La Vie de l'Orient
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Genres
ا.ه. عن كتاب «ملوك العرب» للريحاني.
قيل إن موظفا كبيرا من موظفي حكومة الحجاز مرض في أوائل سنة 1931 مرضا خطيرا ونقل بسببه إلى مصر، فلما توهم أن أجله قد دنا أوصى طبيبه الخاص بأن يبلغ ملك الحجاز وصيته الخيرة، وهي تحذيره من ثلاثة أمور: الإفراط في شراء السيارات، واتقاء دسائس «فيلبي»، وسماع نصيحة عبد الله بن حسن شيخ الإسلام في مكة وهو سليل صاحب المذهب الوهابي. ولكن الموظف الكبير نجا من خطر الموت وأبل بعد دائه وسافر إلى مقر عمله، ولم يكن يستطيع أن يمنع إذاعة وصيته التي تناقلتها الألسن.
فقد روى كل من عرف الملك الوهابي أنه يشتري السيارات بالمئات ويقتنيها هو وأولاده بالعشرات تقطع المسافات البعيدة بين الحجاز والرياض (عاصمة نجد) في سباق يتكرر كل يوم وهي من أفخر السيارات، فإذا أدركها العطب أهملت ولم تجد من يصلحها فتمسي هياكل حديدية لا تصلح للبيع والشراء، وقيل إن عدد السيارات التي أصابها التلف على هذه الصورة يزيد على سبعمائة.
أما فيلبي فلم يصلنا من أخباره ما يدل على إخلاصه وصدق إسلامه، غير أننا قرأنا في جريدة التيمس مقالة بعنوان «أربعة أيام في مكة» تكلم فيها فيلبي كما يتكلم السائح الأجنبي في بلاد شرقية، وكنا نشعر ونحن نتلوها أنها فصل من فصول كتبه عن جزيرة العرب، فقد وصف أيام العيد في مكة وهو يقول:
وهكذا أتاحت لي الأقدار أن أشهد أعظم منظر إنساني من ناحية غرابته في حياتي ... وما هو؟ هو اجتماع الفتيان حيال القصر في مساء أول أيام العيد ومعهم طبولهم فيقرعونها ويرقصون ويغنون بنغمات واحدة لا اختلاف بينها لا تبعث على الطرب ولا على الشجى، ثم يطل عليهم الملك من نوافذ قصره ثم تصلهم الجوائز والمنح .
ثم أخذوا يرقصون بالسيف حتى نضحت جباههم بالعرق الغزير.
وبمجرد انتهائهم من رقصتهم نهض الملك عبد العزيز بن سعود واقفا وطرح عباءته عن كتفيه، ثم مد يده فأمسك بها أقرب سيف إليه وأخذ يلوح به كما يفعل الأبطال فوق رءوس هؤلاء الراقصين. وتقدم الملك بعدها إلى الأمام خطوتين وطفق يرقص بمهارة عجيبة فتارة على أطراف أخمصيه وطورا ناكصا على عقبيه وأخرى متشادا إلى أعلى ... وهكذا كانت حركات الرجل الذي قام بتكوين إمبراطورية مترامية الأطراف لم يشترك معه فرد أو دولة في إنشائها ...
ا.ه. ونحن نعجب لدهشة فيلبي من عادات العرب.
وقد علقت إحدى الصحف العربية على هذا المقال بقولها: «وهل هذا كل ما أفاده المسلمون من إسلام مستر فيلبي؟» ...
وقد روى للصحف خبير بشئون الحجاز أن ابن السعود يجمع في كل عام مليونين من الجنيهات وينقلها في خزائن إلى الرياض ولا يستبقي بمكة مالا، وهو يعامل الحجاز معاملة الأرض الأجنبية المفتوحة، ويتقاضى الضرائب من أهلها ومن الحجيج على السواء. أما دعوى ترك حكومة الحجاز للعالم الإسلامي فكانت لتخدير الأعصاب وتطمين المتحمسين والمتهوسين الذين يخافون على الأراضي المقدسة. ولكن بعد أن استتب له الأمر فيها ودعا إلى مؤتمر سنة 1926 الذي كان مؤتمرا صوريا، فقد ضرب بوعوده عرض الحائط وأخذ يعامل الحجاز كما أسلفت معاملة المستعمرة والبلد المفتوح. ومن الحق أن نقول إن الأمن مستتب والنظام سائد والجرائم معدومة لا سيما جرائم قطع الطريق والنهب والسلب. ولكن ذلك تم لمصلحة الحاكم نفسه، فإنه إن لم يستتب الأمن لا يحضر الحجاج إلى الحجاز ولا يدفعون الضرائب والأموال التي يستخلص منها الفاتح الوهابي مليونين من الليرات. وقد ضربنا صفحا عما صنعه الوهابيون من الفظائع عند الفتح لا سيما هدم الآثار النبوية، مثل البيت الذي ولد فيه النبي وبيوت الخلفاء الراشدين، بحجة أن في وجودها تمجيدا لذويهم يكاد يكون عبادة، مع أن الأمم المتحضرة تحتفظ بكل آثارها القديمة وإن كانت تخالف معتقداتها، وذلك احتراما لقيمتها التاريخية.
Page inconnue