La Vie de l'Orient
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
تركستان الشرقية
زار القاهرة في مارس سنة 1931 شاب تركستاني من تركستان الشرقية اسمه السيد منصور خان يطوف بأنحاء الشرق للإلمام بشئون الأمم العربية والإسلامية، والسعي لإنشاء علاقات بينها وبين وطنه تركستان الشرقية حيث يعيش ملايين من المسلمين منقطعين عن بقية العالم لا يدرون من حوادث الأمم الإسلامية وشئونها شيئا. وقد كتب هذا الشاب يشكو حال بلاده وظلم حكومة الصين المستبدة التي تستغل بلاده وتحكمها على الطريقة الرومانية، وقد قامت في 1870 ثورة في تركستان الشرقية فأظهر أهلها المسلمون من الاستبسال والمغامرة في القتال ما لم يسمع بمثله من قبل، وقام بينهم الزعيم يعقوب بك فهزم الصين وضم تركستان ونويان واستقل بهما عدة سنين وصار يعقوب يلقب بلقب أمير المؤمنين في الصين بعد أن صارت له دولة، ولكن الصين حشدت جيوشها وهزمته واستولت على البلاد من جديد وسكانها لا يقلون عن عشرة ملايين، أي عدد سكان القطر المصري قبل الحرب العظمى. وهم على صفات جليلة من الشمم وإباء الضيم والشجاعة وعلو الهمة، وقد دخلوا في الإسلام أفواجا، وهؤلاء المسلمون جميعا يحكمهم أهل الصين البوذيون بالسلطة المطلقة. ولا يزال تقسيم الأمة التركستانية الاجتماعي تقسيما عتيقا، ففيهم الزراع والصناع والتجار والعلماء، وعلماؤهم يعرفون العربية والفارسية وتعليمهم كتعليم الأزهر القديم، وبعضهم يعلمون بالتركية، وأعظم مدارسهم في كاشغر واسمها خاناق مدرسة، وعدد طلاب المدارس يبلغ أربعين أو خمسين ألفا.
فهذه أمة مسلمة شرقية لا تحكمها أوروبا ولكن يحكمها الصينيون الشرقيون الوثنيون، وهم في بلادهم مثال الضعف والفوضى والمظالم فغلبتهم اليابان في 1895، وقام نضال بين الإمبراطورية والجمهورية التي أسسها سن يات سن لا يزال حتى هذه الساعة. •••
ونشبت مؤخرا حرب بين الصين واليابان بعد خمس وثلاثين سنة على الحرب الأولى بينهما، واليابان تريد منشوريا والصين ممزقة بين الحروب الأهلية وفتنة الشيوعية. وتتميز هذه الحرب بكونها واقعة رغم أنوف جمعية الأمم لأن الدولتين المحاربتين من أعضائها، ففقدت العصبة هيبتها في الحقيقة. وربما جرت هذه الحرب وراءها ويلات في الشرق والغرب بسبب دسائس روسيا وغيرها، ولعل تركستان الشرقية تنتهز هذه الفرصة لتحرير وطنها.
الفصل الرابع
تألب أوروبا على تركيا وهجوم هانوتو على الإسلام
أوروبا تتألب على تركيا
في مستهل هذا القرن العشرين بعد أن تنبه الشرق الإسلامي العربي وبعد انتصار اليابان على روسيا؛ قامت حركة الفرس الدستورية وشبت نار ثورة عظيمة فناهضتها روسيا التي كانت دولة استعمارية وخنقت تلك الثورة مستعينة بالشاه محمد علي الذي لقي حتفه مؤخرا، وقد ضرب مجلس النواب الفارسي بالقنابل وسجن أعضاءه وقتل من زعمائه من قتل.
وفي سنة 1908 ظهر الدستور العثماني وبدأت الحركة الوطنية العثمانية في الظهور بقوتها، فخشيت أوروبا عاقبة ذلك فأوعزت إلى إيطاليا بالهجوم على طرابلس في 1911 فهاجمتها واستولت على السواحل وحدثت فيها حرب تشيب لهولها الولدان وجيوش الطليان، ولا تزال تلك الحرب قائمة بين إيطاليا وبعض المحاربين من رجال القبائل.
وفي سنة 1912 تألبت دول البلقان الصغرى على تركيا وحاربنها ونشرن بلاغا يشبه كلام الملوك الصليبيين في القرون الوسطى، ولم ينكر هذا الأمر أحد من ملوك أوروبا حتى ولا إمبراطور ألمانيا حليف تركيا الوحيد. ومن المناظر التي كانت تفتت القلب في القاهرة في أثناء تلك الحرب والتي كانت تدل على جمود أهل مصر وجهلهم واستغراقهم في الغفلة أن الصبيان من باعة الجرائد كانوا ينتشرون في عاصمة مصر انتشار الجراد في كل ساعة من ساعات النهار منادين باسم جريدة يونانية اسمها «فوس» أي النور، وهي تحمل أنباء انكسار الترك ساعة فساعة وتخريب مدنهم وانهزام جيوشهم واحتراق مدنهم، وجماعة الأروام والبلغار والصرب ممن يعيشون في مصر يقبلون عليها ويشترونها ويقرءونها شامتين وهم يسيرون في شوارع القاهرة ويربحون ويدفعون ثمن الجرائد من أموالنا، والمصريون لا يدركون هول هذا الأمر ولا يشعرون بفظاعته، ولو أنك تخيلت الألمان في شوارع ليڤربول يقرءون في صحف ألمانية أخبار انكسار الإنجليز في عاصمتهم وصبر الإنجليز على ذلك؛ لأدركت هول هذه المسألة، ولكن وداعة أخلاقنا وإكرامنا للضيف وظننا بأن هذا الأمر لا يعنينا جلب علينا هذا وأفظع منه ...
Page inconnue