فقال العم بيني بنوع من الانتصار الذي يملؤه الأسى: «لقد فعلت ذلك بالطبع، ذهبت إلى محطة بنزين وطلبت منهم الخريطة، فقالوا إنهم ليس لديهم خرائط إلا للمقاطعة.» «ولكنك تملك خريطة للمقاطعة بالفعل.» «أخبرتهم بذلك، وقلت لهم إنني أريد خريطة لمدينة تورونتو، ولكنهم قالوا إنه لا خرائط لديهم.» «ألم تسأل في محطة بنزين أخرى؟» «إذا لم تكن موجودة في إحدى المحطات، تصورت أنني لن أجدها في أية محطة أخرى.» «كان بإمكانك أن تشتري واحدة من المتجر.» «لم أعرف أي نوع من المتاجر أتوجه إليه.» «متجر الأدوات المكتبية! متجر متعدد الأقسام! كان بإمكانك أن تسأل في محطة البنزين من أين تحصل على واحدة.» «تصورت أنه بدلا من التجول في المكان محاولا العثور على خريطة، من الأفضل أن أسأل الناس كي يرشدوني للوصول إلى هناك بما أن معي العنوان بالفعل.» «من المخاطرة الاعتماد على سؤال الناس.»
فقال العم بيني: «لقد أدركت ذلك.»
وعندما تمالك نفسه بدأ يروي ما حدث له. «في بادئ الأمر سألت أحدهم فأرشدني إلى عبور ذلك الجسر، ففعلت ذلك حتى وصلت إلى إشارة حمراء وكان من المفترض أن أتجه إلى اليسار كما أخبرني، ولكنني عندما وصلت إلى هناك اختلط علي الأمر، فلم أعلم ما إذا كان علي أن أتجه إلى اليسار عندما تكون الإشارة الحمراء أمامي أم الإشارة الخضراء.»
فصاحت أمي بإحباط: «بل تتجه إلى اليسار عند الإشارة الخضراء، فإذا اتجهت إلى اليسار عند الإشارة الحمراء سوف تسير عكس اتجاه المرور أمامك.» «نعم أعلم ذلك، ولكنني إذا اتجهت إلى اليسار عند الإشارة الخضراء، فسوف أسير عكس اتجاه المرور القادم في وجهي.» «عليك أن تنتظر حتى يسمحوا لك بالمرور.» «إذن فسوف أنتظر طوال اليوم ولن يسمحوا لي بالمرور، وهكذا لم أعلم ماذا علي أن أفعل، فجلست هناك محاولا اتخاذ قرار حتى بدأت السيارات خلفي تطلق نفيرها، فقررت أن أتجه يمينا، فيمكنني القيام بذلك بلا مشاكل، ثم أستدير وأعود من حيث أتيت وهكذا سأكون أسير على الطريق الصحيح، ولكنني لم أر أي مكان يمكنني الالتفاف والعودة منه فظللت أمضي قدما، ثم انحرفت في شارع به مفترق طرق، وظللت أقود حتى خطر لي أنني قد فقدت المسار الذي أخبرني به الشخص الأول تماما، وهكذا يمكنني أن أسأل شخصا آخر. فتوقفت وسألت سيدة تسير مصطحبة كلبا تربطه بسلسلة، ولكنها أجابتني بأنها لم تسمع عن شارع ريدليت هذا، لم تسمع عنه قط، وقالت إنها تعيش في تورونتو منذ اثنين وعشرين عاما، ثم نادت صبيا يركب دراجته فوجدته قد سمع عن ذلك الشارع، وأخبرني بأنه في الناحية الأخرى من المدينة وأنني أتجه إلى خارج المدينة. ولكنني ظننت أنه من الأيسر الالتفاف حول المدينة بدلا من المرور عبرها، حتى ولو استغرق الأمر وقتا أطول، وظللت في نفس طريقي الذي بدا لي دائريا، وعندئذ أدركت أن الظلام قد بدأ يحل، وخطر لي أنه من الأفضل أن أتحرك حتى أجد هذا المكان قبل حلول الظلام؛ لأنني لن أحب القيادة هنا في الظلام لحظة واحدة ...»
انتهى به الأمر نائما في السيارة على جانب الطريق خارج فناء أحد المصانع. كان قد ضل الطريق وسط المصانع والطرق المسدودة والمستودعات ومخازن الخردة والسكك الحديدية، وظل يصف لنا كل منعطف قام به وكل شخص سأله عن الاتجاهات، وأخبرنا بما قاله كل منهم وما خطر له وقتها، والبدائل التي فكر بها، ولم قرر في كل حالة أن يفعل ما فعل. كان يتذكر كل شيء، كما لو كانت خريطة الرحلة قد طبعت في ذهنه. وبينما كان يتحدث، كانت ملامح مشهد مختلف ترتسم أمامنا؛ مشهد من السيارات ولوحات الإعلانات والمصانع والطرق والبوابات المغلقة والأسياج السلكية المرتفعة والسكك الحديدية وأكوام شاهقة الارتفاع من خبث الفرن، وأكواخ الصفيح والمصارف التي تحتوي على مياه ضحلة بنية اللون، بالإضافة إلى علب الصفيح وصناديق الورق المقوى الممزقة، وكل أنواع النفايات الثقيلة أو - بالكاد - الطافية، ارتسم هذا المشهد حولنا بريشة صوته الرتيب الذي يتذكر التفاصيل بدقة، فرأينا كل شيء، رأينا كيف يبدو أن تضل الطريق هناك، وكيف يستحيل العثور على أي شيء أو الاستمرار في البحث.
ومع ذلك فقد اعترضت أمي قائلة: «ولكن هكذا تبدو المدن! ولذلك يجب أن يكون معك خريطة!»
فتابع العم بيني كما لو أنه لم يسمعها: «استيقظت هناك هذا الصباح، وأدركت أن أفضل ما أفعله هو الرحيل لأي مكان أستطيع الوصول إليه.»
فتنهد أبي وأومأ برأسه موافقا أن هذا صحيح.
وهكذا، بدا عالم العم بيني بجوار عالمنا كما لو كان انعكاسا مشوها مزعجا، نفس العالم ولكنه ليس هو إطلاقا. في ذلك العالم قد يغوص الناس في بحر من الرمال المتحركة، وتهزمهم الأشباح أو المدن العادية المروعة، وكل من الحظ والشر عملاق ضخم لا يمكن التنبؤ به، ولا شيء مستحق، فقد يحدث أي شيء، وكانت الهزائم تقابل برضا لا يخلو من الجنون. وكان انتصاره - الذي لا يعلم عنه شيئا - هو أنه جعلنا نرى.
كان أوين يتأرجح على الباب الشبكي وهو يغني بطريقة ازدرائية حذرة كما يفعل عادة في المناقشات الطويلة:
Page inconnue