بسم الله الرحمن الرحيم

1 ( كتب الشيخ أبو هلال الحسن بن عبد الله ) 1

بن سهل الأديب إلى بعض أصحابه :

أيدك الله وأيد أهل الفضل بك ، وقاك المكروه ، ووقاهم إياه فيك وأصلح بك ولك وخولك وخول منك ، وألهمك الاجتهاد فيما يزيدك عند العقلاء قيمة ، ويمنحك مزية يقصر عنها من يساميك ، ويقع دونها من ينافسك ويناوئك .

والاجتهاد فيما يكسب العز ويزيد في النباهة والقدر ، راحة العاقل ، والتواني عنه عادة الجاهل .

وقلت في نحو ذلك : + من البسيط + .

( وساهر الليل في الحاجات نائمة % وواهب المال عند المجد كاسبه )

وقلت في نحو ذلك : + من الكامل + .

Page 41

( وليغد في تعب يرح في راحة % إن الأمور مريحها كالمتعب )

وقلت : + من الطويل + .

( ألا يذم الدهر من كان عاجزا % ولا يعذل الأقدار من كان وانيا )

( فمن لم تبلغه المعالي نفسه % فغير جدير أن ينال المعاليا )

ومثل العلو في المكارم مثل الصعود في الثنايا والقلل ، ولا يكون إلا بشق النفس . ومن ظن أنه ينعم في قصد الذرى والتوقل في الغرفات العلى فقد ظل باطلا وتوهم محالا .

ورتبة الأديب من أعلى الرتب ، ودرجة العلم أشرف الدرج ، فمن أراد مداولتها بالدعة وطلب البلوغ إليها بالراحة كان مخدوعا ، وقال الجاحظ :

العلم عزيز الجانب ، لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك ، وأنت إذا أعطيته كلك كنت من إعطائه إياك البعض على خطر .

Page 42

وقد صدق ، فكم من راغب مجتهد في طلبه لا يحظى منه بطائل على طول تعبه ومواصلة دأبه ونصبه ، وذلك إذا نقص ذكاؤه وكل ذهنه ونبتت قريحته .

والفهم إنما يكون مع اعتدال آلته ، فإذا عدم الاعتدال لم يكن قبول ، كالطينة إذا كانت يابسة أو منحلة لم تقبل الختم ، وإنما تقبله في حال اعتدالها ، وإذا أكدى الطالب مع الاجتهاد ، فكيف يكون مع الهوينا والفتور .

فإذا كنت أيها الأخ ترغب في سمو القدر ونباهة الذكر وارتفاع المنزلة بين الخلق ، وتلتمس عزا لا تثلمه الليالي والأيام ولا تتحيفه الدهور والأعوام ، وهيبة بغير سلطان ، وغنى بلا مال ، ومنعة بغير سلاح ، وعلاء من غير عشيرة ، وأعوانا بغير أجر ، وجندا بلا ديوان وفرض ، فعليك بالعلم ، فاطلبه في مظانه ، تأتك المنافع عفوا ، وتلق ما يعتمد منها صفوا ، واجتهد في تحصيله ليالي قلائل ، ثم تذوق حلاوة الكرامة مدة عمرك ، وتمتع بلذة الشرف فيه بقية أيامك ، واستبق لنفسك الذكر به بعد وفاتك .

Page 43

ولأمر ما اجتهد فيه طائفة العقلاء ، وتنافس عليه الحكماء ، وتحاسد فيه الفضلاء ، ولا يصلح الحسد والملق في شيء غيره ، كما أخبرنا الشيخ أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد عن عبد الله بن عبد الملك بن هارون ، عن بشر بن عبيد ، عن وهب بن وهب ، عن عبد الواحد بن ميمون ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يصلح الحسد والملق إلا في طلب العلم .

Page 44

ثم قال أبو تمام + من البسيط + :

( فاعذر حسودك فيما قد خصصت به % إن العلى حسن في مثلها الحسد )

وقال أيضا + من الطويل + :

( وما أنا بالغيران من دون جارتي % إذا أنا لم أصبح غيروا على علمي )

( لصيق فؤادي مد ثلاثون حجة % وصيقل ذهني والمروح عن فهمي )

قال الشيخ أبو هلال : ومثله ما قلته : + من الرجز + .

( لا أحسد المرء على درهمه % وإنما أحسده على الأدب )

( ولست بالغيران دون جارتي % إن لم أكن غيران من دون الحسب )

Page 45