La Vie de l'Orient
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
وإن الأمل الأخير الذي كان يطمع فيه المسلمون في أواسط آسيا وهو تحريرهم بعد ذهاب العهد القيصري قد خاب وظهر أن البلشفيك وعمال نيقولا الثاني سواء في ظلم المسلمين وإرهاقهم. وكان عمال نيقولا الثاني يريدون تنصير التركستان، أي يرغمون المسلمين على استبدال دين منزل بدين منزل، أما هؤلاء البلاشفة فيريدون محو دين سماوي، ثم إنهم لا يحلون محله شيئا سوى تمجيد ريكوف وستالين وإنيكين وغيرهم من المغامرين والحيارى وهذا ما لا نرضاه ... وقد استصرخ مندوب الروس المسلمين في المؤتمر الإسلامي لنصرتهم في ديسمبر 1931.
أوروبا الغربية متعصبة
كتب أوجين يوبخ وكيل المقيم العام الفرنسي في تونكين رسالة باسم العرب والإسلام أمام الحروب الصليبية الجديدة نشرها في باريس في يونيو سنة 1931، وقد نعى فيها على الأوروبيين حملتهم المنكرة على الإسلام والعرب في أنحاء العالم، وجاء فيها أن قوة اليهود الصهيونية وقوة الڤاتيكان الكاثوليكية قد اتحدتا على خراب الإسلام وعلى القضاء على البقية الباقية من مجد أربعمائة مليون مسلم في أنحاء العالم. ويقول الكاتب إن الحروب الصليبية من يوم إعلانها على الإسلام لم تخمد نارها ولم تغمد أسلحتها، وقد خطب المدعو فالوفاسوري بيروني العضو في مجلس الشيوخ الإيطالي في 30 مايو سنة 1930 خطبة في المجلس، جاء فيها إنه يجب توحيد صفوف فرنسا وإيطاليا وإنجلترا وإسبانيا ضد العرب والإسلام. ولا يمكن أن يصدر مثل هذا التصريح بدون موافقة موسوليني، لأن حرية الكلام والتفكير في إيطاليا مقيدة بإرادة ذلك العاهل المختلف الألوان بين الديمقراطية والأرستقراطية وبين التدين ومصلحة الفاتيكان وحرية الفكر وبين مخاصمة البابا وتهديده بالحرب والعصيان.
وقد ظهرت غرائز موسوليني في محاربة العرب والإسلام فأمر الجنرال جرازياني فأغلق جميع الزوايا السنوسية وصادر أموالهم لجانب الخزانة الإيطالية، وطرد ثمانين ألف (80000) رجل وامرأة بأطفالهم وأغنامهم من الجبل الأخضر المشهور بخصبه وحصرهم في بقعة من الأرض غير ذات زرع، فماتت أنعامهم وشارفوا هم أنفسهم على الهلاك، وقد هلك معظمهم ولجأ 10000 عربي ومعهم 400 خيمة إلى أرض تونس، وهم أغنى أهل طرابلس، وقد باعوا كل ما كانوا يملكون في سبيل فرارهم من الخطر الذي يتهددهم بعد ما رأوا ما حل ببقية أبناء وطنهم.
وقد نسي الطليان أن عدد المسلمين الذين يعيشون على شواطئ البحر الأبيض لا يقل عن سبعين مليونا فهم يعدلون تقريبا عدد سكان المسلمين الهنود.
يدعون أن فرنسا وغيرها من دول أوروبا قد صارت دولا لا دينية، تكره التعصب للأديان، وترفع لواء الفكر الحر، وتنادي بالمساواة بين الشعوب، ولا يدعي هذه الدعوى إلا كل جهول بأسرار تلك الأمم العريقة في المسيحية، والعريقة في الاستعمار، فقد هلك منذ ألف وخمسمائة عام أسقف اسمه هيبون في سنة 430، وكان هذا الأسقف بربريا، أي من بلاد البربر التي في مراكش، فأرادت الكنيسة الكاثوليكية أن تحتفل بمرور 15 قرنا على هلاك هذا الأسقف في نفس بلاد أفريقيا، غير مراعية للسكان المسلمين حرمة ولا كرامة، فأمرت فرنسا أن يكون اجتماع المؤتمر الأيوخرستي في قرطاجنة (مايو 1930)، وأمرت أن تدفع حكومة الباي مليوني فرنك لتشترك في هذا المؤتمر، ولما ظهرت حقيقة المؤتمر احتج 700 شخص للباي ورغبوا إليه في عدم التصريح للمؤتمر بالاستمرار، ولكن الاحتجاج ذهب أدراج الرياح وسار أعضاء المؤتمر في الطرق بملابس الصليبيين وجهزت الأسرة لنوم القساوسة في المسجد الصادقي، أي إن هؤلاء النصارى المتعصبين اتخذوا مساجد الله منامة، وأصدرت الحكومة أمرها بالقبض على كل من يحتج على المؤتمر من الشبان المسلمين.
وفي 16 مايو سنة 1930 أمضى سلطان مراكش ذلك الظهير المشئوم الذي يقضي بتنصير أهل البربر، وقد أرادت فرنسا بذلك الظهير إرغام البربر الذين يدينون بالإسلام منذ 1300 سنة على ترك دينهم وانتحال المسيحية بالقوة، وقد بلغ عددهم في مراكش وحدها 8 ملايين، وكان من نتائج صدور هذا الظهير إغلاق المكاتب الإسلامية وإرسال المبشرين ينشرون المسيحية ويبنون الكنائس والمدارس لينصروا الشعب بالقوة، وقد انتقد هذا الظهير المسيو كاريت بوڤيه مدير جريدة «الصرخة المراكشية»، ولام فرنسا على رغبتها في نقل أمة بأسرها من دين تدين به وتمجده وتطيعه إلى دين آخر لا تميل إليه ولا تحبه، وإن كان سانت أوجستان أو غيره من القسس الذين أصلهم برابرة قد عاشوا في البلاد أو نصروا بعض أهلها منذ 16 قرنا أو 15 قرنا، فليس معنى هذا أن النصرانية بقيت ذات شأن في تلك البلاد، فقد جاء الإسلام ونسخها ومحا آيتها وانتشر في شمال أفريقيا انتشارا عظيما، وكان من البربر المسلمين أنفسهم من فتحوا بلاد أوروبا المسيحية في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وبعض جزر البحر الأبيض. وقد كتب أحد الفرنسيين المنصفين يقول:
وعلى الرغم من احتجاج أمة البربر في البر والبحر، في الحواضر والبوادي، فإن الحكومة الفرنسية المتعصبة الجائرة أغلقت المحاكم الشرعية، وعزلت القضاة الذين تولوا القضاء بين الناس منذ مئات السنين، وطردت الأساتذة الذين كانوا يعلمون اللغة العربية، ومنعت قراءة القرآن، وحظرت الصلاة والتكلم باللغة العربية، وساقت الأطفال سوقا إلى الكنائس، وقد ظهر أربعة من الموظفين بالغيرة الشديدة في تنفيذ هذا الظهير الجائر، وهم أوربان بلانك ممثل وزارة الخارجية، والمسيو بريان، ثم الجنرال ڤيدالون، ثم القمندان مارني، وهؤلاء الأربعة يطيعون أمر البابا طاعة عمياء، ويعملون لتنفيذ رغبة الكنيسة أولا ثم خدمة الوطن ثانيا.
الفصل السابع
الشرق العربي: بيان طبيعته وأهله وخيراته
Page inconnue