تعقيب
16 ... هذه قصة الرافعي وفلانة، كما رواها لي، وكما يعرفها كثير من خاصته، وإني لأعلم أن كثيرا ممن يعرفونها ويعرفونه سيدهشون إذ يقرءون قصة هذا الحب، وسيتناولونها بالريبة والشك، وسيقول قائل، وسيدعي ومدع، وسيحاول محاول أن يفلسف ويعلل، ولا علي من كل أولئك ما دمت أروي القصة التي أعرفها، والتي كان لها في حياة الرافعي الأدبية تأثير أي تأثير يرد إليه أكثر أدبه من بعد، وحسبه أنه كان الوحي الذي استمد منه الرافعي فلسفة الحب والجمال في كتبه الثلاثة: رسائل الأحزان، والسحاب الأحمر، وأوراق الورد، وحسبي أنني قدمت الوسيلة لمن يريد أن يدرس هذه الكتب الثلاثة على أسلوب من العلم جديد!
على أني مسئول أن أبرئ نفسي أمام قدس الحق، فأعترف هنا بأن ما رويت من هذه القصة كان مصدره الرافعي نفسه، مما حدثني به وحدث أصحابه، أو مما جاء في رسائل أصحابه إليه ممن كانوا يعرفون قصته، وما بي شك فيما روي من هذا الحديث، فما جربت عليه الكذب، ولا كان هناك ما يدعوه إلى الاختراع والتزيد كما يزعم من يزعم، ولكنها حقيقة أثبتها للتاريخ؛ لعل باحثا مدققا يوفق في غد إلى إثبات ما أعجز اليوم عن التعليل له.
على أن الرافعي قد أقرأني رسالة أو رسالتين بخط «فلانة» إليه، وهما وإن لم تدلا دلالة صريحة على حقيقة ما رويت من قصة هذا الحب، لا تنفيانها كذلك، بل لعلهما أقرب إلى الإثبات منهما إلى النفي، والحذر طبيعة المرأة!
ثم إن الرافعي لم يخصني وحدي برواية هذه الحادثة، فإن عشرات من الأدباء في مصر قد سمعوها منه، ومنهم من يعرف «فلانة» معرفة الرأي والنظر، ومنهم من كان يغشى مجلسها لا يتخلف عنه مرة، ومنهم من كان الرافعي يقصد بالحديث إليه أن يكون بريدا بينهما ينقل إليها حديثه شفة إلى شفة، وفي الناس برد إن لم تزد على ما سمعت من حديث الحب لم تنقص منه شيئا! فلو أن الرافعي كان يتزيد فيما روى لي ولأصحابي من حديث هذا الحب لخشي مغبة أمره، وإن «فلانة» يومئذ ذات جاه وسلطان!
وثمة برهان آخر لا يتناوله الشك: وهو رسالة من رسائلها نقلها الرافعي من كتاب من كتبها المعروفة لا أسميه، إلى كتابه أوراق الورد،
17
يزعم أنها رسالة منها إليه في كتاب، جوابا على رسالة بعث بها إليها - وكانت هذه بعض وسائلهما في المراسلة كما رويت من قبل
18 - وأوراق الورد معروف مشهور، وكتابها معروف مشهور كذلك، ومما لا يحتمل الشك أن تكون «فلانة» لم تقرأ هذه الرسالة في كتاب الرافعي ولم ينبهها أحد إليها، وأبعد منه في الشك أن تكون قد قرأت هذه الرسالة المنشورة قبل ذلك في كتاب يحمل اسمها ثم لم تفهم ما يعنيه الرافعي، ولا شيء وراء ذلك إلا أن تكون قرأت، وفهمت، وسكتت، ولا شيء بعد إلا أن يكون بينهما شيء يؤيد ما رواه الرافعي من قصة هذا الحب ...! •••
على أن اعتراضات ثلاثة توجهت إلى ما رويت من هذه القصة، لا بد من التنبيه إليها؛ أما أحدها فمن الأستاذ الأديب جورج إبراهيم، فهو ينكر علي أن أستند إلى هذه الرواية، ويروي لي أنه صحب الرافعي في أولى زياراته لفلانة، وشهد ما كان من تأثر الرافعي وانفعاله وجذبته، ولكنه إلى ذلك ينكر أن يكون بين الرافعي وفلانة صلة بعد هذه الزورة، ويصحح ما رويته عن الرافعي - وكان من سامعيه - بأنه حب من طرف واحد، اختلطت فيه مذاهب الفكر ومذاهب النظر فشبه للرافعي ما شبه، فما يحكيه هو صورة ما في نفسه لا صورة ما كان في الحقيقة ...!
Page inconnue