La vie de la pensée dans le nouveau monde
حياة الفكر في العالم الجديد
Genres
لكن ما هكذا العلماء، فإن كانت الخاصة المنهجية للفيلسوف هي أن ينفرد ببنائه، فخاصة العالم هي أن يتعاون مع زملائه العلماء، كل يضيف شيئا، وإن يكن هدف الفيلسوف أن يجعل الكون كله موضوع بحثه دفعة واحدة، فهدف العالم هو أن يقتصر - مع زملائه في البحث - على جزء واحد أو مشكلة واحدة، ولا عجب أن كان المكان المختار للفيلسوف، المكان الذي يختاره ويفضله أثناء قيامه بعملية التفكير، مكانا معزولا، كالدير أو ما يشبهه، وأن يكون المكان المختار للعالم معملا يلتقي فيه مع زملائه، وكان السكون وكانت الظلمة من موحيات التفكير عند الفلاسفة، فأصبحت الحركة وأصبح النور من لوازم التفكير عند العلماء.
وأراد الفلاسفة المحدثون أن يتشبهوا - من حيث المنهج - بالعلماء، فلم يطمع الواحد منهم في أن تخرج من رأسه الحكمة كلها كاملة التكوين كما خرجت «منيرفا» من رأس «زيوس» في أساطير اليونان، بل ما هو أكثر من ذلك، لم يطمع واحد منهم في أن ينفرد بنفسه في وضع كتاب في موضوع بحثه، حتى لقد أصبح الطابع الذي يميز التأليف الفلسفي في العصر الحاضر أقرب جدا إلى أن يتعاون جماعة من الفلاسفة على إخراج كتاب واحد في موضوع واحد، كل منهم يتناول الموضوع من ناحية خاصة على أن يكون بين الجميع أساس مشترك، هو وجهة النظر.
ومن الأمثلة على هذا الاتجاه العلمي في منهج البحث عند الفلاسفة، جماعة «الواقعيين الجدد»، ففي عام 1910م اجتمع ستة من الفلاسفة الأمريكيين؛
1
ليضعوا فيما بينهم أساسا يتفقون عليه جميعا، ثم يتعاونون معا على بناء فلسفة واقعية على ذلك الأساس المشترك، ولما كانت واقعيتهم التي اتفقوا على أساسها جديدة؛ فقد أسموها بهذا الاسم، ثم عرفوا به في الكتابات الفلسفية المعاصرة، ولم يلبثوا بعد بضعة اجتماعات عقدوها للمناقشة والمباحثة والدرس، أن أصدروا - في يوليو سنة 1910م - بيانا أطلقوا عليه هذا العنوان: «برنامج ومنصة أولى لستة من الواقعيين»،
2
ومضى بعد ذلك عامان، فأخرج هؤلاء الستة أنفسهم كتابا تعاونوا عليه، جعلوا عنوانه: «الواقعية الجديدة»
3 - دراسات تعاونية في الفلسفة - فكان هذا الكتاب المشترك هو بداية تسميتهم في دوائر البحث الفلسفي، حتى يومنا هذا باسم «الواقعيون الجدد».
لم يكن معنى اشتراكهم هذا اتفاقا بينهم على كل التفصيلات، ولا كان معنى اختلافهم في التفصيلات اختلافا كذلك على المبادئ، بل كانوا على اتفاق من حيث المبادئ، ثم ظهرت بينهم اختلافات تفصيلية لم تمنع أن يكون بينهم وحدة مشتركة في وجهة النظر، وماذا يكون موضوع البحث عندهم إلا هذا الموضوع الذي شغل الفلاسفة في العصور الحديثة كلها، وأعني به «المعرفة»؛ عندما يعرف الإنسان شيئا، فهنالك عارف ومعروف، فما العلاقة بينهما؟ أمن الضروري في تحديد تلك العلاقة المعرفية بين الطرفين أن ندرس الطرفين ذاتيهما أم يجوز الاكتفاء ببحث العلاقة دون الإيغال في بحث العارف على حدة والمعروف على حدة؟
أخذ الواقعيون الجدد بهذا الرأي الثاني، وهو أن البحث في «المعرفة» إنما يقتصر على تحليل «العلاقة» الكائنة بين الشخص العارف والشيء المعروف، وهم في تحليلهم لتلك العلاقة قد دمجوا ثلاثة من المذاهب الفلسفية في مذهب واحد.
Page inconnue