التمست يد إيفون زوجة، فأبت حرصا على شرفي زاعمة أن العالم بأسره يعدها ساقطة، فلا تليق لي ولكنها لو رضيت بي زوجا لمحا حبي عارها، وظهر للملأ نور طهارة روحها، واضطر الناس أن ينسوا ماضيها ويجلوا حاضرها.
ألا تظن أن بين البغيات كثيرات مثل إيفون حياتهن الإنسانية ساطعة النور، فلو أصاب حياتهن الحيوانية المظلمة نور الحب الحقيقي لبدد ذلك الظلام، وسطع النور المحجوب.
قال الطبيب: وما انتهى موريس من قص حكايته الطويلة حتى خيم الظلام، وكانت الحمى قد أعادت الكرة عليه من شدة تأثره، فاضطجع في سريره والدموع تفيض من مقلتيه، فودعته وعدت إلى منزلي وأنا أفكر في إيفون وغرابة أخلاقها، وأتعجب من مجافاتها لموريس.
الفصل الحادي عشر
الملاك الساقط
ما صدقت أن انتهيت في اليوم التالي من عيادة مرضاي حتى توجهت إلى منزل إيفون، وأنا شديد الشوق إلى لقائها.
وجدتها أسوأ حالا من قبل، وعلمت أن نوبة شديدة هاجمتها، وما قعدت حتى بادأتني بالسؤال قائلة: هل رأيت موريس؟ - رأيته أمس وطمأنته عنك، إني لأعجب من إعراضك عنه يا مدموازيل إيفون.
فنظرت في مستغربة ثم قالت: من قال لك؟ - أصبح موريس صديقا حميما لي وأخبرني بذلك، فلا يسوءك ذلك يا مدموازيل؛ لأنه لا بد لكل عاشق من صديق يسر إليه أخبار حبه تفريجا لكربه. - إذا كنت صديق موريس يا دكتور بوشه، فأنت صديقي أيضا؛ ولذلك أثق بإخلاصك ثقته بك وأسر إليك أن كل بغيتي من مجافاته في الظاهر أن يبقى لخطيبته، التي ستكون نصف حياته المستقبلة؛ لأني أنا لا أبقى له. - ولكن عقد خطبته انحل. - أكيد؟ لماذا؟ - اكتشف أهله أن خطيبته ابنة بغي فحلوا عقد خطبتهما. - ابنة بغي؟ - نعم. - وهو طاوعهم في تركها؟ - نعم لأنه يحبك.
فتنهدت إيفون تنهدا عميقا، وأطبقت جفنيها فخفت أن تنتابها النوبة فسكت، وبعد هنيهة فتحت عينيها وقالت: ما ذنب الفتاة إذا كانت أمها بغيا؟ لقد فسد عملي يا دكتور بوشه.
بقيت ساكتا؛ لأني لم أشأ أن أجرها إلى حديث طويل، وبعد هنيهة قالت: أتسمح لي أن أستودعك وديعة؟ - أحرص على وديعتك حرصي على نفسي يا سيدتي.
Page inconnue