والظاهر عليهم وعليه: إن هذا كتاب صغير حجمه غزير علمه صحيح حكمه احتوى على ما
ــ
يحيط من ذكر بالنعم، واعلم أنه يجب الإيمان بأن الله تعالى يستجيب الدعاء ويعطيه به الرضا ويرد به القضاء وينفع به الأحياء والأموات، دل على ذلك الآيات القاطعة والأحاديث المتواترة. أخرج الطبري والخطيب من حديث ابن مسعود رفعه: "حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة وأعدوا للبلايا الدعاء"، فإن قيل: نرى الداعي يبالغ في الدعاء ويضرع ولا يستجاب له. قلنا: إن للدعاء آدابا وشروطا فمن أتى بها كان من أهل الإجابة ومن أخطأها اعتدى فلا يستحق الإجابة، وأيضا قد تتأخر إلى وقتها فإن لكل شيء وقتا على أن الإجابة ليست منحصرة في الإسعاف بالمطلوب بل هي حصول واحد من الثلاثة المذكورة في قوله ﷺ: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"، رواه الإمام أحمد وصححه الحاكم، وقد يمنع العبد الإجابة لرفعة مقامه، وقد يجاب كراهة سؤاله. ومن شروط الإجابة: إخلاص النية. ومنها: أن لا يستعجل الإجابة لحديث: "يستجاب لأحدكم ما لم يقل دعوت فلم يستجب لي"، وحضور القلب وأن لا يدعو بمحرم، ومنها: طيب المطعم والمشرب والملبس وأن يوقن الإجابة وأن لا يعلق بالمشيئة، وفي شرح الأربعين النووية للشرخيتي أن من التعليق قوله: "اللهم عاملنا بما أنت أهله كأنه -والله تعالى أعلم- يقول: "إن عاملتنا بما أنت أهله، ومنها أن لا يدعو بمستحيل. قوله: " إن هذا كتاب ": مقول القول قوله: " صغير حجمه ": أي جسمه أي بالنسبة للشرح الكبير ونحوه. قوله: " غزير علمه " بالغين والزاي المعجمتين أي كثير، قال في القاموس: الغزير الكثير من كل شيء وغزر ككرم غزارة وغزرا وغزرا بالضم. قوله: " صحيح حكمه ": مفرد مضاف فيعم كل حكم فيه، والإضافة فيه وفيما قبله لأدنى ملابسة لتحقيقهما فيه، واعلم أن الأحكام الصحيحة غالبها من كتب ظاهر الرواية المسماة بالأصول، وهي: "الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" آخر مصنفات محمد بعد انصرافه من العراق، ولذا لم يروهما عنه أبو حفص وكلها لمحمد، ويعبر عن المبسوط بالأصل وبعضهم لم يعد السير بقسميه من الأصول وما عدا ذلك فهو رواية النوادر، كالأمالي لأبي يوسف "والرقيات" مسائل جمعها محمد حين كان قاضيا بالرقة بفتح الراء المهملة وتشديد القاف: مدينة على جانب الفرات، رواها عنه محمد إسماعيل "والكيسانيات" مسائل أملاها محمد على أبي عمر وسليمان بن شعيب الكيساني نسبة إلى كيسان بفتح الكاف فنسبت إليه و"الهارونيات": مسائل جمعها محمد في زمن هارون الرشيد و"الجرجانيات": مسائل جمعها محمد بجرجان، وكل ما كان كبيرا فهو من رواية محمد عن الإمام، والصغير روايته عن الإمام بواسطة أبي يوسف، روي أن الشافعي استحسن مبسوط الإمام محمد فحفظه وأسلم حكيم من كفار أهل الكتاب بسبب مطالعته، وقال: هذا كتاب محمدكم الأصغر فكيف كتاب محمدكم الأكبر؟ وفي النهاية وابن أمير حاج أن محمدا قرأ أكثر الكتب على أبي يوسف إلا ما كان فيه اسم الكبير كالمضاربة الكبير، والمزارعة الكبير
1 / 15