وفي القوم عمرو بن معدي "كرب" لا يحير جوابًا. فقال: فأين أنتم عن (بسم الله الرحمن الرحيم)؟ فقال عمر: حدثنا يا أبا ثور.
فقال: بينا أنا في الجاهلية، إذ أجهدني الجوع، فأقحمتُ فرسي البرِّيَّة فما أصبتُ غير بيض النَّعام. فبينا أنا أسير إذا أنا بشيخ عربيٍّ في خيمة وإلى جانبه جارية كأنها شمس طالعة، ومعه غنيمات له.
فقلت له: استأسر ثكلتك أُمُّك. فرفع رأسه إليَّ وقال: يا فتى إن أردت قِرىْ فانزل، وإن أردتَ معونة أعنَّاك.
فقلتُ له: استأسر. فقال "من الطويل":
عرضنا عليكَ النُّزلَ مِنَّا تكرُّمًا ... فلم ترعوي جهلًا كفعلِ الأشائمِ
وجئت ببهتان وزورٍ دونَ ما ... تمنيتهُ بالبيضِ حزُّ الحلاقمِ
ووثب إليَّ وثبة، وهو يقول: (بسم الله الرحمن الرحيم) . فكأني مُثلتُ تحته. ثم قال: أقتلك أم أخلِّي عنك؟ قلتُ: بل خلِّ عنّي. قال: فخلَّى عنّي. ثم أنّ نفسي حادثتني بالمعاودة؛ فقلتُ: أستأسر ثكلتك أُمك فقال "من الوافر":
ببسم الله والرحمن فزنا ... هنالك والرحيمِ به قهرنا
وما تغني جلادةُ ذي حفاظٍ ... إذا يومًا لمعركةٍ برزنا
ثم وثب إليَّ وثبة كأني مُثلثٌ تحته. فقال: أقتلك أم أُخلِّي عنك؟ قلتُ: بل خلِّ عني، فخلَّى عني. فانطلقتُ غير بعيد ثم قلت في نفسي: يا عمرو أيقهرك مثل هذا الشيخ! والله للموت خير لك من الحياة.
1 / 53