وهذه الوراثة المرضية تأتي في الغالب عن الأب دون الأم حسبما ظهر من إحصاءات العارفين، وما كان نابوليون ليشذ عن القاعدة، فقد اشتهر عن أبيه وجده أنهما ماتا بالسرطان، وهو نبأ يحتاج إلى دليل بالنسبة إلى الجد، أما الأب فمما لا ريب فيه أنه مات كذلك، كما ظهر من تقرير الأطباء الذين شرحوا جثته، وقد وجدت نسخة من هذا التقرير عند البارون ديبوا مولد ماري لويز. والظاهر أن الأطباء أرادوا في كتابة هذا التقرير خدمة الأسرة اعتقادا منهم بتأثير الوراثة؛ ولذلك تجد فيه بعد الوصف والشرح الكافي عن حالة معدة شارل بونابرت والورم الذي فيها إسهابا في ذكر العلاج والغذاء الملائم لمن يصاب بمثل هذا الداء. نعم، إن كلمة سرطان لم ترد في هذا التقرير، ولكن كل ما قيل فيه ينطبق عليه، وفضلا عن ذلك فإن شارل بونابرت مات في الأربعين، وعمه كان مصابا بالنقرس، وكانت آلامه شديدة إلى حد أنها ألهمت أحد أحفاده وهو نابوليون أن يكتب إلى الدكتور تيسو وهو طبيب مشهور في سويسرا ليستشيره بشأنه، ولا بأس من عرض صورة هذا الكتاب التي تمثل صفحة من حياة نابوليون ونفسه في زمن الفتوة:
سيدي،
قضيت أيامك في خدمة الإنسانية، وطار اسمك في العالم حتى اخترق جبال كورسيكا التي قلما يحتاج الإنسان فيها إلى طبيب. لم أتشرف بالتعرف إليك إلا أن ما أسمعه عن علمك وفضلك يجرئني على مكاتبتك لأستشيرك بشأن عم لي مصاب بالنقرس.
ولا يوافقني في هذا الحديث أن أعترف بعمر عمي البالغ السبعين، ولكن لا تنس يا مولاي، أن في إمكان الإنسان الوصول إلى المائة وما فوقها، وبنية عمي تسمح له أن يكون في عداد هؤلاء الممتازين ، وهو فضلا عن ذلك يعيش باعتدال وحكمة لا تعصف به أهواء النفس ولا تثيره زوابع الحياة، كما أنه لم يصب أبدا بعلة من العلل ولم يشك ألما من الآلام، وإذا كنت لا أجاري فونتانل فأقول عنه: إنه كان يملك الخلتين اللتين تضمنان العمر الطويل: الجسم الصالح والقلب الطالح، فأنا أعتقد أنه مع ميله للأنانية لم يضطر إلى الإغراق فيها.
وقد تنبأ أحدهم له في صباه أنه سيصاب بهذا الداء مستندا في ذلك إلى صغر يديه وضخامة رأسه، ولكنك ترى مثلي - على ما أظن - أن ذلك من قبيل الاتفاق.
الدكتور تيسو (من لوزان).
نابوليون بونابرت بلباس شرقي.
وبعد أن يصف نابوليون داء عمه وما يقاسيه من الأوجاع يختم كتابه إلى الطبيب بهذه العبارة:
الإنسانية يا مولاي، تجعلني على أمل من جوابك، أنا نفسي أتعذب منذ شهر بالحمى المتقطعة؛ ولهذا أشك في أنك ستقرأ بسهولة أسطري هذه.
وأختم بتقديم الاحترام الذي يوحيه إلي فضلك السابق واللاحق.
Page inconnue