فقالت أمي: «كانت تحت تأثير المخدر، وهكذا إذا تحرينا الدقة، أتمنى ألا تكون قد توفيت متألمة.»
وأثناء تناول العشاء، أخبرت أمي الخال بيل بقيامها ببيع الموسوعات قائلة: «لقد بعت ثلاث مجموعات في الخريف الماضي.» رغم أنها لم تبع سوى واحدة وما زالت تحاول إقناع اثنين من العملاء المحتملين. «لقد أصبح أهل البلد يمتلكون أموالا الآن كما تعلم بسبب الحرب.»
فقال الخال بيل وهو ينحني على طبقه ويتناول الطعام بثبات كالعجز: «لن تحققي أية أرباح من العمل بائعة متجولة لدى الفلاحين، ماذا قلت إنك تبيعين؟» وكان يبدو عجوزا بالفعل. «الموسوعات. الكتب. إنها مجموعة جميلة للغاية، كنت لأضحي بأي شيء في مقابل الحصول على مجموعة كهذه من الكتب في المنزل عندما كنت طفلة.» ربما كانت تلك المرة الخمسين التي أسمعها تقول فيها تلك العبارة. «لقد واصلت تعليمك، وأنا استغنيت عنه، ولكن ذلك لم يوقفني. لا يمكنك بيع الكتب للفلاحين، فهم يتمتعون بقدر عال من الفهم، وحريصون على أموالهم، فالربح ليس في أشياء كهذه، بل في العقارات. الربح يكمن في العقارات والاستثمار إذا كنت تعلمين ماذا تفعلين جيدا.» وبدأ يقص قصة طويلة ذات خلفية معقدة ويصحح التفاصيل لنفسه عن شراء المنازل وبيعها، ثم الشراء والبيع والشراء والبناء، والإشاعات والتهديدات والأخطار والأمان. لم تكن نايل تستمع إليه إطلاقا بل كانت تحرك الذرة المعلبة في طبقها وتغرز الشوكة في حبات الذرة واحدة تلو الأخرى، وهي لعبة طفولية لا يمكن حتى لأوين أن يفلت من العقاب بشأنها. لم يتفوه أوين نفسه بكلمة بل تناول طعامه وهو يضع علكته على إبهامه، ولم تلاحظ أمي ذلك. لم تكن فيرن دوجرتي موجودة، فقد ذهبت كي ترى والدتها في مستشفى المقاطعة، واستمعت أمي لشقيقها بينما ترتسم على وجهها نظرة هي مزيج من الاستنكار والدهاء.
شقيقها! هذه هي المشكلة، هذه هي الحقيقة التي يصعب تقبلها. كان هذا الخال بيل شقيق أمي، الصبي البدين الكريه صاحب الموهبة الهائلة في القسوة، ذاك الماكر الذكي الشيطاني، الكثير من الصفات التي تثير الخوف. ظللت أنظر إليه محاولة انتزاع ذلك الصبي من هذا الرجل الشاحب العجوز، ولكنني لم أجده، فقد رحل واختنق كثعبان أرقط صغير كان يوما ما ساما ومولعا بالأذى ودفن في كيس من الدقيق. «هل تذكرين اليرقات، وكيف كانت تحط على أزهار الصقلاب؟»
فقالت أمي وهي لا تصدق ما تسمع: «اليرقات؟» ثم نهضت وأحضرت فرشاة صغيرة ذات يد نحاسية ووعاء معدنيا كان هدية زفاف أيضا، وأخذت تزيل الفتات من على المفرش. «كانت تحط على أزهار الصقلاب في فصل الخريف، وهي تأتي بحثا عن اللبن كما تعلمين، العصارة الموجودة بالأزهار، فتشربه حتى يمتلئ جسمها وتشعر بالنعاس وتدخل في شرنقتها. حسنا، لقد وجدت واحدة على زهرة الصقلاب وأحضرتها معها إلى المنزل ...» «من هي؟» «أمي يا آدي، فمن غيرها قد يتكبد ذلك العناء؟ كان ذلك قبل أن تولدي بزمن بعيد. وجدت تلك اليرقة وأحضرتها للمنزل ووضعتها فوق الباب حيث لا يمكنني الوصول إليها. لم أكن أقصد الإيذاء ولكنني كنت أتصرف كالفتية. دخلت اليرقة في شرنقتها ومكثت فيها طوال الشتاء، ونسيت أمرها، وذات يوم كنا نجلس جميعا بعد أن تناولنا العشاء في عيد الفصح، ولكن كان ثمة عاصفة ثلجية بالخارج، ثم قالت أمي انظروا! انظروا! فنظرنا ووجدنا ذلك الشيء فوق الباب يشرع في الحركة، كانت تمزق الشرنقة، تجذبها وتفتحها من الداخل، ثم تتعب وتتوقف ثم تواصل مرة أخرى. استغرق الأمر نصف الساعة أو أربعين دقيقة تقريبا، ولم نتوقف عن المشاهدة قط، ثم رأينا الفراشة تخرج. وبدا الأمر كما لو كانت الشرنقة قد ضعفت أخيرا وسقطت كالخرقة القديمة. كانت فراشة صفراء صغيرة منقطة وأجنحتها مشدودة للأسفل، وكان عليها أن تحركها بعض الشيء كي تجعلها لينة وحرة الحركة. فتحاول تحريك أحد أجنحتها، تحاول بجهد شديد ثم ترفرف به، ثم تحاول تحريك الآخر وتنجح في الرفرفة به هو الآخر، فتحلق قليلا. فقالت أمي: «انظروا إلى ذلك، لا تنسوه أبدا، فهذا ما رأيتموه يوم عيد الفصح.» لا تنسوا، ولم أنس قط.»
فقالت أمي بحياد: «وماذا حدث لها؟» «لست أذكر، لا بد وأنها لم تعش طويلا في جو كذاك، ولكنه كان أمرا طريفا؛ أنها كانت تعمل بجد على جناح، ثم تعمل على الجناح الآخر، ثم تحلق قليلا، أول مرة تستخدم فيها أجنحتها.» وضحك بنبرة اعتذار كانت الأولى والأخيرة التي نسمعها منه، ثم بدا بعد ذلك مرهقا ومحبطا بصورة غامضة، وأمسك بيديه بطنه التي كانت تصدر أصواتا هادئة ضرورية للهضم.
كان ذلك في المنزل نفسه، المنزل نفسه حيث كانت أمي تجد النار قد انطفأت ووالدتها تصلي، وحيث تناولت اللبن والخيار آملة في أن تصعد روحها إلى السماء.
قضى الخال بيل ونايل الليل في منزلنا وناما على أريكة الغرفة الأمامية التي كان يمكن فردها وتحويلها إلى فراش. رقدت نايل بأطرافها الطويلة المعطرة اللامعة شديدة القرب من جسد خالي المتهدل وبالقرب من رائحته. لم أتخيل أنهما قد يفعلان أكثر من ذلك؛ لأنني ظننت أن المداعبات الجنسية المتلهفة هي أمر طفولي، وأن البالغين المحتشمين قد تخطوا تلك المرحلة وأصبحوا يقومون بذلك الاتصال غير المرجح من أجل إنجاب الأطفال فحسب.
وفي صباح يوم الأحد، رحلا بعد تناول الإفطار، ولم نر أيا منهما مرة أخرى.
وبعد مرور بضعة أيام، اعترفت أمي لي قائلة: «إن خالك بيل يحتضر.»
Page inconnue