ومن لطائف الأستاذ فريد وجدي - وكان يمزح أحيانا، ولا يقول إلا صدقا - أن موظف الإدارة فاتحه في نقص أجور الإعلان، فقال له متململا: ألا تحمد الله لأننا لا نغرم حتى الآن إعلانات في الصحف عن ظهور الدستور؟!
أما الإعانات السرية فقد كان الدستور خليقا أن يجمع منها الكثير، لولا أن الأستاذ فريد وجدي - رحمه الله - كان يحسب أنه يسخر أصحاب الدعايات لرسالته الدينية، ولا يفهم أنهم يسخرونه لدعايتهم السياسية ... وقد يصل الأمر إلى تبرعات الأفراد، فلا يقبل منها الرجل ما يزيد على قيمة الاشتراك المكتوبة على الصحيفة، وحدث من ذلك أن السيد «توفيق البكري» أراد أن يعرب للصحيفة عن شكره لموقفها منه أمام الخديو في مسألة «زفة المحمل»، وحضور الطرق الصوفية فيها، فأرسل إلى الأستاذ وجدي مبلغا لا أذكره على التحقيق، ولكنه يزيد على قيمة الاشتراك بكثير ... فأمر صاحبنا كاتب الحسابات أن يكتب للسيد إيصالا بقيمة الاشتراك، ويعيد إليه بقية مبلغه مع الإيصال ...
وماذا تكون النتيجة؟
تكون على هذا نتيجة مكتوبة قبل المقدمة، ولولا قلة المصروفات - كما أسلفنا - لاتصلت النتيجة بالمقدمة في أيام، أو على الأكثر في أسابيع!
ستة جنيهات
كانت المصروفات القليلة سببا من أسباب بقاء الصحف المصرية في سنواتها الأولى ...
وتظهر قلة المصروفات من تكاليف التحرير في الصحف اليومية الكبرى، فقد كان قلم التحرير في أكبر الصحف لا يزيد على خمسة من المحررين والمترجمين والمخبرين، وملخصي الأخبار من الأقاليم، يبدأ مرتبهم من خمسة جنيهات في الشهر، ويندر جدا أن يجاوز العشرين ...
وكان قلم التحرير في صحيفة الدستور يشتمل على محرر واحد غير صاحب الصحيفة ...
وهذا المحرر الواحد هو كاتب هذه السطور، يشترك في التحرير والترجمة، وتلخيص الأخبار، ويتناول في الشهر مرتبا لا يقنع به الآن أحد يعمل في الصحف من البوابة إلى السعاية، ونقل الأوراق بين المكاتب، ودع عنك التحرير والترجمة وجلب الأخبار ...
ذلك المرتب «مبلغ قدره» ستة جنيهات، ولم يكن يزيد على مرتبي من وظيفة الحكومة بأكثر من جنيه واحد ... فلم تكن زيادة المرتب أحد المغريات لي على ترك الوظائف الحكومية للاشتغال بالصحافة؛ لأن المرتبين متقاربان مع الفارق في الضمان والترقية، ومستقبل المعاش ...
Page inconnue