85

إنها ذكريات الأخوة في حماسة الدعوة الأولى إلى الرأي والمذهب.

إنها ذكريات المشاركة في الجهاد الوطني على خلاف أو على لقاء.

إنها ذكريات العطف المتبادل والفكرة المتجاوبة في جميع الحالات.

ومهما يكن من معرفة عامة يعرفها القراء عن أديبهم المازني، ففي مجال تلك الذكريات أحاديث لا تحصى ...

لكن هذه «الشخصية» المحبوبة: شخصية إبراهيم الكاتب وشخصية أبي خليل الصديق، تعفيني من كل حيرة في موقف الاختيار بين تلك الذكريات، ولا فرق فيها بين ما يقال: أنه شخصي خاص، وبين ما يقال: إنه ترجمة من حق النقد وحق التاريخ. وهكذا تكون «الشخصيات» التي يقول النقاد: إنها «مطبوعة في الصميم»، كل ما تعمله أو تقوله خاصة يعين الناقد والقارئ على فهمها، وتفسيرها في مجالها الفسيح الذي تتصل فيه بعالم القلم، وعالم التاريخ ...

لقد كان المازني الذي يسخر من كل شيء، ويخرج لسانه لعابري الطريق هو المازني الذي يسمي كتبه في أخريات حياته ب «قبض الريح» و«صندوق الدنيا» و«عالماشي» و«حصاد الهشيم»، وهو المازني الذي أعجبه ذلك الشاعر الذي أوصى أن يكتب على قبره هذان البيتان:

أيها الزائر قبري

اتل ما خط أمامك

ها هنا فاعلم عظامي

ليتها كانت عظامك

Page inconnue