فدخلت أمي إلى المتجر وذهبت إلى حيث كانت الفتاة تقف لسداد الحساب، بينما كان تشارلز باكل يكتب لها الفاتورة.
وقدمت نفسها قائلة: «لا بد أنك السيدة بول.»
لم تقل الفتاة شيئا، ولكنها نظرت إلى أمي، وكانت قد سمعت ما قالته، ولكنها لم تنبس ببنت شفة، فنظر تشارلي باكل إلى أمي. «أعتقد أنك كنت مشغولة بالاستقرار في المنزل الجديد، عليك أن تأتي لزيارتي متى تشائين.» «إنني لا أسير على الطرق المفروشة بالحصى ما لم أكن مضطرة لذلك.»
فقالت أمي: «يمكنك أن تأتي عبر الحقل.» ولكنها لم تقل ذلك إلا لأنها لم ترغب في مغادرة المكان قبل أن تجعل الكلمة الأخيرة لها، وليس لهذه الفتاة.
قالت لوالدي: «إنها طفلة، لا يتعدى عمرها سبعة عشر عاما، لا يمكن أن يكون أكثر من ذلك، وترتدي نظارة طبية، وشديدة النحافة. إنها ليست حمقاء، وليس هذا هو ما دفعهم للتخلص منها، ولكنها ربما تعاني من اضطراب عقلي ما أو على شفا ذلك. مسكين أنت يا بيني. ولكنها قد أتت لتعيش في المكان المناسب، فسوف تتلاءم مع طريق فلاتس.»
وكانت قد بدأت تصبح معروفة بالفعل؛ فقد طاردت إيرين بولوكس في فناء منزلها وعلى الدرج أيضا وجعلتها تركع على ركبتيها، وأمسكتها من شعرها الأبيض بكلتا يديها. هذا ما يردده الناس. لذا قالت أمي: «لا تذهبا إلى هناك، دعكما من النمس، فلست أرغب في أن يتشوه أحدكما.»
ولكنني مع ذلك ذهبت، ولم أصطحب أوين معي لأنه سوف يخبر أمي. ظننت أنني سوف أقرع الباب وأسأل بطريقة مهذبة عما إذا كان بإمكاني قراءة الصحف في الشرفة، ولكن قبل أن أصل إلى الدرج فتح الباب وخرجت مادلين وفي يدها رافعة غطاء الموقد. ربما كانت ترفع غطاء الموقد عندما سمعتني، وربما لم تكن تحمله عن قصد، ولكنني لم أر فيه شيئا سوى أنه سلاح.
نظرت إلي لحظة، وكان وجهها يشبه وجه ديان: نحيلا وأبيض اللون وغامضا. لم يكن غضبها فوريا، بل كانت تحتاج بعض الوقت كي تتذكره، كي تستجمع قواها. فلم يكن ثمة احتمال آخر منذ اللحظة التي رأتني فيها سوى الغضب، إما هذا وإما الصمت، تلك هي الخيارات الوحيدة التي كانت لديها. «ما الذي أتيت لتتجسسي عليه هنا؟ ما الذي أتيت لتتجسسي عليه حول منزلي؟ من الأفضل لك أن تخرجي من هنا.» وبدأت تهبط الدرج ببطء، فتراجعت من أمامها بالسرعة المطلوبة وأنا أحدق فيها بذهول. وتابعت هي: «إنك متطفلة صغيرة حقيرة، جاسوسة متطفلة صغيرة حقيرة، جاسوسة متطفلة صغيرة حقيرة، أليس كذلك؟» لم يكن شعرها القصير مصففا، وكانت ترتدي فستانا قطنيا ممزقا على جسدها الصغير المستوي. كان عنفها يبدو مقصودا متكلفا بصورة مسرحية؛ كمشهد ترغب في البقاء لرؤيته كما لو كان عرضا، غير أنه لم يكن ثمة شك في أنها عندما رفعت رافعة غطاء الموقد فوق رأسها أنها كانت على استعداد لتحطيمه على رأسي إذا أرادت ذلك؛ أي إذا شعرت أن المشهد يتطلب ذلك. فكرت في نفسي أنها تشاهد نفسها، وقد تتوقف في أية لحظة وتعود إلى حالة الخواء أو تتفاخر كطفلة قائلة: «أرأيت كيف أخفتك؟ لم تكتشفي أنني أمازحك، أليس كذلك؟»
تمنيت لو كان بوسعي أن أخبرهم بهذا المشهد في المنزل، فقد تناقل الناس في كل أرجاء القرية قصص مادلين. ذات مرة، حدث شيء ما أزعجها في المتجر، فقذفت علبة من الفوط الصحية في وجه تشارلي باكل (من حسن حظه أنها لم تكن تحمل علبة من شراب الذرة!) وعاش العم بيني في عاصفة من السباب يمكنك سماعها من الطريق، فكان الناس يقولون له: «لقد جلبت لنفسك امرأة صعبة المراس يا بيني، أليس كذلك؟» فيضحك هو ضحكة خافتة ويهز رأسه خجلا كما لو كان يتلقى التهنئة. وبعد فترة، بدأ يروي قصصا عنها هو أيضا، فقد قذفت الإبريق من النافذة لأنها لم تجد به مياه، وأخذت المقص وقطعت الحلة الخضراء التي لم يلبسها سوى مرة واحدة يوم زفافه، ولم يكن يعلم وجه اعتراضها عليها. وقالت إنها سوف تضرم النيران في المنزل لأنه أحضر لها النوع غير المناسب من السجائر. «هل تظن أنها تتناول الخمر يا بيني؟» «كلا، فلم أحضر أي زجاجات خمر إلى المنزل، وكيف يمكنها أن تحصل على زجاجة وحدها؟ كما أنني كنت سأشم رائحة الخمر بها.» «وهل اقتربت منها بما يكفي كي تشم رائحة الخمر يا بيني.»
فخفض بيني رأسه وهو يضحك ضحكة خافتة. «هل تقترب منها إلى هذا الحد يا بيني؟ أراهنك على أنها تقاوم بقوة قطيع من القطط البرية، عليك أن تقيدها ذات مرة وهي نائمة.»
Page inconnue