كان عنوان مقالة العقاد «أصنام الأدب» فيما أذكر، وكان مدار القول فيها هو الطعن على رجلين، هما: إسماعيل مظهر، والمهذار الأصم مصطفى صادق الرافعي، وكان أكثرها سبابا وشتيمة وأقلها في الرد والدفاع، على أن العقاد لم يرد رأي الرافعي فيما أخذ عليه من مآخذ إلا في مواضع قليلة، وترك الرد في أكثر ما عاب عليه الرافعي، مستعيضا عن الرد بالشتم والسباب ...
وإذا كان السبب مفهوما في طعن العقاد على الرافعي وشتيمته إياه، فأي سبب حمل العقاد على أن يشرك إسماعيل مظهر مع الرافعي فيما وجه إليه من الشتم والتهمة؟
جواب ذلك يفهمه من يذكر أن إسماعيل مظهر صاحب العصور، هو طابع كتاب «على السفود» وناشره ومروجه. أفنستطيع أن نحكم من هذا بأن العقاد لم يكن يعني الرد على مقال الرافعي الأخير وحده، ولكنه وجدها فرصة سانحة لتصفية الحساب القديم كله بينه وبين الرافعي وصاحبه الذي أغراه على كتابة «على السفود».
وكان الباب الذي نفذ منه العقاد في الطعن على الرافعي، هو اتهامه في وطنيته، وإيهامه قراءه بأن الرافعي لم يكن لينقده إلا لأنه هو العقاد السياسي الوفدي عدو الحكومة المتسلطة على الناس بالحديد والنار! وحسبك بها من تهمة حين يقولها العقاد!
إن للعقاد مفاجآت عجيبة في النقد، تمثل العقاد الكاتب المرن المحتال في أساليب السياسة، أكثر مما تمثله ناقدا محيطا يدفع الرأي بالرأي والبرهان بالبرهان!
وقرأت مقالة العقاد في الرد على الرافعي، فوجدت أسلوبا في الرد يؤلم ولا يفحم، ويقابل الجرح بالجرح لا بالعلاج، فما فرغت من قراءة المقال حتى تمثل لي الرافعي مربد الوجه من غيظ وغضب، مزبد الشدقين من حنق وانفعال، فسرني أن أسعى إليه قبل ميعادي؛ لأراه في غيظه وحنقه وانفعاله، فانتهزت ساعة فراغ في الظهر، فمضيت إليه في المحكمة، فما كاد يراني مقبلا عليه حتى هتف بي وهو يبتسم ابتسامة المسرور، ثم قال: «أقرأت مقال العقاد؟» قلت: «نعم.» قال: «فماذا رأيت فيه؟» قلت: «لقد كان شديدا مؤلما!» فضحك وقال: «والله، ما رأيت كاليوم! لقد ضحكت حتى وجعني قلبي من شدة الضحك ... إنه لم يكتب شيئا ولم يرد على شيء، إن سبابه وشتمه لن يجعلاه عند القراء شاعرا كما يشتهي أن يكون، وإن حسب أنه بذلك يكسب المعركة، وقد حق عليه ما قلت فيه، وإنه ليعترف إن فراره من الرد إلى السباب والشتيمة ليس إلا اعترافا بالعجز ...»
قلت: «إذن فأنت لا تنوي الرد؟»
قال: «وأي شيء تراه يستحق الرد فيما كتب؟»
قلت: «ولكن القراء لن يفهموا سكوتك على وجهه، ولن يسموه إلا انسحابا من المعركة ...! أفترضى أن يقال عنك ...؟»
وبدا على الرافعي كأنه اقتنع، وهاجته كلماتي مرة أخرى إلى النضال، ومعذرة ثانية إلى العقاد!
Page inconnue