وأما في هذه البلدة، والبلدة المعمورة بمبئ وغيرهما من بعض بلاد الدكن، فكسف أكثرها بحيث لم يبق منها إلا طرف قليل، فأظلمت الدنيا، وظهرت النجوم على سماء الدنيا، فتزلزلت(1) به قلوب العباد، واضطربت به صدور البلاد، ظنت الطيور غروب الشمس فطارت، وأذعنت النفوس بقيام الساعة فحارت، أسرعنا إلى المساجد فمن باك ومن ساجد، ومن مصل ومن قاعد، وكان زمان ابتداء الكسوف إلى الانجلاء سبع ساعات، ومدة الظلمة نحو ربع ساعة، وكان ذلك قريب ربع النهار الأول، وقد سمعت المشائخ الكبار، أولي الأيدي والأبصار يقولون: ما رأينا مثل هذا الكسوف، ولم ينقل إلينا وقوعه قبل ذلك، ورأيت في ((كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة)) للسيوطي: أن في سنة 280 ثمانين ومئتين، كسفت الشمس بأردبيل ؛فأصبحت الدنيا مظلمة إلى العصر. انتهى. فلعل مثل كسوف هذه السنة لم يقع بعدها، والعلم عند الله تعالى.
والذي حصل لي أن وقوعه كان إشارة إلى حوادث وقعت في هذه السنة ومنهما وفاة الوالد المرحوم، فإنه كان شمس الدنيا والدين، سراج المحققين، فبارتحاله وقعت الظلمة في دار الدنيا، وظهرت النجوم على سماء الدنيا.
وقيل في تاريخ موته كثير من الأشعار، ولنعم ما قيل:
واقف راه خدا مولوي عبد الحليم
وأحسن منه ما قيل غفره
وله رحمه الله تعالى تصانيف:
Page 52