La Vie de l'Orient
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
خامسا:
جزيرة العرب، وفيها نجد والحجاز واليمن وحضرموت وعسير وتهامة.
سادسا:
كل إمارات الخليج الفارسي كالكويت والأحساء والمحمرة والبحرين.
وهذا الشرق العربي كما ترى بلاد كبيرة واسعة الأكناف، وربما كانت ما عدا الحجاز (الذي وصف بأنه واد غير ذي زرع) من أخصب بلاد العالم مع اعتدال في هوائها وطباع أهلها، فضلا عن أنها كلها في وسط المعمور وعلى طرق التجارة العالمية بين الشرق والغرب، وكانت كلها قديما بلاد الحضارة والأديان المنزلة والعمارة والزراعة والصناعة والتجارة ومركزا للعلم والأدب والفنون، وليس ما يمنع أن تعود إلى ما كانت عليه من العظمة والغنى.
أما عدد سكانها فيبلغ على سبيل التقريب من خمسة وستين مليونا إلى سبعين مليونا، ومعظم هذا العدد من الحضر سكان المدن والبلدان والقرى، وفيهم الأعراب سكان الخيام الذين يعيشون عيشة البداوة ويسرحون بأنعامهم وهؤلاء يقلون شيئا فشيئا ولا يتجاوزون ثلاثة ملايين ونصف أو أربعة ملايين.
وقد شوهد أن أهل الشرق العربي من سكان البلاد المتاخمة للفرس والأرمن والأكراد والأتراك، وإن كانت عليهم بعض الصبغة من هذه الأمم إلا أنهم ينزعون دائما في ميولهم ومشاربهم وأغراضهم وتقاليدهم إلى العرب، لأن استقراء علماء الاجتماع دل على أن الذين يتكلمون لغة من اللغات تكون نزعاتهم في ميولهم ومشاربهم وتقاليدهم وأغراضهم السياسية والاجتماعية إلى جانب أهل لغتهم وإن بعدوا عنهم في المعتقد والجوار أكثر مما هي إلى جانب أهل لغة أخرى وإن هم قربوا منهم في الجوار والمعتقد حتى وفي الجنسية البعيدة (بحث للأستاذ جبر دومط ، مقتطف أغسطس سنة 1910). ولذا ترى كل الأمم التي تعيش في ظل بلاد إسلامية تنتحل وسائل معايشها ومدنيتها وحضارتها وإن خالفتها في المعتقد. وقد يسمي أحدهم نفسه إسلامي الحضارة ذلك أن الإسلام تميز باللغة العربية التي كانت أداته في نشر لوائه، فترى المسلم الغريب اللسان يسعى جهده للأخذ بطرف من اللغة العربية التي هي مفتاح ذلك الدين ومدنيته الوارفة الظلال وكل ما يتعلق بهما. ومما يصادق نظرية تأثير اللغة في الشعوب التي تتكلم بها وتتخاطب أن الدول الأوروبية المستعمرة إذا احتلت بلدا شرقيا سارعت إلى محاربة لغته ونشرت لغتها وآدابها حتى تقطع العلاقة بين الشعب ولغته الأصيلة، وهي جماع معتقداته وميوله ومشاربه وتقاليده في حياته الاجتماعية والسياسية، ثم تدفعه إلى لغتها الغربية فينجذب نحو آدابها ومدنيتها مقلدا لا معتقدا، ومحال عليه أن يضارع القوم في أخلاقهم ومبادئهم فيفقد القديم ويفوته الجديد ويبقى أبدا مضيعا. وقد كان النضال شديدا بين اللغة العربية واللغات اللاتينية والإنجليزية، فخرجت الأولى ظافرة وخاب المستعمرون في هذا وحده.
العراق
من أمهات الديار العربية قبل الإسلام وبعده، أما قبل الإسلام فلأن الحلة كانت دارا لملوك العرب من أيام جذيمة الأبرش إلى آخر من ملك من المناذرة، وأما في الإسلام فقد اختطت البصرة والكوفة في أيام عمر بن الخطاب وما زالتا مدينتي العرب أجيالا. ولما قام المنصور العباسي اختط بغداد وبقيت دارا للخلافة الإسلامية العربية إلى أن قدم هولاكو إليها في سنة 656ه، وقتل الخليفة المستعصم بالله واستباح المدينة أربعين يوما، قيل فبلغ القتلى أكثر من مليون نفس ولم يسلم إلا من اختفى في بير أو قناة.
أما عدد سكان العراق فيبلغ نحوا من ثلاثة ملايين وهو عدد كادت تبلغ ثلثيه بغداد وحدها في إبان عزها. والبلاد لا ينقصها خصب ولعلها من أخصب بلدان الدنيا ولا سيما بقعة مدينة بغداد وما حواليها فإنها تصلح للزرع والضرع وقد تغل في رأي الخبراء أربعمائة ضعف، وربما كانت ثروتها المعدنية الكامنة في بطن الأرض أعظم مرات كثيرة من ثروتها الزراعية وليس التمر وحده هو مصدر الغنى الزراعي، بل إن البلاد فوق ذلك بلاد حبوب وقطاني وصوف وقطن وصمغ ورب السوس.
Page inconnue