274

Hashiya Cala Tafsir Baydawi

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

Genres

وما روي عن سلمان أن أهل هذه الآية لم يأتوا بعد، فلعله أراد به أن أهله ليس الذين كانوا فقط بل وسيكون من بعد من حاله حالهم، لأن الآية متصلة بما قبلها بالضمير الذي فيها. والفساد خروج الشيء عن الاعتدال والصلاح ضده وكلاهما يعمان كل ضار ونافع، وكان من فسادهم في الأرض هيج الحروب والفتن بمخادعة المسلمين وممالأة الكفار عليهم بإفشاء الأسرار إليهم، فإن ذلك يؤدي إلى فساد ما في الأرض من الناس والدواب الاستئناف وهو «يخادعون الله» وما يتعلق به بين أجزاء الصلة. قوله: (وما روي عن سلمان) أي الفارسي رضي الله عنه إشارة إلى جواب «ما يقال» عطفه على «يكذبون أو يقول» يستلزم أن يكون الذين نهوا عن الفساد في الأرض هم المنافقون الذين كانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: «آمنا»، وهو ينافي ما روي من أنهم لم يأتوا بعد. وجوابه أن المنافاة إنما تلزم أن لو كان معنى قوله: «لم يأتوا» بعد ما يفهم من ظاهره وليس كذلك، بل معناه أنهم لم ينقرضوا ولم يفنوا عن آخرهم بل وسيكون من بعد هذا الوقت أو من بعد زمانه عليه الصلاة والسلام من حاله حالهم في النفاق وما يترتب عليه. وإنما احتاج المصنف إلى التأويل المذكور بقوله: «لأن هذه الآية متصلة بما قبلها بالضمير الذي فيها» فيكون أهلها أهل ما قبلها بالضرورة، ومعلوم أن أهل ما قبلها قد أتوا. وقول سلمان هذه المقالة كيف يصح منه أن يقول أن أهل هذه الآية لم يأتوا بعد؟ فوجب أن يأول كلامه لفساده إن حمل على ظاهره.

قوله: (وكلاهما يعمان كل ضار ونافع) يعني أن كل واحد من قوله: لا تفسدوا ومصلحون لم يذكر مفعوله للتعميم فإن الإفساد يتناول إضرار كل ما يصح أن يتعلق به الإفساد، والإصلاح بأن يحدث فيه الاعتدال اللائق به. فكأنه إذا قيل لهم: لا تخرجوا شيئا مما في الأرض عن الاعتدال اللائق به ولا تغيروه أصلا قالوا: إنما نحن مصلحون كل شيء مما في الأرض مما يصح أن يتعلق به الصلاح والنفع. فعلى هذا يكون كل واحد من قوله:

«ضار ونافع» بالنسبة نحو «تامر» و «لابن» فيكون المعنى أنهما يعمان كل ما يصح أن يتعلق به الإصلاح والإفساد. ويكون المقصود الإشارة إلى أن عدم ذكر مفعول الإفساد والإصلاح للتعميم لجميع ما في الأرض مما يصح أن يتعلق به الإفساد والإصلاح. قوله: (وكان من فسادهم) أي من الفساد الناشىء من جهتهم في الأرض لا من فسادهم في أنفسهم. يقال:

هاج الشيء هيجا أي ثار وارتفع، وهاجه غيره ولا يتعدى. والمراد بقوله: «هيج الحروب والفتن» هو ما استعمل لازما لأن المتعدي هو الإفساد لا الفساد. قوله: (وممالأة الكفار عليهم) أي بمعاونة الكفار على المسلمين بإفشاء أسرار المسلمين إلى الكفار. يقال:

مالأه أي عاونه، وهو مهموز اللام. قال الراغب: يقال: مالأته أي عاونته في مهمه وساعدته عليه وصرت من ملئه وجمعه، كما يقال شايعته أي صرت من شيعته. قوله: (فإن ذلك) أي

Page 280