Hâshiyah Ibn ‘Âbidîn
حاشية ابن عابدين
Maison d'édition
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
Numéro d'édition
الثانية ١٣٨٦ هـ = ١٩٦٦ م
Genres
Fiqh hanafite
عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ وَالْمُرَادَ، مَا أَنْشَدَنِيهِ شَيْخِي رَأْسُ الْمُحَقِّقِينَ النُّقَّادُ مُحَمَّدٌ أَفَنْدِي الْمَحَاسِنِيُّ وَقَدْ أَجَادَ:
لِكُلِّ بَنِي الدُّنْيَا مُرَادٌ وَمَقْصَدٌ ... وَإِنَّ مُرَادِي صِحَّةٌ وَفَرَاغُ
لِأَبْلُغَ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ مَبْلَغًا ... يَكُونُ بِهِ لِي فِي الْجِنَانِ بَلَاغُ
فَفِي مِثْل هَذَا فَلْيُنَافِسْ أُولُو ... النُّهَى وَحَسْبِي مِنْ الدُّنْيَا الْغَرُورِ بَلَاغُ
ــ
[رد المحتار]
قَدِيمًا بِأَوْصَافِهِ أَيْضًا. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْمُبَرِّدِ: لَيْسَ لِقِدَمِ الْعَهْدِ يَفْضُلُ الْفَائِلُ وَلَا لِحَدَاثَتِهِ يُهْضَمُ الْمُصِيبُ، وَلَكِنْ يُعْطَى كُلٌّ مَا يَسْتَحِقُّ. اهـ. قَالَ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُبَرِّدِ: وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ تَحَرَّى هَذِهِ الْبَلِيَّةَ الشَّنْعَاءَ، فَتَرَاهُمْ إذَا سَمِعُوا شَيْئًا مِنْ النُّكَتِ الْحَسَنَةِ غَيْرَ مَعْزُوٍّ إلَى مُعَيَّنٍ اسْتَحْسَنُوهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ، فَإِذَا عَلِمُوا أَنَّهُ لِبَعْضِ أَبْنَاءِ عَصْرِهِمْ نَكَصُوا عَلَى الْأَعْقَابِ وَاسْتَقْبَحُوهُ، أَوْ ادَّعَوْا أَنَّ صُدُورَ ذَلِكَ عَنْ عَصْرِيٍّ مُسْتَبْعَدٌ، وَمَا الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا حَسَدٌ ذَمِيمٌ وَبَغْيٌ مَرْتَعُهُ وَخِيمٌ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ) بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فَهَاكَ إلَخْ، مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ مَدْحُ نَفْسِهِ وَتَأْلِيفِهِ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشُّهْرَةِ التَّأْلِيفُ ط (قَوْلُهُ: شَيْخِي) فِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةٌ: وَبَرَكَتِي وَوَلِيُّ نِعْمَتِي قَالَ ط. الْبَرَكَةُ اتِّسَاعُ الْخَيْرِ، وَوَلِيٌّ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ: أَيْ مُتَوَلِّي نِعْمَتِي، وَالْمُرَادُ بِالنِّعْمَةِ نِعْمَةُ الْعِلْمِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ اهـ (قَوْلُهُ: مُحَمَّدٌ أَفَنْدِي) قَالَ الْمُحِبِّيُّ فِي تَارِيخِهِ: هُوَ ابْنُ تَاجِ الدِّينِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَحَاسِنِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الْخَطِيبُ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، أَشْهَرُ آلِ بَيْتِ مَحَاسِنَ وَأَفْضَلُهُمْ، كَانَ فَاضِلًا كَامِلًا أَدِيبًا لَبِيبًا، لَطِيفَ الشَّكْلِ وَجِيهًا، جَامِعًا لِمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، حَسَنَ الصَّوْتِ، وَلِيَ خَطَابَةَ جَامِعِ السُّلْطَانِ سَلِيمٍ بِصَالِحِيَّةِ دِمَشْقَ، ثُمَّ صَارَ إمَامًا بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَخَطِيبًا فِيهِ، وَقَرَأَ فِيهِ صَحِيحَ مُسْلِمٍ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ بَعْضَ تَعَالِيقَ. وَوَلِيَ دَرْسَ الْحَدِيثِ تَحْتَ قُبَّةِ النَّسْرِ مِنْ الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ، وَكَانَ فَصِيحَ الْعِبَارَةِ. وَانْتَفَعَ بِهِ خَلْقٌ مِنْ عُلَمَاءِ دِمَشْقَ، مِنْهُمْ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ مُفْتِي الشَّامِ، وَلَهُ شِعْرٌ حَسَنٌ وَتَحْرِيرَاتٌ تَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ. وُلِدَ سَنَةَ (١٠١٢) وَتُوُفِّيَ سَنَةَ (١٠٧٢)، وَرَثَاهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ - بِقَصِيدَةٍ جَيِّدَةٍ إلَى الْغَايَةِ مَطْلَعُهَا قَوْلُهُ: لِيَهْنُ رِعَاعُ النَّاسِ وَلْيَفْرَحْ الْجَهْلُ فَبَعْدَك لَا يَرْجُو الْبَقَا مَنْ لَهُ عَقْلُ أَيَا جَنَّةً قَرَّتْ عُيُونُ أُولِي النُّهَى بِهَا زَمَنًا حَتَّى تَدَارَكَهَا الْمَحْلُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: لِكُلِّ بَنِي الدُّنْيَا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ الْمَوْجُودِينَ فِيهَا، وَسُمُّوا أَبْنَاءَهَا لِأَنَّهُمْ مِنْهَا مَادَّةً وَغِذَاءً، وَبِهَا انْتِفَاعُهُمْ. وَفِيهَا تَرْبِيَتُهُمْ. وَهِيَ اسْمٌ لِمَا قَبْلَ الْآخِرَةِ لِدُنُوِّهَا وَقُرْبِهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِأَبْنَائِهَا الطَّالِبُونَ لَهَا الْمُنْهَمِكُونَ فِيهَا (قَوْلُهُ: صِحَّةٌ) أَيْ فِي الْجَسَدِ، وَفَرَاغٌ مِمَّا يَشْغَلُ عَنْ الْآخِرَةِ (قَوْلُهُ: لِأَبْلُغَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَإِنَّ مُرَادِي إلَخْ (قَوْلُهُ: مَبْلَغًا) مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْجِنَانِ بَلَاغُ) أَيْ إيصَالٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْمَرَاتِبِ الْعَالِيَةِ فِيهَا، وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبَلَاغُ كَسَحَابِ الْكِفَايَةُ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْإِبْلَاغُ وَالتَّبْلِيغُ وَهُمَا الْإِيصَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَفِي مِثْلِ هَذَا) أَيْ هَذَا الْمُرَادِ الْمَذْكُورِ وَالْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُفِيدَةٌ لِلتَّعْلِيلِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِيُنَافِسْ (قَوْلُهُ: فَلْيُنَافِسْ) أَيْ يَرْغَبْ وَالْفَاءُ زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى، مِثْلُهَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَإِذَا هَلَكْت فَعِنْدَ ذَلِكَ فَاجْزَعِي
(قَوْلُهُ: أُولُو النُّهَى) أَيْ أَصْحَابُ الْعُقُولِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَمُنَافَسَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا (قَوْلُهُ: وَحَسْبِي) مُبْتَدَأٌ: أَيْ كَافِي ط (قَوْلُهُ: الْغَرُورِ) فَعُولٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ: أَيْ الْغَارَّةِ اهـ ط (قَوْلُهُ: بَلَاغُ) أَيْ مِقْدَارُ الْكِفَايَةِ وَهُوَ
1 / 33