قدس الجبروت ليتفكروا فيها تفكيرا. ومهد لهم قواعد الأحكام وأوضاعها، من نصوص الآيات والماعها، ليذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا. فمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فهو في الدارين حميد وسعيد، ومن لم يرفع إليه رأسه وأطفأ نبراسه الشهادة ويقال له عالم الخلق وبالملكوت عالم الغيب ويقال له عالم الأمر وبالجبروت عالم الكروبيين وهم الملائكة المقربون، والكروب فعول من كرب بمعنى قرب وقوله: «ليتفكروا» متعلق بقوله: «لينجلي». قوله: (فيها) أي في تلك المعلومات المنكشفة المبرزة تفكيرا أي تفكرا والمقصود من التفكر في المصنوعات أن يستدلوا بها على عظم شأن صانعها وباهر سلطانه ليزدادوا خوفا منه وطمعا ويجتهدوا في طلب مرضاته. قوله: (ومهد لهم قواعد الأحكام وأوضاعها) عطف على قوله: «كشف» أو «أبرز» لأن هذا التمهيد من جملة المبنيات للمنزل. والقواعد جمع قاعدة وهي قضية كلية مشتملة على أحكام جزئيات موضوعها إجمالا فيتعرف منها تلك الأحكام بأن تضم تلك القاعدة إلى صغرى سهلة الحصول مثل قول الأصولي: ما أمر به الشارع واجب، فإذا ضم هذا القول إلى قولنا: الصلاة مما أمر به الشارع مثلا يخرج منهما الحكم الشرعي الفقهي من القوة إلى الفعل وهو قولنا: الصلاة واجبة. والمراد بتمهيد القواعد التي يستخرج منها أحكام جزئيات موضوعها أن يوفق المجتهدين لتحصيلها وإقدارهم على استخراجها وإثباتها فإن كل ما يكون من العلماء من وجوه التأويل بل وطرق الاستدلال واستنباط الأحكام الشرعية وغير ذلك راجع إليه تعالى، فإن اهتداء العلماء إلى ذلك إنما هو بتوفيق الله تعالى وإقداره إياهم على ذلك وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله [الأعراف: 43] وقوله: «وأوضاعها» عطف على قواعد الأحكام وما فيه من الضمير المجرور راجع إلى الأحكام والمراد بأوضاع الأحكام العلل والمعاني الموضوعة لإفادة الأحكام كالطواف في حديث سؤر الهرة. قوله: (من نصوص الآيات) حال من الأحكام وأوضاعها أو صفة لهما أي مستنبطين أو المستنبطين منها. والمراد بنصوص الآيات عباراتها المسوقة لإفادة المعاني وبإلماعها إشاراتها ودلالاتها واقتضاءاتها، والإلماع جمع لمع كضوء وأضواء وزنا، ومعنى.
قوله: (ليذهب) علة لمهد أي مهد الله تعالى ذلك ليزيل عنهم القذر جهلا كان أو ذنبا فإن الحكمة الإلهية في شرع الأحكام وبيان الحلال والحرام أن يعرفوها ويعملوا بموجبها فبمعرفتها يزول قدر الجهل وبالعمل بموجبها يزول قذر الذنب فتحصل الطهارة الكاملة، فلهذا قال: ويطهركم تطهيرا [الأحزاب: 33] حتى يستعدوا ويصلحوا للتمكن والاستقرار في حظيرة القدس فيفوزوا بمشاهدة جمال ذي الجلال والإكرام. ثم إن المصنف لما ذكر أنه تعالى كما يستحق الحمد لذاته يستحقه أيضا بسبب تنزيله القرآن المعجز على أشرف أفراد
Page 16