق تلك
التي حدثت عندما طاردت أقدام جياد العربة المجنحة،
عندما جرت عربة بيلوبس ذات الجياد الأربعة
بجانب الساحل، وقذفت يده مورتيلوس
Myrtilus
29
إلى أسفل
إلى الجحيم، في موجات البحر ليغرق،
وعندما انتهى السباق
لتلك العجلات التي أسرعت
بجانب إفريز الزبد الأبيض لشاطئ رأس جيرايستوس
Geraestus
المضروب دائما بالأمواج.
لأن لعنة مثقلة الحمل بالحداد
سقطت على بيتي من أجل تلك الفعلة،
عندما أحضر ابن مايا
Maia
30
خروفا
ذا جزة ذهبية، من قطيعه،
فكان طالع نحس تبعه الخراب
فنزل على أتريوس، مغيرا حالة ملك:
أما عربة الشمس المجنحة السريعة
فعادت أدراجها من القتال المخيف،
مغيرة طريقها المغرب
عبر السماء إلى حيث تطلع ربة الفجر
الوردية بجوادها الفرد.
انظر؛ فقد غير زوس طريق نجم آخر
طريق البلاياديس
31
السبع المبحرات!
انظر، ميتة تلو ميتة، في تعاقب لا ينتهي
بالوليمة المقدمة باسم ثويستيس
Thyestes ،
32
وبفراش أيروبي الكريتية، جالبة العار
والخيانة! جاءت نهاية
الجميع علي وعلى والدي النازل
في عذاب بيتنا المقدر في السماء من قبل.
الكوروس :
انظري، ها هو أخوك يأتي سائرا،
محكوما عليه بالموت بأصوات شعب أرجوس،
نعم، وكذلك بولاديس، الذي فوق كل رجل آخر
أوفى جميع الأصدقاء، ملتصقا به كأخ،
يأتي، حاملا أوريستيس ذا الخطوات المتخاذلة،
بخطوات حذرة كالرفيق القريب في النير. (يدخل أوريستيس وبولاديس.)
إلكترا :
الويل لي! إنه ليحزنني أن أراك يا أخي، تقف
أمام القبر، أمام كومة حريق الموت.
الويل لي ثانية! إذ تقع عيناي عليك
بهذه النظرة الأخيرة، تخذلني روحي.
أوريستيس :
كلا، بل اسكتي؛ من العويل النسائي وتحملي.
انحني لمصيرك؛ إنه لمحزن، ولا فائدة
يجب أن نتحمل المصير الملاصق لنا في عناد.
إلكترا :
كلا، كيف أسكت؟ وأرى نور رب الشمس هذا
لا يظهر لنا بعد ذلك، نحن التعيسين.
أوريستيس :
أواه، لا تقتليني! كفى أن أيدي الأرجوسيين
قتلت شخصا بائسا؛ فلا بأس بالمساوئ العظيمة.
إلكترا :
الويل من أجل شبابك، ومن أجل موتك قبل ميعادك،
يا أوريستيس! إنك تستحق الحياة، وليس الموت.
أوريستيس :
أواه، أرجوك. بحياة الآلهة، لا تثبطي عزيمتي،
ولا تحثيني على البكاء بذكر ويلاتنا.
إلكترا :
نموت! لا يسعني إلا أن أندب مصيرنا .
يحزن جميع البشر على الحياة القيمة الضائعة.
أوريستيس :
هذا يوم حتفنا؛ يجب أن تلتف الأنشوطة
حول عنقينا، أو تمسك أيدينا السيف.
إلكترا :
أخي، اقتلني أنت، ولا يقتلني أرجوسي،
بغضب بغيض إلى ابنة أجاممنون.
أوريستيس :
يكفي دم الأم، لن أقتلك.
موتي بأية طريقة تريدينها، بيديك أنت نفسك.
إلكترا :
نعم، لن أرتمي خلف السيف.
بل أطوق رقبتك بذراعي!
أوريستيس :
تمتعي بهذه اللذة الكاذبة، إن كان يبهج
الواقفين على باب الموت أن يتعانقوا.
إلكترا :
يا أعز عزيز، يا من تحمل اسما مرغوبا
وحلوا على شفتي أخت! أنت روح واحدة مع روحي!
أوريستيس :
آه، إنك ستذيبينني! يا ليتني أستطيع أن أجيب
بذراعي محبة! آه، لماذا أحجم خجلا؟
أيا صدر الأخت، العزيز، عانقني!
بدلا من الأطفال، بدلا من ذراعي الزواج،
هذا الوداع مكفول للبائسين.
إلكترا (تتأوه) :
عسى نفس السيف، إن كان هو الآلة،
يذبحنا ويتسلمنا نعش واحد مصنوع من خشب الشربين!
أوريستيس :
هذا أحلى شيء، ولكن ألا تريننا صديقين
حقيرين، لا نستطيع المطالبة بقبر واحد!
إلكترا :
ألم يتكلم مينيلاوس من أجلك، ليترافع
ضد موتك - ذاك الخائن الوضيع لوالدي؟
أوريستيس :
لم يظهر وجهه - بل وجه إلى العرش
أمله، مهتما جدا بألا ينقذ أصحابه!
تعالي، لنبرهن بأعمالنا على مولدنا السامي،
ونموت بجدارة من أجل أجاممنون.
نعم، سأبين لجميع الناس دمي الملكي،
بأن أغيب السيف في قلبي؛ أما أنت
فيجب أن تفعلي مثلي بقلبك، نفس الفعلة الجريئة التي أفعلها.
وأما أنت، يا بولاديس، فاجلس كحكم على موتنا.
وأرقد جثتي الميتين بما يناسبهما؛
احملهما إلى قبر والدي، وادفنهما معه.
وداعا! سأذهب، كما ترى، لأنفذ الفعلة. (يهم بالانصراف.)
بولاديس :
رويدك؛ فأولا، لك عندي لومة واحدة؛
أتتوقع أني أعيش بعد أن تموت أنت!
أوريستيس :
كيف ذلك، ماذا تريد أن تفعل، أتريد أن
تموت معي؟
بولاديس :
أتسأل؟ ماذا تكون الحياة بغير صداقتك؟
أوريستيس :
إنك لم تقتل أمك، كما فعلت أنا، الويل لي!
بولاديس :
اشتركت في فعلتك، فلا بد أن أقاسمك آلامك.
أوريستيس :
احتفظ بنفسك لأجل والدك، لا تمت معي.
إن لك مدينة ، أما أنا فلم يبق لي أية مدينة،
ولك بيت أب، ملجأ واسع الثراء.
لا تستطيع أن تتزوج هذه الفتاة المنحوسة الطالع
التي خطبتها لك إكراما لخاطر الصداقة.
بل اتخذ لك عروسة غيرها، وقم بتربية أبناء؛
فالرباط المنتظر بيني وبينك لم يعد قائما.
والآن، أيها الاسم العزيز لصداقتي،
وداعا! ليس هذا وداعا لنا، بل هو وداع لك!
أما نحن، الموتى، فليس هذا وداعا سارا لنا!
بولاديس :
لقد ذهبت شوطا بعيدا في عدم معرفة نيتي.
عسى ألا تتسلم دمي أرض مثمرة،
ولا سماء تضيئها الشمس، إذا أنا هجرتك إلى الأبد،
إذا أنقذت روحي، وتخليت عنك!
لقد اشتركت في القتل، فلا أنكر هذا،
كل ما صممت على فعله معك، انهار الآن؛
لذا يجب علي أن أموت معك ومعها.
لأنني أعتبرها موعودة لي، بواسطتك،
لتكون زوجتي. أية قصة تبدو مناسبة لأقصها.
وأنا آت إلى دلفي، إلى مدينة الفوكيين،
التي كانت صديقتك قبل سقوط حظك،
أما الآن، وقد حاقت بك المصيبة فلم تعد صديقتك؟
كلا، كلا، ليس هذا عملي، كما ليس هو عملك.
ولكن، بما أنه يجب علينا أن نموت، فلنتناقش الآن
في الكيفية التي يقاسمنا بها مينيلاوس حتفنا.
أوريستيس :
صديقي العزيز، أيمكنني أن أنظر إلى هذا، وأموت!
بولاديس :
استمع إلي، وأرجئ ضربة السيف تلك.
أوريستيس :
سأنتظر، إذا تمكنت بهذا من أن أنتقم من عدوي.
بولاديس (يشير إلى الكوروس) :
تكلم بصوت منخفض! فلا أثق بالنساء إلا قليلا.
أوريستيس :
لا تخف من هؤلاء؛ فكل اللواتي هنا،
صديقات لنا.
ولاديس :
اقتل هيلين؛ فهذا أمر حزن لمينيلاوس!
أوريستيس :
كيف؟ إنني على استعداد، إذا أمكن هذا أن يقع.
بولاديس :
بطعنة سيف؛ إنها تختبئ في أبهائك الآن.
أوريستيس :
وحتى لو كانت كما تقول - فقد وضعت خاتمها
الآن على كل شيء.
بولاديس :
لن تختم بعد ذلك، عندما ترحب هاديس بعروسها.
أوريستيس :
كلا، وكيف ذلك؟ فلديها خدم من الرجال البرابرة.
بولاديس :
من؟ الفروجيون؟ لست أنا الذي يخاف من
مثل هؤلاء.
أوريستيس :
نعم، إنهم رؤساء المرايا والعطور.
بولاديس :
أهكذا؟ هل جاءت إلى هنا ومعها وسائل
ترف طروادية؟
أوريستيس :
نعم؛ فإن هيلاس ضيقة جدا لقصرها.
بولاديس :
ليس العبد شيئا في مواجهة رجل حر المولد.
أوريستيس :
إذا ما تمت هذه الفعلة، فلن أخاف أن
أموت مرتين.
بولاديس :
كلا، ولا أنا، وعلى هذا فأنا لا أنتقم إلا
من أجلك.
أوريستيس :
قرر هذا الشيء؛ أفض إلي بما ستقول.
بولاديس :
سنذهب إلى البيت، مصممين على القتل.
أوريستيس :
أفهم هذا جيدا، ولكني لا أفهم جميع ما بقي.
بولاديس :
سنبكي حالنا إليها.
أوريستيس :
حتى يمكنها أن تبكي - وهي تفرح في قلبها!
بولاديس :
مرحى! إذن فسنكون نحن في حالة مماثلة لحالتها!
33
أوريستيس :
وبعد ذلك كيف ندبر القتال؟
بولاديس :
ستكون معنا سيوف مخبأة تحت هذه العباءات.
أوريستيس :
ولكن كيف تقتل أمام بصر عبيدها؟
بولاديس :
سنحبسهم في عدة غرف متفرقة.
أوريستيس :
ومن بذلك لا يلزم السكوت، إذا قتلنا.
بولاديس :
من الآن، ترشدنا الفعلة إلى الطريقة،
أوريستيس :
إلى موت هيلين؛ إنني أعرف كلمة السر جيدا.
بولاديس :
إنك تقول، ونصيحتي محترمة،
لأننا لو أطلقنا سيفا ضد سيدة
أكثر فضيلة، كان ذلك القتل عارا.
ولكنها ستعاقب من أجل هيلاس كلها،
الذين قتلت آباءهم، وأبادت أولادهم،
ورملت عرائسهم من أزواجهن.
سيكون هناك صياح، وسيصل لهب النيران إلى عنان السماء،
وسيتوسل الكثيرون إلي وإليك بالنعم،
لأننا سفكنا دم امرأة شريرة.
اقتلها؛ فلن تسمى قاتل أم؛
فما إن يتخلص من هذه، حتى تجد حظا أجمل،
أيها القاتل المثالي لهيلين، قاتلة الأمة.
لا يجب أن ينعم مينيلاوس.
فبينما أبوك وأنت وأختك تموتون،
وأمك - التي لا أعتبر من اللائق أن أسميها هكذا -
ويستولي هو على أبهائك، ذلك الذي فاز بعروسه
برمح أجاممنون! عساي ألا أعيش
إذا لم نستل السيف ضدها!
وإذا تصادف أننا لم نحقق قتل هيلين،
فسنشعل النار في ذلك القصر، وهكذا نموت.
لن يفوتنا أحد مجدين:
أن نموت بشرف، أو نهرب بشرف.
الكوروس :
إن ابنة تونداريوس هذه، التي جلبت العار
على معشر النساء، لتستحق كراهة سائر السيدات.
أوريستيس :
مرحى! لا شيء خير من الصديق الوفي؛
لا الثروة ولا الجاه ! يقينا إن الجمهور
لا يقف في شيء ما ضد الصديق النبيل.
لقد دبرت عقاب أيجيسثوس؛
ووقفت إلى جانبي عند حافة الخطر،
ولم تقف بعيدا؛
ولكني سأكف عن الثناء عليك.
إذ يأتي الملل من فرط المديح.
يجب أن أترك الشبح بحال ما،
ومع ذلك، أتوق إلى لدغ أعدائي قبل أن أموت،
حتى أجازي من خانوني،
وحتى يئن من جعلوني تعيسا.
أنا ابن أجاممنون، ابن رجل
كان جديرا بحكم بلاد الإغريق - ولم يكن مستبدا، وإنما
كانت له قوة إله. لن أجلب عليه العار،
بالموت ميتة عبد، بل سأموت ميتة رجل حر
وسط الانتقام من مينلاوس وهو يلفظ روحه.
لو أمكننا تحقيق شيء واحد، كنا محظوظين؛
إذا سمحت الصدفة، وهذا فوق كل أمل، ونجونا
اليوم ولم نقتل. أتمنى هذا!
إن التمني حلو ... حلو خلال الشفاه المتأوهة؛
ليبهج القلب بألفاظ عابرة لا تكلف المرء شيئا.
إلكترا :
يبدو لي، يا أخي، أنه يتراءى لي نفس هذا الشيء،
الخلاص لك، وله، ولي.
أوريستيس :
إن بعد نظر الرب ليطالب بك! ومع ذلك،
فلم أقول هذا،
طالما أعرف أن الحكمة تسكن في قلبك؟
إلكترا :
اسمع إذن، وانتبه إلي (إلى بولاديس) أنت أيضا.
أوريستيس :
تكلمي؛ هناك مسرة، حتى في أمل الخير.
إلكترا :
أتعرف ابنة هيلين؟ ولم أسأل؟
أوريستيس :
أعرف أن أمي ربت هيرميوني.
إلكترا :
ذهبت هذه إلى قبر كلوتمنسترا.
أوريستيس :
بأية نية؟ والآن، أي أمل تهمسين به؟
إلكترا :
لتسكب تقدمات من الشراب على قبر أمنا.
أوريستيس :
وما دخل هذه بنجاتنا، تلك التي تذكرين اسمها؟
إلكترا :
اقبض عليها، وديعة لدينا، عندما تعود.
أوريستيس :
أي ترياق هذا، للخطر المحدق بنا، نحن الأصدقاء الثلاثة؟
إلكترا :
لو قتلت هيلين، سعى مينيلاوس إلى إيذائك،
وإيذائه، وإيذائي - رباط الصداقة هذا واحد -
صح، بأنك ستقتل هيرميوني؛ يجب أن تمسك
السيف المسلول، وتضغط به شديدا على رقبة الفتاة.
عندئذ إذا أنقذك مينيلاوس؛ لئلا
تموت ابنته، بعد أن يرى زوجته مضرجة بدمائها،
فسلم جسم الفتاة إلى عناق أبيها.
أما إذا لم يتمالك غضبه،
وسعى إلى قتلك، فغيب السيف في رقبة الفتاة.
أعتقد أنه رغم ثورته الصاخبة أولا،
فإن غضبه سيهدأ أخيرا. فلا يصير شجاعا ولا قويا
بطبيعته. أرى هذا من أجلنا
أهم شيء للخلاص. وقد قلت كلمتي.
أوريستيس :
يا ذات روح رجل،
رغم جسم المرأة الظاهر،
ما أجدرك بأن تعيشي بدلا من أن تموتي!
مثل هذه المرأة، يا بولاديس، ستفقدها، بكل أسف!
أو إذا عشت فستنالها بنعمة الزواج.
بولاديس :
فليسمح الرب بأن يكون هذا، حتى تأتي إلى
مدينة الفوكيين؛ لتنال الشرف اللائق بالزوجين الفخورين!
أوريستيس :
ولكن متى تأتي هيرميوني إلى البيت؟
لأن كل ما قلته يسير سيرا حسنا،
حتى نوقع في الشرك ابنة ذلك الأب غير التقي.
إلكترا :
الحقيقة أنني أعتقد أنها بقرب القصر الآن؛
لأن فترة الزمن التي مضت تدل على هذا.
أوريستيس :
هذا حسن. تلكئي، يا شقيقتي إلكترا
أمام الأبهاء لتقابلي الفتاة عند رجوعها.
راقبي المكان لئلا يقترب أي فرد - أخو والدنا،
أو حليف ما - قبل إنجاز مهمتنا،
يقترب من البيت ويحبط مسعانا. أعطي إشارة؛
اطرقي الباب، أو أطلقي صرخة في الداخل.
والآن، هيا ندخل، ومن أجل هذا النضال الأخير
نسلح أيدينا بالأسلحة، يا بولاديس؛
لأنك زميل محنة في محنتي.
أيا أبي، الساكن في أبهاء الليل المظلمة،
يطلب منك ابنك أوريستيس أن تأتي لتساعد
أولئك الذين في مسيس الحاجة. من أجلك أقاسي
ظلما - وخانني أخوك،
على الرغم من أنني فعلت العدل. أتمنى أن أقبض
على زوجته وأقتلها؛ فكن مساعدنا في هذا الأمر!
إلكترا :
تعال، يا أبتاه، تعال، إذا كنت في باطن الأرض
تسمع صراخ أولادك الذين يموتون من أجلك!
بولاديس :
يا قريب والدي،
34
استمع إلى تضرعي
يا أجاممنون، أنقذ أولادك أنت.
أوريستيس :
قتلت أمي!
بولاديس :
وأنا أيضا أمسكت السيف!
إلكترا :
وأنا أبهجتك بأن منعت كل سبب للتأخر.
أوريستيس :
أبتاه، من أجل مساعدتك!
إلكترا :
ولم أهجرك!
بولاديس :
ألا تسمع هذا النزاع؛ نج أولادك أنت نفسك؟
أوريستيس :
قدمت لك الدموع كقرابين!
إلكترا :
وقدمت أنا العويل!
بولاديس :
كف يا هذا، ولنسرع إلى العمل؛
فإذا اخترقت التضرعات، الشبيهة بالرمح، الأرض فهو
يسمع.
أيها الأب زوس، وعظمة العدالة،
امنحه، وامنحني، وامنحها، السرعة السعيدة!
ثلاثة أصدقاء - مغامرتهم واحدة - والجزاء واحد،
كلنا مدينون بنفس الدين؛ أن نعيش أو نموت. (أوريستيس وبولاديس يدخلان القصر.)
إلكترا (أنشودة) :
يا سيدات موكيناي، المحبوبات عندي،
أنتن أنبل من في مساكن الأرجوسيين البيلاسجيين -
الكوروس :
ماذا تريدين أن تقولي لنا، أيتها الأميرة؟ لأن
اسمك هذا لايزال سائدا في مدينة سلالة داناوس.
إلكترا :
قسمن أنفسكن؛ ليقف بعضكن على طول الطريق،
وبعض آخر على ذلك الممر، لتراقبن البيت.
الكوروس :
ولكن أخبريني، يا صديقتي، لماذا تريدين
هذه الخدمة مني لحاجتك؟
إلكترا :
أخشى أن يأتي أحد من داخل القصر ذاك،
ويقتل من أخذ على نفسه أن يقوم بعملية قتل،
فيكون عمله جزاء بالقتل عن قتل. (ينقسم الكوروس إلى فرقتين.)
نصف الكوروس الأول :
فلنسرع نحن؛ لأنني على هذا الممر،
سأوالي المراقبة في اتجاه نحو مشرق الشمس.
نصف الكوروس الثاني :
وأنا على هذا الممر المتجه نحو الغرب.
إلكترا :
انظري أنت إلى الجوانب ... نعم، نحو اليمين ونحو
اليسار
أديري عينيك: ثم انظري إلى الطريق المتجه إلى الخلف.
نصف الكوروس الأول :
سمعا وطاعة لأمرك.
إلكترا (الرد على الأنشودة) :
والآن، انظري أنت بعينيك فيما حواليك، نعم افتحيهما
واسعتين
خلال قناع خصائل شعرك، انشريها في كل جانب.
نصف الكوروس الثاني :
من هذا القادم على الطريق؟ احذري!
من هذا الفلاح الواقف هنا
الذي يسير بأقدام شاردة مقتربا من أبهائك؟
إلكترا :
انتهينا، يا صديقاتي! سيكشف لأعدائنا
في الحال، عن الأسدين المسلحين الكامنين هناك!
نصف الكوروس الثاني :
كلا؛ فليس الطريق مطروقا، لا تخافي،
يا صديقتي؛ لأن هذا ناتج عن وساوسك.
إلكترا :
وأنت، هل طريقك واضح؟
إذا كانت لديك أخبار طيبة، فإلي بها
إذا كان الفضاء أمام البهو خاليا.
نصف الكوروس الأول :
كل شيء هنا على ما يرام. انظري أنت
إلى جانبك؛
لا يقترب نحونا أي رجل من أبناء داناوس.
نصف الكوروس الثاني :
قصتك شبيهة بقصتي تماما. ما من حركة هنا.
إلكترا :
هيا، دعني أطلق صرختي بسرعة كالسهم عبر الأبواب:
أنتما، يا من بالداخل ! لماذا تبطئان، ولا عدو قريب،
اصبغا أيديكما بالقتل ...
إنهما لا يسمعانني! الويل لمصائبي!
هل أخرست السيوف أمام جمالها؟
سرعان ما سيأتي أحد الأرجوسيين مرسلا، بأقدام سريعة
تجري لتنقذ، وتقتحم الأبهاء!
راقبن بعناية أكثر ... ليس هذا وقت الجلوس في سكون!
تحركن؛ هؤلاء هنا، وأولئك هناك.
الكوروس :
إنني ألاحظ مختلف الطرق ... أنظر في كل جهة.
هيلين (في الداخل) :
هيا إلي، يا أرجوس البيلاسجية!
لقد قتلت بتدبير دنيء!
نصف الكوروس الأول :
أسمعت؟ يخضب الرجلان أيديهما
بالدم!
نصف الكوروس الثاني :
يدل على ذلك صرخة هيلين الوحشية.
إلكترا :
أيا قوة زوس، زوس، أيتها القوة الخالدة،
تعالي، وأعيني صديقي في هذه الساعة الحرجة!
هيلين (في الداخل) :
أيا زوجي، إنني أموت! إنك قريب،
ومع ذلك فلا تهب لنجدتي!
إلكترا :
اطعناها ... اذبحاها ... حطما!
دعا السيفين القصيرين المزدوجي الحد، يقفزان كلاهما،
من قبضتيكما، بفرح عظيم،
عليها، تلك التي تركت زوجها وأباها، تلك التي قتلت
بجانب نهر طروادة ذاك
كثيرا من الأغارقة، الذين ماتوا بالرمح،
عندما نزلت الدموع سريعة لأجل وابل السيوف،
التي أضاءت بوميضها دوامات سكاماندر!
الكوروس :
صمتا يا هذه، صمتا؛ أسمع وقع أقدام تمر
الآن إلى الممر المحيط بالبيت.
إلكترا :
أيتها السيدات المحبوبات، إلى فكي الموت
تأتي هيرميوني! فلنكف عن الصياح؛
لأنها ستسقط في عيون الشبكة.
ستكون صيدا جميلا؛ ولذلك ستصاد.
ارجعن إلى مراكزكن، وتحركن بنظرات هادئة،
بنظرات لا تنم عن الأمور التي حدثت،
وسأظهر أنا بعين مكدرة غائمة،
كمن لا تعلم شيئا عما تم وأنجز. (تدخل هيرميوني.)
هل أتت الفتاة بعد وضع أكاليل الزهور على قبر
كلوتمنسترا،
وبعد صب السكائب للموتى؟
هيرميوني :
أتيت بعد إنجاز طلبها، غير أنه طرقت أذني
صرخة غريبة مخيفة مؤثرة
سمعتها وأنا ما زلت بعيدة.
إلكترا :
ولم لا؟ تحدث لنا أشياء تستحق الأنات.
هيرميوني :
لا تقولي هذا! أية أنباء سيئة تخبرين بها؟
إلكترا :
قررت أرجوس موت أوريستيس وموتي.
هيرميوني :
كلا، إطلاقا! أنتما يا قريبي بالدم!
إلكترا :
تقرر وثبت، وإنا لنقف تحت نير المصير.
هيرميوني :
ولهذا السبب كانت الصرخة تحت السقف؟
إلكترا :
وقع المتضرع صارخا عند ركبتي هيلين.
هيرميوني :
من؟ لا أعرف شيئا أكثر مما تقولين.
إلكترا :
إنه أوريستيس، يتوسل من أجل حياته وحياتي.
هيرميوني :
لهذا السبب؛ رن المسكين إذن بالصرخات.
إلكترا :
ولأي سبب آخر غير هذا يرفع الإنسان صوته؟
ولكن تعالي، وانضمي إلى أصدقائك في التوسل،
واركعي أمام والدتك المنعمة بكل ترف،
لكيلا يرانا مينيلاوس ميتين،
يا من ربيت على ذراعي والدتي،
أشفقي علينا، وخلصينا من محناتنا!
تعالي إلى هنا، وقابلي الخطر، سأقود الطريق أمامك.
فعليك وحدك تتوقف نجاتنا.
هيرميوني :
انظري، ها أنا ذا أسرع قدمي إلى داخل البيت.
إذا كان الأمر يتوقف علي، فقد نجوتما. (تدخل القصر.)
إلكترا :
انتبها، يا من هناك،
أيها الصديقان المسلحان بالداخل، ألا تقبضان على الفريسة؟
هيرميوني (بالداخل) :
وا حسرتاه على نفسي! من هذا الذي
أراه؟
أوريستيس (بالداخل) :
الزمي الصمت.
لقد أتيت لخلاصنا، وليس لخلاصك.
إلكترا :
اقبض عليها ... اقبض! ضع السيف على رقبتها،
وانتظر ساكنا حتى يعلم مينيلاوس
أنه وجد رجالا، وليس فروجيين جبناء،
فيعمل الآن كما يعمل الجبناء. (تخرج.)
الكوروس (أنشودة) :
ماذا، يا هؤلاء! تنبهوا، يا أصدقاء! استيقظوا.
هناك صخب داخل الأبهاء؛ أطلقوا صرخاتكم،
حتى إن الدم المسفوك هناك
لا يقلق أرواح شعب أرجوس بالذعر،
هلموا إلى قصر الملوك، وأسرعوا النهضة في الصريخ
قبل أن أرى جثة هيلين ملقاة، دون ريب
مضرجة بالدماء وسط بهو القصر،
أو أسمع القصة من فم عبد؛
لأني أعلم جزءا من الضرر الحادث، ولا أعرفه كله،
بيد العدالة وقع قضاء انتقام
الآلهة على رأس هيلين؛
لأنها ملأت كل أرض هيلاس بالدموع؛
من أجل باريس، ذلك الخائن الملعون،
الذي جر جيوش هيلاس بعيدا إلى إيليوم.
ولكن اسمعوا، إن قضبان الأبهاء الملكية ترن!
صه، يا هذه؛ ها هو أحد رجالها الفروجيين قادم،
سنعلم منه ما حدث بالداخل. (يدخل رجل فروجي.)
الفروجي :
هربت من الموت بالسيوف الأرجوسية!
مسرعا بحذائي البربري،
متسلقا سقف بهو الأعمدة المصنوع من خشب الشربين؛
متسللا بين الأعمدة الدوريانية، حتى أتيت
هاربا كجندي آسيوي استبد به الخوف،
أيتها الأرض، أيتها الأرض! بعيدا وبعيدا،
الويل لي، أيتها السيدات الغريبات، إلى أين يمكنني أن أهرب؟
هل أهرب طائرا خلال السماء المرقطة بالغيوم،
أو فوق البحر
حيث المحيط ذو القرون، بأذرعه الصاخبة،
يلتف حول الأرض في خط لا ينتهي؟
الكوروس :
ما هذا، أهو خادم هيلين، ابن إيدا؟
الفروجي :
إيليون، إيليون، الويل لي!
أيتها المدينة الفروجية، والجبل الإيداوي
Idaea
35
المقدسان والخصيبان، إني أبكي عليكما
في العربة البايانية
،
36
العربة البايانية،
بصراخ بربري! جاء دمار
الجميلة سليلة الطائر، السيدة ذات ريش البجعة،
هيلين الملعونة الجميلة، ابنة ليدا،
وضع شيطان انتقام فوق الأبراج
بواسطة أبولو، من الحجر المنحوت.
وا حسرتاه على أنينك، أنينك،
يا دار دانيا! فالجياد التي أعطاها زوس من قبل
إلى محظوظه جانوميديس
Ganymedes
37
سببت
لعنتك!
الكوروس :
أخبرنا بما حدث في البيت، بوضوح؛
لأن كلامك الأول غامض: لا أستطيع سوى التخمين.
الفروجي :
أيا وليد لينوس
Linus ،
38
يا وليد لينوس!
أنشدت مقدمة الموت، لمدة يوم كامل،
أنشدها القوم البرابرة بلغتهم الآسيوية،
عندما أريقت دماء ملوكهم على الأرض،
عندما يرن السيف الحديدي
بأنشودة هاديس!
أني هناك - لكي أخبركن بجميع القصة كاملة -
في الأبهاء، أسدان إغريقيان؛
كان هذا ابن رئيس قوة هيلاس،
وذاك سليل ستروفيوس، إنه شخص مدبر للشر،
هو أوديسيوس، ساكن وداهية،
مخلص لأصحابه، وشجاع في القتال،
ماكر في الحرب، ذو دم تنين،
فليقبض عليه الدمار، ذلك النذل المجرم،
لأن خططه الماكرة هادئة هدوء القبر!
فدخلا، وبجانب عرش
السيدة التي حظي بها باريس
39
النبال،
جلس كلاهما خاشعين، بعيون تنهمر منها الدموع؛
أحدهما على هذا الجانب، والثاني على الجانب الآخر،
وكان يحيط بها خدمها، على الشمال وعلى اليمين.
ثم انحنى هذان أمام هيلين،
ومدا أيدي المتضرعين على ركبتيها.
ولكن عبيدها الفروجيين ارتبكوا خائفين،
فذعروا، ذعروا؛
وصاح هذا إلى ذاك بصوت مرتجف، «خيانة! يا هذه، احذري!»
غير أنه ما من خطر أحدث أثرا هناك:
ولكن بدا للبعض أن شركا
من المكر قد التف حول ابنة تونداريوس
بواسطة الثعبان الملوث بدم الأم.
الكوروس :
وأين كنت، أنت، في ذلك الوقت - وقد
مضى وقت طويل حتى هربت في فزع؟
الفروجي :
على الطريقة الفروجية، تصادف أنني كنت أحرك
المروحة المستديرة، بجانب الملكة هيلين،
وكان ريشها يداعب خدي هيلين،
وكان النسيم يمر خلال خصلات شعر هيلين.
وبينما أنا أنشد أغنية بربرية،
كان الكتان يبرم من مغزلها،
وأصابعها تشتغل مزيدا من الوشي،
وتدلت خيوطها على الأرض أكثر؛
إذ كان عقلها يفكر في تطريز الثوب الأرجواني اللامع،
من المغانم الفروجية بخيطها،
هدية إلى كلوتمنسترا الميتة.
ثم تكلم أوريستيس، إلى
ابنة إسبرطة، وتوسل إليها قائلا: «يا ابنة زوس، انهضي من مقعدك،
وضعي قدميك هنا على الأرض،
وتقدمي إلى مذبح حجر الوطيس القديم؛
مذبح بيلوبس، والدنا في قديم الزمان؛
كي تسمعي كلامي في المكان المقدس.»
فقادها، وقادها، وتبعته هي
غير متكهنة بما سيحدث.
ولكن أخاه في المؤامرة أخذه أثناء ذلك
إلى أعمال أخرى، ذلك الفوكي النذل، «من ثم كان الفروجيون دائما أنذالا».
هنا، هنا، أقفل عليهم الباب بالمزلاج،
وحبسهم في الأبهاء؛
حبس البعض في حظائر العربات،
وبعضا آخر في دورات المياه، بعضا هنا،
وبعضا هناك،
فجزئوا، وفصلوا بعيدا عن الملكة الواقعة
في المصيدة.
الكوروس :
وأية مصيبة حدثت بعد ذلك؟
الفروجي :
أيتها الأم الإيداوية، الأم السامية!
أية أعمال يائسة، يائسة، يا للحسرة،
للثورة القاتلة، وللجريمة المتمردة
شاهدتها تحدث في أبهاء الملك!
فقد سحبا من تحت ظلام عباءتيهما الأرجوانيتين؛
سيفين في يديهما، وألقيا، على هذا الجانب وذاك،
نظرة سريعة؛ ليتأكدا من عدم
وقوف أحد قريبا منهما،
بعد ذلك صارا كخنزيرين بريين من الجبال،
أمام سيدتي واقفين عاليا،
وصاحا: «ستموتين. ستموتين!
إن زوجك المشتاق يقتلك؛
ذلك الخائن، الذي خان إلى الموت،
ابن أخيه، في أرجوس، اليوم!»
فصرخت صرخة وحشية، صرخت، والويل لي!
وضربت على صدرها بذراعها البيضاء،
وضربت رأسها في محنتها.
وبقدمين سريعتين تلبسان حذاء ذهبيا
استدارت لتهرب، لتهرب!
ولكن أوريستيس أمسك بخصلات شعرها.
ومنعت خطوته حذاءها الموكينائي؛
وانحنى جهة كتفها اليسرى
وأحنى رقبتها إلى الخلف معتزما
أن يغيب نصل السيف القاتم في عنقها.
الكوروس :
وماذا قدم الفروجيون الموجودون في البيت من
مساعدة؟
الفروجي :
صحنا ونحن نضرب القضبان لتحطيمها، حتى خلعنا
قائم الباب، وباب الحجرات التي حبسنا فيها؟
وهرعنا من هذا الجانب وذاك في الأبهاء لنجدتها،
أحدنا يحمل أحجارا، وآخر رمحا،
ويبرق سيف مسلول في يد آخر،
غير أن تصدى لملاقاتنا
صدر بولاديس العديم الخوف،
أشبه بهكتور الفروجي، أو أياس
Aias
40
ذي الخوذة
الثلاثية القبرات،
الذي رأيته، عندما تألق عبر أبواب بريام؛
واصطففنا معه وجها لوجه.
ثم صار من الجلي أن نرى كم
أسوأ من الهيلينيين في جرأة الحرب
كنا نحن معشر الفروجيين.
فاختفى هذا هاربا، ورقد آخر ميتا،
وتدحرج هذا مجروحا جرحا بليغا، وسقط
هذا يتوسل
للإبقاء على حياته - بتضرع يراه درعه
الوحيدة!
فهربنا، هربنا خلال الظلام إلى الخارج،
بينما سقط البعض، وترنح بعض ثان، وبعض آخر بقي
ساكنا هناك.
ثم جاءت هيرميوني المنكودة الحظ إلى الأبهاء، إلى الأرض،
بينما سقطت ميتة، أمها التعيسة التي ولدتها.
ولكن، كما يسقط الباكخانال عصا
ديونيسوس
41
ليقبضوا
على جرو ذئب هارب فوق التلال،
انقضا عليها، وأمسكا بها، وعادا إلى قتل
هيلين، ولكن ابنة زوس كانت قد اختفت!
اختفت تماما عن البصر، من المقاصير،
خلال البيت!
أي زوس، أيتها الأرض، أيتها الشمس،
أيها الليل!
إما بالتعاويذ، أو بفنون السحر،
أو سرقها الآلهة ... لم تكن هناك!
ولا أعلم أنا ماذا حدث بعد ذلك؛
لأنني هربت من الأبهاء بأقدام سريعة عديمة
الصوت.
أواه، بمعارك متعددة النواحي، وبألم مضن
فاز مينيلاوس من طروادة ثانية
بعروسه هيلين - دون جدوى!
الكوروس :
ولكني أرى أشياء غريبة، وتتعاقب أشياء غريبة؛
لأني أرى أوريستيس شاهرا السيف
في يده، ويأتي بأقدام في غاية الحماس. (يدخل أوريستيس.)
أوريستيس :
أين هو ذلك الذي أفلت من سيفي بهروبه من القصر؟
الفروجي :
ها أنا ذا أجثو أمامك، وأزحف نحوك بطريقة بربرية،
يا سيدي!
أوريستيس :
اخرج! فليست هذه إيليوم، بل هي أرض أرجوس الممتدة هنا.
الفروجي :
في كل مكان يتعلق الناس بالحياة أفضل من تعلقهم بالموت.
أوريستيس :
ألم تصرخ على مينيلاوس، صرخة الاستغاثة، الآن فقط؟
الفروجي :
كلا، كلا ! ولكنني صرخت من أجل مساعدتك؛
فأنت أفضل منه.
أوريستيس :
أجب؛ هل سقطت ابنة تونداريوس بحكم عادل وحق؟
الفروجي :
عادل وحق - تمام العدل والحق - رغم أنه كان
لها ثلاثة أعناق لتموت بها.
أوريستيس :
أيها الوغد، إن لسانك ليثرثر فقط، أما في
قلبك، فلا تعتقد هكذا.
الفروجي :
ألا يجب أن تموت تلك التي جرت هيلاس،
وشعب فروجيا إلى الخراب والفقر؟
أوريستيس :
احلف اليمين - وإلا قتلتك - حتى لا تتكلم لكي
تسرني فقط.
الفروجي :
أقسم بحياتي - وهذه يمين، من المؤكد أنني يجب
أن أبجلها وأعتبرها مقدسة.
أوريستيس :
أبمثلك في طروادة يملأ السيف الشعب الطروادي
كله بالخوف؟
الفروجي :
أبعد سيفك من هنا، أبعده! إنه يبرق بالقتل
المخيف وهو قريب هكذا!
أوريستيس :
أتخاف أن تتحول إلى حجر، كمن رأى
الجورجونة
42
من كثب؟
الفروجي :
كلا، بل إلى جثة؛ أما عن رأس الجورجونة
فلست أعلم شيئا.
أوريستيس :
أتكون عبدا، وتخاف الموت، الذي سيعتقك
من بؤسك!
الفروجي :
كل إنسان، حتى إذا لم يكن عبدا قط، يفرح
برؤية الضوء.
أوريستيس :
حسنا تقول: لقد أنقذك ذكاؤك. إذن
فانصرف من هنا إلى داخل البيت!
الفروجي :
إذن، فلن تقتلني؟
أوريستيس :
عفوت عنك.
الفروجي :
لقد تكلمت برقة.
أوريستيس :
قد تتغير نيتي، أيها اللئيم!
الفروجي :
إنك تنطق الآن بنغمة شريرة! (يخرج.)
أوريستيس :
يا لك من غبي! إذ تظن أنني أكلف نفسي مئونة
الدم لأتلوث من رقبتك!
أنت يا من لست امرأة، ولم تجد درجة بين الرجال!
لم أخرج من القصر إلا لأخرس ثرثرة لسانك.
إذ سرعان ما تستيقظ أرجوس، إذا سمعت صيحة
الاستغاثة.
أما مينيلاوس - فما إن أضعه عند طرف السيف -
حتى لا أخاف شيئا بعده.
فليأت ذو الخصلات الذهبية، الذي يتدلى فخره على كتفيه!
لأنه إذا جمع الأرجوسيين، وقادهم ضد هذه الأبهاء،
طالبا الانتقام لدم هيلين، فلن يخلصني من الموت -
أنا وشقيقتي وبولاديس الذي اشترك في العمل معي هنا -
فسترى عيناه جثتين؛ ابنته العذراء وزوجته. (يخرج.)
الكوروس (الرد على الأنشودة 1353-1356) :
رويدك، أيها الحظ، رويدك! - ثانية وثانية،
يقع البيت في نضال فظيع،
ينشب من أجل أسرة أتريديس!
ماذا نفعل؟ أننقل الخبر إلى المدينة؟
أو نلزم الصمت؟ هذا أكثر أمنا، يا صديقاتي.
انظرن هناك، انظرن هناك، حيث الدخان وهو يقفز صاعدا،
يرسل علاماته أمام الأبهاء خلال الهواء!
سيحرقون قصر تانتالوس! وقد أشعلوا
الشعلات، ولم يكفوا عن أعمال القتل.
ومع ذلك، ومع ذلك فلا يزال الرب يتحكم
في النتيجة،
ليقدر بين البشر أية نتيجة يشاء:
ما أعظم قوته! قاد هذا البيت
شيطان اللعنة، وأسرع به في طريق الدم
إذ قذف مورتيلوس من العربة، فتخبط في موجة البحر
ميتا.
ها أنا ذا أرى مينيلاوس يقترب من البيت
بخطوات سريعة؛ إذ سمع عن الأفعال التي حدثت الآن هنا
فأنتم، يا من بداخل القصر - يا أولاد أتريوس أقفلوا
الباب بالمزلاج!
أسرعوا، أسرعوا! فالحظ عدو فظيع
ضد أي شخص، يا أوريستيس، حتى ولو كان مثلك،
في ضائقة الشر. (يدخل مينيلاوس، وأوريستيس واقف تحت، وبولاديس فوق مع هيرميوني.)
مينيلاوس :
أتيت بمجرد أن سمعت أخبار أحداث غريبة وعنيفة
قام بها نمران، ولا أسميهما رجالا.
الحقيقة أنني سمعت إشاعة بأن زوجتي لم تقتل، وإنما
اختفت من فوق ظهر الأرض.
وإني لأعتبرها قصة سخيفة جاء بها رجل
استبد به الخوف. كلا، فهذه خطة قام بها
قاتل أمه ذاك - وهذا مدعاة للسخرية!
افتحوا الباب! يا من بالداخل هناك! أيها الخدم!
افتحوا الأبواب على مصاريعها؛ حتى يمكنني، على الأقل،
أن أنقذ
ابنتي من أيدي القتلة الملوثين بالدماء،
وآخذ زوجتي التعيسة البائسة،
رفيقتي، التي سيهلك قاتلوها
الآن، معها، بيدي.
أوريستيس (وهو فوق) :
اسمع يا هذا، لا تضع يدك على
هذه المزاليج،
أنت، يا مينيلاوس، يا حصن الوقاحة،
وإلا سحقت رأسك بهذا الإفريز الحجري،
وأهدم بناء البرج القديم،
ستكون الأبواب ذات المزاليج مقفلة تماما بالقضبان؛
لتترك في الخارج
سرعتك المنقذة، حتى لا تقتحم البيت بالقوة.
مينيلاوس :
عجيب حقا، ما هذا؟ أرى شعلات ملتهبة،
وعلى سقف البيت أولئك الرجال، وقد ترك لهم
الحبل على الغارب -
وعلى ابنتي حرس، وعلى رقبتها سيف مسلط!
أوريستيس :
ألا تسأل سؤالا، أو تستمع لي؟
مينيلاوس :
لا هذا ولا ذاك، ومع ذلك، يبدو لي أنه يجب
علي أن أستمع لك.
أوريستيس :
إنني اعتزمت أن أقتل ابنتك - إذا أردت أن تعرف.
مينيلاوس :
وكيف ذلك؟ لقد قتلت هيلين، أتريد أن
تضيف دما إلى دم؟
أوريستيس :
هلا فعلت هذا قبل أن تربكني الربات!
مينيلاوس :
إنك تقتلها! وتنكر خشية الإهانة!
أوريستيس :
يا له من إنكار مرير لي: عسى الرب ...
مينيلاوس :
إنك فعلت ... ماذا؟ إنك تملؤني خوفا!
أوريستيس :
قذفت بلعنة هيلاس إلى الجحيم!
مينيلاوس :
سلمني جثة زوجتي؛ دعني أدفنها!
أوريستيس :
اطلب هذا من الآلهة. ولكني سأقتل ابنتك.
مينيلاوس :
إنه سيضيف دما إلى دم - قاتل الأم هذا!
أوريستيس :
بل بطل أبيه - الذي خنته أنت إلى الموت!
مينيلاوس :
ألم يكفك التلوث بدم الأم؟
أوريستيس :
لن أمل قتل الزوجات الشريرات!
مينيلاوس :
وهل اشتركت بولاديس معه في هذا القتل أيضا؟
أوريستيس :
صمته يقول هذا، ولتكفك كلمتي.
مينيلاوس :
كلا، ستندم على هذا، إلا إذا هربت بأجنحة.
أوريستيس :
لن نهرب، ولكنا سنشعل النار في الأبهاء.
مينيلاوس :
كيف؟ أتدمر بيت أبيك هذا؟
أوريستيس :
لئلا تمتلكه - ونذبحها فوق لهبه.
مينيلاوس :
اذبحها - وذق انتقامي لموتها!
أوريستيس :
وهو كذلك (يرفع السيف).
مينيلاوس :
رويدك! لا تفعل هذا بحال ما!
أوريستيس :
صه - وتحمل سوء الحظ؛ جزاءك الوفاق.
مينيلاوس :
كيف؟ إنك لا يجب أن تحيا.
أوريستيس :
بلى ... وأحكم هنا.
مينيلاوس :
أية أرض؟
أوريستيس :
أرجوس البيلاسجية، نعم هذه.
مينيلاوس :
أتلمس الحوض المقدس!
43
أوريستيس :
ولم لا؟
مينيلاوس :
وتنحر الماشية كأضاح قبل المعركة!
أوريستيس :
وهل بوسعك أن تفعل هذا؟
مينيلاوس :
نعم، لأن يدي نظيفتان.
أوريستيس :
ولكن ليس قلبك!
مينيلاوس :
ومن يتكلم معك؟
أوريستيس :
من يحبون والدي.
مينيلاوس :
وهل تكرم الأم؟
أوريستيس :
سعيد من يستطيع ذلك!
مينيلاوس :
لست هكذا!
أوريستيس :
لا تسرني النساء الشريرات.
مينيلاوس :
أبعد سيفك عن ابنتي!
أوريستيس :
كلا ... أيها المولود كذابا؟
مينيلاوس :
هل ستقتل ابنتي؟
أوريستيس :
نعم ... ها أنت الآن لا تكذب.
مينيلاوس :
ماذا أفعل؟
أوريستيس :
اذهب إلى الأرجوسيين؛ وحثهم ...
مينيلاوس :
علام أحثهم؟
أوريستيس :
ارج المدينة في الإبقاء على حياتنا.
مينيلاوس :
وإلا فستقتل ابنتي؟
أوريستيس :
هكذا بالضبط.
مينيلاوس :
ما أتعسك يا هيلين !
أوريستيس :
أولست أنا تعيسا؟
مينيلاوس :
أحضرتك من طروادة للموت ...
أوريستيس :
ليته كان هكذا!
مينيلاوس :
بعد أن قاسيت أهوالا يتعذر وصفها!
أوريستيس :
ولا شيء من أجلي.
مينيلاوس :
ظلمت بفظاعة!
أوريستيس :
لم تقدم لي أية مساعدة.
مينيلاوس :
لقد أوقعتني!
أوريستيس :
أنت الذي أوقعت نفسك أيها الوغد!
اسمعي يا هذه! أشعلي النار في الأبهاء السفلى، يا إلكترا،
وأنت يا بولاديس، يا أوفى أصدقائي،
أشعل النار في تلك الأبراج، يا بولاديس.
مينيلاوس :
أيا أرض الدانائيين، ويا شعب أرجوس الفرسان،
هيا، والبسوا حللكم الحربية! هيا أسرعوا جريا إلى النجدة!
انظروا هذا الرجل يلوث دولتكم،
ومع ذلك فهو يحيا ملوثا بدم الأم. (يظهر أبولو فوق، وسط السحب مع هيلين.)
أبولو :
هدوءا، يا مينيلاوس، هدئ من سورة غضبك؛
أنا فويبوس ابن ليتو
Leto ،
44
أناديك هنا.
وهدوءا، أنت يا أوريستيس أيضا، يا من يحرس سيفك
تلك الفتاة، حتى تسمعا ما لدي من كلمات.
فهذه هيلين، التي حاولت قتلها لتوخز
قلب مينيلاوس، ولكنك أخطأتها،
هنا - وهي هذه التي تراها وسط ثنيات الهواء -
خلصتها من الموت، فلم تقتلها.
أنا الذي أنقذتها، وخطفتها من
سيفك، بأمر الأب زوس؛
فيما أنها ابنة زوس، فلا بد أن تعيش دون أن تموت،
وستجلس إلى جانب كاستور
Castor
45
وبولوديوكيس
في طيات الهواء، وستكون منقذة للملاحين.
اتخذ زوجة جديدة لأبهائك، وتزوج؛
فقد رأت الآلهة العليا أن جمالها يغري
الهيلينيين والفروجيين إلى التقاتل،
فجلبت الموت لتخفف عن الأرض
المظلومة باطراد زيادة أبنائها.
هذا ما كان أمر هيلين. أما أنت، يا أوريستيس،
فقدر لك أن تجتاز حدود هذه الأرض،
وتقيم سنة كاملة في أرض بارهاسية
،
بجوار أرض الأزانيين
Azanian
والأركاديين.
ومن أجل منفاك سيطلق عليها اسم «أرض أوريستيس».
وستسافر من هنا إلى مدينة الأثينين،
حيث تحاكم على دم أمك،
في مواجهة المنتقمات الثلاث، سيجلس الآلهة هناك
قضاة، وفوق تل آريس المقدس
يصدرون حكما عادلا، وستكسب القضية.
أما هيرميوني، التي تضع سيفك على عنقها،
يا أوريستيس، فهي عروسك المقسومة لك. وأما من
يظن أنه سيتزوجها ، فلن يتزوجها؛ لأن نيوبتوليموس،
46
قدر له أن يموت بالسيوف الدلفية،
عندما طلب مني ثأر والده.
امنح يد شقيقتك لبولاديس، الذي وعد
بها؛ فإن حياة منعمة تنتظره.
وأنت يا مينيلاوس، اترك عرش أرجوس لأوريستيس.
اذهب، واقبض على صولجان الأرض الإسبرطية،
كبائنة زوجتك؛ لأنها حملتك
جهدا بالغا إلى هذا اليوم. سأرضى بأرجوس هذا الرجل،
الذي حرضته على أن يسفك دم أمه.
أوريستيس :
مرحبا بوحيك، أيها العراف لوكسياس! لم
تكن عرافا كاذبا، إذن، بل صادقا.
ومع ذلك. فقد اعتراني خوف؛ لئلا أكون قد سمعت،
وأنا أسمع صوتك، شيطانة من الفوريات.
47
ورغم هذا، فقد انتهى كل شيء على ما يرام، وسأطيع
كلامك.
انظر، ها أنا ذا أطلق سراح هيرميوني من تحت السيف،
وأتعهد بأن أتزوجها عندما يمنحنيها أبوها.
مينيلاوس :
مرحبا بك، يا هيلين، يا ابنة زوس! أعتبرك مباركة،
يا ساكنة بيت الآلهة السعيد.
إني أخطب لك ابنتي، يا أوريستيس
بأمر فويبوس؛ عادل هو زواج الأمير
بأميرة، وعسى أن يكون خيرا لي!
أبولو :
لينصرف الآن كل منكما كما عينت له،
وارضيا عن الترضية لأحقادكما.
مينلاوس :
يجب أن نطيع.
أوريستيس :
إني مثله راض بما قسم لي،
فيما يتعلق بمينيلاوس وبجميع أوامرك.
أبولو :
انطلقا في طريقكما، وإلى «سلام» الآلهة البالغي العدل،
قدما ثناءكما.
أما هيلين، فسأحملها إلى قصر زوس،
فور وصولي إلى مرتفعات القبة الزرقاء، حيث
تومض أشعة النجم.
ستجلس على عرش بجانب هيرا وهيبي وهرقل
48
هناك
نعم، ستكون هناك.
ويقدم لها الناس قرابين من الأشربة مع الاثنين
التونداريين،
أبناء زوس؛ يعبدها البحارة بالصلوات،
ملكة للبحر.
الكوروس :
فليبارك «النصر» المبجل،
وليستقر على حياتي وعلى
تاج، وتاج إلى الأبد! (يخرج الجميع.)
هيكوبا
ملخص المسرحية
عندما استولى الإغريق على طروادة، أخذت هيكوبا
Hecuba ،
1
زوجة بريام، وابنتاها كاساندرا
Cassandra
العرافة وبولوكسينا
مع نساء طروادة الأخريات إماء، ووزعن على الظافرين. وبذا صارت هيكوبا محظية أجاممنون. بيد أن بولودوروس
2
أصغر أبناء بريام، كان قد ذهب قبل ذلك بمدة طويلة ومعه كنوز كثيرة من الذهب ليحفظها عند صديق والده بولوميستور
3
ملك تراقية. وهكذا كان لدى والدته تعزية واحدة وأمل وحيد وسط محناتها . ولكن الجيش الإغريقي لم يستطع الإبحار وقتئذ إلى بلاده؛ لأن روح أخيل، بطلهم المقتول، قد خولت سلطة حجز الرياح ومنعها من الهبوب إلى أن تقدم إليها الضحية المناسبة، حتى ولو كانت فتاة طروادية بالغة الجمال، من أصل ملكي. وبناء على هذا اختيرت بولوكسينا لتكون الضحية المطلوبة ... في تلك الأثناء طمع بولوميستور في ذهب بريام، ولم يخش انتقام أي فرد من البشر، فقتل الصبي بولودوروس، ابن صديقه، وألقى بجثته في البحر، فقذفتها الأمواج على الشاطئ الذي أقام فيه الأغارقة معسكرهم. فأخذت الجثة إلى هيكوبا. وتروي هذه المسرحية أحزان هيكوبا وانتقامها.
أشخاص المسرحية
شبح بولودوروس، ابن بريام ملك طروادة، وهيكوبا.
هيكوبا
Hecuba :
زوجة بريام، ووالدة بولودوروس وبولوكسينا.
بولوكسينا
:
صغرى بنات بريام وهيكوبا.
أوديسيوس
Odysseus :
أكثر الأغارقة دهاء، وملك إيثاكا.
تالثوبيوس
Talthybius :
حاجب الملك أجاممنون.
أجاممنون
Agamemnon :
ملك موكيناي وقائد جيش بلاد الإغريق.
بولوميستور
:
ملك تراقية الشرقية المسماة بالخرسونين، خادمة خاصة لهيكوبا.
كوروس:
من النساء الطرواديات الأسيرات.
خدم، وحرس من الأغارقة ومن التراقيين، نساء أسيرات.
المنظر
أمام فسطاط أجاممنون في معسكر الإغريق، على شاطئ الخرسونيز التراقي
Thracian Chersonese . (يظهر شبح بولودوروس ويحلق فوق خيمة أجاممنون.)
بولودوروس :
جئت من أقبية الموت، من أبواب الظلام،
حيث يسكن هاديس بعيدا عن الآلهة،
أنا بولودوروس المولود من هيكوبا ابنة كيسيوس
Cisseus ،
1
وبريام، الذي عندما هدد الخطر مدينة
الفروجيين،
2
أن تسقط برماح بلاد الإغريق،
وخوفا من أرض طروادة، أرسلني سرا
إلى أبهاء بولوميستور، صديقه التراقي،
ملك أرض الخرسونين الزراعية،
الذي يحكم بالرمح أولئك القوم المحبين للخيول.
وخفية أرسل أبي معي
كثيرا من الذهب، حتى إذا سقطت أبراج إيليوم،
فلن يصير الأحياء من أبنائه شحاذين.
كنت أصغر من في بيت بريام؛ ولذا
أرسلني بعيدا عن البلاد، لأن ذراعي الغضة
لن تجدي نفعا، أو تحمل الترس أو الرمح.
وهكذا، بينما لم تخضع بعد وسائل دفاع المدينة،
ولم تحطم بعد أبراج طروادة،
وبينما كان رمح أخي هكتور لا يزال ظافرا،
غذاني التراقي، صديق والدي، تغذية طيبة،
فكبرت كغصن صغير - أنا التعيس !
ولكن عندما هلكت طروادة، وهلكت روح هكتور ،
وغدا وطيس والدي خرابا،
وسقط هو نفسه عند المذبح الذي بنته الآلهة،
مقتولا بيد ابن أخيل، الملوث بدم القتل،
بعد ذلك قتلني صديق أبي من أجل الذهب،
وألقى بالقتيل التعيس وسط أمواج البحر،
لكي يمكنه أن يحتفظ هو نفسه بالذهب في قصره.
فأتمرغ على الشاطئ حينا، وتحملني الأمواج حينا آخر،
تتقاذفني الأمواج في انقباضها واندفاعها،
ليس لي قبر، ولم يبكني أحد، وفوق رأس والدتي
العزيزة
أحلق الآن تاركا جسمي غير مسكون.
هذا هو اليوم الثالث وأنا أحلق هكذا،
طول الوقت في هذا الخرسونين،
تنتظر والدتي وقد جيء بها من طروادة.
ويجلس جميع الآخيين
Achaeans
3
بغير عمل
في سفنهم على شواطئ هذه الأرض التراقية.
لأن ابن بيليوس ظهر فوق قبره،
وأوقف أخيل جميع الجيش الهيليني،
وقد ضربوا الماء الملح بالمجاذيف بقصد العودة إلى
وطنهم،
وطالب بأن تكون شقيقتي بولوكسينا،
ضحيته، وشرفا لقبره؛
نعم، وسيفوز، ولن يخرج من أصدائه الأبطال
بغير جائزة، وتقود ربة القدر
شقيقتي اليوم إلى حتفها.
ومن طفلين، سترى أمي
جثتين؛ جثتي، وجثة شقيقتي البائسة.
ولكي أحظى، أنا التعيس، بقبر، سأظهر
أمام قدمي خادمتها الخاصة، وسط اللجة.
إذ أقمت مع ملوك الموت؛
لأسقط وسط يدي أمي وأنال قبرا.
سيتم كل ما كنت أصبو إليه.
ولكني سأتحاشى بصر هيكوبا المسنة؛
لأنها حركت قدميها بعيدا عن خيمة أجاممنون،
وقد أفزعها شبحي الغريب. (تظهر هيكوبا آتية من خيمة أجاممنون، ترتدي ثياب الإماء، وتسندها زميلاتها الأسيرات.)
أماه، يا من رأيت بعد قصرك الملكي
يوم الرق، كيف يتعادل عمل مصائبك،
مع ارتفاع قدرك! يحمل إله
كفة الميزان إلى أسفل، وقد تراكمت فيها النعم
القديمة، فيعمل على خرابك. (يخرج.)
هيكوبا :
هيا قدنني إلى الأمام يا بناتي، قدن العجوز التي
برحت بها السنون من الخيمة.
قدنها مساعدات خطوات زميلتكن العبدة
زميلتكن الآن، يا بنات طروادة، ولكنها كانت من
قبل ملكتكن.
أمسكنني، وارفعنني، وساعدنني أنا العجوز المنهوكة
القوى،
أمسكن يدي المجعدة لئلا أقع من الضعف؛
وإذ تسندني ذراع مثنية أنحني عليها ،
سأسرع إلى الأمام بخطوة مضطربة،
مسرعة قدمي في سباق متلكئ.
أيا عظمة برق زوس، أيا ظلام الليل،
لماذا أرتعد للرؤيا التي تتخيل لي في النوم
بالفظائع، وبالأشباح؟ يا قوة الأرض العظيمة،
يا أم الأحلام المحلقة طائرة بأجنحة دكناء،
فأصرخ في رؤيا الظلام بقولي «اغربي من أمام
وجهي!»
حلم ابني الذي أرسل إلى تراقية لإنقاذه من القتل،
والحلم الذي رأيته عن مصير بولوكسينا، ابنتي
العزيزة المحبوبة،
الذي رأيته، والذي عرفته، والذي يقيم ليخيفني.
أنقذوا ابني، يا آلهة العالم السفلي.
دعامة بيتي وعماده الوحيد،
محروسا جيدا بواسطة صديق والده
حيث تحجب ثلوج تراقية الغابة والتل المجدب!
بيد أن ضربة غريبة تقترب،
ومحنة للعويل، لمن يعولن.
الويل لي، لم يسبق أن خفق قلبي كما يخفق الآن
يثيره الخوف الدائم بغير انقطاع.
لا يسعني إلا أن أتحسس طريقي إلى كاساندرا،
لتفسر لي أحلامي، يا بنات طروادة،
أو إلى هيلينوس
Helenus ،
4
ذلك العراف
الذي علمته الآلهة!
لأنني رأيت غزالة رقطاء كانت تمزقها أنياب ذئب حمراء،
جرها من بين ركبتي حيث تشبثت بهما، في يأس
يدعو إلى الحزن.
لذلك نزع الفزع على روحي؛
إذ إن شبح أخيل القوي، قد ارتفع ووقف
عاليا فوق قمة كومة قبره،
وطلب جائزة شرف، بسفك دماء،
وبحتف فتاة طروادية ابتليت بنكبة.
أيها الآلهة، ها أنا ذا متضرعة أمامكم! وأتوسل
إليكم بدوري،
أن تنظروا في مصير ابنة رحمي! (يدخل كوروس من النساء الطرواديات الأسيرات.)
الكوروس :
لقد أسرعت إلى هنا، تاركة خيمة سيدي،
يا ملكتي، تركتها، تلك التي أقيم فيها هنا،
أنا التي وقعت في يد ملك، عبدة
مطاردة من إيليوم، هدف رمح صياد آخائي،
ليس لتخفيف ألمك؛ كلا، بل حملت عبئا
من الأنباء الثقيلة، وجئت إليك رسولة ألم ممض؛
لأن ذلك الخبر من قرارات أخايا
Achaea ، ويقولون
إن ابنتك يجب أن تقدم ضحية لأخيل.
لأنك تعرفين كيف بان في بريق العدة الحربية الذهبية
واقفا على قبره، وعلى السفن عابرة المحيط
ألقى تعويذة، فلم تبحر منها أية سفينة - على
الرغم من أن حبال السارية رفعت
الأشرعة إلى قمم الصواري، ورنت صرخة
من شفتيه، يقول: «اسمعوا، أيها الدانائيون
Danaoi
5
إلى أين الآن،
قبل أن تبروا بقسم
شرفكم لقبري، واحتقرتم مجدي؟»
ثم ارتفع صوت موجة عاتية، فانشق جيش الرماحين
وصاح البعض يقول: «قدموا الضحية لقبره!»
وقال آخرون: «كلا!»
وأصر الملك هناك على إعفاء ابنتك؛
لأن أجاممنون يحب ابنتك العرافة الباكخوصية.
ولكن ابني ثيسيوس
Theseus
كليهما، وهما من نسل أثينا؛
من أجل ضررك،
ترافعا كلاهما، وأعطيا صوتيهما محبذين تقديم
الضحية، قائلين: «لا يسعكم إلا أن تتوجوا قبر أخيل
بدم الحياة المهراق!» فصاح الجميع - ومن أجل
هذا، هل يجرؤ أي فرد
على تفضيل فراش كاساندرا، على جرأة أخيل -
تلك المحظية، العبدة؟ - كلا، لن يكون هذا.»
ولكن حدة الكلام اشتدت عنفا، كل واحد منهم
يعارض الآخر.
وتعادل الطرفان، حتى قام الثرثار ذو الروح
البالغة الدهاء،
ذلك الرجل المعسول اللسان، الذي خضع له الجمع،
لايرتيس
Laertes ،
6
المسيطر على أفكار الجيش
يشكلها في قالبه، فصاح يقول: «لا يجب أن ننتحي جانبا، كالبائس المنبوذ،
فأشجع قلب دانائي، وأقوي يد دانائية،
ما كانا إلا ليبعدوا عن أيدينا لطخة دم
العبدة المذبوحة،
ولا نتحمل أن يرتفع صوت من الصفوف الواقفة
في حضرة ملك الجحيم، يقول في صرخة تهكم مريرة: «لقد أسرع الدانائيون من سهول طروادة
دون أن يعترفوا بفضل
أقاربهم الدانائيين، الذين تملأ قبورهم الرحب هنا،
أولئك الذين ماتوا لينجوا إخوانهم - أولئك
الموتى الذين نسيناهم بسرعة!»
وإن أوديسيوس سيأتي قريبا، وسيكون هنا الآن
لينتزع عزيزتك من صدرك، من قبضتك، التي
أضعفتها الشيخوخة.
هيا، أسرعي إلى المعابد الآن، أسرعي، وانحني
أمام المذابح:
واركعي أمام أجاممنون، وأمسكي ركبته متضرعة.
ارفعي صوتك بالصراخ إلى الآلهة الجالسة في الأعالي،
دعي سكان العالم يسمعون صراخك
يدوي خلال البرية المظلمة.
لأنهم إن لم يعودوا وينقذوا، وغلبة صوتك
تنقذك من فقدان ابنتك المحكوم عليها بالإعدام،
تحتم عليك، أكيدا، أن تعيشي وتتطلعي إلى حيث
ترقد الفتاة على وجهها
مذبوحة فوق رابية قبر، بينما المد المتألق
في اقتتام،
ينبع، ينبع من العنق المزين بالسخريات الذهبية
وكل جسمها مصبوغ بالدم القاني الفظيع،
ذي الفقاقيع.
هيكوبا :
الويل لآلامي! ماذا تجدي الصرخات
في تخفيف آلام المصائب؟
وأي عويل مهما بلغ ذروة عذابه، يفوق عويلي -
لشيخوخة لعينة - وعبودية مريرة يعجز عن
احتمالها القلب واللحم
الويل لي، ولمصائبي!
ماذا ترك لي من الأبطال؟ وأي أبناء ليدافعوا عني؟
وأية مدينة بقيت لي؟ ذهب
سيدي وأبنائي! فإلى أين أذهب الآن؟
إلى أين أهرب؟ أهناك إله ... أهناك شيطان
يصادقني؟
وحيدة، وحيدة!
يا بنات طروادة - يا رسولات الدمار، يا رسولات الدمار! -
ماذا تنفع حياتي بعد ذلك، أنا التي أهلكني
كلامكن، أهلكني؟
والآن، هيا بي إلى ذلك الفسطاط لأخبر ابنتي بهلاكها،
قدن أتعس الأقدام، قدن العجوز الثكلى!
وا بنتاه، وا طفلة أم أتعس ما تكون في الرحيل،
في الرحيل،
تعالي من الخيمة، وأصغي إلى صوت كلام أمك،
ستعلمين حتى النهاية، أية شائعة فظيعة، ميئسة،
ميئسة
تتعلق بحياتك، يا حبيبتي، سمعتها الآن! (تدخل بولوكسينا.)
بولوكسينا :
أماه، أماه، ما معنى صراخك هذا؟
أي شيء مفزع غريب
هذا الذي تنقلين!
فأفزعني كعصفورة تطير فجأة
بجناح مذهول
من هدوء عشها؟
هيكوبا :
وا مصيبتاه! الويل لي، يا بنيتي!
بولوكسينا :
ما كلامك هذا المنذر بالنحس؟
إني لأتكهن بالشر من مقدمة كلامك.
هيكوبا :
الويل لي! يا للحياة المحكوم عليها بالذبح!
بولوكسينا :
أخبريني، نبئيني، ولا تخفي عني شيئا؛
لأن قلبي، يا أماه، مثقل بالخوف
من الأخبار التي تأتي من ثنايا أنينك.
هيكوبا :
أي بنيتي، أي بنية التي بخعها الحزن!
بولوكسينا :
ما هي الرسالة التي أحضرتها لي؟
هيكوبا :
الموت؛ لأن جموع المحاربين الأرجوسيين
7
قد أجمعوا على رأي واحد؛ على أن يراق دمك
على قبر ابن بيليوس.
بولوكسينا :
الويل لي، يا أماه، كيف استطاع لسانك
أن ينطق بهذه الفظائع؟ قولي كل شيء،
يا أماه، قولي.
هيكوبا :
إن ما سمعته، يا بنيتي، لهو عار وظلم،
الصوت الأرجوسي، عن الهلاك الذي شاع،
عن ضياع الأمل في حياتك ... ضياعه!
بولوكسينا :
أيتها الزاخرة بالألم الممض، أكثر من أي شيء آخر!
أيتها المملوءة بعذاب الأيام المقفرة!
أية عاصفة، بل وأية زوبعة من الإهانة والعار،
بلغت أقصى القذارة فلا يمكن النظر إليها،
والفظاعة فلا يستطيع المرء أن يذكر اسمها،
هل ثار شيطان ما، فانقض عليك،
حتى إن ابنتها التعيسة لن تسير إلى جانب أمها التعيسة
بعد ذلك في طريق العبودية!
لأنني مثل شويهة ترعى في الجبل،
مثل طفلة قطيع، سترينني منتزعة بعيدا،
في النكبة، منتزعة من عناقك المنكوب،
وبرقبة مقطوعة بنصل المذبح،
أحمل إلى ظلام العالم السفلي،
لأرقد في «الأرض غير المرئية» وقد غلبتني
المحنة، حيث يوجد ضحايا الموت.
أما عنك، وعن الأيام الحالكة المحيطة بك،
يا أماه، فأبكي بأشد عويل:
ولكن من أجل هذا، من أجل الحياة التي يجب
أن أفقدها،
ومن أجل الهلاك المقدر لي والدمار،
لن أبكي أنا، عندما أنظر خلفي:
كلا، بل لقيني حظ أسعد؛
لأنه من حيث وجهة نظري، قد أعطيته لأموت.
الكوروس :
ولكن انظري، ها هو أوديسيوس يأتي
بقدم سريعة،
ليخبرك، يا هيكوبا، بالقرار الجديد. (يدخل أوديسيوس.)
أوديسيوس :
سيدتي، تعلمين أنني أحمل ما اعتزمه الجيش
والصوت المجموع. ومع ذلك، فسأخبرك به:
سيذبح الآخيون بولوكسينا
ابنتك، فوق ربوة قبر أخيل.
وانتدبوني لأرافق هذه الفتاة،
وأحضرها إلى هناك، وسيكون رئيس وكاهن تقديم
الضحية، هو ابن أخيل.
وهل تعرفين دورك عندئذ؟ فلا تلجئيني إلى انتزاعها
بالقوة، ولا تتحديني في التماسك بالأيدي؛
بل اعرفي قوتك، وكثرة المصائب المحدقة بك.
فمن الحكمة، حتى وسط النوائب، أن يستمع المرء
إلى الكلام المعقول.
هيكوبا :
وا فجيعتاه! يبدو أنني في محنة مريرة،
مثقلة بالأنين، ومزودة بالدموع.
لم أمت هناك، حيث كان من الأفضل لي أن أموت؛
ولم يهلكني زوس، بل حفظني في الحياة؛
لأرى - ويا لتعاستي! - كوارث، تفوق ما مضى من
كوارث.
ولكن، إذا صح للعبيد أن يسألوا الأحرار عن
أشياء لا تغيظهم، ولا توغر القلب،
إذن، فمن المناسب أن تكون المسئول الآن،
فأسألك، وأستمع إلى ردك.
أوديسيوس :
وليكن كذلك! اسألي؛ فلن أحقد على التأخير.
هيكوبا :
أتذكر مجيئك إلى طروادة
جاسوسا، ترتدي الأسمال القذرة، ومن عينيك
تنحدر قطرات الدم فوق خديك؟
أوديسيوس :
أذكره ولا أنساه ؛ لأنه نزل عميقا في قلبي.
هيكوبا :
وعرفتك هيلين
Helena ،
8
ولم تخبر أحدا سواي؟
أوديسيوس :
أذكر هذا في مخيلتي، ووقعت وسط خطر جسيم.
هيكوبا :
وأنك تعلقت بركبتي، وخضعت بذلة آنذاك؟
أوديسيوس :
أمسكت يدي ثيابك بقبضة الموت.
هيكوبا :
وماذا قلت عند ذاك - وكنت حينئذ عبدي؟
أوديسيوس :
ألفاظا - ألفاظا كثيرة وجدتها لأفلت من الموت.
هيكوبا :
وأنني أنقذتك، أنقذتك، وأرسلتك خارج البلاد؟
أوديسيوس :
نعم، وشكرا لك، وها أنا ذا أرى ضوء الشمس الآن.
هيكوبا :
ألم تبرهن على دناءتك بمؤامرتك هذه،
أنت الذي عاملتك هكذا كما تقول،
ولكنك لم تفعل لنا شيئا طيبا، بل فعلت أقصى
ما يمكنك من الشرور؟
إنك شخص ناكر للجميل، وكل ما تتمسك به للشرف
هو الثرثرة لعامة الشعب! دعني، لا أعرفك،
أنت، يا من تعمل على أذى أصدقائك، ولا تهتم
بهم إطلاقا،
حتى يمكنك أن تسر السوقة!
بأي دهاء تصورت هذه الخدعة
ضد ابنتي، فأعطيت صوتك عن القتل؟
هل كان الواجب هو الذي دعاهم إلى قتل البشر
على قبر أكثر ملاءمة للثيران المذبوحة؟
أم أن أخيل قد أعجبه أن يجازي بالموت
قاتليه، فسدد إليها سهم الموت بعدل؟
إنها لم تفعل به أي ضرر.
وإنما هيلين هي التي يجب أن يطلبها ضحية مناسبة
لقبره.
كانت هي التي جرته إلى طروادة، وحطمته.
وإذا كان لا بد من موت أسيرة مختارة،
منقطعة النظير في الجمال، فهذا لا يشير إلينا؛
لأن ابنة تونداريوس
9
لا تبارى في شكلها،
ولم تكن أقل منا إضرارا به.
أقدم هذا الدليل ضد «عدالته».
ولكن، أي جزاء على معروفي تدين به لي،
اسمع، إنك لمست يدي، كما كان يجب عليك،
وخفضت خدك المتغضن عند قدمي.
وها أنا ذا سألمس بدوري، يدك ولحيتك،
قم برد المعروف القديم الآن للمتوسلة إليك.
لا تنتزع ابنتي من ذراعي،
ولا تذبحها؛ يكفي من ماتوا حتى الآن.
فبها أبتهج، وبها أنسى مصائبي؛
إنها تعزيتي عن كثير من النعم التي فقدتها؛
إنها مدينتي وممرضتي وعكازي ومرشدة قدمي.
لا يجب أن يستعمل الأقوياء قوتهم بطغيان،
ولا يظنن من ابتسمت لهم الدنيا، أنها ستظل
تبتسم لهم إلى الأبد.
فقد ابتسمت لي الدنيا فيما مضى، ثم امتنعت عن
الابتسام لي الآن.
فانتزع مني كل نعيمي الماضي.
أستحلفك بلحيتك، أن تنظر إلي بعين الاحترام!
أشفق علي، اذهب إلى جماعة أخايا،
وحثهم، مبينا لهم أنه من العار أن تذبحوا
النساء اللواتي لم تذبحوهن من قبل؛ عندما كنتم
تأخذونهن،
من فوق المذابح، وتنقذونهن شفقة بهن.
وها هو نفس القانون يسري بينكم
على الأحرار وعلى العبيد، فيما يختص بسفك الدماء
ونظرا لشهرتك السامية، فمهما تكلمت،
فستؤثر عليهم ألفاظك،
لأن نفس الكلام ليس له نفس التأثير
إلا بحسب منزلة الرجال المحتقرين أو الرجال المحترمين.
الكوروس :
لا توجد طبيعة بشرية، مهما كانت عنيدة لا تلين،
وتسمع أنينك وعويلك
الطويلين، ولا تذرف الدموع.
أوديسيوس :
تلقي الأمر، يا هيكوبا، ولا تعتبري
من ينصحك بحكمة عدوا، متأثرة بغضبك.
إنني على استعداد لإنقاذ حياتك، التي لقيت
خلاصي عن طريقها، وأقف ذلك الموقف.
أما فيما يختص بكل ما قلته، فلن أتراجع فيه.
وإذ سقطت طروادة الآن، يجب أن نسلم ابنتك
ضحية، بناء على طلب بطلنا العظيم.
فمن هنا يأتي الضعف في معظم الأحوال،
فرغم كون الرجل شجاعا وذا روح وطنية،
فلن ينال جائزة أعظم مما ينال الرجال الوضعاء.
ولكننا نعتبر أخيل جديرا بالتمجيد،
ذلك الذي مات من أجل هيلاس، ميتة شريفة،
كما يفعل الرجال.
أليس من العار، إذن أن نعامله كصديق
وهو حي، ثم نكف عن تلك المعاملة عندما يموت؟
ماذا يقول الإنسان، إذن، إذا ما كان
على الجيش أن يجتمع لمقاتلة الأعداء؟
سيقولون: «هل نحارب، أم نتشبث بالحياة،
وقد رأينا الأموات لا يكرمون؟»
أما عن نفسي، أنا الذي لا أهتم بحياتي،
فيكفيني أن أعمل للحصول على حاجتي اليومية،
ومع ذلك أفضل أن يتوج قبري بالتبجيل
في نظر الناس، طالما كانت هذه النعمة ممكنة.
ولكن، إذا سمعت ردي، أيتها الخالية من المشقات؛
فلدينا سيدات عجائز، وشيوخ مسنون،
ليسوا أقل منك تعاسة،
وعرائس لأنبل الرجال تركن مهملات،
فضم ثرى جبل إيدا
Ida
10
ذاك، جثثهن .
تحملي هذا؛ فإذا أخطأنا في تكريم
الشجعان اتهمنا بالغباوة وكان اتهامنا على حق.
أما أنتم، أيها البرابرة، فلا تعتبرون أصدقاءكم
أصدقاء، ولا تقدمون أي تكريم لموتاكم
الأبطال، حتى تزدهر هيلاس،
ويعادل جزاؤكم سياستكم.
الكوروس :
يا للمصيبة! بئست اللعنة طبيعة الرق؛ نعم
إذ يقاسي العبد ظلم القوي ويخضع له في احتمال!
هيكوبا :
أي بنيتي، لقد ضاعت ألفاظي أدراج الهواء،
وألقيت توسلاتي عبثا، من أجل حياتك.
فإذا كان بوسعك أن تفعلي شيئا لا تستطيعه أمك،
فأسرعي على الفور؛ كأن تعولي، تعولي بحنجرة
العندليب الحزينة؛ لئلا تفقدي حياتك.
اركعي بذلة عند ركبة أوديسيوس،
أذيبى قلبه. فلديك حجة - ولديه أطفال أيضا؛
وقد يشعر بالعطف على مصيرك.
بولوكسينا :
أرى، يا أوديسيوس، كيف تخفي يدك
تحت ردائك، وكيف تشيح
بوجهك بعيدا؛ لئلا أمسك لحيتك. لا تخف؛
إنك بمأمن من زوس، من بطل المتضرعين.
سأذهب معك؛ لأني يجب أن أذهب،
ولأني أتوق إلى الموت. وإن امتنعت،
كنت جبانة، وبرهنت على محبتي للحياة.
لأنه، لماذا أعيش أنا التي كان أبوها ملكا
على جميع الفروجيين؟ هكذا كان فجر حياتي:
بعد ذلك ربيت وسط الآمال المتألقة،
عروسا للملوك، وجرت المنافسات شديدة،
من أجل يدي، بين الملوك الذين يرحب بهوهم
ووطيسهم بي ملكة.
وكنت، وا حسرتاه! سيدة
فتيات إيدا، محط الأنظار بين العذارى،
نظيرة الآلهة - فيما عدا أنه يجب على الإنسان
أن يموت -
والآن، أنا عبدة! وإن الاسم وحده ليجبرني
على أن أتوق إلى الموت، إنه غريب علي.
وأكثر من هذا؛ فقد أنزل عند سيد
وحشي القلب، كمن يشتريني بالفضة،
أنا شقيقة هكتور، وشقيقة كثير من الرؤساء!
فيضطرني إلى إدارة الرحى في قصره،
ويجعلني أكنس مسكنه، وأقف أمام
النول، بينما تمر أيام الذل المرير.
وإذ أشتري في مكان ما، يأتي عبد ويدنس
فراشي - أنا التي كنت معتبرة، فيما مضى، جائزة
للأمراء.
كلا! لن ترى عيناي ضوء الحرية،
وسأكرس جسمي للموت،
هيا خذني، يا أوديسيوس، قدني إلى مصيري؛
إذ لا أري ضمانا في أي أمل،
ولا في أحلام اليقظة، لأيام سعيدة تنتظرني .
أماه، لا تمنعيني بأية طريقة؛
سواء بالألفاظ أو بالأفعال، بل وافقي معي
على موتي، قبل أن يصيبني عار غير لائق.
فمن لم يذق طعم الشرور
يغضب عندما يحمل النير فوق عنقه،
ويعتبر الموت أسعد له من الحياة،
ما الحياة غير الشريفة إلا ضربة ساحقة.
الكوروس :
غريب هو الطابع المدموغ بوضوح على ذوي
المولد الرقيق، ويبدو النبل
أسمى فيمن يتحلى بالنبل عن جدارة.
هيكوبا :
لقد نطقت بالنبل، يا بنيتي، غير أن الأم يحز،
في ذلك «بنبل». أما إذا كان على ابن بيليوس
أن ينال هذه النعمة، وتفلتي أنت من اللوم،
فلا تقتلها، يا أوديسيوس بحال ما،
بل اقتلني أنا، خذني إلى كومة أخيل:
اطعني، ولا تخلصني؛ فأنا التي ولدت باريس
الذي ضرب بسهامه ابن بيليوس وقتله.
أوديسيوس :
لست أنت، يا أماه، التي طلب شبح
أخيل من الآخيين أن يقتلوا، بل هي.
هيكوبا :
ومع ذلك، فلا أقل من أن تقتلني مع ابنتي؛
فعندئذ سيتعمق تيار الدم في الأرض بضعفي
العمق، ويصل إلى الميت الذي طلب هذا.
أوديسيوس :
يكفي موت ابنتك؛ لا يجب أن يكدس
موت فوق موت. لا سمح الرب بأن نفعل هذا!
هيكوبا :
يجب ... يجب أن أموت حيث تموت ابنتي.
أوديسيوس :
يجب؟ لم أعرف أنني وجدت سيدا!
هيكوبا :
كما يلتف اللبلاب حول شجرة البلوط، سألتف
حولها وأتشبث بها.
أوديسيوس :
لن يحدث هذا إذا كنت تصغين إلى من
هو أكثر منك حكمة.
هيكوبا :
لن أوافق على أن أترك ابنتي.
أوديسيوس :
ولن انتقل من هنا، وأتركها في هذا المكان.
بولوكسينا :
أصغي إلي، يا أماه، وأنت، يا ابن لايرتيس،
تحمل الوالدين عندما يكون هناك سبب للغضب.
يا أمي، يا أمي المسكينة، لا تنازعي القوي.
أتريدين أن تطرحي أرضا، ويجرح لحمك،
لحمك العجوز، ويمزق بعنف؟
أتريدين أن يطوح بك بصورة مخجلة، وتدفعي
بذراعين قويتين؟
لا يصح هذا، ولا يليق بك هذا
وإنما، يا أمي، يا أمي العزيزة، أعطيني يدك،
يدك العزيزة، العزيزة، وضعي خدك على خدي؛
حيث إنني ما عدت أرى شعاع الشمس بعد ذلك ،
بل هذه آخر مرة أرى فيها شعاع الشمس وفلكها.
تقبلي آخر تحياتي، أي أماه، ذات الثدي الذي
رباني، سأذهب إلى الموت.
هيكوبا :
وا بنتاه! سأعيش في عبودية.
بولوكسينا :
لا عريس ولا زواج! ليس لي نصيب في شيء
من هذين.
هيكوبا :
محنتك محزنة، يا بنيتي، بينما محنتي التعاسة.
بولوكسينا :
سأرقد بعيدا في هاديس، بمنأى عنك.
هيكوبا :
الويل لي! ماذا أفعل؟ أين تنتهي حياتي؟
بولوكسينا :
تموتين عبدة، أنت يا من كان أبوك حر المولد.
هيكوبا :
لم يكن لي نصيب ولا حظ في خمسين ابنا!
بولوكسينا :
ماذا أقول لهكتور
Hector ،
11
ولسيدك؟
هيكوبا :
أخبريهما بأنني أتعس النساء جميعا.
بولوكسينا :
يا للصدر والثديين اللذين غذياني بحلاوة!
هيكوبا :
الويل لك، يا ابنتي، لحتفك السابق لأوانه!
بولوكسينا :
وداعا، يا أمي! وداعا، يا كاساندرا.
هيكوبا :
وداعا للأخريات ... ليس هذا لأمك!
بولوكسينا :
يعيش أخي بولودوروس وسط التراقيين.
هيكوبا :
إذا كان على قيد الحياة. لأني أرتاب؛ فكل
شيء حالك شديد السواد.
بولوكسينا :
إنه يعيش، وسوف يغمض عينيك عند موتك.
هيكوبا :
أنا ... أنا مت، أموت خلال مصائبي.
بولوكسينا :
غط رأسي، يا أوديسيوس، وأسرع بي؛
فقبل أن تذبحني، أذاب قلبي
عويل أمي، كما يذيب عويلي قلبها.
أيها النور! فلا أزال أنادي باسمك،
رغم أن كل نصيبي منك هو هذه الفترة الوجيزة
من هنا إلى حد السيف وكومة أخيل. (يخرج أوديسيوس وبولوكسينا.)
هيكوبا :
الويل لي! إنه ليغمى علي، وتتخاذل ساقاي
تحت جسمي.
يا ضحك، المسي أمك ... مدي يدك ...
أعطنيها، ولا تتركيني بغير أولاد! أيتها الصديقات،
لقد انتهيت!
عسى أن أرى في هذه الحال، أخت أولاد زوس،
هيلين الإسبرطية! إذ بعينيها البراقتين
عملت على سقوط طروادة المزدهرة، سقطة مخجلة. (يغمى عليها.)
الكوروس (الأنشودة الأولى) :
أيها النسيم، أيها النسيم، المسرع فوق سبل البحر،
أيها الدافع فوق صفحة المحيط
قيعان الأسطول الطائرة فوق اللجج القاتمة،
إلى أين ستحملني، أنا المفعمة بالأحزان؟
إلى أي سوق نخاسة ستذهب الفتاة
الأسيرة، وإلى بيت أي سيد غريب؟
إلى الثغر الدورياني؟ أم إلى حيث توجد مراعي
أرض فثيا
الخصبة، الكثيرة الجداول، وحيث
تضحك أجمل
العرائس المتألقة من ينابيع أبيدانوس الدافقة؟ (الرد على الأنشودة الأولى.)
أو هل ستحملها إلى البؤس المجاذيف ضاربة
الماء الملح،
في قصر الجزيرة، خلال أيام البكاء،
سنقيم، حيث ترتفع أول نخلة ولدت
من الأرض وتوجت بأغصان الغار الممجدة!
إن الفراش المحاط بسعف النخيل حيث كانت ترقد
ليتو
Leto
12
العزيزة، قد بلغها نهاية تعب الولادة.
هناك يتغنى بقوس أرتيميس
Artemis
13
المصنوعة كلها
من الذهب
وبالجباه المزدانة بالحلى الذهبية،
فتختلط أصواتنا بأصوات العذارى الديليانيات. (الأنشودة الثانية.)
أو في مدينة بالاس، أربط الجياد تحت النير
إلى العربة الكلية المجد، ويتألق
حمار أثينا بالزعفران
14
حيث تنتصر
الأكاليل التي وضعتها أبرع الأصابع
في ألوان متعددة على ثنياتها الفضفاضة الواسعة
أو أولاد التيتان الذين أوقعتهم البروق
ملتفين باللهب من كرونيون، في نوبة
من النوم الطويل؟ (الرد على الأنشودة الثانية.)
ويل لأطفالنا، ولآبائنا العجائز!
ويل لمملكتنا وسط الدخان واللظى
تتحطم في دمار، وكل مجدها
أتى عليه الرمح! وستراها أرض أجنبية
مستعبدة، بعد أن كانت حرة، لأن كتف آسيا
انحنت تحت نير أوروبا
Europa ،
15
وأقيم أنا
منفية من وطني، في بؤرة من الجحيم. (يدخل تالثوبيوس.)
تالثوبيوس :
أين أجد تلك التي كانت، أخيرا، ملكة
إيليوم، هيكوبا، يا فتيات طروادة؟
الكوروس :
انظر هناك، هي بقربك، ممددة على الأرض،
يا تالثوبيوس، راقدة ملتفة بثوبها.
تالثوبيوس :
ماذا أقول، يا زوس؟ هل تنظر إلى البشر؟
أو أن ما نتصوره كاذب وعديم الفائدة،
إذ نعتبر أن هناك طائفة من الآلهة،
بينما الحظ هو الذي يدبر كل شيء بين البشر؟
فهذه ... ألم تكن ملكة الفروجيين الثرية؟
هذه ... ألم تكن زوجة بريام الكثيرة الخيرات؟
والآن سقطت مدينتها بالرمح،
وصارت هي نفسها عبدة، عجوزا، لا ولد لها؛
على الأرض
ترقد، وقد تلوث رأسها التعيس بالتراب.
إنني عجوز، ولكني أتمنى أن أموت
قبل أن يصيبني أي حظ جالب للعار!
انهضي، يا منحوسة الطالع، وارفعي من على الأرض
جسمك ورأسك المليء بالشعر الأشيب.
هيكوبا :
من أنت، يا من لا تدع جسمي
يرتاح؟ لماذا تنغص علي أحزاني، مهما كنت؟
تالثوبيوس :
أنا تالثوبيوس ، وزير الدانائيين،
أرسلني إليك أجاممنون، أيتها الملكة .
هيكوبا :
هل أتيت صديقا، صديقا؛ لأن الآخيين
سيذبحونني أنا أيضا؟ ما أحلى أنباءك!
فلنسرع، هلم بنا بسرعة، أيها العجوز، قدني.
تالثوبيوس :
أيتها السيدة، لكي تدفني ابنتك الميتة،
جنت أطلبك، وقد أرسلني
ولدا أتريوس
Atreus ، والشعب الآخي.
هيكوبا :
تبا لك! ماذا تقول؟ ألم تأتني
كامرأة محكوم عليها بالموت، وإنما جئت لتخبرني
بمصائب جديدة؟
أي بنيتي، لقد هلكت، وانتزعت من أمك!
صرت بغير أولاد، من بعدك، أنا التعيسة!
كيف قتلتموها؟ كيف؟ أبما يليق من احترام،
أو بالعنف الوحشي، مثلما يقتل الناس عدوا،
أيها العجوز؟ أخبرني، ولو أن قصتك لن تكون حلوة.
تالثوبيوس :
ستسمعين مني قصة تعمل على ذرف الدموع مزدوجة.
إذ ستبكي عيناي حسرة على ابنتك،
وما فعلته عندما ماتت فوق القبر.
اجتمع هناك جيش محاربي أخايا كلهم
واحتشدوا عند القبر ليروا ابنتك تذبح.
فجاء ابن أخيل، وأمسك بيد بولوكسينا،
وقادها إلى قمة الربوة، ووقفت أنا هناك.
وتبعني عدد من صفوة الشبان الآخيين،
لتمنع أيديهم الفتية مناضلة حملك.
ثم أخذ ابن أخيل في يديه كأسا من الذهب الخالص،
مليئة حتى حافتها، ولوالده الميت
صب سكيبة تقدمة، وأشار إلي بأن أعلن
التزام السكوت بين جميع جيش أخايا
فوقفت إلى جانبه، وصحت هكذا: «الزموا الصمت، أيها الآخيون!» فسكت
القوم حابسين أنفاسهم.
ثم قال هو: «يا ابن بيليوس، يا والدي،
اقبل مني هذه القطرات التكفيرية،
رافعة الأشباح. اقترب لتشرب الدم الصافي
المتدفق قاتما من فتاة. نعطيك إياه،
الجيش، وأنا، فباركنا،
اضمن لنا أن نطلق أربطة وحيازيم
هذه السفن لتصل به هادئة إلى الوطن
من طروادة، ونصل جميعا إلى وطننا.»
هكذا قال، وانضم إليه الجيش كله في هذه الصلاة
ثم أمسك قبضة سيفه المطلية بالذهب،
استله من غمده، وأشار إلى أولئك
الشبان المختارين من مقاتلي أرجوس، بأن يمسكوا الفتاة
ولكنها أدركت ذلك ونطقت بهذه العبارة: «أيها الأرجوسيون، يا من أخضعتم مدينتي،
سأموت باختياري، لا تجعلوا أي رجل
يضع يدا على لحمي، سأقدم رقبتي دون أن أتململ.
ولكن، بحق الآلهة، دعوني أقف حرة، وقت أن
تقتلوني، كي أموت حرة؛ إذ عار علي
أن أسمى عبدة في هاديس، وأنا الملكة.»
فصاح الجيش كأنه البحر الخضم يقول «نعم!»
وتكلم الملك بأمر الشبان بأن يتركوا الفتاة.
وبسرعة، عندما سمعوا هذا الأمر الأخير
من صاحب السلطة الرئيسية، أبعدوا أيديهم.
وعندما سمعت الفتاة كلام سيدها هذا.
أمسكت ثوبها، ومن عند قمة الكتف
مزقته إلى أسفل عند جانبها، حتى وسطها،
وأظهرت صدرها وثديها كما لو كانت تمثالا
بالغ الجمال، وجثت بركبتها على الأرض،
وقالت كلمة كانت أعظم الكلمات بطولة: «هنا، أيها الشاب، إذا كنت متلهفا إلى الضرب،
اضرب صدري، أما إذا كنت ستضرب تحت عنقي
فها هي رقبتي عريانة أمامك.»
فأحجم، بدافع الرحمة عليها، ثم تقدم،
فشق الفولاذ أوعية النفس،
فخرجت ينابيع الحياة متدفقة، ولكنها، حتى في الموت،
اتبعت أعظم طريقة مناسبة في السقوط،
بحيث تخفي ما يجب أن يخفى عن أعين الرجال.
بيد أنها عندما لفظت أنفاسها بتلك الضربة القاتلة؛
بدأ كل أرجوسي عمله، ولم يقم أي رجل
بالعمل الذي قام به غيره:
فنشر بعضهم أوراق الأشجار فوق الميتة
من أيديهم، ورص بعضهم كومة الحريق عالية،
جالبين أخشاب الصنوبر إلى هناك: ومن لم يعمل
سمع هذا التوبيخ ممن كان يعمل: «أتقف ساكنا، يا أخس قلب، ولا شيء في يدك!
أما من ثوب للفتاة، ولا زينة؟
أما تعطي شيئا لفتاة ليس لها نظير في الشجاعة،
هي أنبل روح؟
هكذا أروي قصة
ابنتك الميتة، يا من أعتبرك أعظم النساء
بركة في الأمومة وأتعسهن.»
الكوروس :
صبت لعنة مروعة على نسل بريام ومدينته
مقذوفاتها؛ إنها قضاء السماء الذي لا يقاوم.
هيكوبا :
أي بنيتي، لست أدري إلى أية نوائب أنظر،
إذ يحدق بي كثير من النوائب، فإذا تحولت إلى هذا،
وقف أمامي حائلا، وها هو يدعوني من جديد
حزن آخر، مصائب ترافقني فوق مصائب.
والآن، لا أستطيع أن أمحو من نفسي
ألمك، حتى ليجب ألا أبكيه.
ومع ذلك، فإذ وقفت في وجه أسوأ كارثة، برهنت لي
على نبلك. انظري موضع الغرابة في أن الأرض السيئة
إذا حبتها السماء بفصول مواتية، أخرجت محاصيل
طيبة؛
بينما الأرض الطيبة، إذا عجزت عن الحصول على
حقها،
أخرجت ثمارا سيئة؛ أما في حالة البشر، فدائما
لا يكون النذل إلا نذلا،
أما النبيل فنبيل، ولا يلوث طبيعته قط،
مهما قسا عليه الحظ، بل يظل طيبا على الدوام.
هل يحدث التغير بواسطة الدم، أم بواسطة التربية؟
الحقيقة أن التربية الرقيقة تنتج تعليما
في النبل، ومن يتعلم هذا جيدا
يعرف الوضاعة أيضا عن طريق محك الشرف!
ويلى، يا لسهام العقل
16
غير المجدية!
ولكن، اذهب إلى الأرجوسيين وأعلن لهم هذا،
ألا يلمس أحدهم ابنتي، بل يحتفظوا
بالجمع هناك، في نظام الحرب
فالسوقة لا يعرفون قانونا، وإباحية البحارة
أشرى من اللهب - إنهم يحيطون بمن لا يذنب! (يخرج تالثوبيوس.)
أيتها الخادم العجوز، خذي إناء،
واغمسيه في ماء البحر الملح، وأحضريه إلى هنا،
كي أغسل ابنتي بآخر حمام،
تلك العروس التي لم تتزوج، والعذراء التي لم
تعد عذراء بعد،
17
وكيف أضعها - كما يليق - كيف يمكنني ذلك؟
ومع هذا، فسأعمل قدر طاقتي، فانظري أية
محنة هي محنتي
سأجمع بعض الجواهر من زميلاتي الإماء،
اللواتي يقمن إلى جواري، في هذه الخيام، جاراتي
الإماء،
فربما يكون لدى إحداهن بعض الجواهر المسروقة
من الوطن، دون علم سيدها.
واها على القصر الملكي، واها على الوطن الذي
كان سعيدا ذات مرة!
واها على بريام الغني بالخيرات الوفيرة، والذرية
الطيبة! وأنا، ذات الرأس الأشيب المتوج بالأبناء.
كيف وصلنا إلى لا شيء، ومن عزتنا القديمة
جردنا تماما وانظري، نقذف نحن البشر، في
مهب الريح؛
واحد منا إلى أموال بيته،
وواحد إلى المجد في أفواه الناس!
وهذه الأشياء تصير لا شيء، وتذهب كل تدبيرات
القلب هباء منثورا،
وكذلك جعجعة اللسان بالزهو! فبالغ النعمة هو
الذي لا تنزل به النوائب على ممر الأيام.
الكوروس (أنشودة) :
كتب مصير مصائبي،
ختم مصير ألمي،
عندما انطلقت سهام الصنوبر من يد باريس
على إيدا، حتى تدحرجت تجاه الأرض
لتركب فوق سنام الأمواج المبيضة بالزبد،
حتى اكتسب فراش عرش هيلين،
تلك المرأة الأعظم جمالا من كل من تألقت
بواسطة ذهب الشمس. (الرد على الأنشودة.)
لأن معارك القتال، نعم، والدمار
الأشد إيلاما، أطبقت علينا،
وكان طيش فرد دمار
أمة؛ يأتي الدمار
من أعداء أجانب، بواسطة مياه سيمويس
Simois
هكذا صدر الحكم
عندما نشبت فوق إيدا معركة
بنات المباركين، (موال.)
من أجل المعارك، ومن أجل القتل، ومن أجل دمار
أبهائي: نحيبي بجانب يوروتاس
Eurotas ،
18
حيث، بالدموع، من أجل تحطيم بيوتهن
تبكي العذارى اللاكونيات،
19
حيث تنزل خصلات شعرها الأشيب،
تلك الأم من أجل أبنائها الموتى
وخداها مضرجان بالدماء، بجروح الأسى
وأصابعها حمراء، (تدخل خادمة ومعها بعض الحمالين يحملون جثته مغطاة.)
الخادمة :
أيتها النساء، أين هيكوبا، ملكة الحزن،
التي تفوق كل الرجال، وكل جنس النساء،
في المصائب؟ ما من رجل يأخذ منها تاجها.
الكوروس :
ماذا الآن، يا صوت طالع النحس المشئوم؟
ألا تنام إذاعاتك عن الحزن؟
الخادمة :
ها أنا ذا جئت إلى هيكوبا، بهذا الحزن الممض؛
إذ وسط النوائب
لا تستطيع شفاه البشر أن تتكلم بشيء يسر.
الكوروس :
انظري، ها هي آتية من تحت السقوف،
وتظهر في الوقت المناسب، من أجل قصتك.
الخادمة :
أيتها المعذبة فوق ما تستطيع الشفاه أن تقول!
لقد قتلت، أيتها الملكة - لن تري النور بعد ذلك
إذ صرت بغير أولاد، وترملت، وبغير مدينة -
كل شيء تحطم وضاع!
هيكوبا :
ليست هذه أخبارا جديدة، ولكنها تؤلمني، أنا
التي كنت أعرفها.
ولكن لماذا أتيتني بهذه الجثة،
جثة بولوكسينا، التي قيل إن طقوس دفنها
قد أعدها جميع جيش أخايا؟
الخادمة :
إنها لا تعرف شيئا؛ بولوكسينا ... الويل لي!
لا تزال تنتحب، والمصائب الجديدة لم تأخذ طريقها.
هيكوبا :
تبا لي من تعيسة! لا ... أليس هذا هو رأس العرافة
كاساندرا، الباخوصي، هذا الذي أحضرته إلى هنا؟
الخادمة :
إنك تذكرين أسماء الأحياء؛ أما الموتى ...
هذا الميت،
فلم تبكه، انظري، لقد كشفت عن جسم الميت! (ترفع الغطاء من فوق الجثة.)
ألا يبدو هذا غريبا ... أسوأ من جميع مخاوف أبناء
السوء؟
هيكوبا :
ويلي! إنه ابني! أرى بولودوروس ميتا،
ذلك الذي ظننت أن التراقي يحافظ عليه في قصره .
يا للنذل! إنه موتي أنا ... لست شيئا بعد الآن!
وا طفلاه، وا طفلاه!
سيتحرك ألمي الشديد
بعويل وحشي الصوت
لا يزال في أذني،
يدوي فيهما الآن فقط، من حنجرة شيطان،
رسول شؤم.
الخادمة :
وهل عرفت، إذن، حتف ابنك، أيتها التعيسة؟
هيكوبا :
لا أشك إطلاقا في أنني أرى مصائب جديدة.
ويلات فوق ويلات، تتوالى تباعا:
لا يمر يوم، على الإطلاق، بغير دموع، وبدون
أنين، ولا ينقطع ألمي الشديد.
الكوروس :
إننا نقاسي الشرور المفزعة، المفزعة، أيتها الملكة.
هيكوبا :
أي بني، يا ابن أم بخعها الحزن!
بأي قضاء لقيت حتفك؟ وبأي مصير رقدت؟
وبيد أي رجل قتلت؟
الخادمة :
لست أعلم، وإنما وجدته على شاطئ البحر.
هيكوبا :
هل لفظك المد، أم ضربت برمح كان في
يد مضرجة بالدماء
فوق الرمل الناعم المسوى؟
الخادمة :
قذفته لجة من عرض البحر.
هيكوبا :
ويلاه! أرى ذلك، إنه المنظر الذي نسف بصري
لم يرفرف شبح الليل ذاك دون أن ألاحظه - ذو
الأجنحة السوداء،
الذي رأيته، وأبان إلى أن ابني لم يعد بعد في النور.
الكوروس :
من قتله؟ ألا يمكنك توضيح ذلك،
يا مفسرة الأحلام؟
هيكوبا :
إنه صديقي، إنه ضيفي، إنه سيد العربات التراقي
الذي عهد به إليه والده العجوز ليخفيه ويحرسه.
الكوروس :
ماذا تقولين؟ قتله ليستولي على الذهب؟
هيكوبا :
يا للفظاعة التي يعجز اللسان عن النطق بها،
أو يذكر اسمها دون أي شك!
إنها منافية للدين، وعسيرة الاحتمال، أين هما
الصداقة والوفاء؟
أيها الرجل الملعون، انظر كيف فريت
لحمه! كيف شرحت سكينك ابني ومزقته،
بينما كانت أعضاؤه
ترتجف، وأنت لا تذوب شفقة ورحمة!
الكوروس :
أيتها التعيسة، كيف يكدس إله، يده
ثقيلة عليك، الألم فوقك، دون سائر البشر!
ولكن رويدك، ها أنا ذا أرى سيدنا يقترب شامخا برأسه.
أجاممنون :
فلنلزم الصمت الآن، أيتها الصديقات. (يدخل أجاممنون.)
أجاممنون :
لماذا بقيت هنا، يا هيكوبا، ولم تأتي لكي
تدفني ابنتك،
بناء على كلام تالثوبيوس لي
بأنه لا يجب على أي فرد من الأرجوسيين أن
يلمس ابنتك ؟
ولذلك تركناها كما هي، ولم نلمسها؛
أتيت لأسرع بك من هنا؛ لأن كل شيء هناك
معد تماما، إذا كان كل شيء هنا على ما يرام.
عجبا، من هذا الذي أراه بجانب الخيام؟
من هذا الطروادي الميت؟ ليس هو أرجوسيا؛ فالثياب
المكفنة للجثة تدلني على ذلك.
هيكوبا (بصوت منخفض) :
تعيسة! أسمي نفسي هكذا
عندما أسميك
يا هيكوبا، ماذا أفعل؟ هل أخر ساجدة
عند قدمي الملك، أم أحتمل كوارثي في صمت؟
أجاممنون :
لماذا تديرين ظهرك لي، وتبكين،
ولا تخبرينني بما حدث، ولا بمن هذا؟
هيكوبا (بصوت خفيض) :
ولكن، لو كان يعتبرني عبدة
وعدوة،
لأبعدني من عند ركبتيه، ولكان ذلك ألما فوق ألم.
أجاممنون :
لم أولد عرافا، حتى أقتفي أثر
أفكارك هذه إذا لم أسمعها.
هيكوبا (بصوت منخفض) :
رويدك، من المؤكد أني أعتبر
قلب هذا الرجل
أكثر من عدو، بينما هو ليس عدوا على الإطلاق.
أجاممنون :
حقيقة، إذا أردت ألا أعلم شيئا عن هذا،
فلست أهتم بأن أسمع أي شيء.
هيكوبا (بصوت منخفض) :
لا أستطيع، إلا بمعونته، أن
أنتقم لأولادي، فلماذا أتوانى في الرد هكذا؟
لا بد من المجازفة، لأفوز أو لأخسر،
يا أجاممنون، أتوسل إليك بركبتيك،
وبلحيتك، وبيدك الظافرة.
أجاممنون :
أي شيء تريدين؟ أترغبين في أيامك
حرة منذ الآن؟ حقيقة، لقد فزت ببغيتك بسهولة.
هيكوبا :
كلا ... كلا! بل انتقم لي من خصمي،
وعندئذ أرحب بالعبودية طول حياتي.
أجاممنون :
ولكن، لأي بطولة دعوتني؟
هيكوبا :
لشيء لا تحلم به قط، أيها الملك.
أترى هذه الجثة، التي تنهمر دموعي غزيرة لأجلها؟
أجاممنون :
نعم، أراها ... فهمت، ولكن لست أدري لذلك معنى.
هيكوبا :
إنني ولدته فيما مضى، وحملته تحت منطقتي.
أجاممنون :
من من أبنائك هذا، يا من حطمك الحزن؟
هيكوبا :
ليس أحد أبناء بريام الذين قتلتهم إيليوم.
أجاممنون :
كيف؟ هل ولدت ابنا آخر غير هؤلاء؟
هيكوبا :
نعم، وهذا ما يحزنني على ما يبدو، وإنك
لتراه هنا.
أجاممنون :
وأين كان عندما سقطت المدينة؟
هيكوبا :
إذ خشي والده عليه الموت؛ أرسله من هناك.
أجاممنون :
وإلى أين أرسله بعيدا عن الباقين؟
هيكوبا :
إلى هذه الأرض التي وجد فيها ميتا.
أجاممنون :
أإلى بولوميستور حاكم تلك الأرض؟
هيكوبا :
نعم، أرسله مع كمية من الذهب المثلث اللعنات.
أجاممنون :
ومن قتله، وأي مصير أصابه؟
هيكوبا :
من سوى واحد ليس غير؟ قتله ذلك الصديق
التراقي.
أجاممنون :
يا له من نذل! ألأنه طمع في الذهب؟
هيكوبا :
هكذا بالضبط، عندما علم بسقوط فروجيا.
أجاممنون :
وأين وجدته؟ أو من أحضر ابنك الميت
هذا؟
هيكوبا :
تلك التي هناك؛ وجدته صدفة على الشاطئ.
أجاممنون :
هل كانت تبحث عنه، أم أنها كانت في
مهمة أخرى؟
هيكوبا :
كانت تحضر ماء ملحا من البحر لأغسل بولوكسينا.
أجاممنون :
إذن فقد قتله ذلك الضيف الصديق،
وألقاه في البحر.
هيكوبا :
نعم، ألقاه في البحر لتأتي به الأمواج،
ولحمه ممزق هكذا.
أجاممنون :
يا لمصائب آلامك التي لا تقاس!
هيكوبا :
إنه الموت، ما من مصيبة أشد إيلاما منه.
أجاممنون :
يا للحسرة، هل سبق للمرأة أن حطمها الحظ هكذا؟
هيكوبا :
لست إلا من تسميها سوء الحظ نفسه.
ولكن، لأي سبب أنحني لأمسك ركبتيك؛
اسمع؛ إذا بدا لك أن آلامي قد نزلت بي
باستحقاق، كنت راضية، وإلا فانتقم
لي من ذلك الصديق الكافر، الكافر،
الذي لم يخش القوى تحت الأرضية،
ولا القوى العليا، وإنما اقترف أبشع فعلة
يتبرأ منها الدين،
ذلك، الذي كثيرا ما أكل وشرب على مائدتي،
وكنت أرحب به أكثر من بقية أصدقائي،
وأكرمته كرما يفوق ما لقبه سائر الضيوف. ومع
ذلك، فقد انتهز فرصته،
وقتله، ولم يجد تفكيره في القتل متسعا لقبر،
بل ألقاه وسط اليم.
وأنا - قد أكون عبدة ضعيفة؛
غير أن الآلهة أقوياء، وحاكمهم قوي،
وحتى «القانون» قوي؛ لأننا عرفنا وجود الآلهة
بهذا «القانون»،
وبه نعيش، وبه نفرق بين الباطل والحق.
وإذا لم يجد هذا اهتماما في محكمتك،
ولا يكون هناك من يهتم إطلاقا بمن يقتلون
الضيوف، أو يجرءون على اختلاس أموال الرب المقدسة
إذن، فلا عدل بين الناس.
أرجو أن تعتبر هذا مجلبة للعار، وليأخذنك بي الاحترام،
وتشفق علي، وكما يفعل الفنان، تراجع إلى الخلف،
وافحصني، وتطلع إلى صورة مصائبي.
كنت ملكة، وكنت غنية، فأصبحت الآن عبدتك؛
كنت متوجة بالأبناء، في سابق عهدي، فغدوت
الآن عديمة الولد، وعجوزا،
ولا مدينة لي، ووحيدة، وأتعس البشر جميعا.
ويلاه، إلى أين تحرك قدمك؟
يظهر أنني لن أسرع، أنا التعيسة!
ويلاه، لماذا لا يتعب الحظ الآخر
الناس إطلاقا، كما يجب، ويتركهم ينجزون آمالهم
في شوق؛
فإن سواسيون
Suasion
ملكة البشر التي لا تبارى؛
لا ندفع ثمنا، ولا نبذل جهدا لكي ندرسها
دراسة كاملة، وهكذا يتسلط المرء
على زملائه كيفما شاء، وينال بغيته؟
فكيف، إذن، يأمل أي فرد في أيام طيبة من الآن؟
كان لي كثير من الأولاد، فلم يبق لي منهم أحد!
وأنا مجللة بالعار، عبدة رمح، قسا علي الخراب؛
فهذا الدخان الذي فوق طروادة يتصاعد عاليا أمام
ناظري!
ومع ذلك، ومع ذلك ... لم تكن حجتي مثمرة،
أن أضع ترس «الحب» أمامي ... ورغم هذا، يمكن
أن يقال:
انظري، تنام بجانبك ابنتي كاساندرا،
تلك الفتاة الموحى إليها، التي يسميها الفروجيون هكذا.
وليالي الحب تلك، هل انمحت ذكرياتها؟ أو لأجل
حنان فراشي،
وأي شكر ستنال ابنتي مني، أو أنا منها؟
إذ من الظلام، ومن آثار سحر حب الليل
تأتي أهم واجبات الشكر للبشر.
أصغ إلي الآن، أصغ؛ أترى هذا الولد الميت؟
لو أنصفته، فإنما تنصف قريبتك
بالزواج. تنقصني حجة أخرى؛
هي أن لي صوتا في ذراعي هاتين،
وفي يدي، وشعري، وخطوات قدمي،
هل أتعلق بركبتيك تماما،
بفن دايدالوس
Daedalus
20
المستعار، أو بفن إله،
باكية، وأسوق إليك حججا متعددة النواحي!
يا سيدي، يا أقوى صوت لأبناء هيلاس،
استمع إلي، وأعرني يدك للأخذ بثأر العجوز؛
ومهما كانت غير ذات بال، فاستمع إليها!
فمن واجب الرجل الطيب أن ينتصر للحق
ويحارب الباطل أينما وجد.
الكوروس :
من الغريب، الغريب، أن جميع الفرص
المعاكسة تحدث للبشر
فتنقل هذه القوانين علامات حدود الأراضي، حتى ولو
كانت في روابط الصداقة،
21
فتحول الأعداء اللدودين إلى أصدقاء،
وتحول المحبة القديمة إلى عداوة.
أجاممنون :
أجاممنون: لقد تحركت في أحنائي عاطفة الشفقة،
يا هيكوبا، من أجلك،
ومن أجل ابنتك، وحظك ، ويدك المتوسلة،
وإكراما لخاطر الرب وخاطر العدالة؛ صممت
على أن يذوق ضيفك الشرير انتقامك من أجل هذا؛
لذا وجدت وسائل لتعزيز قضيتك، بينما أنا
شخصيا، لا أبدو
ضد الجيش في تدبير هذا الموت
لملك تراقيا؛ إكراما لخاطر ابنتك كاساندرا.
وقد انزعج قلبي لهذا الأمر؛
لأن الجيش يعتبر هذا الرجل نفسه صديقهم،
كما يعتبرون هذا الميت عدوهم؛ ذلك العزيز عليك
من سقط المتاع في نظرهم، ولا ناقة لهم فيه ولا جمل.
لذلك، اعلمي أنني سأحقق لك رغبة واحدة؛
أن أقاسمك متاعبك، وأكون سريعا في مد
يد المساعدة لك،
غير أنني أكون بطيئا في مواجهة تمتمة الآخيين.
هيكوبا :
ليس هناك رجل حر التصرف، بين البشر!
فإما أن يكون عبدا للمكاسب، أو للثروة؛
فإن رعاع المدينة، أو شكوى القانون،
يلجئانه إلى سلوك طرق تمقتها نفسه.
ولكن، بما أنك تخاف إثارة الجمع،
فسأعفيك من مخاوفك هذه.
اكتم في سريرة نفسك كل أذى أدبره
لقاتل ابني، ولا تشترك في التنفيذ.
فإذا قامت ضجة بين الآخيين، أو صيحة
للنجدة، عندما يحس التراقي بانتقامي،
فما عليك إلا أن تقمعها دون أن تظهر أنك
تفعل ذلك إكراما لخاطري.
وفيما عدا ذلك، فلا تخف شيئا؛ سأدبر بنفسي كل
شيء أحسن تدبير.
أجاممنون :
كيف؟ ماذا ستفعلين؟ أتمسكين في يدك
المغضنة خنجرا، وتقتلين، أيتها البربرية؟
هل ستستخدمين السم في إتمام فعلتك، أم
بوسيلة أخرى؟
أي ذراع ستساعدك؟ من أين تكسبين الأصدقاء؟
هيكوبا :
تخفي هذه الخيام رهطا من النسوة الطرواديات.
أجاممنون :
أتقصدين الأسيرات، فريسة الصيادين الأغارقة؟
هيكوبا :
بواسطة هؤلاء سأنتقم لنفسي من قاتلي.
أجاممنون :
كيف؟ أتكون للنساء الغلبة على الرجال؟
هيكوبا :
كثرة العدد قوة، مقترنة بالدهاء الذي لا يقاوم.
أجاممنون :
نعم قوة، ولكني لا أزكي جنس النساء.
هيكوبا :
ماذا؟ ألم تقتل النساء أبناء أيجوبتوس
Aegyptus ،
22
ويجردن لمنوس
Lemnos
23
من جميع ذكورها؟
ومع ذلك، فليكن الأمر على هذا النحو؛ تجنب
النقاش هكذا.
أعط هذه المرأة حرية المرور
خلال الجيش، (إلى إحدى الخادمات)
واستدعي أنت ضيفنا التراقي إلى هنا ،
قولي له: «إن هيكوبا، ملكة إيليوم السابقة ،
تدعوك لمقابلتها، لصالحك الذي لا يقل عن صالحها،
ومعك أبناؤك؛ لأن هؤلاء أيضا يجب أن يسمعوا
ألفاظها.» أما دفن بولوكسينا،
التي قتلت أخيرا، فأرجئه، يا أجاممنون.
حتى تنضم الأخت إلى أخيها في لهب واحد،
وسيدفن حزن الأم المزدوج.
أجاممنون :
ليكن كما تقولين: أما إذا أبحر الجيش،
فلن تكون لي سلطة منحك هذا المعروف:
وإذا لم يرسل الرب ريحا مواتية؛
وجب علينا الانتظار أمام أشرعتنا الخاملة.
وليحدث الخير الآن: فصالح جميع البشر هكذا،
لكل فرد على حدة، وللدولة، أن السوء
يصيب الأشرار، والرخاء يأتي للأخيار. (يخرج.)
الكوروس (الأنشودة الأولى) :
أي وطني إيليوم، لم يعد اسمك يذكر
وسط المدن غير المخربة،
تحيط بك من كل جهة سحابة معركة الرماح اللامعة
ملتفة حواليك تماما!
لقد جردت بصورة محزنة من تاج قلاعك المزين لجبينك،
ولوثت بلطخات
الدم؛ وشوارعك لن تطأها قدماي
ويل لي من جديد! (الرد على الأنشودة الأولى.)
أضاء فوقي حتفي في منتصف الليل، عندما صب النوم
فوق عيني مطرا حلوا،
وقت أن رقد سيدي من رقصة الذبيحة، ومن أغانيه
الصامتة فوق فراشه،
وعلق الرمح على الحائط، إذ نظر الديدبان
فرأى من كثب وليس من بعد
أولئك الرجال الذين حملهم البحر يجوسون في
سهول إيليوم،
جيش الحرب. (الأنشودة الثانية.)
كنت أصفف جدائل شعري تحت ثنية الشريط الناعم:
فألقي على عيني
بريق ذهب المرآة؛ من أعماق لا قرار لها
قبل أن أقع
إلى راحتي على السرير، ولكن تيار عاصفة الجلبة
اكتسح الطريق،
ودوت صيحة قتال: «هلموا يا أبناء الإغريق
بسرعة!
فلتسقط أبراج طروادة التي ترحب أخيرا
بأقدامكم في الوطن!» (الرد على الأنشودة الثانية.)
من فراشي العزيز، فراشي الضائع، وثبت كفتاة
دوريانية
ولكني احتجبت بالخمار،
وتعلقت بمذبح أرتيميس، ويلاه! وصليت
عبثا، وأعولت.
ورأيت سيدي راقدا ميتا، وحملت
فوق البحر الملح العميق،
أنظر خلفي إلى طروادة، وقد انتزعت من إيليوم
بالسفينة
وهي تسرع في طريقها شطر هيلاس، ثم صرت حقيرة
من النكبة
فأغمي علي، وا حسرتاه لي! (موال.)
على هيلين، أخت أبناء زوس، أصب،
وعلى باريس ، راعي جبل إيدا، اللعنات السود،
اللذين من وطني
انتزعاني بزواجهما - لم يكن زواجا، وإنما كان خرابا
من فعل الشيطان - لوطنها فوقك يا طريق البحر
عسى ألا تأتي إطلاقا! (يدخل بولوميستور مع ولديه الصغيرين، يتبعهم حرس من الرماحين التراقيين.)
بولوميستور :
كان بريام أعز كافة الرجال لدي!
وأنت أعز،
يا هيكوبا. فأنا أبكي إذ أراك.
ومدينتك، وذريتك المقتولة أخيرا.
لا شيء يمكن أن يثق بدوامة الإنسان؛ لا السمعة
السامية،
ولا الخيرات الحالية؛ فربما تتحول إلى كارثة،
تبعث الآلهة بكل شيء، وتقذف في هذا الاتجاه وذاك
فتبث الاضطراب والفوضى في كل شيء، حتى إذ
كنا لا نستطيع التكهن بشيء،
عبدناه؛ فأية براعة تجعلنا نتوجع
لهذا، ونقاسي الشرور حتى طفح الكيل وزاد؟
أما إذا كنت تلومينني على غيابي، فاعلمي
أنني كنت وسط طرقات تراقية القصية
عندما أتيت إلى هنا، وبمجرد عودتي عند أول
إشارة لأسرع إلى بيتي؛
فإذا بخادمتك تأتيني لهذا الغرض نفسه،
وروت قصة جعلتني أطير إلى هنا على عجل.
هيكوبا :
يخجلني أن أنظر إلى وجهك، يا بولوميستور،
إذ سقطت في مثل هذا العمق من المصائب.
كنت تراني في رغد من العيش وبحبوحة: ويا للعار،
ها أنا ذا الآن عبدة،
تجدني في مثل هذه الحال التي أنا فيها اليوم.
لا يمكنني أن أواجهك بعينين غير محجمتين،
ومع ذلك، فلا تعتبر هذا استخفافا بك،
يا بولوميستور؛ وفضلا عن هذا، فهناك التقاليد
التي تحرم على النساء النظر في عيون الرجال.
بولوميستور :
لا غرابة في هذا! ولكن لأية حاجة تريدينني؟
لأي غرض جعلت قدمي تسرعان إليك من بيتي؟
هيكوبا :
إنه سر خاص بي أود أن أفضي به
إليك وإلى ذويك. أرجوك أن تأمر حرسك
بالابتعاد والانسحاب من هذه الخيام.
بولوميستور :
انصرفوا، يا هؤلاء؛ لأننا بمأمن في هذه الخلوة. (يخرج الحرس.)
فإنك صديقتي، وهذا الجيش الآخي يكن لي
نوايا طيبة. والآن، يجب عليك أن تقرري
أنه يتحتم على الميسوري الحال أن يقدموا المساعدة
للأصدقاء المنكوبين: فانظري، ها أنا ذا على استعداد.
هيكوبا :
فأولا، عن الابن الذي عندك في قصرك،
بولودوروس، الذي أخذته من يدي ويدي أبيه -
أهو حي؟ بعد ذلك سأسألك عن الباقي.
بولوميستور :
هذا أكيد، وحظك، فيما يتعلق به، جميل.
هيكوبا :
ما أجمل ما تقول، يا صديقي العزيز، وإنه لجدير بك!
بولوميستور :
أرجوك، ماذا تريدين أن تعرفي مني، بعد هذا؟
هيكوبا :
هل يتذكرني، أنا أمه؟
بولوميستور :
نعم، وكان يتوق إلى أن يأتي إليك هنا سرا.
هيكوبا :
وهل الذهب، الذي ذهب به من طروادة، موجود
في أمان؟
بولوميستور :
في أمان - محفوظ في قصري، على أية حال.
هيكوبا :
احتفظ به في أمان، ولا تطمع في أموال جارك.
بولوميستور :
كلا، يا سيدتي؛ فأنا قانع بما أملك!
هيكوبا :
أتعرف ما أريد أن أخبرك به أنت وأبناءك؟
بولوميستور :
لست أعلم؛ سيتضح من كلامك لي اليوم.
هيكوبا :
يوجد، يا صديقي العزيز، كما أنت عزيز عندي.
بولوميستور :
نعم، ماذا يهم أبنائي، ويهمني أن أعرف؟
هيكوبا :
ذهب؛ خزائن قديمة مليئة بذهب أسرة بريام.
بولوميستور :
أهذا ما كنت تريدين أن تخبري ابنك به؟
هيكوبا :
نعم، شفويا؛ إنك رجل عادل.
بولوميستور :
وما الداعي في حضور أبنائي، إذن؟
هيكوبا :
من الأفضل أن يعرفوا. فربما تموت أنت.
بولوميستور :
حسنا قلت! نعم، هذا أكثر حكمة.
هيكوبا :
أتعرف أين يوجد معبد أثينا الطروادي؟
بولوميستور :
هناك؟ هل الذهب هناك؟ وما العلامة التي أستدل
بها على مكانه؟
هيكوبا :
صخرة سوداء، ناتئة فوق سطح الأرض.
بولوميستور :
هل هناك شيء آخر تريدين إخباري به بخصوص
هذا الكنز؟
هيكوبا :
بعض جواهر، أحضرتها من هناك، أرجو أن تحفظها لي.
بولوميستور :
أين؟ أين هي ... في طيات ثيابك، أو في مخبأ؟
هيكوبا :
لا يتجاسر أحد على اقتحام خيام النساء الأسيرات.
بولوميستور :
هل كل شيء بداخلها في أمان؟ وهل هي خالية من
الرجال؟
هيكوبا :
ليس بداخلها أي آخي، نحن فقط.
بولوميستور :
ادخلوا الخيام؛ لأن الأرجوسيين متلهفون
للإقلاع بسفنهم من طروادة بسرعة نحو وطنهم،
حتى إذا ما تم هذا بنجاح، أمكنك أن تذهب مع أولادك،
إلى حيث أعطيت ولدي مأوى. (تدخل هيكوبا وبولوميسور والطفلان، الخيمة.)
الكوروس :
لم توقع العقوبة بعد ، غير أنه حان حينك؛
فمن حفر حفرة لا يمكن السير فوقها؛
لكونها مائلة وزلقة، طوح به من الحياة
الحلوة، من أجل الروح التي أخذتها.
إذ مهما طلب صاحب الحق،
من مطالب العدالة، صار فكا الرب
لعنة مدمرة للآثم، ويا لها من لعنة مدمرة!
سيسخر منك، أملك في عبور الطريق إلى
الأرض غير المرئية،
أغراك إلى مكان الموتى، أيها التعيس المنتهي!
لن تقتل، أيها البطل، بأيدي المقاتلين.
بولوميستور (في الداخل) :
وا مصيبتاه! لقد فقدت نور
عيني وعميت - أنا التعيس!
الكوروس :
هل سمعتن، أيتها الصديقات، صرخة ذلك التراقي؟
بولوميستور (في الداخل) :
يا ويلتي، أطفالي! تبا لهذا
القتل الفظيع!
الكوروس :
أيتها الصديقات، تحدث أعمال غريبة بشعة
في تلك الخيمة.
بولوميستور (في الداخل) :
من المؤكد أنك لن تهربي
بقدمين سريعتين!
ستمزق ضرباتي أقصى الأجزاء الداخلية لهذا المسكن!
الكوروس :
انظرن، هناك صوت ارتطام قضيب سريع
من يد عملاقة.
هل نقتحم الخيمة؟ فالخطر يدعونا
إلى مساعدة هيكوبا والسيدات الطرواديات. (تدخل هيكوبا.)
هيكوبا :
استمر في الضرب ... لا تبق على شيء ... نعم،
واهدم الأبواب!
فلن تستطيع قط أن تضع البصر المضيء في مقلتيك،
ولن ترى طفليك على قيد الحياة، اللذين قتلتهما.
الكوروس :
هل ضربت؟ وتغلبت على ضيفك التراقي،
أيتها السيدة؟ هل نفذت الفعلة التي كنت
تهددين بها؟
هيكوبا :
سترينه حالا أمام الخيام،
أعمى يخطو على غير هدى، بقدمين متعثرتين عمياوين،
وترين طفليه جثتين، بعد أن قتلتهما
بمساعدة البطلات الطرواديات: الآن، سدد لي
دين الانتقام، إنه قادم كما ترين.
وسأخطو بعيدا عن طريقه؛ لأتحاشى غضب
هذا الوحش التراقي الهائج. (يدخل بولوميستور.)
بولوميستور :
وا مصيبتاه، إلى أين أذهب؟ أين أقف؟
أين أجد لي مرسى؟
أيجب علي أن أتحسس الطريق بقدم ويد
كما يمشي وحش الجبل؟
أو إلى هذا الجانب وذاك، أطارد من أجل الانتقام
عجائز طروادة القاتلات، اللواتي سببن خرابي؟
يا بنات فروجيا القاتلات
اللعينات، في أية فجوات عميقة خفية
تقبعن هربا؟
ألا تستطيعين فقط شفاء محجري الداميين!
ألا تستطيعين فقط شفاء الأعمى وتعيدين إلي
نوري، أيتها الشمس!
طق ... طق ... تزحف خطواتهن المتسللة،
فإني أسمعها، إلى أين تقفز هذه القدم،
حتى ألتهم لحمهن وعظامهن، وأروي ظمئي
بدمائهن، وبهذه الوليمة، وليمة الوحوش الضارية،
أنتقم تماما من فعلتهن.
هل بانتقام أبشع؟ ويلاه، أين أحمل
تاركا طفلي العاجزين، لتمزقهما
باكخوصيات الجحيم،
مذبوحين، ومطروحين فريسة للكلاب لاعقة الدماء
فوق قمة جبل منعزل؟
ويلاه، أين أقف؟ وإلى أين أذهب؟
وأين أستريح؟
ومثل سفينة طوت شراعها، بعد أن أجبرت
إلى دخول المرفأ
سأدخل منارة الموت تلك،
وأكفن طفلي في ثوبي التيلي،
وأحرسهما هناك!
الكوروس :
أيها التعيس! نزلت بك مصائب فوق ما تحتمل؛
فقد اقترفت شرورا، فأنزل إله
بك عقابا مفزعا، بيد ثقيلة الوطأة.
بولوميستور :
هلموا إلي، يا حاملي الرماح، أيتها الأمة الناشئة
من بذرة المقاتلين!
أيها التراقيون، يا رجال إله الحرب، يا سادة الخيول
الشجعان!
هلموا إلي، أيها الآخيون، يا نسل أتريوس!
النجدة، النجدة! ها أنا ذا أطلق الصريخ.
تعالوا، أستحلفكم باسم الآلهة أن تقتربوا!
أما من رجل يسمع؟ لماذا تتوانون؟ أما من رجل
يهب لمساعدتي أو يكترث لي؟
قتلتني النسوة، حطمنني
أولئك الأسيرات الطرواديات
فعلن بي الفظائع ... الفظائع! ويل لفعلة المجرمات!
إلى أين أذهب؟ إلى أين أسير؟
هل أقفز إلى عنان السماء كما لو كان لي أجنحة، إلى قصور
الهواء،
إلى أوريون، أو إلى سيريوس
Sirius
24
المروع التألق
ذي اللهب الحارق المتدفق من عيونه،
أو أندفع في ديجور الظلام، إلى بلعوم هاديس، يأسا؟
الكوروس :
قليل هو اللوم الموجه إلى من يهرب من حياته البائسة،
إذا قاسى ويلات أعظم مما يطيق الإنسان. (يدخل أجاممنون.)
أجاممنون :
أتيت إذ سمعت صرخة، فلم تصرخ
ابنة صخرة الجبل، الصدى، في همس
خلال الجيش، بل أيقظت الجلبة. لم نعرف أن أبراج
فروجيا قد سقطت برماح الإغريق،
لم يحدث هذا الصوت الحاد قليلا من الذعر والفزع.
بولوميستور :
صديق العزيز؛ لأن هذا صوتك، يا أجاممنون،
الذي أسمعه وأعرفه ... ألا ترى ما أقاسي؟
أجاممنون :
ما أشد بؤسك، يا بولوميستور. من الذي شوهك؟
من الذي ضرج بالدم عينيك وأعماك ؟
وقتل ابنيك هذين؟ حقا، كانت ثورته ضدك
وضد «بشاعتك»، كائنا من كان هو.
بولوميستور :
إنها هيكوبا مع جماعة النسوة الأسيرات،
حطمنني ... كلا، لم يحطمنني؛ بل أسوأ من هذا!
أجاممنون :
ماذا تقولين؟ هل هذه فعلتك، كما قال؟
هل تجاسرت، يا هيكوبا، على هذا الشيء المستحيل!
بولوميستور :
ماذا؟ ماذا تقولين؟ وهل هي قريبة مني الآن؟
أخبرني أين هي، حتى أقبض عليها
بيدي وأمزقها، وأنقع لحمها في الدم. (أجاممنون يرجعه إلى الخلف.)
أجاممنون :
اسمع أنت، ماذا يؤلمك؟
بولوميستور :
أرجوك بحق الآلهة
أن تتركني، وتطلق يدي الثائرة عليها!
أجاممنون :
تجلد؛ اطرح عن قلبك هذه الثورة الوحشية.
تكلم، دعني أسمعك أولا، ثم أسمعها، وأحكم بالعدل،
لأي سبب أصابك هذا.
بولوميستور :
ها أنا ذا أتكلم. كان عندي أحد أفراد أسرة بريام،
أصغرهم؛
بولودوروس، ابن هيكوبا، أرسله والده
إلي من طروادة لأربيه في قصري،
دون أن يخامرني شك، كما يمكن أن تخمن،
في سقوط طروادة.
فقتلته. ولأي سبب قتلته، اسمع مني؛
لاحظ كيف تصرفت جيدا، وبحكمة، وبحزم؛
خشيت أن ابنهما، إن بقي حيا، وهو عدوك، فقد
يجمع فلول الطرواديين ويعيد تعميرها وملئها بالسكان،
ورأيت، أنه إذا بقي ابن بريام هذا حيا، فإن أخايا
ستجتاح بجيوشها أرض فروجيا؛
ثم تأتي فتجتاح سهول تراقيا هذه
بالغزوات والويلات التي أهلكتنا
الآن فقط، تسقط على جيران طروادة، أيها الملك.
فلما علمت هيكوبا بموت ابنها،
أغرتني على المجيء إلى هنا بحجة أنها ستطلعني
على مخابئ كنوز ذهب أسرة بريام
في طروادة. فأخذتني أنا وطفلي فقط
إلى داخل الخيام، حتى لا يعرف أحد سوانا.
فجلست أنا وسط الأسيرات الطرواديات، جاثيا على
ركبتي،
بينما جلس بعضهن على يساري وبعضهن على يميني،
كما لو كانت بنات طروادة هؤلاء يجلسن مع صديق حقا،
وكن كثيرات. فأخذن يمتدحن نسيج نولنا
الإيدوني
Edonian ، رافعات عباءتي أمام الضوء؛
وأعجب بعض آخر برمحي التراقي فأخذته؛
وهكذا أجردتني من الرمح والترس.
ولما كان بينهن أمهات كثيرات، أعجبن بطفلي،
وداعبنهما بصوت عال، حتى يمكن إبعادهما
عن أبيهما، فتناولتهما يد بعد أخرى،
وبعد مثل هذا الكلام الناعم، أكان بوسعك أن
تصدق ؟
أخرجن الحناجر فجأة من أثوابهن
وانهالت كل واحدة تطعن بخنجرها ولدي، بينما قبضت
أخريات، في حركة واحدة،
كما لو كن امرأة فردة، على يدي وقدمي بطريقة عدائية
وأحكمن قبضاتهن: وعندما أردت مساعدة ولدي،
منعنني، فإذا حاولت رفع وجهي أمسكن بشعري،
وخفضن رأسي إلى أسفل:
وإذا أردت تحريك يدي
لم أستطع مقاومة النساء - أنا البائس! فلم أتمكن
من فعل شيء قط.
وأخيرا حدث اعتداء أسوأ من كل اعتداء!
يا لها من فعلة شنيعة تلك التي اقترفنها، أمسكن
بالدبابيس التي
يشبكن بها ثيابهن، وطفقن يوخزن بها مقلتي عيني،
هاتين البائستين، حتى غرقتا في الدم. وبعد ذلك
هربن من الخيام
وانصرفن. فوثبت ناهضا من فوق الأرض،
وكحيوان متوحش، شرعت أطارد كلاب الصيد الملوثة
بالدم
أتخبط في طول الحائط كله، كالصياد حين يقتفي أثر
حيوان الصيد،
أضرب، وأخبط، كل هذا لتحقيق هدفي.
قاسيت هذا من أجلك، أنا الذي قتلت عدوك،
يا أجاممنون. فلماذا أحتاج لكثير من الكلام؟
وكل من تكلم عن النساء بسوء قبل الآن،
أو يتكلم عنهن الآن، أو سيتكلم فيما بعد،
فأنا أختصر كل هذا في كلمة واحدة، فأقول:
لم ينشئ البحر ولا البر مثل هذا الجنس؛
فمن تحدث إليهن عرفهن أكثر ممن سواه.
الكوروس :
لا تكن مستهترا بحال ما، فمن أجل فجيعتك الشخصية
تضمن في لعنتك هذه كافة جنس النساء.
لأن بعضنا، وكثيرا منا، لا يستحق أي لوم،
ولو أن البعض، برذيلة الدم، يوجدن وسط الشريرات.
هيكوبا :
لم يحدث قط، يا أجاممنون،
أن تكون الألفاظ أجدى مع الرجال من الأفعال؛
بل يجب أن تقترن جلائل الأعمال مع التفكير السليم
وتقترن الحجة المبنية على غير أساس، بالعمل الوضيع،
ولا يجدي إطلاقا أن يتملق الإنسان للظلم.
هناك من أتم دهاؤهم فنهم،
بيد أنهم لن يستخدموا ذلك الدهاء حتى النهاية،
فيهلكون بطريقة شريرة، ولن يفلت أي واحد منهم
على الإطلاق.
هذه مقدمة كلامي فيما يختص بك.
أعود الآن إلى الإجابة على ادعاءاته:
تقول إنك أردت خلاص الأغارقة ، فقمت بعمل مزدوج،
وقتلت ابني من أجل خاطر أجاممنون.
متى، يا نذل الأنذال، متى استطاع جنسك،
جنسك المتوحش، أن يصادق الإغريق؟
لم يحدث قط. أرجوك أن تخبرني، من أين جاءتك
هذه الهمة الحماسية
لخدمة قضيته؟ أكنت تتطلع إلى أن تتزوج ابنته؟
هل أنت من أقاربه؟ أو ما هو هدفك الشخصي؟
أو هل كانوا سيبحرون ثانية، ويستهلكون
محاصيلك؟ من تظن يقتنع بمثل هذه الحجة؟
لم تكن لديك رغبة في أن تقرر الحقيقة، فتعترف
بأن ذلك الذهب
هو الذي قتل ابني. ذلك، وجشعك في جمع المال.
وردا على حجتك؛ لماذا، عندما كان كل شيء يسير
في طروادة على ما يرام،
وعندما كانت أسوارها تضم المدينة،
وكان بريام على قيد الحياة، وانتصر رمح هكتور،
لماذا عندئذ، إذا كنت ترغب في نيل شكر الملوك،
عندما كان ابني في قصرك، وكنت تقوم بتربيته،
لماذا لم تقتله وقتذاك، أو تسلمه للأغارقة حيا؟
غير أنه، بمجرد أن انقطع مسيرنا في النور،
وبرهنت علامة الدخان، على أن مدينتنا صارت
في حوزة العدو،
قتلت الضيف الذي جاء إلى وطيسك.
لن تسمع الآن أكثر من هذا للبرهنة على نذالتك؛
كان يجب عليك، إن كنت صديقا للآخيين،
أن تأتي إليهم بالذهب، الذي لن تجرؤ على
القول بأنه ملكك،
ولكنك كنت تحتفظ بذلك الذهب؛ لأجل من كان
في عهدتك، ومن أجل هؤلاء اللواتي صرن فقيرات،
ونفين من وطنهن لمدة طويلة.
لن تستطيع، حتى الآن، أن تفتح قلبك وترخي
قبضتك، بل تحتفظ به، بتشبث البخيل، في بيتك.
أما إذا كنت قد ربيت ابني، كما كان يتحتم عليك،
واحتفظت به حيا، نلت الشهرة الطيبة وحسن الأحدوثة
فعند الشدائد يكون الأخيار أعظم
الأصدقاء وفاء، أما الرخاء فله أصدقاء لا
يسعى إليهم.
ولو كنت في حاجة إلى المال. وكان القدر عادلا،
لكان ابني لك كنزا أعظم،
أما الآن، فلم تأخذ المال من صديقك،
بل ذهبت فائدة الذهب! وذهب معها والداك،
وهكذا صارت الحال التي وصلت إليها! والآن أقول لك
يا أجاممنون، إنك إذا ساعدته أظهرت نفسك وضيعا.
فلا يدين بالثقة الطيبة للزنديق غير الخائن.
ستريح ذلك المضيف الكافر الظالم.
إنك تبتهج بالشرير؛ سنقول هكذا،
إن فعلت - ولكني لا أوبخ سادتي.
الكوروس :
انظر كيف تعطي القضية العادلة البشر،
باستمرار، فرصة التدليل الصحيح.
أجاممنون :
لا أحب أن أحكم في شرور غيري؛
بيد أنه يجب علي أن أحكم، إذ من العار أن آخذ
هذه القضية في يدي، ثم أتنحى.
ولكن - لو عرفت فكري - فليس إكراما لخاطري،
ولا لخاطر الآخيين، أنك قتلت ضيفك.
بل ليحتفظ بالذهب في داخل قصرك.
تكلمت بهذه الحال لتخدم أغراضك.
ربما كان قتل الضيف في شرعك أمرا غير ذي بال،
ولكنه لدينا، نحن الأغارقة؛ عار أي عار.
كيف يتسنى لي أن أحكم ببراءتك ولا أتهم؟
أشرب كأسك المرة جزاء فعلتك الشنيعة.
بولوميستور :
ويلاه! يبدو أن امرأة عبدة قد هزمتني،
فيجب أن أنحني لانتقام الأنذال!
هيكوبا :
أليس هذا عدلا ما دمت قد اقترفت فعلة دنيئة؟
بولوميستور :
ويل لي من أجل أطفالي ومن أجل عيني!
أنا البائس!
هيكوبا :
أتحزن؟ وأنا؟ ... أتعتبر فقدان ابني حلوا؟
بولوميستور :
أتشمتين وتفرحين بانتصارك علي، أيتها الشيطانة!
هيكوبا :
ألا يجب علي أن أفرح بالانتقام منك؟
بولوميستور :
سرعان ما سينقطع فرحك عندما يثور البحر!
هيكوبا :
يحملني إلى شواطئ أرض هيلاس؟
بولوميستور :
كلا، بل يغمرك عندما تقعين من السارية.
هيكوبا :
أحقا؟ الذي يضطرني إلى أن أقفز قفزة الموت؟
بولوميستور :
ستتسلقين السارية بأقدامك من تلقاء نفسك.
هيكوبا :
أهكذا؟ وبكتفين مجنحتين، أو في أية هيئة؟
بولوميستور :
ستصيرين كلبة ذات عينين حمراوين كالنار.
هيكوبا :
وكيف عرفت تغير شكلي؟
بولوميستور :
أخبر ديونيسوس
Dionysus
بهذا عرافنا التراقي.
هيكوبا :
وهلا تنبأ لك بشيء عن مصائبك هذه؟
بولوميستور :
كلا، وإلا لما أمكنك الإيقاع بي بالدهاء هكذا.
هيكوبا :
وهل سأعيش أنا كامل حياتي، أو أموت؟
بولوميستور :
ستموتين، وسيحمل قبرك اسما.
هيكوبا :
مطابقا لشكلي؟ أو ماذا تقول؟
بولوميستور :
قبر كلبة حقيرة، علامة للمسافرين بحرا.
هيكوبا :
لن أهتم بشيء طالما رأيتك تحس بانتقامي.
بولوميستور :
نعم، وابنتك كاساندرا، يجب أن تموت أيضا.
هيكوبا :
ازدراء وبصقة! أرميك بهما ثانية .
بولوميستور :
ستقتلها زوجة الملك، فيكون موتها حزنا
في البيت.
هيكوبا :
لن تصير ابنة تونداريوس بهذا الجنون!
بولوميستور :
نعم، وتقتله أيضا، ذلك الذي يرفع الفأس
عاليا.
أجاممنون :
ما هذا الهذيان أيها الرجل؟ أتسلي لعنتك؟
بولوميستور :
تذبح؛ إن حماما من الدم ينتظرك في أرجوس.
أجاممنون :
أسرعوا، أيها الحرس، وأبعدوه من أمام
بصري بالقوة.
بولوميستور :
هل أساءك أن تسمع؟
أجاممنون :
ضعوا كمامة فوق فمه!
بولوميستور :
نعم، كمامة، ولكني قلت كلمتي.
أجاممنون :
أسرعوا، أسرعوا،
واطرحوه في جزيرة مهجورة؛
إذ يجب أن يذهب إلى هناك فمه الجريء الوقح.
أيتها التعيسة هيكوبا، اذهبي وادفني
جثتيك كلتيهما. اقتربن، يا سيدات طروادة
من خيام سادتكن؛ لأني أبصر نسيما
يحملنا إلى وطننا، الآن.
فلتكن رحلتنا إلى هيلاس جميلة، وحالنا جميلة
حيث انتهينا من هذه المعارك، لنذهب إلى بيوتنا.
الكوروس :
إلى الخيام، أيتها الصديقات، اذهبن إلى المرفأ؛
يجب أن تحمل رقابنا نير الرق.
فالقدر لا يعرف رحمة، ولا يعفي القدر أحدا. (يخرج الجميع.)
Page inconnue