La Vie de l'Orient
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
قل لي بربك من يعرف عن الإسلام والمسلمين عشر معشار ما يعرفه نولدكه وهيرجرونيه وويلهاوزن وكيتاني ومرغليوث وبرتلميه سانت هيلير وأرنست رينان وهيوار وسنتلانا ونلينو وبالمر وعشرات مثلهم ممن أتقنوا العربية وعلوم الفقه وقرءوا القرآن وتبحروا في الأدب والتاريخ العربي ... وكانوا عند اللزوم أدوات للاستعمار الأوروبي في بلاد الشرق، فظهر أن علمهم كان سلاحا لمحاربة الشرق والإسلام. وهم قبل أن يعملوا للاستعمار نشروا ضد الإسلام دعاية من أقسى ما نشر في العالم، ما عدا نفرا منهم تنزهت نفوسهم وأقلامهم عن الأذى أمثال المرحوم إدوارد براون ولذا كان مبغوضا من قومه غير موموق بعين الاعتبار، على أن مثله قد كان يخدم الإنسانية بالتوفيق بين الشرق والغرب.
وقد روى فاضل تونسي أنه عندما نالت بلاد تونس نظامها النيابي الأول انتحل أحد الفرنسويين الإسلام وأخذ ينشر بين المسلمين آراء ضد الدستور ويخدعهم بأن نظام البرلمان نظام مخالف للإسلام، وأنه ثمرة من ثمار الكفار، وأنه اعتراض على إرادة الله، لأن الله أمر بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر والبرلمان أو النظام النيابي يأمر بمخالفة ولي الأمر ومحاسبته ... وظاهر ما في قوله من المغالطة المقصودة.
وأسلم فرنسي آخر واتخذ لنفسه اسم سيدي عمر، وكان يغشى مجالس الأشراف في بعض المدن المحصنة، فلما دخلت فرنسا تونس ظهر في ثوبه الرسمي فإذا هو رئيس أركان حرب الجيش المهاجم، وقد وضع خطة الحرب كلها ورسم الخرائط المطلوبة في الفترة التي كان فيها منتحلا الإسلام. وكان كلا هذين الفرنسويين يتقنان العربية ويتقنان الصلاة!
فنحن فريسة للأمم الأوروبية التي تحاربنا حروبا ظاهرة وحروبا باطنة، وتستعمل كل سلاح في هلاكنا ولا تراعي في ذلك ضميرا ولا شرفا ولا ذمة ولا إلا.
وقد قال أحد المصلحين وهو يتألم: إن بعض المسلمين قد أصابهم العمى إلى درجة غريبة، فإن خطباء المساجد كانوا إلى عهد قريب يخطبون ويقولون: «اللهم اجعل بلادهم وأموالهم ونساءهم وأولادهم حلالا لنا أو ملكا لنا، اللهم انصر ... اللهم اخذل ...»
وكانت قد مضت أجيال والآية معكوسة، فكانت بلاد المسلمين وأموال المسلمين وثروة المسلمين وكنوزهم حلالا للأوروبيين، وكأن الدعاء كان معكوسا فكانت الإجابة سلبية أيضا، فكان النصر للغرب والانكسار للشرق وكانت السيادة لأوروبا والهزيمة والعبودية للعرب والمسلمين، وطالما دعونا أوروبا للوفاق والوئام ولا نزال ندعوها.
وهكذا ما زلنا نحن نتعلق بالقشور ونتمسك بالشكل وغيرنا يهتم باللب ويكترث للجوهر، ولو أن أوروبا صافحتنا لمددنا لها يد المحبة.
وقد جعلوا بلادنا ميادين لتجاربهم وهم آمنون، فقد جرب الفرنسيون أنواعا من الحكم في مستعمراتهم الشرقية فقد حكموا الجزائر حكم الجبروت وأخذوها بالشدة ولم يأمنوا جانبها مطلقا على قلة عدد أهل الجزائر، لأنهم وجدوا مقاومة وعنفا وحربا. وقد فنيت جيوش فرنسوية بأسرها في تلك البلاد، ولم تكن فرنسا بعد قد امتلكت شيئا من مستعمرات أفريقيا لتجند رجالها في محاربة الجزائر فأهرقت دماء أبنائها في سبيلها.
وكانت فرنسا تنسج على منوال الأمم الأوروبية في الشرق، ولكن عندما احتلت فرنسا تونس لم تشأ أن تطبق فيها سياسة العنف وأبقت القديم على قدمه لما أنسته من ليونة عريكة بعض الحكام والمحكومين في ذلك القطر الغني الميال بفطرته للسكون والدعة، فلم تبذل دماء أبنائها ولم تخسر الأموال الطائلة. وكانت طريقة الفتح التونسي على وتيرة الاحتلال الأوروبي الحديث في الشرق، فبقيت الحكومة الوطنية على حالها وحكمت فرنسا بواسطة قصر الباي ووزرائه، والمحرك للسياسة والإدارة هو المقيم العام الذي يعمل من وراء ستار ويعرض الحكومة الوطنية لمقت الأمة ولا يظهر يده إلا نادرا وعند الحاجة القصوى.
وقد شبه بعض ساسة العالم حكم بعض المستعمرين في الشرق بداء السل البطيء ينتاب البدن ويعمل فيه رويدا رويدا حتى يقضي عليه ويكاد المريض لا يشعر.
Page inconnue