La Vie de l'Orient
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
ولكن أهل الجنس الأصفر لا يقلون في القسوة عن الموغول وإن كانوا متمدنين، فهذه اليابان تذيق شعب كوريا منذ أوائل هذا القرن إلى الآن صنوف العذاب وتسقيهم ألوانا من الظلم مع أنهم جيران وأبناء عمومة وبينهم خليج ضيق من الماء. ولكن أحد الكاتبين في الاستعمار الياباني شبه كوريا بأيرلندا بالنسبة لليابان التي هي شبيهة بالدولة البريطانية، وكما أن إنجلترا ظلمت أيرلندا سبعمائة سنة وهي أوروبية مسيحية وجارة مستأمنة كذلك لا يستغرب سلوك اليابان في كوريا .
أما الصين التي صارت جمهورية والتي أذلتها اليابان في 1895 وحاربتها أوروبا وقهرتها مرات عدة، فقد استولت على تركستان الشرقية وهي بلاد إسلامية واستعمرتها وعدد سكانها لا يقل عن عشرة ملايين، وهي تحكمها الآن بحاكم مستبد مطلق وصفه السيد منصور خان، أحد أبناء تلك البلاد وقد جاء مصر أخيرا لنشر الدعوة لوطنه، بأنه أشبه الحكام بالبروقنصل الروماني الذي كان حاكما بأمره مفوضا له كل شيء في البلاد المحكومة.
الإسلام والاستعمار
لقد كان للاستعمار الأوروبي تأثير شديد في تطور الشعوب الشرقية عامة وفي العالم الإسلامي خاصة، ولكن هذا الاستعمار الأوروبي وحده لم يكن العامل الحقيقي في ذلك التطور، بل إن الشعوب الإسلامية بدأت تنفعل وتتأثر منذ خمسين عاما بحكم مؤثرات ذاتية قائمة بأمزجتها وتكوينها ومعتقداتها، كأن الإسلام يحمل في ثناياه نظام الاندثار والتجدد الذي يجعله قريب الشبه من الكائنات الحية، فخلايا الجسد البشري تحيا وتموت في كل لحظة والكائن مع ذلك يتجدد ويتقوى وينمو ولولا تلك العملية الفيزيولوجية لوقفت حركة الحياة. وكذلك في الإسلام قد تندثر بعض الدول أو بعض الأنظمة ويموت بعض الزعماء وتنطوي صحف نهضة من النهضات، ولكن الحياة لا تنقطع والجسم لا يموت.
وقد كانت صدمة الاستعمار الذي بدأ بشدة متناهية منذ خمسين عاما حتى أيقظت تلك الأمم التي مضت عليها أجيال طويلة في سبات عميق، فلما نهض الإسلام والشرق كجبار عظيم أصابته لطمة قوية أخذ يزحف على يديه وقدميه ويرفع رأسه رويدا وينحني ليقف ويتحفز ليهجم، وهو في نفس الوقت مأخوذ بشدة الضربة؛ في رأسه دوار وفي جسمه ألم وفي ذهنه خبال ودهشة ولكنه ناهض لا محالة، وقد أحسن سير فالنتين تشيرول وصف هذه الحالة حيث يقول:
أمواج وغمار تتلاطم وتتكسر بعضها على بعض ومتناقضات تتناحر، وآراء وأفكار غريبة تتدفق من الغرب الحديث على حضارة قديمة بنت أجيال طوال؛ فبعض يأخذ ولا يحسن الأخذ وبعض يعرض ويلعن، وعقائد تتبدد ثم تعود فتحيا، ونظم صناعية مضطربة، ومناهج تعليم وتهذيب غير مستمسكة، ومبادئ غربية في أفق الإدارة والتدبير والفضاء تنتشر في مجتمع متنافر الوحدات، وسنن الاقتصاد الحديث تندفع بتيارها الهائل على بلاد ما برحت صناعتها وتجارتها على الحالة الأولى من السذاجة، وتصادم عنيف مستمر لا بد منه بين أقوام السكان والحكام الغرباء وحروب مستديمة الاتقاد. وبعد جميع هذا يتلو نهوض شعب شرقي جبار في الشرق الأقصى.
وقال كاتب فرنسوي: الحق أن الشرق على العموم والعالم الإسلامي على الخصوص لفي دور من الانتقال عظيم، يجوز الشرق اليوم برزخا فيه يعارك الماضي الحاضر وتتنازع العادات القديمة والجديدة الدخيلة، فبدت صور غريبة ومشاهد عجيبة.
وعندما خطب شوكت علي في جمعية الشبان المسلمين ووصف حالته هو وأخيه لدى عودتهما من جامعة أكسفورد، أشار إلى هذا التناقض في الحياة الشرقية التي غمرها الاستعمار الغربي فكنت ترى بعين الخيال قصورا هندية تشبه في طرازها تلك الهياكل البديعة التي وصل في إتقانها الفن الموغولي والفن الإسلامي إلى أعلى درجات الكمال.
وقد زينتها الأمتعة المجلوبة من محل مابل وشركاه ببلاد الإنجليز، فنبذ الشرقي مدنيته وأخذ بأحقر ما لدى أوروبا من مظاهر حضارتها، وأصبح في عقله خليط من عناصر فتاكة بعضها موروث وبعضها مجلوب فأورثه ذلك التناقض اضطرابا وخللا.
فرنسا في أفريقيا
Page inconnue