Hashiya Cala Tafsir Baydawi
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
Genres
الثبات عليه أو حصول المراتب المرتبة عليه. فإذا قاله العارف بالله الواصل عنى به أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا، وتميط غواشي أبداننا لنستضيء بنور قدسك فنراك بنورك. والأمر والدعاء يتشاركان لفظا ومعنى ويتفاوتان بالاستعلاء والتسفل. وقيل: بالرتبة.
من حيث إنه يتوقف الاهتداء بكل جنس منها على الاهتداء بما قبله فكذلك كل جنس من تلك الأجناس على مراتب مختلفة والمطلوب على الوجه الثالث حصول المراتب على ما حصل من جنس الهداية لا حصول الغير الحاصل من أجناسها.
قوله: (فإذا قاله العارف بالله الواصل) إلى أقصى مراتب السير إلى الله تعالى الذي هو آخر درجات السالكين وأول درجات الواصلين وهو المسمى بمقام المشاهدة والمعاينة. وفيه إشارة إلى أن ما سبق من وجوه الجواب وما ذكره من أجناس الهداية ومراتبها إنما هو بالنظر إلى السالك السائر إلى الله تعالى ومراتب سيره إلى الله تعالى تنتهي بالوصول إلى مقام المعاينة وبعد انقطاع سيره إليه تعالى يبتدىء السير في الله وهو لا ينقطع أبدا ولا يتناهى كما أشار إليه من قال:
شربت الحب كأسا بعد كأس ... فانفد الشراب ولا رويت
والظاهر أن قوله: «تمحو» بتاء الخطاب. ويحتمل أن يكون الضمير مسندا إلى ضمير السير وإضافة الظلمات إلى الأحوال العارضة لنا حينا بعد حين بمقتضى البشرية والحجب الغاشية من تعلق الأرواح بالأبدان والقوى المتداعية إلى الغفلة التي لا تليق بالواصلين، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين قال عليه الصلاة والسلام: «وإني ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة». وإضافة الغواشي إلى الأبدان بيانية فإن الأبدان غشاوة حاصلة للأرواح من الاطلاع على عالم الغيب ولما كان قوله سبحانه وتعالى: اهدنا على صيغة الأمر ومعناه الدعاء أشار إلى الفرق بينهما مع اشتراكهما لفظا ومعنى، أما لفظا فظاهر وأما معنى فلأن معنى كل منهما طلب. فقال: «ويتفاوتان بالاستعلاء والتسفل» يعني لا يشترط في الأمر العلو الحقيقي ولا في الدعاء السفالة الحقيقية فإن بناء استفعل قد يكون بعد كون الشيء متصفا بمعنى أصله الذي هو مأخذ اشتقاقه وإن لم يكن ذلك الشيء متصفا بذلك المعنى في نفس الأمر نحو استحسنته واستفل عليه وكون حقيقة التفعل للتكليف في نحو التسفل ظاهر مكشوف. فإذا قال العالي لمن دونه افعل كذا مستفلا ومتواضعا له يسمى قوله هذا دعاء وإذا قاله الأدنى لمن هو أعلى منه مستعليا ومتكبرا يكون قوله هذا أمرا. قوله:
(وقيل: بالرتبة) أي بالاستعلاء والتسفل أي قيل يجب أن يكون الأمر أعلى مرتبة بالنسبة إلى المأمور وأن يكون الداعي أسفل من المدعو حقيقة ولا يكفي الاستعلاء والتسفل وهو حقيق
Page 94