رأيتها ذات ليلة في الأوبرا والأمير معها، وبالرغم من مجاهدتي أن لا أنظر إليها وقعت عيني على عينها مرة، فاستدعتني بإشارة لطيفة فترددت في أول الأمر تخوفا، ولكني نفضت الجبن عني وذهبت إلى مقصورتها، فاستقبلتني والأمير بكل بشاشة وقالت له: المسيو موريس كاسيه الذي ذكرت لك مروءته.
فحنى الأمير رأسه وصافحني قائلا: أشكر لطفك يا مسيو كاسيه.
فرددت له صدى المجاملة، وانتقلت في الحال إلى حديث التمثيل، ومع أن الأمير لاطفني وهي بشت لي شعرت أن انصرافي العاجل أليق بي من البقاء، فخرجت بعد بضع دقائق أتعثر في سبيلي.
وفي ليلة أخرى ذهبت إلى الأوبرا مع أختي وخطيبتي وابن خالها ...
قال الطبيب: فقاطعته قائلا: إذن أنت خاطب؟
كنت خاطبا حينئذ وفككت عقد الخطبة لسبب سأذكره لك متي انتهيت من قصتي مع إيفون، رأيتها وفانتين وصيفتها في مقصورة مقابلنا، وقد صوب من معي المنظار إليها فجعلوا يقولون: «من هذه الجميلة؟» فقلت: إنها فرنساوية زوجة أمير شرقي، وإني تعرفت بهما مصادفة.
نظرت إليها كثيرا فلم أرها تلتفت نحونا إلا نادرا كأنها لا تعرفني، حيرني سبب تجاهلها إياي حينئذ وذبت وجدا من إعراضها.
ولما انتهى التمثيل مضيت ومن معي إلى نيوبار؛ لكي نتناول بعض الأشربة ودخلنا إلى إحدى الزوايا، فدهشت إذ رأيت إيفون والأمير أمامنا، نظر إلينا الأمير باشا فحييته مصافحا، وقدمته لمن معي وقدمتهم لإيفون فبشت لهم، ألح الأمير أن نجلس معهما فجلسنا.
كانت إيفون قليلة الكلام حينئذ، ولكنها لم تبخل البتة في ملاطفة أختي وخطيبتي، والابتسام لهما بالقدر اللائق وكذلك الأمير لم يدخر جهدا في مجاملتنا وإكرامنا، بعد بضع عشرة دقيقة التمست إيفون من الأمير أن ينصرفا فانصرفا.
صادفت إيفون بعد ذلك بضع مرار في مركبتها، ولكنها مرة واحدة رأتني فأشارت لي إشارة تحية بسيطة، كنت أتوقع أن أراها في الأوبرا لكي أزورها في مقصورتها، وصممت أن أبث لها حينئذ بعض ولوعي بها، ولكن عبرت عدة ليال وسناؤها لم يسطع في ذلك الأفق.
Page inconnue