ولم يكن أنتومارشي يجهل إحساسات الإمبراطور نحوه؛ لأنه لم يعرف أن يكتسب ثقته لسوء تصرفه وإهماله وجهله، فطلب مغادرة البلاد، وعاد أخيرا فرضي البقاء واعدا أن يكون أكثر يقظة وعناية واهتماما.
وأصبحت تغذية الإمبراطور صعبة؛ لأن معدته كانت تلفظ كل ما يدخل إليها، وكان القيء هذه المرة أسود بما لم يبق معه ريب في طبيعة الداء، ولكن أنتومارشي بعيد عن أن يفهم أو يرى في علة الأمراض غير التهاب الكبد، فأشار باستعمال طريقة «أليبر» المشهور لذلك العهد، فطلب نابوليون كتاب أليبر واطلع على ما فيه فإذا الطريقة استعمال الليمونادة مع المقيئ فقبل بتجربتها فكانت ويلا عليه.
لم يبق للإمبراطور حينئذ إلا الرجوع إلى عادته القديمة وهي الحمية واستعمال المغاطس والشراب المبرد ، ولكن الداء كان يمشي بسرعة هائلة حتى أميط الحجاب عن بصر الحاكم، فآمن بمرض الإمبراطور، وعرض عليه ما شاء من الأطباء.
وأخذت النوب تتكرر من ألم وغيبوبة وهذيان، وقد سمعه مونتولون في الليلة الأخيرة يذكر فرنسا والجيش وجوزفين، ثم رآه ينهض من سريره مندفعا بسرعة فحاول رده فلم يفلح، بل شعر أن تهيج الإمبراطور قد أعطاه قوة خارقة العادة، حتى رمى مونتولون على الأرض وشد عليه الخناق، وكان أرشمبلولت في الغرفة المجاورة فأسرع عند سماعه الجلبة وساعد مونتولون على إرجاع المريض إلى سريره، وأقبل بعد ثوان المارشال واشومارش، وكانت العاصفة قد هدأت، وبعد حين أشار إليهم بيده يريد ماء، فقدموا له إسفنجة مبلولة لأنه لم يعد يستطيع البلع.
وطلعت عليه شمس اليوم الخامس من شهر مايو وهو في حالة النزع الشديد، وآذنت بالمغيب وهو يلفظ آخر أنفاسه.
ذيل
ظهر من تشريح الجثة أن نابوليون كان مصابا بالسل الرئوي وقرحة سرطانية في المعدة، أما احتقان الكبد فقد أنكره البعض من الإنكليز كي لا يقال إن مناخ الجزيرة قضى عليه، وإذا كان اتفق الأطباء في حياته على تشخيص التهاب الكبد؛ فلأن الداء كان متفشيا في تلك البقعة، فلم تنصرف أفكارهم إلى سواه، ونتج عن خطأ التشخيص خطأ العلاج، فأكثروا من العقاقير المهيجة كالزئبق وغيره، على الرغم من تألمه وممانعته. مسكين! كم تناول من المسهلات والمعرقات والمقيئات والحبوب والحقن والأشربة المختلفة والمغاطس المالحة! معالجة قاسية عقيمة خالية من الرحمة! هيهات أن يقوى على احتمالها أشد الأجسام صلابة! قيل إنه قال يوما لمن قدم له الدواء: دعني، وليكن موتي من الداء لا الدواء، وقال لمونتومارشي: خل أدويتك جانبا أيها الطبيب؛ فإني لا أريد أن أصاب بعلتين: مرضي والمرض الذي تعطيني إياه.
ولا ريب أنه لو وجد نابوليون لعهدنا هذا لكان نصيبه من المعالجة أحسن وأرقى؛ فإن تشخيص الداء في حينه يساعد على محاربته وتخفيف أعراضه، وإن لم يصل إلى قتل جرثومته أو تغيير الوراثة.
ما يقول العلم عن وراثة السرطان؟
اتفق أكثر الأطباء على أن السرطان ليس وراثيا، وأهم من يؤيد هذه الفكرة الأستاذان دلبه وكنير من باريس، ولا يخفى أهمية ذلك من الوجهة الاجتماعية، ولا سيما في مسائل الزواج، ومن الأدلة على صحة هذا الرأي أنك قلما تجد بين المرضى بالسرطان من ورث ذلك عن أبيه، وبالعكس، فإن غير واحد من المصابين بأمراض مختلفة كان السرطان عند آبائهم ولم ينتقل إليهم.
Page inconnue