. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية الجمل]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَيَّدَ بِمَنْهَجِ دِينِهِ أَرْكَانَ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ وَسَدَّدَ بِأَحْكَامِهِ فُرُوعَ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا عَلَّمَ وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا هَدَى وَقَوَّمَ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - خُلَفَاءِ الدِّينِ وَحُلَفَاءِ الْيَقِينِ مَصَابِيحِ الْأُمَمِ وَمَفَاتِيحِ الْكَرَمِ وَكُنُوزِ الْعِلْمِ وَرُمُوزِ الْحِكَمِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ بِدَوَامِ النِّعَمِ وَالْكَرَمِ (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنَّ الْعُلُومَ وَإِنْ كَانَتْ تَتَعَاظَمُ شَرَفًا وَتَطْلُعُ فِي سَمَاءِ الْعُلَا كَوَاكِبُهَا شَرَفًا فَلَا مِرْيَةَ فِي أَنَّ الْفِقْهَ وَاسِطَةُ عِقْدِهَا وَرَابِطَةُ حِلِّهَا وَعَقْدِهَا بِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَيَدِينُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ.
وَمِنْ أَحْسَنِ مَا صُنِّفَ فِيهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الَّذِي لَمْ تَسْمَحْ بِمِثْلِهِ الْقَرَائِحُ وَلَمْ تَطْمَحْ لِلنَّسْجِ عَلَى مِنْوَالِهِ الْمَطَامِحُ بَهَرَ بِهِ الْأَلْبَابَ وَأَتَى فِيهِ بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ وَأَوْدَعَهُ الْمَعَانِيَ الْعَزِيزَةَ بِالْأَلْفَاظِ الْوَجِيزَةِ وَقَرَّبَ الْمَقَاصِدَ الْبَعِيدَةَ بِالْأَقْوَالِ السَّدِيدَةِ فَهُوَ يُسَاجِلْ الْمُطَوَّلَاتِ عَلَى صِغَرِ حَجْمِهِ وَيُبَاهِلُ الْمُخْتَصَرَاتِ بِغَزَارَةِ عِلْمِهِ جَزَاهُ اللَّهُ عَلَى صَنِيعِهِ جَزَاءً مَوْفُورًا وَجَعَلَ عَمَلَهُ مُتَقَبَّلًا وَسَعْيَهُ مَشْكُورًا وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِتَلَقِّيهِ عَنْ مَشَايِخَ عِظَامٍ وَمُطَالَعَتِهِ مَعَ إخْوَانٍ كَرَامٍ وَرَأَيْت كُلَّ حَاشِيَةٍ مِنْ حَوَاشِيهِ لَا تَفِي عَلَى حِدَتِهَا بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ وَرَأَيْت الْمُرِيدَ لِفَهْمِهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ مُطَالَعَةِ شَرْحِ الرَّمْلِيِّ وَحَوَاشِيهِ وَفِي اسْتِيفَاءِ هَذِهِ الْمَوَادِّ عِنْدَ مُطَالَعَتِهِ مَشَقَّةٌ كَبِيرَةٌ وَخُصُوصًا مَعَ عَدَمِ مُسَاعِدَةِ الزَّمَانِ فَأَحْبَبْت أَنْ أَجْمَعَ مِنْ تِلْكَ الْمَوَادِّ حَاشِيَةً يُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ مُرَاجَعَتِهَا كُلَّ مَرَّةٍ وَقَدْ الْتَزَمْت فِيهَا نَقْلَ مَا زَادَ بِهِ الشَّمْسُ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَنَقْلَ مَا فِي حَاشِيَةِ الشبراملسي وَالرَّشِيدِيِّ وَالْتَزَمْت فِيهَا أَيْضًا تَلْخِيصَ مَا فِي حَاشِيَةِ الْحَلَبِيِّ وَحَاشِيَةِ الْبِرْمَاوِيِّ وَحَاشِيَةِ ابْنِ قَاسِمٍ وَحَاشِيَةِ الشَّوْبَرِيِّ وَحَاشِيَةِ الشبراملسي عَلَى الشَّارِحِ وَكَثِيرًا مَا أَنْقُلُ فِيهَا مِنْ حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ وَمِنْ شَرْحِ ابْنِ حَجَرٍ وَحَاشِيَتِهِ وَشَرْحِ الرَّوْضِ وَشَرْحِ الْبَهْجَةِ وَشَرْحِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ وَالْقَلْيُوبِيِّ عَلَيْهِ وَمِنْ اللُّغَةِ وَمِنْ التَّفَاسِيرِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ.
وَمِنْ حَوَاشِي التَّحْرِيرِ وَالْخَطِيبِ وَالْتَزَمْت فِيهَا أَيْضًا تَقْرِيرَ شَيْخِنَا الشَّيْخِ عَطِيَّةَ الْأُجْهُورِيِّ وَكَثِيرًا مِنْ تَقْرِيرِ أُسْتَاذِنَا
1 / 2
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية الجمل]
الشَّمْسِ الْحَفْنَاوِيِّ هَذَا وَمَا رَأَيْتُهُ مَعْزُوًّا لِوَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ التَّآلِيفِ الْمَذْكُورَةِ فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ وَمَا قُلْت فِيهِ انْتَهَى شَيْخُنَا فَالْمُرَادُ بِهِ شَيْخُنَا الشَّيْخ عَطِيَّةُ الْأُجْهُورِيُّ وَأَمَّا مَا كَانَ لِأُسْتَاذِنَا الْحِفْنِيِّ فَأُقَيِّدُهُ بِذِكْرِ اسْمِهِ وَمَا رَأَيْتُهُ غَيْرَ مَعْزُوٍّ لِأَحَدٍ فَهُوَ مِنْ فَهْمِي الضَّعِيفِ وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِفَهْمِ الْعِبَارَةِ دُونَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِأَنَّ هَذَا لَا يُؤْخَذُ إلَّا مِنْ النَّقْلِ وَإِذَا نَقَلْت الْعِبَارَةَ بِالْحَرْفِ قُلْت فِي آخِرِهَا اهـ كَذَا وَإِذَا تَصَرَّفْت فِي لَفْظِهَا بَعْضَ تَصَرُّفٍ قُلْت فِي آخِرِهَا اهـ مِنْ كَذَا (وَسَمَّيْتُهَا) فُتُوحَاتِ الْوَهَّابِ بِتَوْضِيحِ شَرْحِ مَنْهَجِ الطُّلَّابِ وَهَذَا أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
(قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ سَيِّدُنَا. . . إلَخْ) أَصْلُ قَالَ قَوَلَ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالْوَاوِ وَتَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا عَلَى الْقَاعِدَةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَصْلُهُ قَوْلٌ بِسُكُونِ الْوَاوِ لِأَنَّ فِعْلًا بِسُكُونِ الْعَيْنِ لَيْسَ مِنْ أَوْزَانِ الْفِعْلِ وَلَا أَنْ يُقَالَ أَصْلُهُ قَوِلَ بِكَسْرِ الْوَاوِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْمُضَارِعُ يُقَالُ كَخَافَ يَخَافُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا أَنْ يُقَالَ أَصْلُهُ قَوُلَ بِضَمِّ الْوَاوِ لِأَنَّ فَعُلَ الْمَضْمُومَ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا لَازِمًا وَهَذَا الْفِعْلُ مُتَعَدٍّ لِأَنَّهُ يَنْصِبُ الْجُمَلَ وَالْمُفْرَدَ الَّذِي يُؤَدِّيهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ الثَّلَاثَةُ تَعَيَّنَ الرَّابِعُ وَهُوَ قَوَلَ الْمَفْتُوحُ الْوَاوُ كَمَا سَبَقَ وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ مِنْ وَضْعِ بَعْضِ التَّلَامِذَةِ قَصَدَ بِهَا مِدْحَةَ الشَّيْخِ وَبَيَانَ نَسَبِهِ وَقِيلَ: إنَّهَا مِنْ وَضْعِ وَلَدٍ لَهُ يُسَمَّى مُحِبَّ الدِّينِ مَاتَ غَرِيقًا وَحَزِنَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ حُزْنًا شَدِيدًا حَتَّى عَمِيَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَهَذَا الْوَلَدُ كَانَ أَكْبَرَ أَوْلَادِهِ وَهُوَ الَّذِي وَضَعَ سَائِرَ تَرَاجِمِ مُؤَلَّفَاتِ الشَّيْخِ وَلَمْ يُعَقِّبْ وَكَانَ لَهُ وَلَدٌ آخَرُ يُسَمَّى جَمَالَ الدِّينِ وَهُوَ أَصْغَرُ أَوْلَادِهِ وَقَدْ أَعْقَبَ ذُرِّيَّةً كَثِيرَةً وَافْتَتَحَهَا بِبَسْمَلَةٍ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ ذَاتِ الْبَالِ لِأَنَّهَا مِنْ أَدَاءِ حَقِّ الشَّيْخِ وَبِرِّهِ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَبْنَاءِ التَّعْلِيمِ بِرُّ آبَائِهِمْ بَلْ بِرُّهُمْ أَوْلَى مِنْ بِرِّ آبَاءِ النَّسَبِ لِأَنَّ آبَاءَ النَّسَبِ بِهِمْ تَنْمِيَةُ الْأَجْسَامِ وَآبَاءُ التَّعْلِيمِ بِهِمْ تَنْمِيَةُ الْأَرْوَاحِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَى تَنْمِيَتِهَا السَّعَادَةُ فِي الدَّارَيْنِ وَلَمْ يَأْتِ فِيهَا بِالْحَمْدَلَةِ لَعَلَّهُ اكْتِفَاءً بِرِوَايَةِ كُلِّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَقَدْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْخُطْبَةُ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ سَجْعَةً ثِنْتَانِ عَلَى الْمِيمِ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى النُّونِ وَخَمْسَةٌ عَلَى الْهَاءِ وَالسَّجْعُ تَوَافُقُ الْفَاصِلَتَيْنِ مِنْ النَّثْرِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَلِلْقَوْمِ أَلْفَاظٌ أَرْبَعَةٌ فِقْرَةٌ قَرِينَةٌ وَسَجْعَةٌ وَفَاصِلَةٌ فَالْفِقْرَةُ وَالْقَرِينَةُ مُتَرَادِفَانِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ طَائِفَةٌ مِنْ الْكَلَامِ مُقَابَلَةٌ بِأُخْرَى وَالسَّجْعَةُ وَالْفَاصِلَةُ مُتَرَادِفَانِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْكَلِمَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الْفِقْرَةِ أَوْ الْقَرِينَةِ ثُمَّ إنَّ السَّجْعَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مُطَرَّقٌ وَمُرَصَّعٌ وَمُتَوَازٍ وَتَعْرِيفُ كُلٍّ يُعْرَفُ مِنْ مَحَلِّهِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: سَيِّدُنَا) أَيْ: مَعَاشِرَ الْعُلَمَاءِ، وَيُطْلَقُ السَّيِّدُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعَانٍ: يُطْلَقُ عَلَى مَنْ سَادَ فِي قَوْمِهِ أَيْ شَرُفَ عَلَيْهِمْ مِنْ السُّؤْدُدِ وَهُوَ الشَّرَفُ وَعَلَى مَنْ تَفْزَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي الشَّدَائِدِ وَعَلَى مَنْ كَثُرَ سَوَادُهُ أَيْ جَيْشُهُ وَعَلَى الْحَلِيمِ الَّذِي لَا يَسْتَفِزُّهُ الْغَضَبُ وَعَلَى الْمَالِكِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَوْصَافُ مُجْتَمَعَةً فِي الشَّيْخِ اهـ شَيْخُنَا حف.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: أَصْلُهُ سُوَيْد وِزَانُ كَرِيمٍ فَاسْتُثْقِلَتْ الْكَسْرَةُ عَلَى الْوَاوِ فَحُذِفَتْ فَاجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَهِيَ سَاكِنَةٌ وَالْيَاءُ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ وَقِيلَ: أَصْلُهُ سَيْوِدٌ بِسُكُونِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ وَقِيلَ: أَصْلُهُ سَيْوِدٌ بِسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فَيْعِلٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الصَّحِيحِ إلَّا صَيْقَلُ اسْمُ امْرَأَةٍ فَتَعَيَّنَ الْفَتْحُ قِيَاسًا عَلَى عَيْطَلٍ وَنَحْوِهِ اهـ وَعَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ يُقَالُ: اجْتَمَعَتْ الْيَاءُ وَالْوَاوُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِيهَا الْيَاءُ اهـ ثُمَّ قَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَالْجَمْعُ سَادَةٌ وِسَادَاتٌ اهـ وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحُكِيَ الْجَوَازُ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ.
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ النَّحَّاسِ أَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يُعَرَّفَ بِأَلْ ثُمَّ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ جَوَازُهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ غُنَيْمِيٌّ وَقَوْلُهُ وَمَوْلَانَا أَيْ نَاصِرُنَا فَفِي الْمُخْتَارِ الْمَوْلَى الْمُعْتِقُ وَالْعَتِيقُ وَابْنُ الْعَمِّ وَالنَّاصِرُ وَالْجَارُ وَالْحَلِيفُ وَالْوَلَاءُ وَلَاءُ الْعِتْقِ وَالْوَلَاءُ ضِدُّ الْمُعَادَاةِ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْوِلَايَةُ بِالْكَسْرِ السُّلْطَانُ وَالْوَلَايَةُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ النُّصْرَةُ اهـ.
وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ وَالْمَوْلَى يُطْلَقُ عَلَى الْمُعْتِقِ مِنْ أَعْلَى وَالْعَتِيقُ أَيْضًا لَكِنْ مِنْ أَسْفَلَ وَهَلْ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا أَوْ فِي الْأَعْلَى أَوْ فِي الْأَسْفَلِ أَقْوَالٌ مَشْهُورَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى يَقَعُ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ وَذَكَرَ مِنْهَا سِتَّةَ عَشَرَ مَعْنًى
1 / 3
[المقدمة]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاةِ شَيْخُ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ مَلِكُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ سِيبَوَيْهِ زَمَانِهِ فَرِيدُ عَصْرِهِ وَوَحِيدُ دَهْرِهِ حُجَّةُ النَّاظِرِينَ لِسَانُ الْمُتَكَلِّمِينَ
ــ
[حاشية الجمل]
وَهِيَ الرَّبُّ وَالْمَالِكُ وَالسَّيِّدُ وَالْمُنْعِمُ وَالْمُعْتِقُ وَالنَّاصِرُ وَالْمُحِبُّ وَالتَّابِعُ وَالْجَارُ وَابْنُ الْعَمِّ وَالْحَلِيفُ وَالْعَقِيدُ وَالصِّهْرُ وَالْعَبْدُ وَالْمُنْعَمُ عَلَيْهِ وَالْمُعْتَقُ قَالَ: وَأَكْثَرُهَا قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَيُضَافُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِيهِ وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرًا وَقَامَ بِهِ فَهُوَ مَوْلَاهُ وَوَلِيُّهُ وَتَخْتَلِفُ مَصَادِرُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَالْوَلَايَةُ بِالْفَتْحِ فِي النَّسَبِ وَالنُّصْرَةِ وَالْعِتْقِ وَالْوِلَايَةُ بِالْكَسْرِ فِي الْإِمَارَةِ وَالْعِتْقِ وَالْمُوَالَاةِ مِنْ وَالَى الْقَوْمَ اهـ (قَوْلُهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ) قِيلَ: لَقَّبَهُ بِهِ الْقُطْبُ وَقِيلَ: الْخَضِرُ ﵇ وَالشَّيْخُ فِي اللُّغَةِ مَنْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَنْ بَلَغَ رُتْبَةَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَلَوْ صَبِيًّا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْمَعَانِي الْمَرْضِيَّةِ فِيهِ وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ فِي جَمْعِهِ إحْدَى عَشْرَةَ لُغَةً خَمْسَةٌ مَبْدُوءَةٌ بِالشِّينِ شُيُوخُ بِضَمِّ الشِّينِ وَكَسْرِهَا وَشِيَخَةٌ بِكَسْرِ الشِّينِ مَعَ فَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِهَا وَشِيخَانُ كَغِلْمَانٍ وَخَمْسَةٌ مَبْدُوءَةٌ بِالْمِيمِ مَشَايِخُ وَمَشْيَخَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَمَشْيُوخَاءُ مَعَ وَاوٍ بَعْدَ الْيَاءِ وَحَذْفِهَا وَوَاحِدَةٌ مَبْدُوءَةٌ بِالْهَمْزَةِ وَهِيَ أَشْيَاخٌ وَأَمَّا تَصْغِيرُهُ فَشُيَيْخٌ بِضَمِّ الشِّينِ وَكَسْرِهَا وَقِيلَ: شُوَيْخٌ بِقِلَّةٍ وَالْجَمْعُ الْمَذْكُورُ الَّذِي هُوَ مَشَايِخُ بِالْيَاءِ وَلَا يَجُوزُ هَمْزُهُ لِأَنَّ الْيَاءَ أَصْلِيَّةٌ فِي الْمُفْرَدِ وَهِيَ إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ لَا تُقْلَبُ فِي الْجَمْعِ هَمْزَةً كَمَعَايِشَ فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ
وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثًا فِي الْوَاحِدِ ... هَمْزًا يُرَى فِي مِثْلِ كَالْقَلَائِدِ
اهـ شَيْخُنَا.
(فَائِدَةٌ) النَّاسُ قَبْلَ الْوَضْعِ أَجِنَّةٌ جَمْعُ جَنِينٍ وَبَعْدَهُ صِغَارٌ وَأَطْفَالٌ وَصِبْيَانٌ وَذَرَارِيُّ إلَى الْبُلُوغِ وَشُبَّانٌ وَفِتْيَانٌ إلَى الثَّلَاثِينَ وَكُهُولٌ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَبَعْدَ الْأَرْبَعِينَ الرَّجُلُ شَيْخٌ وَالْمَرْأَةُ شَيْخَةٌ وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ قَالَ تَعَالَى ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢] ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ [الأنبياء: ٦٠] ﴿إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا﴾ [يوسف: ٧٨] اهـ غُنَيْمِيٌّ.
(فَائِدَةٌ) كُلُّ مَوْلُودٍ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى يَزِيدُ كُلَّ عَامٍّ أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ بِأَصَابِعِ نَفْسِهِ وَهِيَ مَضْمُومَةٌ وَالْعِيَانُ يَشْهَدُ لِذَلِكَ فَكُلُّ إنْسَانٍ طُولُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ نَفْسِهِ وَقِيلَ: الْقُوَّةُ تَزِيدُ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَتَقِفُ إلَى السِّتِّينَ وَتَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ الْأُجْهُورِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ مَلِكُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ) كَتَبَ ع ش عَلَى م ر الْمَلِكُ مِنْ الْمُلْكِ بِالضَّمِّ وَهُوَ التَّصَرُّفُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْمَالِكُ مِنْ الْمِلْكِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ التَّعَلُّقُ بِالْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ اهـ قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَالْمَلِكِ وَالسُّلْطَانِ أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَا يَأْخُذُ إلَّا حَقًّا وَلَا يَصْرِفُهُ إلَّا فِي حَقٍّ وَالْمَلِكُ مَنْ يُحْيِي مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ مَالًا وَيَضَعُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَالسُّلْطَانُ مَنْ كَانَ عَسْكَرُهُ عَشَرَةَ آلَافِ فَارِسٍ فَأَكْثَرَ وَيَكُونُ فِي وِلَايَتِهِ مُلُوكٌ اهـ (قَوْلُهُ فَرِيدُ عَصْرِهِ وَوَحِيدُ دَهْرِهِ) الْفَرِيدُ وَالْوَحِيدُ بِمَعْنًى فَفِي الْمُخْتَارِ الْوَحْدَةُ الِانْفِرَادُ وَرَجُلٌ وَحَدٌ وَوَحِدٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَوَحِيدٌ أَيْ مُنْفَرِدٌ وَتَوَحَّدَ بِرَأْيِهِ تَفَرَّدَ بِهِ وَفُلَانٌ وَاحِدُ دَهْرِهِ أَيْ لَا نَظِيرَ لَهُ وَفُلَانٌ لَا وَاحِدَ لَهُ وَأَوْحَدَهُ اللَّهُ جَعَلَهُ وَاحِدَ زَمَانِهِ وَفُلَانٌ وَاحِدُ أَهْلِ زَمَانِهِ اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا الْعَصْرُ الدَّهْرُ وَالدَّهْرُ الزَّمَانُ وَجَمْعُهُ دُهُورٌ وَقِيلَ: الدَّهْرُ الْأَبَدُ وَالدُّهْرِيُّ بِالضَّمِّ الْمُسِنُّ وَبِالْفَتْحِ الْمُلْحِدُ قَالَ ثَعْلَبُ: كِلَاهُمَا مَنْسُوبٌ إلَى الدَّهْرِ وَهُمْ رُبَّمَا غَيَّرُوا فِي النَّسَبِ كَمَا قَالُوا سُهْلِيٌّ لِلْمَنْسُوبِ لِلْأَرْضِ السَّهْلَةِ اهـ وَقَالَ بَعْضُهُمْ دَهْرُ الْإِنْسَانِ مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ إلَى انْقِضَاءِ أَجَلِهِ وَعَصْرُهُ مِنْ حِينِ اشْتِهَارِهِ وَتَأَهُّلِهِ لَأَنْ يُشَارَ إلَيْهِ إلَى مَوْتِهِ وَالْعَصْرُ بِتَثْلِيثِ الْعَيْنِ مَعَ سُكُونِ الصَّادِ وَبِضَمِّ الْعَيْنِ وَالصَّادِ فَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ اهـ شَيْخُنَا وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْجَمْعُ أَعْصُرٌ وَعُصُورٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَأَفْلُسٍ وَفُلُوسٍ اهـ.
(قَوْلُهُ حُجَّةُ الْمُنَاظِرِينَ) أَيْ بُرْهَانُهُمْ وَالْمُنَاظِرِينَ جَمْعُ مُنَاظِرٍ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ وَهِيَ لُغَةً مُقَابَلَةُ الْحُجَّةِ بِالْحُجَّةِ فَإِنْ كَانَتْ لِإِحْقَاقِ الْحَقِّ أَوْ إبْطَالِ الْبَاطِلِ فَمَحْمُودَةٌ وَإِلَّا فَمَذْمُومَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَاصْطِلَاحًا النَّظَرُ بِالْبَصِيرَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي النِّسْبَةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إظْهَارًا لِلصَّوَابِ اهـ ح ف يَعْنِي أَنَّ كَلَامَهُ حُجَّةٌ لِلْمُنَاظِرِينَ كَالْأَدِلَّةِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْأَحْكَامُ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ مَا يَقُولُهُ هُوَ الْمَنْقُولُ اهـ ع ش.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَنَاظَرَهُ مُنَاظَرَةً بِمَعْنَى جَادَلَهُ وَنَظَرْت فِي الْكِتَابِ وَفِي الْأَمْرِ أَيْ تَفَكَّرْت فِيهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْ تَدَبُّرٌ وَتَفَكُّرٌ فِي طَرِيقِهِ لِعَدَمِ وُضُوحِهِ اهـ (قَوْلُهُ لِسَانُ الْمُتَكَلِّمِينَ) أَيْ الَّذِي هُوَ لَهُمْ كَاللِّسَانِ الَّذِي يَنْطِقُونَ بِهِ مُبَالَغَةٌ فِي أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ التَّكَلُّمَ بِدُونِ النَّظَرِ فِي كَلَامِهِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ اهـ ع ش وَالْمُرَادُ كُلُّ مُتَكَلِّمٍ فَيَشْمَلُ عُلَمَاءَ التَّوْحِيدِ وَغَيْرَهُمْ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُنَاظِرِينَ اهـ.
1 / 4
مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الْعَالَمِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَتِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ
ــ
[حاشية الجمل]
ح ف (قَوْلُهُ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الْعَالَمِينَ) الْإِحْيَاءُ إعْطَاءُ الْحَيَاةِ وَهُوَ إدْخَالُ الرُّوحِ فِي الْبَدَنِ وَالْمُرَادُ هُنَا لَازِمُهُ وَهُوَ الْإِظْهَارُ وَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ زَيْنُ الْمِلَّةِ) أَيْ مُزَيِّنُهَا.
وَفِي الْمُخْتَارِ الزِّينَةُ مَا يَتَزَيَّنُ بِهِ وَالزَّيْنُ ضِدُّ الشَّيْنِ اهـ ع ش.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمِلَّةُ بِالْكَسْرِ الدِّينُ وَالْجَمْعُ مِلَلٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدْرٍ وَأَمْلَلْت الْكِتَابَ عَلَى الْكَاتِبِ إمْلَالًا أَلْقَيْتُهُ عَلَيْهِ وَأَمْلَيْت عَلَيْهِ إمْلَاءً وَالْأُولَى لُغَةُ الْحِجَازِ وَبَنِي أَسَدٍ وَالثَّانِيَةُ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَقَيْسٍ وَجَاءَ بِهِمَا الْقُرْآنُ ﴿وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ﴾ [البقرة: ٢٨٢] ﴿فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾ [الفرقان: ٥] (قَوْلُهُ زَكَرِيَّا) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَبِهِمَا قُرِئَ فِي السَّبْعِ اهـ مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ الْأَنْصَارِيُّ) نِسْبَةٌ لِلْأَنْصَارِ وَهُمْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَيُنْسَبُ الشَّيْخُ إلَى الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ وَهُوَ جَمْعُ نَاصِرٍ كَأَصْحَابٍ جَمْعُ صَاحِبٍ أَوْ جَمْعُ نَصِيرٍ كَأَشْرَافٍ وَشَرِيفٍ وَهُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ عَلَى وَزْنِ أَفْعَالٍ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ لَا يَكُونُ لِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ وَالْأَنْصَارُ أُلُوفٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي نَكِرَاتِ الْجُمُوعِ أَمَّا فِي الْمَعَارِفِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قُلْت النِّسْبَةُ لِلْجَمْعِ إنَّمَا تَكُونُ لِمُفْرَدِهِ وَقَدْ نُسِبَ هُنَا لِنَفْسِ الْجَمْعِ قُلْت مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَجْرِ الْجَمْعُ مَجْرَى الْمُفْرَدِ كَالْأَنْصَارِ فَإِنَّهُ صَارَ عَلَمًا عَلَيْهِمْ بِتَسْمِيَةِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُمْ بِذَلِكَ انْتَهَى وَبَلَدُ الشَّيْخِ سُكَيْنَةُ كَجُهَيْنَةَ قَرْيَةٌ بِالشَّرْقِيَّةِ قُرْبَ بُلْبَيْسَ وَكَانَ الشَّيْخُ يَكْرَهُ النِّسْبَةَ إلَيْهَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ) أَيْ جَعَلَ الرَّحْمَةَ لَهُ كَالْغِمْدِ لِلسَّيْفِ وَالْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةُ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْغِمْدَ أَيْ الْقِرَابَ لَا يَعُمُّ السَّيْفَ كُلَّهُ انْتَهَى شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ) أَيْ وَاسِعَ جَنَّتِهِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةُ كَاشِفَةٌ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا وَاسِعَةً انْتَهَى شَيْخُنَا (قَوْلُهُ بِبَرَكَتِهِ) أَيْ بِعُلُومِهِ وَمَعَارِفِهِ انْتَهَى شَيْخُنَا.
وَفِي الْمُخْتَارِ الْبَرَكَةُ وَالنَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ وَالتَّبْرِيكُ الدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ وَيُقَالُ بَارَكَ اللَّهُ لَك وَفِيك وَعَلَيْك وَبَارَكَك وَمِنْهُ ﴿أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] وَتَبَارَكَ اللَّهُ أَيْ بَارَكَ مِثْلُ قَاتَلَ وَتَقَاتَلَ إلَّا أَنَّ فَاعَلَ يَتَعَدَّى وَتَفَاعَلَ لَا يَتَعَدَّى وَتَبَرَّكَ بِهِ تَيَمَّنَ انْتَهَى (قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَفْضَالِهِ) إلَى آخِرِ الشَّرْحِ هَذَا مَقُولُ الْقَوْلِ فَجُمْلَةُ الشَّرْحِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِقَالَ انْتَهَى شَيْخُنَا.
(فَائِدَةٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ أَيْ مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ عَلَى كُلِّ شَارِعٍ فِي تَصْنِيفِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَالتَّشَهُّدُ وَيُسَنُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ تَسْمِيَةُ نَفْسِهِ وَتَسْمِيَةُ كِتَابِهِ وَالْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِبَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ عَلَى التَّحْرِيرِ.
وَفِي مُنْلَا قَارِي عَلَى الشَّمَائِلِ مَا نَصُّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْمُؤَلِّفُ فِي جَامِعِهِ فَقِيلَ: لَعَلَّهُ تَشَهَّدَ نُطْقًا وَلَمْ يَكْتُبْهُ اخْتِصَارًا وَقِيلَ: لَعَلَّهُ تَرَكَهُ إيمَاءً إلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ أَوْ مَحْمُولٌ عِنْدَهُ عَلَى خُطْبَةِ النِّكَاحِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ التُّورْبَشْتِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشَهُّدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَمْدُ وَالثَّنَاءُ وَأَمَّا قَوْلُ الْجَزَرِيِّ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ لِمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» وَكَذَا تَصْرِيحُ الْعَسْقَلَانِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّهَادَتَانِ فَلَا يُنَافِي التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ إذْ مُرَادُهُ أَنَّ التَّشَهُّدَ هُوَ الْإِتْيَانُ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ وَسُمِّيَ تَشَهُّدُ الصَّلَاةِ تَشَهُّدًا لِتَضَمُّنِهِ إيَّاهُمَا لَكِنْ تُوُسِّعَ فِيهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَمْدَلَةِ.
أَمَّا اعْتِرَاضُ شَارِحِهِ بِأَنَّ ارْتِكَابَ الْمَجَازِ بِلَا قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَهُوَ صَحِيحٌ مَنْقُولٌ لَكِنَّهُ لَمَّا تَرَكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْمُصَنِّفِينَ الْعَمَلَ فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَيُؤَوَّلُ بِأَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ تُحْمَلَ الْخُطْبَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْخُطَبِ الْمُتَعَارَفَةِ فِي زَمَنِهِ ﷺ مِنْ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ وَالْأَعْيَادِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ التَّصْنِيفَ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.
١ -
(قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَفْضَالِهِ) تَبِعَ فِيهِ الْجَلَالَ الْمَحَلِّيَّ فِي شَرْحِهِ الْأَصْلِيِّ وَإِنْ كَانَ عَبَّرَ بَدَلَهُ فِي شَرْحِهِ الْفَرْعِيِّ بِقَوْلِهِ عَلَى إنْعَامِهِ وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ مَادَّةَ الْإِفْضَالِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الشَّيْءِ النَّفِيسِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْفَاعِلِ وَمِنْهُ قَوْلُ سُلَيْمَانَ ﵊ فِي قِصَّةِ عَرْشِ بِلْقِيسَ ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ [النمل: ٤٠] بِخِلَافِ مَادَّةِ الْإِنْعَامِ وَجُمْلَةُ الْحَمْدِ إنْ كَانَتْ خَبَرِيَّةً فَالظَّرْفُ أَعْنِي عَلَى أَفْضَالِهِ مُتَعَلِّقٌ؛ إمَّا بِالْمُبْتَدَأِ وَهُوَ الْحَمْدُ وَالْمَعْنَى كُلُّ حَمْدٍ، أَوْ جِنْسِهِ عَلَى أَفْضَالِ اللَّهِ لِلَّهِ وَهُوَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ الْمُضَافُ فَقَطْ وَإِمَّا بِالْحَمْدِ اللَّازِمِ لِهَذَا الْخَبَرِ وَكَأَنَّهُ قِيلَ:
1 / 5
عَلَى أَفْضَالِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَآلِهِ (وَبَعْدُ) فَقَدْ كُنْت اخْتَصَرْت مِنْهَاجَ الطَّالِبِينَ فِي الْفِقْهِ تَأْلِيفَ الْإِمَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيِّ ﵀ فِي كِتَابٍ سَمَّيْتُهُ بِمَنْهَجِ الطُّلَّابِ وَقَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الْأَعِزَّةِ عَلَيَّ مِنْ الْفُضَلَاءِ الْمُتَرَدِّدِينَ إلَى أَنْ أَشْرَحَهُ شَرْحًا
ــ
[حاشية الجمل]
حَمْدِي اللَّازِمُ مِمَّا ذُكِرَ لِأَجْلِ أَفْضَالِهِ وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ مَعَ حَمْلِ الـ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ إذْ لَا تَنْحَصِرُ عِلَّةُ مَمْلُوكِيَّةِ الْحَمْدِ مَثَلًا فِي الْأَفْضَالِ بَلْ تَكُونُ فِي نَحْوِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَإِنْ جُعِلَتْ إنْشَائِيَّةً فَيَتَعَلَّقُ بِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ أَيْ أَصِفُهُ بِمَالِكِيَّةِ كُلِّ وَصْفٍ جَمِيلٍ لِأَفْضَالِهِ أَوْ بِالْمُبْتَدَأِ أَيْ أَصِفُهُ بِمَالِكِيَّةِ كُلِّ وَصْفٍ لِأَجْلِ أَفْضَالِهِ اهـ شَيْخُنَا مُفْتِي الْأَنَامِ انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ.
(فَائِدَةٌ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ خَصَائِصِ الْمُصْطَفَى وَأُمَّتِهِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَمَا فِي سُورَةِ النَّمْلِ جَاءَ عَلَى جِهَةِ التَّرْجَمَةِ عَمَّا فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا كَمَا أَتْقَنَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْمَوَاهِبِ لِلزَّرْقَانِيِّ اهـ مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ عَلَى أَفْضَالِهِ) خَبَرٌ ثَانٍ فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ جُمْلَتَانِ فَيَكُونُ قَدْ حَمِدَ عَلَى الذَّاتِ أَوَّلًا وَعَلَى الْفِعْلِ ثَانِيًا وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ إعْرَابِهِ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِالْحَمْدِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى هَذَا فِي الْكَلَامِ إلَّا حَمْدٌ وَاحِدٌ انْتَهَى شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ بِهِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَلَوْ خَطًّا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَذَكَرَهُمَا بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ وَلَوْ بِمَعُونَةٍ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ كَمَا فِي جُمْلَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَتَنَاسُبُ الْجُمْلَتَيْنِ فِي كَوْنِهِمَا اسْمِيَّتَيْنِ مَثَلًا مِنْ مُحَسِّنَاتِ الْوَصْلِ كَمَا بُيِّنَ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ وَالصَّلَاةُ اسْمُ مَصْدَرٍ إذْ مَصْدَرُ صَلَّى التَّصْلِيَةُ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ وَأَمَّا مَصْدَرُ سَلَّمَ فَالتَّسْلِيمُ كَمَا فِي الْآيَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ بَدَلَ السَّلَامِ نَظَرًا لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ لَفْظَيْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي كَوْنِهِمَا مِنْ أَسْمَاءِ الْمَصَادِرِ انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ.
وَقَوْلُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ لَعَلَّ الْمُرَادَ لَمْ يُسْمَعْ بِمَعْنَى الصَّلَاةِ أَيْ الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ سُمِعَ فِي الْعَذَابِ قَالَ تَعَالَى ﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ [الواقعة: ٩٤] اهـ مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ عَلَى سَيِّدِنَا) مُتَعَلِّقٌ بِالسَّلَامِ عَلَى اخْتِيَارِ الْبَصْرِيِّينَ وَمُتَعَلِّقُ الصَّلَاةِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْمَذْكُورُ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ ذِكْرُ الْمُتَعَلِّقِ بِالسَّلَامِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِفَقْدِ الِاشْتِقَاقِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْعَامِلَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ.
وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ عَلَى سَيِّدِنَا جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ كَائِنَانِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَصَحْبِهِ وَآلِهِ) قَدَّمَ الصَّحْبَ عَلَى الْآلِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ ثَبَتَتْ بِخَبَرِ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إلَخْ وَالصَّلَاةُ عَلَى الصَّحْبِ إنَّمَا هِيَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ جُمْلَةَ الصَّحْبِ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةِ الْآلِ إذْ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَيُقَالُ قَدَّمَهُ رِعَايَةً لِلسَّجْعِ انْتَهَى ع ش.
(قَوْلُهُ فِي الْفِقْهِ) فِي هَذِهِ الظَّرْفِيَّةِ أَشْكَالٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمِنْهَاجَ كَغَيْرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْكُتُبِ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي وَالْفِقْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْعُلُومِ اسْمٌ لِلْمَلَكَةِ أَوْ الْإِدْرَاكِ أَوْ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ وَلَا مَعْنَى لِظَرْفِيَّةِ نَحْوِ الْمَسَائِلِ لِلْأَلْفَاظِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ فِي بِمَعْنَى عَلَى فَهُوَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمَدْلُولِ فِي الدَّالِّ أَوْ الْمَعْنَى اخْتَصَرْت مِنْهَاجَ الطَّالِبِينَ الدَّالَّ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمَخْصُوصَةِ أَوْ الْمُحَصِّلَ لِلْإِدْرَاكَاتِ الْمَخْصُوصَةِ أَوْ الْمَلَكَةِ.
وَهَذَا الْقَيْدُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلِاحْتِرَازِ إذْ لَمْ يُسَمَّ بِهَذَا الِاسْمِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْمِنْهَاجِ مُتَعَدِّدًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُضَافًا لِلطَّالِبِينَ اهـ ع ش (قَوْلُهُ مُحْيِي الدِّينِ) نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي حِلٍّ مَنْ قَالَ عَنِّي مُحْيِي الدِّينِ وَهَذَا مِنْ وَرَعِهِ وَتَوَاضُعِهِ فَلَا يُقَالُ يَقْتَضِي ذَلِكَ حُرْمَةَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ اهـ حِلِّيٌّ (قَوْلُهُ النَّوَوِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى نَوًى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ فِي كِتَابِ) مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْأَجْزَاءِ فِي الْكُلِّ أَوْ مِنْ بَابِ التَّجْرِيدِ أَوْ أَرَادَ بِالْمُخْتَصَرِ الْمَعْنَى وَبِالْكِتَابِ اللَّفْظَ انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ بِمَنْهَجِ الطُّلَّابِ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ جَمْعُ طَالِبٍ كَكُتَّابٍ جَمْعِ كَاتِبٍ انْتَهَى تَقْرِيرٌ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْحَفْنِي مَا نَصُّهُ الطُّلَّابُ جَمْعُ طَلَّابٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ مُبَالَغَةٌ فِي طَالِبٍ فَيُفِيدُ أَنَّ طَلَبَ النَّاسِ لِلْمَنْهَجِ أَكْثَرُ مِنْ طَلَبِهِمْ لِلْمِنْهَاجِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ سَأَلَنِي) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ انْتَهَى شَيْخُنَا (قَوْلُهُ بَعْضُ الْأَعِزَّةِ عَلَيَّ) فِي الْمُخْتَارِ عَزَزْت عَلَيْهِ بِالْفَتْحِ كَرُمْت عَلَيْهِ وَجَمْعُ الْعَزِيزِ عِزَازٌ مِثْلُ كَرِيمٍ وَكِرَامٍ وَقَوْمٌ أَعِزَّةٌ وَأَعِزَّاءُ اهـ وَبَيْنَ عَلَى وَإِلَى الْجِنَاسُ الْمُضَارِعُ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْكَلِمَتَيْنِ بِحَرْفَيْنِ مُتَقَارِبَيْ الْمَخْرَجِ وَبَيْنَ مُرَادٍ وَمُفَادٍ الْجِنَاسُ اللَّاحِقُ وَهُوَ اخْتِلَافُهُمَا بِحَرْفَيْنِ مُتَبَاعِدَيْ الْمَخْرَجِ وَبَيْنَ يَحِلُّ وَيُجِلُّ الْجِنَاسُ الْمُصَحَّفُ انْتَهَى شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَنْ أَشْرَحَهُ) أَيْ أَضَعَ عَلَيْهِ شَرْحًا اصْطِلَاحِيًّا وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَجْلِ الصِّفَاتِ
1 / 6
يَحُلُّ أَلْفَاظَهُ وَيُجِلُّ حُفَّاظَهُ وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ وَيُتَمِّمُ مُفَادَهُ فَأَجَبْتُهُ إلَى ذَلِكَ بِعَوْنِ الْقَادِرِ الْمَالِكِ (وَسَمَّيْتُهُ) بِفَتْحِ الْوَهَّابِ بِشَرْحِ مَنْهَجِ الطُّلَّابِ وَاَللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
ــ
[حاشية الجمل]
الْمَذْكُورَةِ إذْ لَوْ حَمَلَ الشَّرْحَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَبَعُدَ وَصْفُهُ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ انْتَهَى.
شَيْخُنَا (قَوْلُهُ يَحِلُّ أَلْفَاظَهُ) أَيْ تَرَاكِيبَهُ بِبَيَانِ فَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالضَّمَائِرِ وَشَبَّهَ فَكَّ التَّرَاكِيبِ بِحَلِّ الشَّيْءِ الْمَعْقُودِ ثُمَّ أُطْلِقَ الْحَلُّ عَلَى الْفَكِّ ثُمَّ اُشْتُقَّ مِنْهُ الْفِعْلُ فَصَارَتْ الِاسْتِعَارَةُ فِي الْمَصْدَرِ أَصْلِيَّةً وَفِي الْفِعْلِ تَبَعِيَّةً انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ قَوْلُهُ يَحِلُّ أَلْفَاظَهُ أَيْ يُبَيِّنُ مَعَانِيَهَا وَمِنْهُ بَيَانُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَفِيهِ أَنَّ فِي هَذَا إضَافَةَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ الْمَنْهَجَ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَا يُقَالُ: الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ أَلْفَاظٌ هِيَ هُوَ لِأَنَّا نَقُولُ: نَقَلَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ أَنَّ الْإِضَافَةَ الْبَيَانِيَّةَ لَا تَأْتِي فِي الْإِضَافَةِ إلَى الضَّمِيرِ وَقَدْ يُقَالُ هُوَ مِنْ إضَافَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَجْزَاءِ إلَى كُلِّهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَحِلُّ كُلَّ تَرْكِيبٍ مِنْ تَرَاكِيبِ جُمْلَةِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ أَرْكَانُ الْبَيْعِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَيُجِلُّ حُفَّاظَهُ) أَيْ يُصَيِّرُهُمْ أَجِلَّاءَ لِفَهْمِ مَعَانِيهِ وَزَادَ هَذَا عَلَى الْمُحَلَّى لِيُطَابِقَ السَّجْعَةَ قَبْلَهُ مَعَ التَّجْنِيسِ التَّامِّ انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ) أَيْ الْمُسْتَفَادَ مِنْ تَرَاكِيبِهِ وَلَمَّا كَانَ النَّظَرُ إلَى الْمُفْرَدَاتِ سَابِقًا عَلَى النَّظَرِ إلَى الْمُرَكَّبَاتِ أَشَارَ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ يَحِلُّ أَلْفَاظَهُ ثُمَّ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي بِقَوْلِهِ وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ ع طْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ حَلَّ الْأَلْفَاظِ قَدْ لَا يُبَيِّنُ بِمُجَرَّدِهِ الْمُرَادَ وَبَيَانُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ حَلِّ التَّرْكِيبِ كَأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى نَحْوِ وَالْمُرَادُ كَذَا انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُتَمِّمُ مُفَادَهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ مُفَادَهُ بِضَمِّ الْمِيمِ مِنْ أَفَادَ مَزِيدُ الثَّلَاثِي وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ عَلَى الْمُتَبَادِرِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مِيمِيًّا وَهُوَ الْمَبْدُوءُ بِمِيمٍ زَائِدَةٍ لِغَيْرِ الْمُفَاعَلَةِ فَيَخْرُجُ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ نَحْوُ الْمَيْنُ الْكَذِبُ فَإِنَّ مِيمَه أَصْلِيَّةٌ وَبِالثَّانِي نَحْوُ الْمُقَاتَلَةِ فَإِنَّ مِيمَه زَائِدَةٌ لَكِنْ لِلْمُفَاعَلَةِ وَالْمَعْنَى يُكَمِّلُ هَذَا الشَّرْحُ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمَنْهَجِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ يُكَمِّلُ فَائِدَتَهُ عَلَى الثَّانِي كَمَا قَالُوا فِي مُقَامِ بِضَمِّ الْمِيمِ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَيْك حُسْنُ ذِكْرِ التَّبْيِينِ فِي جَانِبِ الْمُرَادِ وَالتَّتْمِيمِ فِي جَانِبِ الْمُفَادِ لِاحْتِيَاجِ الْمُرَادِ إلَى كَشْفٍ وَإِيضَاحٍ لِخَفَائِهِ وَالْمُفَادِ إلَى تَكْمِيلٍ وَتَتْمِيمٍ لِنَقْصِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ مِنْ كَلَامِ السَّائِلِ انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَجَبْتُهُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ بَادَرْت إلَى إجَابَتِهِ إلَى ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْإِيفَاءِ أَيْ بِالْوَعْدِ بِهِ وَالْعَزْمِ عَلَيْهِ أَوْ بِالشُّرُوعِ فِيهِ أَوْ بِهِ نَفْسِهِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ بِعَوْنِ الْقَادِرِ) أَيْ مُسْتَعِينًا بِعَوْنِ الْقَادِرِ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْوَهَّابِ) مُتَعَلِّقًا بِسَمَّيْتُهُ وَهَذِهِ الْبَاءُ لَيْسَتْ مِنْ الْعَلَمِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا مِنْهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَهَّابِ بِالنَّظَرِ لِحَالِهِ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِحَالِهِ بَعْدَهَا فَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِشَيْءٍ وَهَذَا الْعَلَمُ مُرَكَّبٌ مِنْ سِتِّ كَلِمَاتٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إسْنَادِيٌّ بِأَنْ يُجْعَلَ فَتْحَ الْوَهَّابِ مُبْتَدَأً وَقَوْلَهُ بِشَرْحِ مَنْهَجِ الطُّلَّابِ خَبَرًا وَيَبْعُدُ كَوْنُهُ إضَافِيًّا أَوْ مَزْجِيًّا انْتَهَى
شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْفَعَ بِهِ) فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي أَيْ فِي أَنْ يَنْفَعَ بِهِ أَيْ فِي النَّفْعِ فَحَذَفَ الْجَارَّ لَا مِنْ اللَّبْسِ وَهُوَ مَقِيسٌ فِي مِثْلِهِ وَمَفْعُولُ يَنْفَعَ مَحْذُوفٌ لِلْعُمُومِ وَلِلْعِلْمِ بِهِ وَلِلِاخْتِصَارِ أَيْ أَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ وَحْدَهُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ مُؤَلِّفَهُ وَغَيْرَهُ فِي الدُّنْيَا بِنَحْوِ قِرَاءَتِهِ وَفِي الْآخِرَةِ بِإِثْبَاتِهِ انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ حَسْبِي) أَيْ بِحَسْبِي وَكَافِيِّ (وَقَوْلُهُ: وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) أَيْ هُوَ أَيْ الْمَوْكُولُ وَالْمُفَوَّضُ إلَيْهِ الْأَمْرُ وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا مِنْ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْإِخْبَارِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَوْ عَلَى الْإِنْشَاءِ لِإِرَادَتِهِ هُنَا بِأَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ حَسْبِي طَلَبُ الْكِفَايَةِ مِنْهُ تَعَالَى أَوْ مِنْ عَطْفِ الْإِخْبَارِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ أَيْ وَهُوَ نِعْمَ الْوَكِيلُ أَوْ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ حَسْبِي وَيَكُونُ هَذَا مِنْ عَطْفِ الْجُمْلَةِ الْإِنْشَائِيَّةِ عَلَى الْمُفْرَدِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ مُفْرَدًا وَالثَّانِي جُمْلَةً فَتَأَمَّلْهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ مَعْطُوفٌ عَلَى هُوَ حَسْبِي بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ جَوَازِ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ.
لَكِنْ الْمَشْهُورُ امْتِنَاعُهُ فَعَلَيْهِ يُقَدَّرُ فِي الْمَعْطُوفِ مُبْتَدَأٌ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ خَبَرًا عَنْهُ بِالتَّأْوِيلِ الْمَشْهُورِ فِي وُقُوعِ الْإِنْشَاءَاتِ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ أَيْ وَهُوَ مَقُولٌ فِيهِ نِعْمَ الْوَكِيلُ وَحِينَئِذٍ فَهِيَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مِثْلِهَا فَلَا مَحْذُورَ أَوْ جُمْلَةُ نِعْمَ الْوَكِيلُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى حَسْبِي وَهُوَ مُفْرَدٌ غَيْرُ مُضَمَّنٍ مَعْنَى الْفِعْلِ فَلَمْ يَكُنْ فِي قُوَّةِ الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ عَطْفُ الْجُمْلَةِ الْإِنْشَائِيَّةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ بَلْ عَلَى الْمُفْرَدِ وَلَا مَحْذُورَ فِي عَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْمُفْرَدِ وَلَا فِي عَكْسِهِ بَلْ يَحْسُنُ ذَلِكَ إذَا رُوعِيَ فِيهِ نُكْتَةٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ جَوَّزَ عَطْفَ الْإِنْشَائِيَّةِ عَلَى
1 / 7
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
ــ
[حاشية الجمل]
الْإِخْبَارِيَّةِ فِي الْجُمَلِ الَّتِي لَهَا مَحَلٌّ مِنْ الْإِعْرَابِ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَ الْمُفْرَدَاتِ وَلَا عِبْرَةَ بِنِسْبَتِهَا انْتَهَى شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُ الْمَتْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْبَاءُ فِيهَا قِيلَ: إنَّهَا زَائِدَةٌ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ أَوْ لِلِاسْتِعَانَةِ أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ اسْمِ فَاعِلٍ خَبَرٍ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ فِعْلٍ أَيْ أُؤَلِّفُ أَوْ أَبْدَأُ أَوْ حَالٍ مِنْ فَاعِلِ الْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ أَيْ أَبْدَأُ مُتَبَرِّكًا أَوْ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ وَالتَّبَرُّكُ بِالْأَلْفَاظِ إجْرَاؤُهَا عَلَى اللِّسَانِ وَإِخْطَارُ مَعَانِيهَا بِالْبَالِ وَبِالْمَعَانِي بِالْعَكْسِ أَوْ مَصْدَرُ مُبْتَدَأٍ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ ابْتِدَائِي بِسْمِ اللَّهِ ثَابِتٌ وَلَا يَضُرُّ عَلَى هَذَا حَذْفُ الْمَصْدَرِ وَإِبْقَاءُ مَعْمُولِهِ لِأَنَّهُ يُتَوَسَّعُ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مَا لَا يُتَوَسَّعُ فِي غَيْرِهِمَا وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ هَاهُنَا أَوْقَعُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا﴾ [هود: ٤١] وَقَوْلِهِ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥] لِأَنَّهُ أَهَمُّ وَأَدَلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَأَدْخَلُ فِي التَّعْظِيمِ وَأَوْفَقُ لِلْوُجُودِ فَإِنَّ اسْمَهُ تَعَالَى مُقَدَّمٌ لِأَنَّهُ قَدِيمٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا كُسِرَتْ الْبَاءُ وَمِنْ حَقِّ الْحُرُوفِ الْمُفْرَدَةِ أَنْ تُفْتَحَ لِاخْتِصَاصِهَا بِلُزُومِ الْحَرْفِيَّةِ وَالْجَرِّ كَمَا كُسِرَتْ لَامُ الْأَمْرِ وَلَامُ الْجَرِّ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُظْهَرِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ لَامِ التَّأْكِيدِ انْتَهَى شَرْحُ م ر.
وَأَمَّا غَيْرُ الْبَاءِ مِنْ الْحُرُوفِ فَمِنْهُ مَا يَنْفَكُّ عَنْ الْحَرْفِيَّةِ كَالْكَافِ وَمَا يَنْفَكُّ عَنْ الْجَرِّ كَالْوَاوِ وَإِنَّمَا كَانَ لُزُومُهَا لِهَذَيْنِ مُقْتَضِيًا لِكَسْرِهَا قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ: أَمَّا الْحَرْفِيَّةُ فَلِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْبِنَاءَ عَلَى السُّكُونِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْحَرَكَةِ وَالْكَسْرُ يُنَاسِبُ الْعَدَمَ لِقِلَّتِهِ إذْ لَا يُوجَدُ فِي الْفِعْلِ وَلَا فِي غَيْرِ الْمُنْصَرِفِ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَلَا فِي الْحُرُوفِ إلَّا نَادِرًا وَأَمَّا الْجَرُّ فَلِتَنَاسُبِ حَرَكَتِهَا الَّتِي هِيَ الْكَسْرَةُ عَمَلَهَا الَّذِي لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ وَهُوَ الْجَرُّ الَّذِي هُوَ الْكِسْرَةُ أَصَالَةً اهـ عَبْدُ الْحَقِّ فِي شَرْحِ الْبَسْمَلَةِ انْتَهَى ع ش عَلَى م ر وَالِاسْمُ لُغَةً مَا أَبَانَ عَنْ مُسَمًّى أَيْ أَظْهَرَ وَكَشَفَ وَاصْطِلَاحًا مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهِ غَيْرِ مُتَعَرِّضٍ بِبِنْيَتِهِ لِزَمَانٍ وَلَا دَالٍّ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ وَالتَّسْمِيَةُ جَعْلُ ذَلِكَ اللَّفْظِ دَالًّا عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى وَأَقْسَامُ الِاسْمِ تِسْعَةٌ (أَوَّلُهَا) الِاسْمُ الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ كَسَائِرِ الْأَعْلَامِ (ثَانِيهَا) الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ ذَاتِهِ كَالْجَوْهَرِ لِلْجِدَارِ وَالْجِسْمِ لَهُ (ثَالِثُهَا) الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ كَالْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ وَالْحَارِّ وَالْبَارِدِ (رَابِعُهَا) الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ إضَافِيَّةٍ فَقَطْ كَالْمَعْلُومِ وَالْمَفْهُومِ وَالْمَذْكُورِ وَالْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ وَيَمِينًا وَشِمَالًا.
(خَامِسُهَا) الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ كَأَعْمَى وَفَقِيرٍ وَسَلِيمٍ عَنْ الْآفَاتِ (سَادِسُهَا) الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ مَعَ صِفَةٍ إضَافِيَّةٍ كَعَالِمٍ وَقَادِرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَهَا إضَافَةٌ إلَى الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَقْدُورَاتِ (سَابِعُهَا) الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ مَعَ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ كَقَادِرٍ لَا يَعْجِزُ وَعَالِمٍ لَا يَجْهَلُ (ثَامِنُهَا) الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ صِفَةٍ إضَافِيَّةٍ مَعَ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ كَلَفْظَةِ أَوَّلِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ سَابِقًا غَيْرَهُ وَهُوَ صِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ وَكَالْقَيُّومِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ أَيْ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ سَلْبٌ وَمُقَوِّمٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ إضَافَةٌ (تَاسِعُهَا) الْوَاقِعُ عَلَى الشَّيْءِ بِحَسَبِ مَجْمُوعِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ وَإِضَافِيَّةٍ وَسَلْبِيَّةٍ كَالْإِلَهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَوْجُودًا أَزَلِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ وَعَلَى الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّنْزِيهِ وَعَلَى الصِّفَاتِ الْإِضَافِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِيجَادِ وَالتَّكْوِينِ وَالِاسْمُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي حُذِفَتْ أَعْجَازُهَا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَبُنِيَتْ أَوَائِلُهَا عَلَى السُّكُونِ أَيْ وُضِعَتْ سَاكِنَةً وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهَا عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ أَوْ مِنْ السِّمَةِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَهِيَ الْعَلَامَةُ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى مُسَمَّاهُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَكِنَّهُ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ التَّصْرِيفُ وَأَصْلُهُ وَسْمٌ حُذِفَتْ الْوَاوُ وَعُوِّضَ عَنْهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ لَيَقِلَّ إعْلَالُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ هَمْزَةَ الْوَصْلِ لَمْ تُعْهَدْ دَاخِلَةً عَلَى مَا حُذِفَ صَدْرُهُ فِي كَلَامِهِمْ وَالِاسْمُ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ فَغَيْرُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ يَتَأَلَّفُ مِنْ أَصْوَاتٍ مُقَطَّعَةٍ غَيْرِ قَارَّةٍ وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأُمَمِ وَالْإِعْصَارِ وَيَتَعَدَّدُ تَارَةً وَيَتَحَدَّدُ أُخْرَى وَالْمُسَمَّى لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتُ الشَّيْءِ فَهُوَ الْمُسَمَّى لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٧٨] فَالْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ لِأَنَّهُ كَمَا يَجِبُ تَنْزِيهُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ عَنْ النَّقَائِصِ يَجِبُ تَنْزِيهُ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لَهَا عَنْ الرَّفَثِ وَسُوءِ الْأَدَبِ أَوْ لَفْظُ الِاسْمِ فِيهِ مُقْحَمٌ لِلتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الصِّفَةُ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ انْقَسَمَ انْقِسَامَ الصِّفَةِ عِنْدَهُ إلَى مَا هُوَ نَفْسُ الْمُسَمَّى كَالْوَاحِدِ وَالْقَدِيمِ وَإِلَى مَا هُوَ غَيْرُهُ كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ وَإِلَى مَا لَيْسَ هُوَ وَلَا
1 / 8
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية الجمل]
غَيْرَهُ كَالْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَالْمَرِيدُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْبَصِيرُ وَالسَّمِيعُ لَا يُقَالُ مُقْتَضَى حَدِيثِ الْبَسْمَلَةِ الْآتِي أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ وَلَمْ يَكُنْ بِهَا بَلْ بِلَفْظِ اسْمٍ لِأَنَّا نَقُولُ كُلُّ حُكْمٍ وَرَدَ عَلَى اسْمٍ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ وَارِدٌ عَلَى مَدْلُولِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَضَرَبَ فِعْلٍ فَقَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ أَبْتَدِئُ مَعْنَاهُ أَبْتَدِئُ بِمَدْلُولِ اسْمِهِ وَهُوَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِاَللَّهِ أَبْتَدِئُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ وَالِاسْتِعَانَةَ بِذِكْرِ اسْمِهِ أَيْضًا أَوْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالتَّيَمُّنِ أَوْ لِتَحْصِيلِ نُكْتَةِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فِي أَلْفَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَوْضِعًا وَأَصْلُهُ إلَهُ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ وَعُوِّضَ عَنْهَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِأَنَّهُ يُوصَفُ وَلَا يُوصَفُ بِهِ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ اسْمٍ تَجْرِي عَلَيْهِ صِفَاتُهُ وَلَا يَصْلُحُ لَهُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سِوَاهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَصْفًا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ لَا إلَهَ تَوْحِيدًا مِثْلَ لَا إلَهَ إلَّا الرَّحْمَنُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الشَّرِكَةَ فَهُوَ مُرْتَجَلٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَتِلْمِيذِهِ الْغَزَالِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَابْنِ كَيْسَانَ وَغَيْرِهِمْ.
١ -
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك فَقَالَ خَيْرًا كَثِيرًا لِجَعْلِي اسْمَهُ أَعْرَفَ الْمَعَارِفِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ وَنُقِلَ عَنْ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ أَيْضًا وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَلَهَ بِمَعْنَى عَبَدَ وَقِيلَ: مِنْ أَلِهَ إذَا تَحَيَّرَ لِأَنَّ الْعُقُولَ تَتَحَيَّرُ فِي مَعْرِفَتِهِ أَوْ مِنْ أَلِهْت إلَى فُلَانٍ أَيْ سَكَنْت إلَيْهِ لِأَنَّ الْقُلُوبَ تَطْمَئِنُّ بِذِكْرِهِ وَالْأَرْوَاحَ تَسْكُنُ إلَى مَعْرِفَتِهِ أَوْ مِنْ أَلِهَ إذَا فَزِعَ مِنْ أَمْرٍ نَزَلَ عَلَيْهِ وَأَلَهَهُ غَيْرُهُ أَجَارَهُ أَوْ أَلِهَ الْفَصِيلُ إذَا وَلِعَ بِأُمِّهِ أَوْ مِنْ وَلِهَ إذَا تَحَيَّرَ وَتَخَبَّطَ عَقْلُهُ وَكَانَ أَصْلُهُ وِلَاهٌ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً لِاسْتِثْقَالِ الْكِسْرَةِ عَلَيْهَا وَقِيلَ: أَصْلُهُ لَاهٌ مَصْدَرُ لَاهَ يَلِيهِ لَيْهًا وَلَاهًا إذَا احْتَجَبَ وَارْتَفَعَ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَصْفٌ فِي أَصْلِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ وَصَارَ كَالْعَلَمِ أُجْرِيَ مُجْرَاهُ فِي إجْرَاءِ الْأَوْصَافِ عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِ الْوَصْفِ بِهِ وَعَدَمِ تَطَرُّقِ احْتِمَالِ الشَّرِكَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ ذَاتَهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ بِلَا اعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ حَقِيقِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ لِلْبَشَرِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ دَلَّ عَلَى مُجَرَّدِ ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ لَمَا أَفَادَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [الأنعام: ٣] مَعْنًى صَحِيحًا وَلِأَنَّ مَعْنَى الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ كَوْنُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ مُشَارِكًا لِلْآخَرِ فِي الْمَعْنَى وَالتَّرْكِيبُ حَاصِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ اهـ وَهُوَ عَرَبِيٌّ خِلَافًا لِلْبَلْخِيِّ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ أَوْ بِجَعْلِهِ لَازِمًا وَنَقْلِهِ إلَى فَعُلَ بِالضَّمِّ وَالرَّحْمَةُ لُغَةً رِقَّةُ الْقَلْبِ وَانْعِطَافٌ تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِحْسَانَ فَالتَّفَضُّلُ غَايَتُهَا وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَأْخُوذَةُ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ دُونَ الْمَبَادِئِ الَّتِي تَكُونُ انْفِعَالَاتٍ فَالرَّحْمَةُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَعْنَاهَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ فَتَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ أَوْ الْإِحْسَانُ فَتَكُونُ صِفَةَ فِعْلٍ فَهُوَ إمَّا مَجَازٌ فِي الْإِحْسَانِ أَوْ فِي إرَادَتِهِ وَإِمَّا اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ بِأَنْ مُثِّلَتْ حَالُهُ تَعَالَى بِحَالِ مَلَكٍ عَطَفَ عَلَى رَعِيَّتِهِ وَرَقَّ لَهُمْ فَعَمَّهُمْ مَعْرُوفُهُ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَأُرِيدَ غَايَتُهُ الَّتِي هِيَ إرَادَةٌ أَوْ فِعْلٌ لَا مَبْدَؤُهُ الَّذِي هُوَ انْفِعَالٌ وَقَدَّمَ اللَّهَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ اسْمُ ذَاتٍ وَهُمَا أَسْمَاءُ صِفَاتٍ وَقَدَّمَ الرَّحْمَنَ عَلَى الرَّحِيمِ لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ إذْ لَا يُقَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ بِخِلَافِ الرَّحِيمِ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ وَإِنَّمَا قَدَّمَ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِهِمْ عَالِمٌ نِحْرِيرٌ وَجَوَادٌ فَيَّاضٌ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْعَلَمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِيُّ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ غَايَتَهَا وَذَلِكَ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ كَوْنَهُ عَلَمًا وَلِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا ذَكَرَ الرَّحِيمَ لِيَتَنَاوَلَ مَا دَقَّ مِنْهَا وَلَطَفَ لِيَكُونَ كَالتَّتِمَّةِ لَهُ وَالرَّدِيفِ وَلِلْمُحَافَظَةِ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ وَالْأَبْلَغِيَّةُ تُؤْخَذُ تَارَةً بِاعْتِبَارِ الْكِمِّيَّةِ وَلِهَذَا قِيلَ: يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ يَخُصُّ الْمُؤْمِنَ وَتَارَةً بِاعْتِبَارِ الْكَيْفِيَّةِ وَلِهَذَا قِيلَ: يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الدُّنْيَا لِأَنَّ النِّعَمَ الْأُخْرَوِيَّةَ كُلَّهَا جِسَامٌ وَأَمَّا النِّعَمُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَجَلِيلَةٌ وَحَقِيرَةٌ وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَنَدْمَانَ وَنَدِيمٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَقِيلَ: الرَّحِيمُ أَبْلَغُ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ مِائَةَ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ عَلَى سَبْعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّهُ أَوْدَعَ مَا فِيهَا فِي أَرْبَعَةٍ فِي الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَأَوْدَعَ مَا فِيهَا فِي الْقُرْآنِ وَأَوْدَعَ مَا فِي الْقُرْآنِ
1 / 9
أَيْ أُؤَلِّفُ وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ
ــ
[حاشية الجمل]
فِي الْفَاتِحَةِ وَأَوْدَعَ مَا فِي الْفَاتِحَةِ فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بَلْ قِيلَ: إنَّهُ أَوْدَعَ مَا فِيهَا فِي الْبَاءِ أَيْ لِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ بِي كَانَ مَا كَانَ وَبِي يَكُونُ مَا يَكُونُ وَهَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ إلَيْهِ جَمِيعُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقُرْآنِ وَأَوْدَعَ مَا فِي الْبَاءِ فِي النُّقْطَةِ كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الرُّكْنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ وَحْدَتُهُ تَعَالَى اهـ مِنْ شَرْحِ م ر مَعَ زِيَادَةٍ لع ش عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ: وَالرَّحْمَنُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى لَفْظًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى وَعَامٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مَعْنًى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ وَالرَّحِيمُ عَامٌّ مِنْ حَيْثُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمُسَمَّى بِهِ خَاصٌّ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى اللُّطْفِ وَالتَّوْفِيقِ اهـ.
(فَائِدَةٌ) فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ إنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي» اهـ.
وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ إنَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ حِكَايَةٌ لِمَضْمُونِ الْكِتَابِ وَتُفْتَحُ بَدَلًا مِنْ كَتَبَ غَلَبَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْغَضَبِ لَازِمُهُ وَهُوَ إرَادَةُ اتِّصَالِ الْعَذَابِ إلَى مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ الْغَضَبُ لِأَنَّ السَّبْقَ وَالْغَلَبَةَ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ أَيْ تَعَلُّقُ الرَّحْمَةِ غَالِبٌ سَابِقٌ عَلَى تَعَلُّقِ الْغَضَبِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُقْتَضَى ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَمَّا الْغَضَبُ فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى سَابِقَةِ عَمَلٍ مِنْ الْعَبْدِ الْحَادِثِ وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَفِي سَبْقِ الرَّحْمَةِ بَيَانُ أَنَّ قِسْطَ الْخَلْقِ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِمْ مِنْ الْغَضَبِ وَأَنَّهَا تَنَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَأَنَّ الْغَضَبَ لَا يَنَالُهُمْ إلَّا بِاسْتِحْقَاقٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّحْمَةَ تَشْمَلُ الْإِنْسَانَ جَنِينًا رَضِيعًا وَفَطِيمًا وَنَاشِئًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الطَّاعَةِ وَلَا يَلْحَقُهُ الْغَضَبُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ مَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ عَلَى وِزَانِ قَوْله تَعَالَى ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: ٥٤] أَيْ أَوْجَبَ وَعْدًا أَنْ يَرْحَمَهُمْ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَى الْغَضَبِ مِنْ الْعِقَابِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ يَتَجَاوَزُ عَنْهُ بِفَضْلِهِ وَأُنْشِدَ
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفٌ إيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي
وَقَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: الْغَضَبُ إرَادَةُ الْعِقَابِ وَالرَّحْمَةُ إرَادَةُ الثَّوَابِ وَالصِّفَاتُ لَا تُوصَفُ بِالْغَلَبَةِ وَلَا يَسْبِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا لَكِنْ جَاءَ هَذَا عَلَى الِاسْتِعَارَةِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُجْعَلَ الرَّحْمَةُ وَالْغَضَبُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَا الذَّاتِ فَالرَّحْمَةُ هِيَ الثَّوَابُ وَالْإِحْسَانُ وَالْغَضَبُ هُوَ الِانْتِقَامُ وَالْعِقَابُ فَتَكُونُ الْغَلَبَةُ عَلَى بَابِهَا أَيْ إنَّ رَحْمَتِي أَكْثَرُ مِنْ غَضَبِي فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) الْكَلَامُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ مُنْحَصِرٌ فِي أَرْبَعَةِ مَقَاصِدَ: (الْأَوَّلُ) فِي الْبَاءِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَبَاحِثَ: الْأَوَّلُ فِي مُتَعَلِّقِهَا الثَّانِي فِي مَعْنَاهَا الثَّالِثُ فِي حِكْمَةِ كَسْرِهَا الرَّابِعُ فِي سَبَبِ تَطْوِيلِهَا: (الْمَقْصِدُ الثَّانِي) فِي اسْمِ وَفِيهِ خَمْسَةُ مَبَاحِثَ: الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ وَمَا يَتْبَعُهُ الثَّانِي فِي بَيَانِ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْبَسْمَلَةِ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى لَفْظِ اسْمِ ابْتِدَاءٌ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى الثَّالِثُ فِي اشْتِقَاقِهِ الرَّابِعُ فِي لُغَاتِهِ الْخَامِسُ فِي مُوجِبِ حَذْفِ أَلِفِهِ خَطًّا (الْمَقْصَدُ الثَّالِثُ) فِي اللَّهِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَبَاحِثَ: الْأَوَّلُ فِي عَلَمِيَّتِهِ وَمُسَمَّاهُ الثَّانِي فِي أَصْلِهِ الثَّالِثُ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ مُعَرَّبٌ الرَّابِعُ فِي الْخِلَافِ فِي أَنَّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ (الْمَقْصِدُ الرَّابِعُ) فِي الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا مَبْحَثَانِ: الْأَوَّلُ فِي لَفْظِهِمَا نَوْعًا وَاشْتِقَاقًا الثَّانِي فِي عِلَّةِ تَقْدِيمِ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَتَقْدِيمِ الرَّحْمَنِ مِنْهُمَا عَلَى الرَّحِيمِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِبَيَانِ مَعْنَاهُمَا وَغَيْرِهِ اهـ مِنْ مُقَدَّمَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ اهـ مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُسْتُشْكِلَتْ جُمْلَةُ الْبَسْمَلَةِ بِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ خَبَرِيَّةً وَرَدَ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ أَنْ يَتَحَقَّقَ مَدْلُولُهُ فِي الْوَاقِعِ بِدُونِهِ وَيَكُونُ الْخَبَرُ حِكَايَةً عَنْهُ وَمَا هُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّ مُصَاحَبَةَ الِاسْمِ وَالِاسْتِعَانَةَ بِهِ وَهُمَا مِنْ تَتِمَّةِ الْخَبَرِ لَا يَتَحَقَّقَانِ إلَّا بِهَذَا اللَّفْظِ وَإِنْ كَانَتْ إنْشَائِيَّةً وَرُدَّ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِنْشَاءِ أَنْ يَتَحَقَّقَ مَدْلُولُهُ بِهِ وَأَصْلُ جُمْلَةِ الْبَسْمَلَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ غَالِبًا إذْ كُلُّ مَا لَيْسَ بِقَوْلٍ كَالْأَكْلِ وَالسَّفَرِ لَا يَحْصُلُ بِالْبَسْمَلَةِ فَكَيْفَ صَحَّ تَقْدِيرُ آكُلُ أَوْ أُسَافِرُ بِاسْمِهِ لِقَصْدِ الْإِنْشَاءِ وَإِنْ كَانَتْ لِإِنْشَاءِ الْمُصَاحَبَةِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ.
وَرُدَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ لِإِنْشَاءِ مُتَعَلِّقِهَا وَيَكُونُ الْأَصْلُ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَذَلِكَ فِي غَايَةِ النُّدُورِ اهـ شَنَوَانِيٌّ عَلَى الْفَاكِهِيِّ عَلَى قَطْرِ النَّدَى قَالَ سم وَأَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّهَا خَبَرِيَّةُ الصَّدْرِ إنْشَائِيَّةٌ الْعَجُزِ اهـ (قَوْلُهُ أَيْ أُوَلِّفُ) بَيَانٌ لِمَا هُوَ الْأَوْلَى فِي مُتَعَلِّقِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مِنْ كَوْنِهِ فِعْلًا مُؤَخَّرًا خَاصًّا وَفِي تَقْدِيرِ الْمُتَعَلِّقِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ غَيْرُ زَائِدَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ
1 / 10
مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ بُنِيَتَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَطَعَ وَقَطَّعَ وَلِقَوْلِهِمْ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ وَقِيلَ: رَحِيمُ الدُّنْيَا.
ــ
[حاشية الجمل]
مِنْ السُّمُوِّ) أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاشْتِقَاقَ الْحَقِيقِيَّ لِأَنَّ لَفْظَ الِاسْمِ جَامِدٌ فَالْمُرَادُ بِاشْتِقَاقِهِ أَخْذُهُ اهـ شَيْخُنَا وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْعُلُوُّ فَالِاسْمُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الْأَعْجَازِ كَيَدٍ وَدَمٍ بُنِيَتْ أَوَائِلُهَا عَلَى السُّكُونِ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِتَعَذُّرِ الِابْتِدَاءِ بِالسَّاكِنِ اهـ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ السُّمُوِّ) وَقِيلَ: مِنْ الْوَسْمِ قَالَ حَجّ زِيَادَةً عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ: مِنْ السَّمِيَّا فَوَزْنُهُ عَلَى الْأَوَّلِ افْعٌ وَعَلَى الثَّانِي اعْلٌ وَعَلَى الثَّالِثِ افْلٌ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ وَاَللَّهُ عَلَمٌ) أَيْ بِالْغَلَبَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ عِنْدَ جَمْعٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَالْقَاضِي وَبِالْغَلَبَةِ التَّحْقِيقِيَّةِ عِنْدَ جَمْعٍ مِنْهُمْ ابْنُ مَالِكٍ اهـ ح ل وَقَوْلُهُ وَبِالْغَلَبَةِ التَّحْقِيقِيَّةِ إلَخْ يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ حَوَاشِي ع ش الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ وَاَللَّهُ عَلَمٌ أَيْ بِالْغَلَبَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ إنْ جُعِلَ عَلَمًا عَلَى ذَاتِهِ تَعَالَى وَبِالْغَلَبَةِ التَّحْقِيقِيَّةِ إنْ رُوعِيَ أَصْلُهُ وَهُوَ إلَهٌ وَلَمْ تُجْعَلْ ذَاتُهُ مَقْصُودَةً بِالْوَضْعِ مِنْهُ لِسَبْقِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْغَلَبَةَ التَّحْقِيقِيَّةَ هِيَ غَلَبَةُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا اُخْتُصَّ بِهِ بِأَنْ سَبَقَ لَهُ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَعْنَى الْعَلَمِيَّةِ وَأَمَّا الْغَلَبَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ فَهِيَ اخْتِصَاصُ اللَّفْظِ بِمَعْنًى مَعَ إمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْوَضْعِ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ حِينَئِذٍ فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا غَلَبَةٌ تَقْدِيرِيَّةٌ أَوْ تَحْقِيقِيَّةٌ لِأَنَّهَا بِالنَّظَرِ لِمَا قَبْلَ الْعِلْمِيَّةِ تَحْقِيقِيَّةٌ وَلِمَا بَعْدَهَا تَقْدِيرِيَّةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ مِنْ رَحِمَ) أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الِاشْتِقَاقِ أَيْ بَعْدَ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ أَوْ جَعْلِهِ لَازِمًا وَنَقْلِهِ إلَى فَعُلَ بِالضَّمِّ اهـ زِيَادِيٌّ فَإِنْ قُلْت: إذَا جُعِلَ الْمُتَعَدِّي لَازِمًا فَمَا الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِهِ إلَى فَعُلَ؟ قُلْت: لِإِفَادَةِ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ مِنْ جَعْلِ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ الْغَرَائِزِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا وَالْغَرَائِزُ الْأُمُورُ الطَّبِيعِيَّةُ اللَّازِمَةُ كَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَمَا فِي حُكْمِهَا هُوَ مَا صَارَ مَلَكَةً وَهُمَا مَبْنِيَّانِ مِنْ فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ قَالَ أَهْلُ الصَّرْفِ: هَذَا الْبَابُ مَوْضُوعٌ لِلصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ مِمَّا جُبِلَ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ أَوْ صَارَ مَلَكَةً لَهُ بِالتَّكْرَارِ اهـ تَقْرِيرُ بَعْضِهِمْ.
(فَائِدَةٌ): اشْتِقَاقُ رَحْمَنٍ مِنْ رَحُمَ بِالضَّمِّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لِأَنَّ فَعُلَ الْمَضْمُومَ الْعَيْنِ لَا تَأْتِي مِنْهُ الصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ قِيَاسًا إلَّا عَلَى فَعَلٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَعِيلٍ بِكَثْرَةٍ وَأَفْعَلَ وَفَعَلٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ كَمَا قَالَ النَّاظِمُ
وَفَعْلٌ أُولَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ ... كَالضَّخْمِ وَالْجَمِيلِ وَالْفِعْلُ جَمُلْ
وَأَفْعَلٌ فِيهِ قَلِيلٌ وَفَعَلْ
وَالصَّحِيحُ أَنَّ اقْتِضَاءَ زِنَةِ فَعْلَانَ الْمُبَالَغَةَ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى غَيْرِ وَزْنِ فَعْلَانَ كَمَا هُنَا بِخِلَافِ نَحْوِ غَضْبَانَ فَلَيْسَ لِلْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى غَيْرِ وَزْنِ فَعْلَانَ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْمَلَوِيِّ عَلَى الْمَكُودِيِّ شَارِحِ أَلْفِيَّةِ ابْنِ مَالِكٍ فِي عِلْمِ النَّحْوِ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا مِنْ رَحِمَ) أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْفِعْلِ تَقْرِيبًا وَلِضِيقِ الْعِبَارَةِ إذْ لَيْسَ مَصْدَرُهُ وَاحِدًا حَتَّى يَعُودَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ مِنْ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ مِنْ الْفِعْلِ ثُمَّ رَأَيْت الشِّهَابَ ابْنَ عَبْدِ الْحَقِّ فِي شَرْحِ الْبَسْمَلَةِ سَبَقَ إلَى مَا ذَكَرْتُهُ مَعَ زِيَادَةٍ لَكِنَّهُ جَعَلَ النُّكْتَةَ فِي الْعُدُولِ إلَى لَفْظِ الْفِعْلِ غَيْرَ مَا ذَكَرْتُهُ فَلْيُرَاجَعْ وَالنِّكَاتُ لَا تَتَزَاحَمُ بَلْ مَا ذَكَرَهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ يَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرْتُهُ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ لَفْظُ رَحِمَ مَفْتُوحَ الْأَوَّلِ مَكْسُورَ الثَّانِي فَإِنْ جُعِلَ مَضْمُومُ الْأَوَّلِ سَاكِنُ الثَّانِي مَصْدَرًا فَلَا إشْكَالَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ فَانْدَفَعَ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ اهـ رُشْدِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَرَحِمْت زَيْدًا بِالْكَسْرِ رُحْمًا بِضَمِّ الرَّاءِ وَرَحْمَةً وَمَرْحَمَةً اهـ (قَوْلُهُ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى) أَيْ غَالِبًا فَلَا نَقْضَ بِحَذِرٍ الْأَبْلَغِ مِنْ حَاذِرٍ اهـ زِيَادِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى الْخَطِيبِ وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ الْجِبِلِّيَّةِ فَخَرَجَ نَحْوُ شَرِهٍ وَنَهِمٍ لِأَنَّ الصِّفَاتِ الْجِبِلِّيَّةَ لَا تَتَفَاوَتُ وَالثَّانِي أَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظَانِ فِي النَّوْعِ فَخَرَجَ حَذِرٌ وَحَاذِرٌ الثَّالِثُ أَنْ يَتَّحِدَا فِي الِاشْتِقَاقِ فَخَرَجَ زَمِنٌ وَزَمَانٌ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِمْ) لَمْ يَقُلْ وَلِقَوْلِهِ ﵊ لِأَنَّ كُلًّا مِمَّا ذَكَرَهُ غَيْرُ حَدِيثٍ لِأَنَّ حَاصِلَ الصِّيَغِ الَّتِي وَرَدَتْ هُنَا سِتُّ صِيَغٍ صِيغَتَانِ مِنْهَا حَدِيثَانِ وَهُمَا «الرَّحْمَنُ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالرَّحِيمُ رَحِيمُ الْآخِرَةِ» وَالصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ «يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا» ` وَأَمَّا بَقِيَّةُ الصِّيَغِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَهِيَ غَيْرُ أَحَادِيثَ وَهِيَ أَرْبَعُ صِيَغٍ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الدُّنْيَا يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ يَا رَحْمَنَ الْآخِرَةِ وَرَحِيمَ الدُّنْيَا اهـ حف وَقَوْلُهُ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الصِّيغَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الشَّارِحِ لَيْسَ
1 / 11
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا) أَيْ دَلَّنَا (لِهَذَا) التَّأْلِيفِ (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) وَالْحَمْدُ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ
ــ
[حاشية الجمل]
فِيهِمَا حَرْفُ النِّدَاءِ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَكُونُ الصِّيَغُ ثَمَانِيَةً صِيغَتَانِ حَدِيثَانِ وَسِتَّةٌ غَيْرُ أَحَادِيثَ اهـ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِمْ أَيْ السَّلَفِ فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فَلَوْ قَالَ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إلَخْ لَكَانَ أَنْسَبَ وَالْأَبْلَغِيَّةُ مِنْ حَيْثُ شُمُولُ الرَّحْمَنِ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاخْتِصَاصُ الرَّحِيمِ بِالْآخِرَةِ أَوْ بِالدُّنْيَا فَالرَّحْمَةُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ أَفْرَادِ الْمَرْحُومِينَ وَقِلَّتِهَا فَهِيَ مَنْظُورٌ فِيهَا لِلْكَمِّ وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا فَلَا يُعَارِضُ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ بِالنَّظَرِ إلَى الْكَيْفِ انْتَهَتْ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ.
قَالَ الشَّيْخُ حَمْدَانُ: الْأَبْلَغِيَّةُ تَارَةً بِاعْتِبَارِ الْكِمِّيَّةِ وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ الْكَيْفِيَّةِ فَالْوَاصِلُ فِي الدُّنْيَا كَثِيرُ الْكِمِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَحَيَوَانٍ قَلِيلُ الْكَيْفِيَّةِ بِاعْتِبَارِ قِلَّةِ الدُّنْيَا وَسُرْعَةِ انْصِرَامِهَا وَكَثْرَةِ شَوَائِبهَا وَالْوَاصِلُ فِي الْآخِرَةِ قَلِيلُ الْكِمِّيَّةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ كَثِيرُ الْكَيْفِيَّةِ لِوُجُودِ الْمُلْكِ الْمُؤَبَّدِ وَالنَّعِيمِ الْمُخَلَّدِ اهـ حف (قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا إلَخْ) هَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُ وَإِقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِلُ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ الْعَظِيمِ ذِي النَّفْعِ الْعَمِيمِ الْمُوَصِّلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْفَوْزِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ بِجَهْدِهِ وَاسْتِحْقَاقِ فِعْلِهِ فَاقْتَدَى بِأَهْلِ الْجَنَّةِ حَيْثُ قَالُوا ذَلِكَ فِي دَارِ الْجَزَاءِ الْمَجْعُولَةِ خَاتِمَةَ أَمْرِهِمْ قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: هَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُمْ وَإِقْرَارٌ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِلُوا إلَى مَا وَصَلُوا إلَيْهِ مِنْ حُسْنِ تِلْكَ الْعَطِيَّاتِ وَعَظِيمِ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّاتِ بِجَهْدِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِ فِعْلِهِمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ ابْتِدَاءُ فَضْلٍ مِنْهُ وَلُطْفٌ اهـ تَقْرِيرُ بَعْضِهِمْ.
(قَوْلُهُ الَّذِي هُدَانَا لِهَذَا) الْهِدَايَةُ دَلَالَةٌ بِلُطْفٍ وَلِذَلِكَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَهِدَايَةُ اللَّهِ أَنْوَاعٌ لَا يُحْصِيهَا عَدٌّ لَكِنَّهَا تَنْحَصِرُ فِي أَجْنَاسٍ مُتَرَتِّبَةٍ: الْأَوَّلُ إفَاضَةُ الْقُوَى الَّتِي بِهَا يَتَمَكَّنُ الْمَرْءُ مِنْ الِاهْتِدَاءِ إلَى مَصَالِحِهِ كَالْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ أَيْ الْعَاقِلَةِ وَالْحَوَاسِّ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْمَشَاعِرِ الظَّاهِرَةِ وَالثَّانِي نَصْبُ الدَّلَائِلِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ وَالثَّالِثُ الْهِدَايَةُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ وَالرَّابِعُ أَنْ يَكْشِفَ لِقُلُوبِهِمْ السَّرَائِرَ وَيُرِيَهُمْ الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ بِالْوَحْيِ وَالْإِلْهَامِ وَالْمَنَامَاتِ الصَّادِقَةِ وَهَذَا الْقِسْمُ تَخْتَصُّ بِنَيْلِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ اهـ مِنْ الْبَيْضَاوِيِّ (قَوْلُهُ أَيْ دَلَّنَا) أَيْ دَلَالَةً مُوَصِّلَةً لِمَا وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ وَمُطْلَقُ دَلَالَةٍ لِمَا سَيُوجَدُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ دَلَّ يَتَعَدَّى بِعَلَى وَهَدَى يَتَعَدَّى بِإِلَى فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِهِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَعَدَّى بِمَا تَعَدَّى بِهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ اهـ ح ل مَعَ زِيَادَةِ.
(قَوْلِهِ أَيْ دَلَّنَا) هَذَا بِحَسَبِ مَا شَاعَ لُغَةً وَإِلَّا فَالْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لِلْهِدَايَةِ جَعْلُهُ مُهْتَدِيًا وَالْإِضْلَالُ جَعْلُهُ ضَالًّا وَمِنْ ثَمَّ اسْتَعْمَلَهُمَا أَصْحَابُنَا بِمَعْنَى خَلْقِ الِاهْتِدَاءِ وَالضَّلَالِ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَمَّا زَعَمُوا أَنَّ الِاهْتِدَاءَ وَالضَّلَالَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ أَوَّلُوا الِاهْتِدَاءَ بِمَعْنَى بَيَانِ طَرِيقِ الْحَقِّ بِنَصْبِ الْأَدِلَّةِ وَالْإِضْلَالَ بِمَعْنَى وِجْدَانِ الْعَبْدِ ضَالًّا أَوْ تَسْمِيَتِهِ ضَالًّا وَهُوَ مَرْدُودٌ وَلَا يَرِدُ عَلَى أَصْحَابِنَا هُدَاهُ فَلَمْ يَهْتَدِ لِأَنَّهُ مَجَازٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ وَضْعِهِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ وَإِنَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً بِحَسَبِ شُيُوعِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا حَقَّقَهُ الْإِمَامُ الْكَسْتَلِيُّ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ لِهَذَا التَّأْلِيفِ) إنْ قِيلَ: لِمَ فَسَّرَ الْإِشَارَةَ هُنَا بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّأْلِيفُ وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الْمُؤَلَّفُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَعْدُ فَهَذَا إلَخْ قُلْنَا: آثَرَ التَّفْسِيرَ ثُمَّ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِأَوْصَافٍ تُعَيِّنُ ذَلِكَ وَهُنَا وَإِنْ جَازَ الْأَمْرَانِ فَهَذَا أَوْلَى لِيُوَافِقَ الْحَمْدَ عَلَى الْفِعْلِ بِلَا وَاسِطَةٍ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَثَرِ فَإِنَّهُ بِوَاسِطَةِ الْفِعْلِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْجَلَالُ بِقَوْلِهِ فِي خُطْبَةِ الْأَصْلِ النِّعْمَةُ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
هَذَا وَفِيهِ أَنَّ الْحَمْدَ إنَّمَا هُوَ عَلَى هِدَايَةِ اللَّهِ لِلشَّيْخِ وَهِيَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ جُعِلَ مُتَعَلِّقُهَا فِعْلَ الشَّيْخِ أَوْ مَفْعُولَهُ فَلَمْ يَظْهَرْ لِهَذَا التَّغَايُرِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُحَشِّي كَبِيرُ فَائِدَةٍ اهـ شَيْخُنَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي الْآيَةِ مُفَسَّرَةٌ بِالْعَمَلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٨٢] فَالشَّارِحُ سَلَكَ صَنْعَةَ الِاقْتِبَاسِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَإِنْ حَصَلَ فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ تَغْيِيرٌ أَوْ نَقْلٌ مِنْ مَعْنَاهُ الْقُرْآنِيِّ إلَى مَعْنًى آخَرَ كَمَا هُنَا وَقَدْ وَضَّحْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّلْخِيصِ وَشُرُوحِهِ (قَوْلُهُ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ أَوْ لِلِاسْتِئْنَافِ وَكَانَ فِعْلٌ مَاضٍ لِنَهْتَدِيَ اللَّامُ زَائِدَةٌ لِتَوْكِيدِ النَّفْيِ وَالْفِعْلُ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ وُجُوبًا بَعْدَ لَامِ الْجُحُودِ وَالْمَعْنَى لِنَهْتَدِيَ لِمَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ هَذَا التَّأْلِيفُ أَوْ لِنَهْتَدِيَ لِهَذَا التَّأْلِيفِ وَلَوْلَا حَرْفُ
1 / 12
عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ وَعُرْفًا فِعْلٌ يُنَبِّئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَابْتَدَأْت بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ
ــ
[حاشية الجمل]
امْتِنَاعِ لِوُجُودٍ وَأَنْ هَدَانَا اللَّهُ فِي تَأْوِيلِ مُبْتَدَأٍ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا أَيْ لَوْلَا هِدَايَةُ اللَّهِ لَنَا مَوْجُودَةٌ وَجَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ أَيْ مَا كُنَّا مُهْتَدِينَ وَالْمَعْنَى امْتَنَعَ عَدَمُ اهْتِدَائِنَا لِوُجُودِ هِدَايَةِ اللَّهِ لَنَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ) الْجَمِيلُ صِفَةُ كَمَالٍ يُدْرِكُ حُسْنَهَا الْعَقْلُ السَّلِيمُ الْخَالِي عَنْ مَوَانِعِ إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ اهـ أُجْهُورِيٌّ.
وَعَلَى تَعْلِيلِيّهِ وَقَوْلُهُ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ عَلَى بِمَعْنَى مَعَ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَالتَّبْجِيلُ التَّعْظِيمُ وَقَوْلُهُ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ أَيْ صَدَرَ لِأَجْلِ الْمَزَايَا أَيْ الصِّفَاتِ الْقَاصِرَةِ عَلَى الْمَحْمُودِ أَوْ الْمُتَعَدِّيَةِ لِغَيْرِهِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا التَّعْمِيمِ الَّذِي هُوَ زَائِدٌ عَلَى التَّعْرِيفِ أَنَّ الْحَمْدَ اللُّغَوِيَّ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ وَاصِلَةٍ لِلْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ إذْ الْفَضَائِلُ هِيَ النِّعَمُ الْقَاصِرَةُ عَلَى الْمَحْمُودِ كَصَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ اهـ شَيْخُنَا.
(فَائِدَةٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَضَائِلُ سَبْعَةٌ الصِّدْقُ وَالْحَيَاءُ وَالتَّوَاضُعُ وَالسَّخَاءُ وَالْوَفَاءُ وَالْعِلْمُ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ اهـ أُجْهُورِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ) بِأَنْ يَكُونَ الثَّنَاءُ بَاطِنًا بِأَنْ يَعْتَقِدَ اتِّصَافَ الْمَحْمُودِ بِمَا أَثْنَى بِهِ عَلَيْهِ وَظَاهِرًا بِأَنْ لَا تُخَالِفَهُ أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ) سَوَاءٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَتَعَلَّقَ وَمَا بَعْدَهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَالْمَعْنَى تَعَلُّقُهُ بِالْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ مُسْتَوْفًى أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَمْدٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَوَاءٌ مُبْتَدَأً وَمَا بَعْدَهُ مَرْفُوعٌ بِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاعْتِمَادِ فِي أَعْمَالِ الْوَصْفِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَوَاءٌ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَأَنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ مُقَدَّرَةٌ وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ دَلِيلُ الْجَوَابِ أَوْ هِيَ نَفْسُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مِثْلِهِ وَالْمَعْنَى إنْ تَعَلَّقَ الثَّنَاءُ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ فَالْأَمْرَانِ سَوَاءٌ وَالْفَضَائِلُ جَمْعُ فَضِيلَةٍ وَهِيَ النِّعَمُ اللَّازِمَةُ كَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْفَوَاضِلُ جَمْعُ فَاضِلَةٍ وَهِيَ النِّعَمُ الْمُتَعَدِّيَةُ كَالْإِحْسَانِ وَمَحَلُّ كَوْنِ الْعِلْمِ وَالشُّجَاعَةِ مِنْ النِّعَمِ اللَّازِمَةِ أُرِيدَ بِهِ الْمَلَكَةُ الْحَاصِلَةُ عِنْدَ الشَّخْصِ أَمَّا التَّعْلِيمُ فَنِعْمَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ وَكَذَا دَفْعُ الْعَدُوِّ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الشُّجَاعَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ وَعُرْفًا) قِيلَ: الْعُرْفُ وَالِاصْطِلَاحُ مُتَسَاوِيَانِ وَقِيلَ: الِاصْطِلَاحُ هُوَ الْعُرْفُ الْخَاصُّ وَهُوَ مَا تَعَيَّنَ نَاقِلُهُ وَالْعُرْفُ إذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَهُوَ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ نَاقِلُهُ وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ مِنْ الْعُرْفِ وَالِاصْطِلَاحِ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى غَيْرِ لُغَوِيٍّ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَفَادًا مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ بِأَنْ أُخِذَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ وَقَدْ يُطْلَقُ الشَّرْعِيُّ مَجَازًا عَلَى مَا كَانَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ مُسْتَفَادًا مِنْ الشَّارِعِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ فِعْلٌ يُنْبِئُ إلَخْ) أَيْ فِعْلٌ بِاللِّسَانِ أَوْ بِالْجَوَارِحِ أَوْ بِالْقَلْبِ وَالْفِعْلُ الْقَلْبِيُّ هُوَ اعْتِقَادُ اتِّصَافِ الْمَحْمُودِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ فَظَهَرَ مُغَايَرَتُهُ لِلتَّعْظِيمِ الَّذِي هُوَ اعْتِقَادُ الْعَظَمَةِ فَالِاعْتِقَادُ الْأَوَّلُ يُنْبِئُ عَنْ الثَّانِي اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ) فِيهِ دَوْرٌ لِأَنَّ الْحَامِدَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمْدِ فَيَقْتَضِي تَوَقُّفُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لَفْظِيٌّ لَا يَضُرُّ فِيهِ ذَلِكَ أَوْ يُسْلَكُ فِيهِ التَّجْرِيدُ بِأَنْ يُرَادَ بِالْحَامِدِ الذَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ وَصْفِهَا بِكَوْنِهَا حَامِدَةً أَوْ يُقَالُ: قَوْلُهُ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ تَعْمِيمٌ خَارِجٌ عَنْ التَّعْرِيفِ اهـ ح ف (قَوْلُهُ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ لِلْغَيْرِ خُصُوصِيَّةٌ بِالْحَامِدِ كَوَلَدِهِ وَصَدِيقِهِ أَوْ لَا وَلَوْ كَافِرًا اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ وَابْتَدَأْت بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ) أَيْ بِمُسَمَّى هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ أَوْ بِمَا هُمَا مَنْحُوتَانِ مِنْهُ اهـ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ وَهَذَا الْعِلْمُ أَيْ عِلْمُ النَّحْتِ سَمَاعِيٌّ يُتَوَقَّفُ فِيهِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ الْعَرَبِ فَمَا وَرَدَ عَنْهُمْ مِنْهُ بَسْمَلَةٌ وَحَمْدَلَةٌ وَحَوْقَلَةٌ وَحَيْعَلَةٌ وَحَسْبَلَةٌ مِنْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَمِنْهُ مَا نُقِلَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ حَيْثُ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا تَسَبْتَسْمَكْتُ قَطُّ أَيْ مَا أَكَلَتْ السَّمَكَ يَوْمَ السَّبْتِ وَلَا تَرَبْعَلْبَنْتُ قَطُّ أَيْ مَا شَرِبْت اللَّبَنَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَلَا تَعَمْقَعْدَدْتُ قَطُّ أَيْ مَا تَعَمَّمْت وَأَنَا قَاعِدٌ وَلَا تَسَرْوَلْقَمْتُ قَطُّ أَيْ مَا لَبِسْت السَّرَاوِيلَ أَيْ اللِّبَاسَ وَأَنَا قَائِمٌ اهـ شَيْخُنَا.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْمَوَاهِبِ مَا نَصُّهُ وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ الْمُطَرِّزِ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْ أَسْمَائِهَا سَبْعَةٌ: بَسْمَلَ إذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَسَبْحَلَ إذَا قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَحَوْقَلَ إذَا قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَحَيْعَلَ: إذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَحَمْدَلَ إذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَهَيْلَلَ إذَا قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَجَعْفَلَ إذَا قَالَ: جُعِلْت فِدَاك زَادَ الثَّعْلَبِيُّ طَلْبَقَ إذَا قَالَ: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك وَدَعْمَزَ إذَا قَالَ: أَدَامَ اللَّهُ عِزَّك اهـ وَهَذَا الْبَابُ مَسْمُوعٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ وَابْتَدَأْت بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ) أَيْ لَا بِغَيْرِهِمَا كَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ هَذِهِ صُورَةُ السُّؤَالِ
1 / 13
اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا بِخَبَرِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
ــ
[حاشية الجمل]
الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ وَجَمَعْت بَيْنَ الابتداءين أَيْ لَمْ أَقْتَصِرْ عَلَى أَحَدِهِمَا هَذِهِ صُورَةُ الثَّانِي وَقَوْلُهُ وَقَدَّمْت إلَخْ هَذِهِ صُورَةُ الثَّالِثِ وَتَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ وَهَذَا الْفَهْمُ أَسْهَلُ وَأَوْفَقُ بِكَلَامِ الشَّارِحِ فَلَا يَرِدُ مَا فِي الْحَوَاشِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ كَالْحَلَبِيِّ اهـ شَيْخُنَا وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ وَابْتَدَأْت بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي جَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَمْعُهُمَا مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ جَمْعَهُمَا كَذَلِكَ سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَجَمَعْت بَيْنَ الابتداءين إلَخْ وَبِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي جَاءَا عَلَيْهِ مَجْمُوعَيْنِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْبَسْمَلَةِ وَتَأْخِيرُ الْحَمْدَلَةِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَقَدَّمْت الْبَسْمَلَةَ إلَخْ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ وَابْتَدَأْت إلَخْ) فِي الْمِصْبَاحِ وَبَدَأْت الشَّيْءَ وَبِالشَّيْءِ أَبْدَأُ بِهَمْزِ الْكُلِّ وَابْتَدَأْت بِهِ قَدَّمْتُهُ وَأَبْدَأْتُهُ لُغَةٌ وَالْبُدَاءَةُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ وَضَمُّ الْأَوَّلِ لُغَةً اسْمٌ مِنْهُ أَيْضًا وَالْبِدَايَةُ بِالْيَاءِ مَكَانَ الْهَمْزِ عَامِّيٌّ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ بَرِّيٍّ وَجَمَاعَةٌ اهـ ثُمَّ رَأَيْت فِي الشَّنَوَانِيِّ عَلَى الشَّيْخِ خَالِدٍ مَا نَصُّهُ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمُبْتَدِئِ الْهَمْزُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ ابْتَدَأَ بِالْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ هَمْزٍ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ مِنْ ابْتَدَى بِغَيْرِ هَمْزٍ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ الْأَحْسَنُ هُنَا لِمُشَاكَلَتِهِ الْمُنْتَهِيَ وَهِيَ لُغَةٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ بَدِينَا بِمَعْنَى بَدَأْنَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ وَهِيَ أَنَّ مَصْدَرَ بَدَأَ الْمَهْمُوزِ بُدَاءَةٌ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالْهَمْزِ وَالْمَدِّ وَبَدْءٌ وَمَصْدَرُ غَيْرِ الْمَهْمُوزِ بِدَايَةٌ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بِغَيْرِ الْهَمْزِ لَا مِنْ أَجْلِ اللُّغَةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ لِأَنَّهُ قَدْ حُكِيَ أَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَتْرُكُ الْهَمْزَ فِي كُلِّ مَا يُهْمَزُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ مَبْدُوءً بِهَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَخْفَشُ اهـ. (قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا إلَخْ) عَبَّرَ فِي جَانِبِ الْكِتَابِ بِالِاقْتِدَاءِ.
وَفِي الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ لِأَنَّ الْكِتَابَ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِطَلَبِ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَإِنَّمَا كَانَا فِي أَوَّلِهِ فَنَاسَبَ التَّعْبِيرُ فِي جَانِبِهِ بِالِاقْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ لَمَّا كَانَ فِيهِ طَلَبُ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ تَنَاسَبَ التَّعْبِيرُ فِي جَانِبِهِ بِالْعَمَلِ اهـ ع ش وَقَوْلُهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ طَلَبُ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ أَيْ ضِمْنًا وَلُزُومًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ بِذَمِّ الْأَمْرِ الْمُبْتَدَأَةِ بِدُونِهِمَا اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ تَرْكِهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِضِدِّهِ فَلَزِمَ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالْبُدَاءَةِ بِهِمَا هَذَا مُرَادُ الْمُحَشِّي كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ وَعَمَلًا بِخَبَرِ) الْخَبَرُ بِلَا تَنْوِينٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى مَا بَعْدَهُ إضَافَةً بَيَانِيَّةً أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ لِلْأَخَصِّ وَبِالتَّنْوِينِ عَلَى إبْدَالِ مَا بَعْدَهُ مِنْهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُوَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ كُلُّ أَمْرٍ) لَفْظُ كُلِّ مُفْرَدٌ وَمَعْنَاهَا بِحَسَبِ مَا تُضَافُ إلَيْهِ فَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى مُذَكَّرٍ رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَيْهَا مُذَكَّرًا كَمَا هُنَا وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ
إذَا الْمَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ ... فَكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيهِ جَمِيلٌ
وَمِنْ التَّأْنِيثِ ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: ٣٨] وَهِيَ مُبْتَدَأٌ مُضَافَةٌ إلَى أَمْرٍ وَالْأَمْرُ بِمَعْنَى الْحَالِ يُقَالُ أَمْرٌ سَلِيمٌ أَيْ حَالٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَقَوْلُهُ بِمَعْنَى الْحَالِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ كَمَا لَا يَخْفَى فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى الشَّيْءِ وَإِضَافَةُ كُلِّ إلَى أَمْرٍ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الْحَلَبِيِّ وَنَصُّهَا وَلَا يَلْزَمُ صِحَّةِ التَّصْرِيحِ بِهَا أَيْ بِاللَّامِ بَلْ يَكْفِي إفَادَةُ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّامِ فَقَوْلُك يَوْمَ الْأَحَدِ وَعِلْمُ الْفِقْهِ وَشَجَرُ الْأَرَاكِ بِمَعْنَى اللَّامِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إظْهَارُهَا فِيهِ وَبِهَذَا الْأَصْلِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مَوَادِّ الْإِضَافَةِ اللَّامِيَّةِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّكَلُّفَاتِ الْبَعِيدَةِ مِثْلُ: كُلُّ رَجُلٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ اهـ وَقَالَ الْحَفِيدُ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِنَا الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى اللَّامِ أَوْ بِمَعْنَى مِنْ أَنَّ اللَّامَ وَمِنْ مُقَدَّرَةٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْمُضَافَ إنَّمَا عَمِلَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْحَرْفِ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمَحْضَةَ لَا حَظَّ لَهَا فِي الْعَمَلِ اهـ حف.
(قَوْلُهُ ذِي بَالٍ) أَيْ حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا اهـ خَطِيبٌ وَمَعْنَى اهْتِمَامِ الشَّارِعِ بِهِ طَلَبُهُ إيَّاهُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ تَخْيِيرُهُ فِيهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَلَيْسَ مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا وَقَوْلُهُ لَا يُبْدَأُ فِيهِ نَائِبُ فَاعِلِ يُبْدَأُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ يَعُودُ عَلَى الْأَمْرِ نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ فِيهِ فِي تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ لَا يُبْدَأُ هُوَ لِأَجْلِ نَفْسِهِ وَبِسَبَبِ نَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ مَا إذَا اقْتَرَنَ الشُّرُوعُ فِي الْأَكْلِ وَالسَّفَرِ وَبَسْمَلَ قَاصِدًا الْأَكْلَ فَقَطْ فَالسَّفَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُقَالُ: إنَّهُ خَالٍ عَنْ هَذِهِ الْبَسْمَلَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ بُدِئَ بِهَا لَكِنَّ الْبُدَاءَة بِهَا لَيْسَتْ لِأَجْلِهِ بَلْ لِأَجْلِ الْأَكْلِ فَالسَّفَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دَاخِلٌ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ قَلِيلُ الْبَرَكَةِ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرَهَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَيْضًا ذِي بَالٍ) يُطْلَقُ الْبَالُ عَلَى الْقَلْبِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْحَالِ الَّذِي يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا لَكِنَّهُ عَامٌّ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَسْمَلَةِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمْدَلَةِ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْأَقْوَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامًّا لَاقْتَضَى طَلَبَ الْحَمْدَلَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ
1 / 14
وَفِي رِوَايَةٍ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ أَيْ مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ
وَجَمَعْت بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ فَالْحَقِيقِيُّ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْإِضَافِيُّ حَصَلَ بِالْحَمْدَلَةِ وَقَدَّمْت الْبَسْمَلَةَ عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْحَمْدُ
ــ
[حاشية الجمل]
الْأَكْلِ مَثَلًا مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْإِتْيَانُ بِهَا عِنْدَ الِاخْتِتَامِ اهـ ح ف.
لَكِنْ قَوْلُهُ خَاصٌّ بِالْأَقْوَالِ يَرِدُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ابْتِدَاؤُهُ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ) هُوَ بِالرَّفْعِ أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَيْهِ التَّعَارُضُ وَأَمَّا لَوْ قُرِئَ بِالْجَرِّ كَانَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَلَا تَعَارُضَ عَلَيْهَا لِأَنَّ مَعْنَاهَا بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى الْخَطِيبِ قَوْلُهُ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ هُوَ بِالرَّفْعِ فَإِنَّ التَّعَارُضَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: رَفْعِ الْحَمْدُ وَتَسَاوِي الرِّوَايَتَيْنِ وَكَوْنِ رِوَايَةِ الْبَسْمَلَةِ بِبَاءَيْنِ وَكَوْنِ الْبَاءِ صِلَةَ يُبْدَأُ وَأَنْ يُرَادَ بِالِابْتِدَاءِ فِيهِمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ فَهُوَ أَجْذَمُ) جُمْلَةٌ صُغْرًى مُرَكَّبَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ كُلُّ وَالْعَائِدُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ وَجُمْلَةُ الْحَدِيثِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ كُبْرَى لِوُقُوعِ الْخَبَرِ فِيهَا جُمْلَةً فَلَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ لِاسْتِئْنَافِهَا اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ أَجْذَمُ أَيْضًا) عِبَارَةُ الْقَامُوسِ الْأَجْذَمُ الْمَقْطُوعُ الْيَدُ أَوْ الذَّاهِبُ الْأَنَامِلُ وَالْجُذَامُ كَغُرَابٍ عِلَّةٌ تَحْدُثُ مِنْ انْتِشَارِ السَّوَادِ فِي الْبَدَنِ كُلِّهِ اهـ وَهَذَا التَّرْكِيبُ وَنَحْوُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ وَالْأَصْلُ هُوَ كَالْأَجْذَمِ فِي عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ وَلَا يَضُرُّ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّشْبِيهِ لَا مُطْلَقًا لِلتَّصْرِيحِ بِكَوْنِهِ اسْتِعَارَةً فِي نَحْوِ قَدْ زَرَّ أَزْرَارَهُ عَلَى الْقَمَرِ عَلَى أَنَّ الْمُشَبَّهَ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مَحْذُوفٌ وَالْأَصْلُ هُوَ نَاقِصٌ كَالْأَجْذَمِ فَحَذَفَ الْمُشَبَّهَ وَهُوَ النَّاقِصُ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِاسْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَصَارَ الْمُرَادُ مِنْ الْأَجْذَمِ النَّاقِصِ وَعَلَيْهِ فَلَا جَمْعَ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ الْمَذْكُورُ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَقَطْ اهـ ع ش عَلَى م ر وَقَوْلُهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْجَمْعِ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ ضَابِطَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ بِهِ خَبَرًا عَنْ الْمُشَبَّهِ أَوْ صِفَةً لَهُ أَوْ حَالًا مِنْهُ وَمَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ فَكَلَامُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ.
(قَوْلُهُ أَيْ مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْجُذَامِ فِي الْقَطْعِ مَجَازٌ ثُمَّ إنْ كَانَتْ عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةَ بِأَنْ شَبَّهَ نَقْصَ الْبَرَكَةِ بِقَطْعِ الْعُضْوِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَحْقِيقِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْعَلَاقَةُ اسْتِعْمَالَ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْقَطْعِ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى قَطْعِ الْبَرَكَةِ فَمَجَازٌ مُرْسَلٌ اهـ ع ش (قَوْلُهُ أَيْ مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ أَيْضًا) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بَرَكَةَ فِيهِ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ بَرَكَةً قَطْعًا إلَّا أَنَّهَا نَاقِصَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَنْفِيَّ الْبَرَكَةُ التَّامَّةُ أَيْ مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ التَّامَّةِ اهـ ح ف.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر فَإِنْ قِيلَ: نَرَى كَثِيرًا مِنْ الْأُمُورِ يُبْدَأُ فِيهَا بِبَسْمِ اللَّهِ وَلَا تَتِمُّ وَكَثِيرًا بِعَكْسِ ذَلِكَ قُلْنَا: لَيْسَ الْمُرَادُ التَّمَامَ الْحِسِّيَّ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ نَاقِصًا أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي اُبْتُدِئَ فِيهِ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ تَامًّا حِسًّا انْتَهَتْ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ) أَيْ وَاقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ إلَخْ) هَذَا السُّؤَالُ لَا يَرِدُ إلَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِبَسْمِ اللَّهِ وَقَوْلِهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَنَحْوِهِمَا صِلَةٌ لِيُبْدَأَ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ وَيُمْكِنُ جَعْلُهَا لِلِاسْتِعَانَةِ وَالِاسْتِعَانَةُ بِشَيْءٍ لَا تُنَافِي الِاسْتِعَانَةَ بِآخَرَ أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ وَهِيَ تَصْدُقُ بِوُقُوعِ الِابْتِدَاءِ بِالشَّيْءِ عَلَى وَجْهِ الْجُزْئِيَّةِ وَبِذِكْرِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الشَّيْءِ بِلَا فَصْلٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا جُزْءًا مِنْ الْآخَرِ وَيُذْكَرُ الْآخَرُ قَبْلَهُ بِدُونِ فَصْلٍ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالِابْتِدَاءِ مِنْ التَّلَبُّسِ بِهِمَا عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ بِالْفِعْلِ الْمَبْدُوءِ بِهِمَا لَا فِي ابْتِدَائِهِ فَقَطْ اهـ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَاشِيَةِ الْعَقَائِدِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ إلَخْ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَاصِلُ هَذَا الْجَوَابِ دَفْعُ التَّعَارُضِ بِحَمْلِ الِابْتِدَاءِ فِي خَبَرِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَفِي خَبَرِ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الْإِضَافِيِّ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعَارُضَ كَمَا يَنْدَفِعُ بِهَذَا يَنْدَفِعُ بِعَكْسِهِ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى إيثَارِ هَذَا وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُهُ وَقُدِّمَتْ الْبَسْمَلَةُ إلَخْ اهـ سم عَلَى الْبَهْجَةِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ وَالْإِضَافِيُّ بِالْحَمْدَلَةِ) الْمُرَادُ أَنَّ الْإِضَافِيَّ الَّذِي لَيْسَ بِحَقِيقِيٍّ حَصَلَ بِالْحَمْدَلَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْبَسْمَلَةِ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ لِأَنَّ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَالْإِضَافِيُّ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَوْ لَا فَالْإِضَافِيُّ أَعَمُّ مِنْ الْحَقِيقِيِّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ) عَبَّرَ فِي جَانِبِ الْكِتَابِ أَوَّلًا بِالِاقْتِدَاءِ وَثَانِيًا بِالْعَمَلِ لَعَلَّهُ لِلتَّفَنُّنِ وَالْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ الْإِجْمَاعُ
1 / 15
مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ أَلْ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَمْ لِلْجِنْسِ أَمْ لِلْعَهْدِ (وَالصَّلَاةُ) وَهِيَ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَة اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّينَ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ (وَالسَّلَامُ) بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ
ــ
[حاشية الجمل]
الْفِعْلِيُّ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ) أَيْ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ أَيْ لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ إذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِأَلْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى الْخَبَرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ
مُبْتَدَأٌ فَاللَّامُ جِنْسٍ عُرِّفَا ... مُنْحَصِرٌ فِي مُخْبَرٍ بِهِ وَفَا
وَإِنْ عَرَى مِنْهَا وَعُرِّفَ الْخَبَرُ ... بِاللَّامِ مُطْلَقًا فَبِالْعَكْسِ اسْتَقَرَّ
وَقَدْ تُعُقِّبَ فِي قَوْلِهِ فَاللَّامُ جِنْسٍ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهَا لَا يَصِحُّ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُبْتَدَأِ بِاللَّامِ مُطْلَقًا فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: سَوَاءٌ جُعِلَتْ أَلْ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ إلَخْ وَفِي قَوْلِهِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ شَيْءٌ إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى كَالِاخْتِصَاصِ الَّذِي أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ أَيْ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ فَيَكُونُ الِاخْتِصَاصُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُشَبَّهًا بِالِاخْتِصَاصِ الَّذِي أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ أَيْ بِالِاخْتِصَاصِ مِنْ حَيْثُ فَهِمَهُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْهَا هُوَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَالتَّغَايُرُ إنَّمَا هُوَ بِالِاعْتِبَارِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) قَرَنَ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ قُلْت قَدْ جَاءَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِالتَّسْلِيمِ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ السَّلَامَ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ اهـ شَرَحَ م ر.
وَقَوْلُهُ مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ قَالَ حَجٌّ وَالْإِفْرَادُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ أَوْ الْكِتَابُ اهـ بِحُرُوفِهِ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
١ -
(قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ أَيْضًا إلَخْ) آثَرَ الْفَصْلَ بَيْنَ جُمْلَتَيْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ تَنْبِيهًا عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ بِالتَّأْدِيَةِ وَآثَرَ الْوَصْلَ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ تَنْبِيهًا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَالَى بِالْمَتْبُوعِيَّةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَكَمَا أَنَّ لِلَّهِ عَلَيْنَا نِعَمًا لَا تُحْصَى كَذَلِكَ لِنَبِيِّنَا بِهِدَايَتِهِ لَنَا مِنَنٌ لَا تُسْتَقْصَى فَمِنْ ثَمَّ قَرَنَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَيْهِ بِحَمْدِ اللَّهِ قَضَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ اهـ مُنَاوِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الدُّعَاءُ لِأَنَّ الْكَامِلَ يَقْبَلُ زِيَادَةَ التَّرَقِّي فَانْدَفَعَ مَا زَعَمَهُ جَمْعٌ مِنْ امْتِنَاعِ الدُّعَاءِ لَهُ ﷺ عَقِبَ نَحْوِ خَتْمِ الْقُرْآنِ بِاَللَّهُمِ اجْعَلْ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ ﷺ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَعْمَالِ أُمَّتِهِ يَتَضَاعَفُ لَهُ نَظِيرُهَا لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً لَا تُحْصَى فَهِيَ زِيَادَةٌ فِي شَرَفِهِ ﷺ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ ذَلِكَ فَسُؤَالُهُ تَصْرِيحٌ بِالْمَعْلُومِ وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ وَبَيَّنْت دَلِيلَهُ مِنْ السُّنَّةِ فِيمَا عَلَّقْتُهُ مِنْ الْفَتَاوَى انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَهِيَ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ إلَخْ) هَذَا الْمَعْنَى لِلصَّلَاةِ لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ كَمَا نَقَلَهُ فِي دَقَائِقِ الْمِنْهَاجِ وَكَمَا سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: هِيَ لُغَةً مَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَاَلَّذِي مَرَّ هُوَ هَذَا اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ) أَيْ بِلَفْظِهِ أَوْ بِمُرَادِفِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِغْفَارَ بِخُصُوصِ صِيغَتِهِ لِحَدِيثِ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ اللَّهُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ يُنْظَرُ مَا مَعْنَى اسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ ﷺ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَالِاسْتِغْفَارُ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ وَهُوَ مَعْصُومٌ فَإِنْ قُلْت: الْمُرَادُ الِاسْتِغْفَارُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ طَلَبُ السِّتْرِ وَقَصْدُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذَّنْبِ فَيَرْجِعُ إلَى الْعِصْمَةِ قُلْت بَعْدَ تَسْلِيمِهِ: إنَّمَا يَظْهَرُ فِي اسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ فِي حَيَاتِهِ أَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا وَإِنْ كَانَ حَيًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي دَارِ تَكْلِيفٍ فَإِنْ قُلْت: الْمُرَادُ مِنْ اسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ مُطْلَقُ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ قُلْت: فَمَا حِكْمَةُ الْمُغَايَرَةِ فِي التَّعْبِيرِ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ وَمِنْ الْآدَمِيِّينَ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ) قَالَ شَيْخُنَا: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمِنْ غَيْرِهِمَا لِيَشْمَلَ الْجَمَادَ وَبَقِيَّةَ الْحَيَوَانَاتِ اهـ وَمِثْلُهُ لِلْعَلَّامَةِ الشَّنَوَانِيِّ فِي شَرْحِ الْبَسْمَلَةِ لَلْمُؤَلِّف وَنَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ أَنَّهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ كَالْآدَمِيِّ وَأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ فِي الْجَمَادَاتِ اهـ أَقُولُ: بَلْ وَرَدَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ﷺ مِنْ الْجَمَادَاتِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي سِيرَتِهِ فِي بَابِ ابْتِدَاءِ النُّبُوَّةِ حَيْثُ قَالَ كَانَ ﷺ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ بَعُدَ عَنْ النَّاسِ حَتَّى لَا يَرَى شَيْئًا فَلَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ وَلَا مَدَرٍ إلَّا يَقُولُ: الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْآدَمِيِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ أَيْضًا) أَيْ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الدُّعَاءُ لَهُ ﷺ بِلَفْظِ الرَّحْمَةِ فِي غَيْرِ الْوَارِدِ بَلْ يَحْرُمُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ وَذَلِكَ لِمَا فِي لَفْظِ الرَّحْمَةِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ دُونَ لَفْظِ الصَّلَاةِ اهـ ع ش بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ (قَوْلُهُ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ) .
1 / 16
(عَلَى مُحَمَّدٍ) نَبِيِّنَا (وَآلِهِ) هُمْ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ (وَصَحْبِهِ) هُوَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ وَهُوَ مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ وَعَطْفُ الصَّحْبِ عَلَى الْآلِ الشَّامِلِ لِبَعْضِهِمْ لِتَشْمَلَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَاقِيَهُمْ
ــ
[حاشية الجمل]
كَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ إنَّمَا قُلْت: بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ لِأَنَّ السَّلَامَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ الْمُرَادُ فَدَفَعْت ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ اهـ زِيَادِيٌّ اهـ ع ش إذْ لِلسَّلَامِ سَبْعُ مَعَانٍ: التَّحِيَّةُ وَالسَّلَامَةُ مِنْ النَّقَائِصِ وَالِاسْتِسْلَامُ وَاسْمُ اللَّهِ وَاسْمُ شَجَرٍ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْعُيُوبِ وَالْمُرَادُ هُنَا هُوَ الْأَوَّلُ اهـ أُجْهُورِيٌّ كَذَا فِي خَطِّهِ سَبْعُ وَالْمَعْدُودُ سِتٌّ فَقَطْ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ) كَلِمَةُ عَلَى هُنَا مُجَرَّدَةٌ عَنْ الْمَضَرَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] فَلَا يَرِدُ أَنَّ الصَّلَاةَ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ مَعَ كَلِمَةِ عَلَى يَكُونُ لِلْمَضَرَّةِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ صَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا عَلَيْهِ اهـ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الشَّنَوَانِيِّ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ هُمْ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ) أَيْ وَبَنَاتُهُ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ وَكَذَا يُقَالُ مِثْلُهُ فِي بَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَا يُشْكِلُ بِأَوْلَادِ بَنَاتِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الْآلِ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ لِآبَائِهِمْ اهـ ع ش هَذَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِهِمْ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ كَمَا هُنَا كُلُّ مُؤْمِنٍ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إنَّمَا يُنَاسِبُ مَقَامَ تَحْرِيمِ الزَّكَاةِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ) أَيْ وَعِنْدَ الْأَخْفَشِ جَمْعٌ لَهُ وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ: وَجَمْعُ صَاحِبٍ صَحْبٌ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ وَحَاوَلَ بَعْضُهُمْ التَّوْفِيقَ بِحَمْلِ كَلَامِ الْأَخْفَشِ عَلَى الدَّلَالَةِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ فَهُوَ جَمْعُ صَاحِبٍ بِحَسَبِ الْمَعْنَى لَا جَمْعٌ صِنَاعِيٌّ فَلَا مُخَالَفَةَ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ) أَيْضًا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي وَجْهِهِ بَيَاضٌ مُشْرَبٌ بِحُمْرَةٍ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَكَابِرِ النُّحَاةِ وَسِيبَ مَعْنَاهُ التُّفَّاحُ وَوَيْهِ بِمَعْنَى مِثْلِ وَكَانَتْ خُدُودُهُ كَالتُّفَّاحِ وَهُوَ عَلَى أُسْلُوبِ الْعَجَمِ فِي تَقْدِيمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ عَلَى أَدَاةِ التَّشْبِيهِ اهـ أُجْهُورِيٌّ (قَوْلُهُ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ) أَيْ أَنَّ صَاحِبَ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيَّ مِنْ أَنَّهُ مَنْ طَالَ اجْتِمَاعُهُ وَمُعَاشَرَتُهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالصَّحَابِيِّ مَنْ اجْتَمَعَ إلَخْ وَفِي تَعْبِيرِهِ بِاجْتَمَعَ إشْعَارٌ بِاشْتِرَاطِ اتِّصَافِهِ بِالتَّمْيِيزِ حِينَ اللِّقَاءِ وَالتَّعْبِيرُ بِلَقِيَ أَقَلُّ إيهَامًا لِذَلِكَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّمْيِيزُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاجْتِمَاعِ الْمُتَعَارَفِ أَنْ يَكُونَ بِالْأَبْدَانِ فِي عَالَمِ الدُّنْيَا اهـ عَنَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَنْ اجْتَمَعَ) شَمَلَتْ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَعِيسَى ﵇ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ مَرَّاتٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُوَ حَيٌّ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَمْ يَجْتَمِعُوا بِهِ إلَّا بِأَرْوَاحِهِمْ فَقَطْ اهـ أُجْهُورِيٌّ.
(قَوْلُهُ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّنَا) أَيْ بَعْدَ نُبُوَّتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَلَوْ أَعْمَى أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَمِنْ ثَمَّ عَدُّوا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَحَابِيًّا مَعَ وِلَادَتِهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ ﷺ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَأَيَّامٍ وَشَمَلَتْ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ إلَيْهِمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَدَّ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ مَنْ رَآهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَمَاتَ عَلَى دِينِ الْحَنِيفِيَّةِ كَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ صَحَابِيًّا اهـ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ وَعُطْفُ الصَّحْبِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْعَطْفِ الْعَطْفُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بَعْدَ شَيْءٍ آخَرَ وَإِلَّا فَالْعَطْفُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْأَوَّلِ إذَا تَكَرَّرَتْ الْمَعْطُوفَاتُ عَلَى الصَّحِيحِ فَالْعَطْفُ عَلَى مُحَمَّدٍ لَا عَلَى الْآلِ أَوْ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ اهـ ع ش وَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ لِتَشْمَلَ الصَّلَاةُ بَاقِيَهُمْ) أَيْ الصَّحْبَ الَّذِينَ لَيْسُوا بِآلٍ فَبَيْنَ الصَّحْبِ وَالْآلِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا عَلَى تَفْسِيرِ الْآلِ بِمَا ذَكَرَهُ الْغَيْرُ الْمُنَاسِبُ هُنَا أَمَّا لَوْ فَسَّرَ الْآلُ بِالْمُنَاسِبِ لِمَا هُنَا وَهُوَ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَانَ عَطْفُ الصَّحْبِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ عُمُومًا مُطْلَقًا وَنُكْتَتُهُ زِيَادَةُ فَضْلِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ حَتَّى إنَّ الصَّحْبَ وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ آلٍ أَفْضَلُ مِنْ الْآلِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِصَحْبٍ لِأَنَّ فَضِيلَتَهُمْ بِالصُّحْبَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْعَمَلِ وَفَضِيلَةُ الْآلِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِصَحْبٍ إنَّمَا هِيَ بِالْغَيْرِ وَفَضِيلَةُ الذَّاتِ بِوَصْفِهَا أَفْضَلُ مِنْ فَضِيلَتِهَا بِوَصْفِ ذَاتٍ أُخْرَى مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ قَالُوا: وَلِذَا كَانَ الْعَالِمُ الَّذِي لَيْسَ بِشَرِيفٍ أَفْضَلُ مِنْ الشَّرِيفِ الَّذِي لَيْسَ بِعَالِمٍ لَكِنْ بَقِيَ الْبَحْثُ بِأَنَّ فِي الْآلِ كَثِيرًا مِنْ الصَّحْبِ وَفِي الصَّحْبِ كَثِيرًا مِنْ الْآلِ فَكَانَ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ ثَمَّ أَنْ يُقَدِّمَ الصَّحْبَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدَّمَ الْآلُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ وَرَدَتْ بِالنَّصِّ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحْبِ فَبِالْقِيَاسِ اهـ مَلَوِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَجُمْلَتَا الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ إلَخْ) فَالْقَصْدُ مِنْ جُمْلَةِ السَّلَامِ إنْشَاءُ التَّحِيَّةِ مِنْ الْمُسَلِّمِ عَلَى الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ لِطَلَبِ أَنْ تَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ السَّلَامَةُ كَالْبِنَاءِ الْمُحِيطِ بِهِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لِشَيْءٍ مِنْ ضِدِّهِ سَبِيلٌ إلَيْهِ مَعَ إظْهَارِ الْكَرَامَةِ وَالتَّعْظِيمِ بِذَلِكَ فَكَأَنَّ الْمُسَلِّمَ جَعَلَ سَلَامَهُ كَالْبِنَاءِ الْمُحِيطِ الثَّابِتِ عَلَى الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لِشَيْءٍ مِنْ ضِدِّهِ سَبِيلٌ إلَيْهِ فَالتَّعَدِّيَةُ بِعَلَى تُفِيدُ شُمُولَ تِلْكَ التَّحِيَّةِ وَعُمُومَهَا مَعَ ثُبُوتِهَا وَإِحَاطَتَهَا بِجَمِيعِ جِهَاتِهِ حَتَّى جِهَةِ عُلُوِّهِ اهـ تَقْرِيرٌ
1 / 17
وَجُمْلَتَا الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ خَبَرِيَّتَانِ لَفْظًا إنْشَائِيَّتَانِ مَعْنًى وَاخْتَرْت اسْمِيَّتَهُمَا عَلَى فِعْلِيَّتِهِمَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ (الْفَائِزِينَ مِنْ اللَّهِ بِعُلَاهُ) صِفَةٌ لِمَنْ ذُكِرَ
ــ
[حاشية الجمل]
لِبَعْضِهِمْ.
(قَوْلُهُ وَجُمْلَتَا الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ إلَخْ) أَيْضًا سَكَتَ عَنْ جُمْلَةِ الْبَسْمَلَةِ وَقَالَ ابْنُ الصَّائِغِ فِي تَذْكِرَتِهِ مَنَعَ النَّاسُ مِنْ الْوَاوِ فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْأُولَى خَبَرِيَّةٌ وَالثَّانِيَةَ طَلَبِيَّةٌ وَأَجَازَهُ ابْنُ الطَّرَاوَةِ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي التَّبَرُّكِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ جُمْلَةَ الْبَسْمَلَةِ خَبَرِيَّةٌ لَكِنْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الْعَطْفِ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِجُمْلَةِ الْبَسْمَلَةِ الطَّلَبَ فَهِيَ مِنْ وَضْعِ الْخَبَرِ مَوْضِعَ الطَّلَبِ مِثْلُ اتَّقَى اللَّهَ امْرُؤٌ فَعَلَ خَيْرًا أُثِيبَ عَلَيْهِ أَيْ لِيَتَّقِ اللَّهَ امْرُؤٌ لِيَفْعَلَ خَيْرًا يُثَابُ عَلَيْهِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَصَدَ بِهَا الْإِنْشَاءَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ التَّرْكِيبِ وَأَنَّهَا خَبَرِيَّةٌ وَضْعًا بَقِيَ الْكَلَامُ فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ الشَّرِيفَةِ هَلْ هِيَ خَبَرِيَّةٌ أَوْ طَلَبِيَّةٌ أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ اقْرَأْ فِعْلِ أَمْرٍ كَمَا قَدَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَهِيَ طَلَبِيَّةٌ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَقْرَأُ فِعْلِ مُضَارِعٍ كَمَا قَدَّرَ غَيْرُهُ فَهِيَ خَبَرِيَّةٌ وَضْعًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى فَهِيَ عَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَتْ قَضِيَّةً قَطْعًا وَعَلَى الثَّانِي يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا قَضِيَّةٌ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ مَعَ عَدَمِ النَّظَرِ لِلْعَارِضِ لَكِنْ فِيهِ تَجَوُّزٌ مِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي الشَّرْطِيَّةِ أَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ قَضِيَّتَيْنِ وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَلَيْسَتْ بِقَضِيَّةٍ لِأَنَّهَا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى فَتَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ خَبَرِيَّتَانِ لَفْظًا إنْشَائِيَّتَانِ مَعْنًى) إذْ لَوْ كَانَتَا خَبَرِيَّتَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى لَفَاتَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا إذْ غَرَضُ قَائِلِهِمَا الْإِيجَادُ وَالْأَحْدَاثُ دُونَ الْإِخْبَارِ وَكَذَا يُقَالُ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ اهـ تَقْرِيرٌ لِبَعْضِهِمْ.
وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ خَبَرِيَّتَانِ لَفْظًا إلَخْ وَيَجُوزُ الْحَمْدُ أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْحَمْدَ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ مَالِكٌ أَوْ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ ثَنَاءٌ عَلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا أَمَّا جُمْلَةُ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لُغَةً الدُّعَاءُ وَالْإِخْبَارُ بِهَا لَيْسَ دُعَاءً وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ فِيهَا أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْغَرَضُ مِنْهَا تَعْظِيمُهُ ﵊ وَذَلِكَ حَاصِلٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثُّبُوتِ وَالدَّوَامِ) فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثُبُوتِ الِانْطِلَاقِ لِزَيْدٍ.
قُلْت: أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّيْخَ إنَّمَا نَفَى دَلَالَةَ الِاسْمِيَّةِ فَلَا يُنَافِي اسْتِفَادَةَ الدَّوَامِ مِنْهَا بِوَاسِطَةِ الْعُدُولِ مِنْ النَّصْبِ إلَى الرَّفْعِ أَوْ أَنَّ الِاسْمِيَّةَ تَدُلُّ دَلَالَتَيْنِ لَفْظِيَّةً عَلَى مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَعَقْلِيَّةً عَلَى الدَّوَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الرِّضَى فِي الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَالشَّيْخُ إنَّمَا نَفَى اللَّفْظِيَّةَ أَوْ أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَعُونَةِ الْمَقَامِ فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ دَلَالَةُ الِاسْمِيَّةِ عَلَى دَوَامِ الثُّبُوتِ مَعَ أَنَّ خَبَرَهَا ظَرْفٌ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ قُدِّرَ الطَّرَفُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ التَّجَدُّدِيَّ كَمَا فِي: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥] أَوْ قُدِّرَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ بِقَرِينَةِ عَمَلِهِ فِي الظَّرْفِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْفِعْلِ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْمِيَّةَ الَّتِي خَبَرُهَا فِعْلٌ إنَّمَا تُفِيدُ التَّجَدُّدَ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَدْعُو إلَى الدَّوَامِ وَالثُّبُوتِ كَالْعُدُولِ هُنَا وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعَ كَوْنُ اسْمِ الْفَاعِلِ لِلْحُدُوثِ وَلَا يُنَافِيهِ عَمَلُهُ فِي الظَّرْفِ لِأَنَّ رَائِحَةَ الْفِعْلِ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ عَامِلًا وَهُوَ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُطَوَّلِ آخِرَ الْبَابِ الثَّالِثِ بِأَنَّ: زَيْدٌ فِي الدَّارِ يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ وَالتَّجَدُّدَ بِحَسَبِ تَقْدِيرِ: حَاصِلٌ أَوْ حَصَلَ وَيَبْقَى وَجْهُ إيرَادِ الْبَسْمَلَةِ مُحْتَمَلَةً لِلِاسْمِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ قَصْدُ الِاخْتِصَارِ بِحَذْفِ الْمُتَعَلِّقِ أَوْ مُجَرَّدُ التَّفَنُّنِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَرْجِيحِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ مَا نَصُّهُ: لِأَنَّ الْجُمْلَتَيْنِ إنْ اُسْتُعِيرَ لِلْإِنْشَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ لِيَكُونَ قَائِلُهُمَا حَامِدًا لَا مُخْبِرًا عَنْ الْحَمْدِ فَالِاسْتِعَارَةُ لِجُمْلَةٍ لَا يَجْرِي فِيهَا التَّكْذِيبُ عِنْدَ الْإِخْبَارِ بِهَا أَوْلَى مِنْ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَوْ قَالَ: أَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ حَمْدِهِ وَكَانَ غَافِلًا عَنْ إجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: كَذَبْت بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ التَّكْذِيبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ الْجُمْلَتَانِ فِي الْإِخْبَارِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ فَالِاسْمِيَّةُ أَوْلَى أَيْضًا لِأَنَّ التَّعْظِيمَ فِي الْإِخْبَارِ بِأَنَّ اللَّهَ مَحْمُودٌ بِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ أَوْ جِنْسُهَا الشَّامِلُ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ أَكْثَرُ مِنْ التَّعْظِيمِ فِي إخْبَارِ الْمُتَكَلِّمِ بِكَوْنِ اللَّهِ مَحْمُودًا بِحَمْدِهِ الْمُفَادِ بِالْفِعْلِيَّةِ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ لِلْفَاسِيِّ (قَوْلُهُ الْفَائِزِينَ) الْفَوْزُ هُوَ النَّجَاةُ وَالظَّفَرُ بِالْخَيْرِ مَعَ حُصُولِ السَّلَامَةِ وَقَوْلُهُ بِعُلَاهُ أَيْ بِإِعْلَائِهِ وَرِفْعَتِهِ لَهُمْ فَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَعْلَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ عَلَا جَمْعُ عَلِيَّةٍ أَيْ مَوْضِعٍ عَالٍ فَهُوَ كَغُرْفَةٍ وَغُرَفٍ أَيْ الْفَائِزِينَ مِنْ اللَّهِ بِالرُّتَبِ الْعَلِيَّةِ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمُخْتَارِ مَا يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ: وَالْعُلَا وَالْعَلَاءُ الرِّفْعَةُ وَالشَّرَفُ وَكَذَا الْعُلَا وَالْجَمْعُ الْمَعَالِي ثُمَّ قَالَ
1 / 18
(وَبَعْدُ) يُؤْتَى بِهَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى آخَرَ وَأَصْلُهَا أَمَّا بَعْدُ بِدَلِيلِ لُزُومِ الْفَاءِ فِي حَيِّزِهَا غَالِبًا لِتَضَمُّنِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْأَصْلُ
ــ
[حاشية الجمل]
وَالْعُلْيَةُ الْغُرْفَةُ وَالْجَمْعُ الْعَلَالِيُّ اهـ وَلَمْ أَرَ فِيهِ عِلِّيَّةً بِوَزْنِ غُرْفَةٍ حَتَّى تَكُونَ عُلًا جَمْعًا لَهُ وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا﴾ [طه: ٧٥] اهـ ح ف لَكِنْ رَأَيْت فِي الْمِصْبَاحِ مَا نَصُّهُ وَالْعُلْيَا خِلَافُ السُّفْلَى بِضَمِّ الْعَيْنِ فَتُقْصَرُ وَبِفَتْحِهَا فَتُمَدُّ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالضَّمُّ مَعَ الْقَصْرِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَأَصْلُ الْعُلْيَا كُلُّ مَكَان مُشْرِفٍ وَجَمْعُ الْعُلْيَا عَلَى مِثْلِ كُبْرَى وَكُبَرٍ اهـ وَقَوْلُهُ صِفَةٌ لِمَنْ ذُكِرَ أَيْ مُحَمَّدٌ وَآلُهُ وَصَحْبُهُ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَبَعْدُ) اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: الْوَاوُ عَاطِفَةٌ وَأَمَّا مَحْذُوفَةٌ وَالْفَاءُ دَالَّةٌ عَلَيْهَا وَلَا نِيَابَةَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْوَاوُ نَائِبَةٌ عَنْ أَمَّا وَالْفَاءُ دَالَّةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهَا فَحُذِفَتْ أَمَّا وَبَقِيَتْ الْفَاءُ دَالَّةٌ عَلَيْهَا إقَامَةً لِلَّازِمِ مَقَامَ الْمَلْزُومِ وَإِبْقَاءً لِأَثَرِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الْفَاءُ دَالَّةً عَلَيْهَا كَانَتْ كَالْمَلْفُوظِ بِهَا وَالْوَاوُ نَائِبَةٌ عَنْهَا فَلَزِمَ الْجَمْعُ حِينَئِذٍ وَأَجَابَ الْغَزِّيِّ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ لَفْظًا حَقِيقَةً لَا تَقْدِيرًا كَمَا هُنَا وَعَبَّرَ السَّكَّاكِيُّ فِي الْمِفْتَاحِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا بَعْدُ فَجَمَعَ بَيْنَ أَمَّا وَالْوَاوِ وَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ الْوَاوَ عَاطِفَةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَالتَّقْدِيرُ وَأَقُولُ أَمَّا بَعْدُ إلَخْ اهـ ع ش (قَوْلُهُ وَبَعْدُ) ظَرْفُ زَمَانٍ بِالنَّظَرِ لِلتَّكَلُّمِ وَمَكَانٍ بِالنَّظَرِ لِلرَّسْمِ أَيْ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ فَحَذَفَ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَنَوَى ثُبُوتَ مَعْنَاهُ فَبُنِيَتْ عَلَى الضَّمِّ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ يُؤْتَى بِهَا) أَيْ مَوْضِعُهَا إذَا جِيءَ بِهَا أَنْ يُؤْتَى بِهَا لِلِانْتِقَالِ لَا أَنَّهُ مَتَى أُرِيدَ الِانْتِقَالُ يُؤْتَى بِهَا لِأَنَّ الِانْتِقَالَ كَمَا يَحْصُلُ بِهَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهَا كَهَذَا وَإِنَّ اهـ ع ش قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الْخُطَبِ وَالْمُرَاسَلَاتِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ اهـ خَطِيبٌ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ قَوْلُهُ (لِلِانْتِقَالِ) أَيْ عِنْدَ الِانْتِقَالِ أَوْ لِإِرَادَةِ الِانْتِقَالِ وَلَيْسَ الِانْتِقَالُ مَعْنَاهَا بَلْ مَعْنَاهَا الزَّمَانُ أَوْ الْمَكَانُ وَقَوْلُهُ مِنْ أُسْلُوبٍ أَيْ فَنٍّ إذْ فِي الْمُخْتَارِ أَنَّ الْأُسْلُوبَ هُوَ الْفَنُّ وَالْمُرَادُ بِالْفَنِّ النَّوْعُ مِنْ الْكَلَامِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَأَصْلُهَا) أَيْ أَصْلُهَا الثَّانِي أَيْ أَصْلُ وَبَعْدُ أَيْ أَصْلُ الْوَاوِ أَمَّا فَالْوَاوُ نَائِبَةٌ عَنْ أَمَّا وَاخْتَصَّتْ الْوَاوُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ حُرُوفِ الْعَطْفِ بِالنِّيَابَةِ عَنْ أَمَّا لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ وَلِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِئْنَافِ كَأَمَّا اهـ مَلَوِيٌّ وَقَوْلُهُ بِدَلِيلِ لُزُومِ الْفَاءِ أَيْ وُجُودِهَا وَذِكْرِهَا لَا عَدَمِ انْفِكَاكِهَا لِئَلَّا يُنَافِيَ قَوْلَهُ غَالِبًا وَقَوْلُهُ فِي حَيِّزِهَا أَيْ حَيِّزِ وَبَعْدُ أَيْ فِي قُرْبِ حَيِّزِهَا وَإِلَّا فَحَيِّزُهَا مَكَانُهَا الْمَشْغُولُ بِهَا وَقَوْلُهُ غَالِبًا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهَا مِنْ حَيِّزِ وَبَعْدُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَقَوْلِ ابْنِ الْجَزَرِيِّ وَبَعْدُ إنَّ هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ وَلَمْ تَكُنْ هِيَ أَيْ وَبَعْدُ أَصْلًا بِرَأْسِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَالْفَاءُ لَا تُنَاسِبُ إلَّا مَا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ وَأَصْلُهَا أَمَّا بَعْدُ) أَيْضًا الْمُرَادُ بِالْأَصْلِ مَا حَقُّ التَّرْكِيبِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَالْأَصَالَةُ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ شَيْئًا حُذِفَ مِنْ التَّرْكِيبِ وَاخْتُصِرَ فِيهِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ لُزُومِ الْفَاءِ فِي حَيِّزِهَا غَالِبًا) أَيْ حَيِّزِ وَبَعْدُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ لُزُومَ الْفَاءِ لَمْ يُعْهَدْ لِشَيْءٍ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ إلَّا لِأَمَّا فَلَمَّا وَجَدْنَا ذَلِكَ اللُّزُومَ مَعَ وَبَعْدُ عَلِمْنَا أَنَّ أَصْلَهَا أَمَّا بَعْدُ فَأَمَّا بَعْدُ تَلْزَمُهَا الْفَاءُ وَإِنَّمَا لَزِمَتْهَا لِتَضَمُّنِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ إلَخْ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْمُلَاحَظَةِ لِيَتِمَّ الِاسْتِدْلَال وَيَظْهَرُ التَّعْلِيلُ فِي قَوْلِهِ لِتَضَمُّنِ إلَخْ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِيهِ تَفْكِيكٌ بِدُونِ هَذِهِ الْمُلَاحَظَةِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ لِتَضَمُّنِ إمَّا إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ أَيْ وَلَزِمَتْ الْفَاءُ إمَّا لِتَضَمُّنِ إلَخْ أَيْ مَعَ ضَعْفِهَا فِي الشَّرْطِيَّةِ فَجُبِرَتْ بِلُزُومِ الْفَاءِ وَإِلَّا فَالْفَاءُ لَا تَلْزَمُ شَيْئًا مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ بَلْ إمَّا أَنْ تَمْتَنِعَ فِيمَا إذَا صَلَحَ الْجَوَابُ لِلشَّرْطِيَّةِ أَوْ تَجِبُ فِيمَا إذَا لَمْ يَصْلُحْ فَلِضَعْفِ إمَّا جُبِرَتْ بِلُزُومِ الْفَاءِ مُطْلَقًا اهـ شَيْخُنَا وَبِهِ سَقَطَ مَا كَتَبَهُ ع ش عَلَى م ر هُنَا وَنَصُّ عِبَارَتِهِ قَوْلُهُ غَالِبًا قَدْ يُقَالُ حَيْثُ قَرَّرَ الْأَئِمَّةُ مِنْ النُّحَاةِ أَنَّ الْفَاءَ إمَّا مُمْتَنِعَةٌ فِي الْجَوَابِ أَوْ وَاجِبَةٌ فِيهِ فَإِنْ أَرَادَ الشَّرْطَ لِمُطْلَقٍ فَهُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى مَا يَلْزَمُ وَإِلَى مَا يَمْتَنِعُ وَإِنْ أَرَادَ أَحَدَ قِسْمَيْهِ وَهُوَ مَا يَصْلُحُ لِمُبَاشَرَةِ الْأَدَاةِ فَذَاكَ لَا تَلْزَمُهُ الْفَاءُ بَلْ هِيَ مُمْتَنِعَةٌ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ الْقِسْمَ الْآخَرَ وَهُوَ مَا لَا يَصْلُحُ فَذَاكَ تَجِبُ فِيهِ دَائِمًا لَا غَالِبًا وَمِنْ ثَمَّ عَدُّوا حَذْفَهَا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ
مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا
ضَرُورَةً فَمَا مَعْنَى الْغَلَبَةِ حِينَئِذٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَتْ الصُّوَرُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ الَّتِي لَا تَجِبُ فِيهَا صَحَّ إطْلَاقُ الْغَلَبَةِ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ مَوَاقِعِهَا فَإِنَّ الْأَكْثَرَ يُقَالُ لَهُ: غَالِبٌ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ) أَيْ أَصْلُ أَمَّا بَعْدُ وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلُهَا خُصُوصَ مَهْمَا لَا غَيْرُهَا مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لِمَا فِي مَهْمَا مِنْ الْإِبْهَامِ لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عَاقِلًا أَوْ غَيْرَهُ زَمَانًا أَوْ غَيْرَهُ مَكَانًا أَوْ غَيْرَهُ وَهَذَا الْإِبْهَامُ يُنَاسِبُ هُنَا لِأَنَّ
1 / 19
مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ (فَهَذَا) الْمُؤَلَّفُ الْحَاضِرُ ذِهْنًا (مُخْتَصَرٌ)
ــ
[حاشية الجمل]
الْغَرَضَ التَّعْلِيقُ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ مَا بِخِلَافِ غَيْرِ مَهْمَا مِنْ الْأَدَوَاتِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَقَوْلُهُ مَهْمَا يَكُنْ مَهْمَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهَا يَكُنْ وَالْعَائِدُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ هُوَ الضَّمِيرُ فِي يَكُنْ وَمِنْ شَيْءٍ بَيَانٌ لِمَهْمَا فَهُوَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ) أَيْضًا فَوَقَعَتْ كَلِمَةُ أَمَّا مَوْقِعَ اسْمٍ هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَفِعْلٍ هُوَ الشَّرْطُ وَتَضَمَّنَتْ مَعْنَاهُمَا فَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الشَّرْطِ لَزِمَتْهَا الْفَاءُ اللَّازِمَةُ لِلشَّرْطِ غَالِبًا وَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الِابْتِدَاءِ لَزِمَهَا لُصُوقُ الِاسْمِ اللَّازِمِ لِلْمُبْتَدَأِ إقَامَةً لِلَّازِمِ مَقَامَ الْمَلْزُومِ وَإِبْقَاءً لِأَثَرِهِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ فَهَذَا الْمُؤَلَّفُ الْحَاضِرُ ذِهْنًا) الْإِشَارَةُ لِلْأَلْفَاظِ الذِّهْنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَى الْمُعَانَى عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَالْأَرْجَحُ مِنْ احْتِمَالَاتٍ سَبْعَةٍ فِي مُسَمَّى الْكُتُبِ وَالتَّرَاجِمِ بَيَانُ السَّبْعَةِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مُسَمَّى الْكُتُبِ الْأَلْفَاظُ أَوْ النُّقُوشُ أَوْ الْمَعَانِي أَوْ الْأَلْفَاظُ وَالنُّقُوشُ أَوْ الْأَلْفَاظُ وَالْمَعَانِي أَوْ النُّقُوشُ وَالْمَعَانِي أَوْ الثَّلَاثَةُ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مُخْتَارًا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ السَّبْعَةِ لِأَنَّ النُّقُوشَ لِعَدَمِ تَيَسُّرِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَدْلُولًا وَلَا جُزْءَ مَدْلُولٍ فَبَطَلَ أَرْبَعُ احْتِمَالَاتٍ وَلِأَنَّ الْمَعَانِيَ لِكَوْنِهَا مُتَوَقِّفَةً فِي الْغَالِبِ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَدْلُولًا وَلَا جُزْءَ مَدْلُولٍ أَيْضًا فَبَطَلَ احْتِمَالَانِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأَلْفَاظَ الذِّهْنِيَّةَ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَى الْمَعَانِي وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا فَلَيْسَتْ مَقْصُودَةً اهـ شَيْخُنَا وَوُجِدَ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ نَقْلًا عَنْ الدِّيرِيّ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ فَهَذَا الْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ لِلْمُؤَلَّفِ الْحَاضِرِ فِي ذِهْنِ الْمُؤَلِّفِ وَالتَّقْدِيرُ فَهَذَا الْمُؤَلَّفُ الَّذِي هُوَ أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي عَلَى مَا اخْتَارَهُ السَّيِّدُ مِنْ احْتِمَالَاتٍ سَبْعَةٍ أَبْدَاهَا فِي مُسَمَّى الْكُتُبِ وَالتَّرَاجِمِ وَعَلَيْهِ فَالْإِشَارَةُ لِمَا هُوَ فِي الذِّهْنِ مِنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَإِنْ تَأَخَّرَ وَضْعُ الْإِشَارَةِ عَنْ فَرَاغِ الْمُؤَلِّفِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ لِمَا يُوجَدُ مِنْ الْأَلْفَاظِ فِي الْخَارِجِ لِانْعِدَامِهَا لِكَوْنِهَا إعْرَاضًا فَمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الْإِشَارَةَ الْوَاقِعَةَ فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ إنْ كَانَتْ بَعْدَ التَّأْلِيفِ فَهِيَ لِمَا فِي الْخَارِجِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ الْمُخْتَارِ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ تَنْعَدِمُ بَعْدَ وُجُودِهَا فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ صَحَّتْ الْإِشَارَةُ لِمَا فِي الذِّهْنِ مَعَ أَنَّ ذَا لَا يُشَارُ بِهَا إلَّا إلَى مَوْجُودٍ مَحْسُوسٍ قُلْنَا: الْمُرَادُ الْمَحْسُوسُ وَلَوْ تَنْزِيلًا وَهَذَا مِنْهُ كَأَنَّهُ لِشِدَّةِ اسْتِحْضَارِهِ لَهُ كَأَنَّهُ صَارَ مَحْسُوسًا فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا جَازَ أَنْ تُنَزَّلَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي وُجِدَتْ فِي الْخَارِجِ وَانْعَدَمَتْ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ مَحْسُوسَةٌ فَتَكُونُ الْإِشَارَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ لِمَا فِي الْخَارِجِ فَيَصِحُّ مَا اُشْتُهِرَ.
قُلْنَا: ذَاكَ فِيهِ تَنْزِيلُ الْمَوْجُودِ غَيْرِ الْمَحْسُوسِ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ وَهَذَا فِيهِ تَنْزِيلُ الْمَعْدُومِ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ فَارْتَكَبُوا ذَاكَ دُونَ هَذَا فَإِنْ قِيلَ: مَا فِي الذِّهْنِ مِنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا أُمُورًا مُجْمَلَةً وَلَيْسَتْ هِيَ مُسَمَّى الْكِتَابِ وَإِنَّمَا مُسَمَّاهُ الْأَلْفَاظُ الْمُفَصَّلَةُ أُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ مُضَافًا مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ مُفَصِّلُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كِتَابُ إلَخْ فَالْإِشَارَةُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ ذَلِكَ الْمُضَافِ الْمَحْذُوفِ فَإِنْ قِيلَ: الْأَلْفَاظُ الَّتِي وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَأُخْبِرَ عَنْهَا بِكِتَابٍ لَيْسَتْ إلَّا الْمَوْجُودَةَ فِي ذِهْنِ الْمُؤَلِّفِ حِينَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُقَالَ كِتَابٌ لِغَيْرِ ذَلِكَ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إلَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْكُتُبِ مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الشَّخْصِ وَحِينَئِذٍ يُقَدَّرُ مُضَافٌ آخَرُ أَيْ نَوْعٌ دَالٌّ مُفَصَّلٌ هَذَا وَالْمُخْتَارُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الْجِنْسِ فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ هَذَا الْمُضَافِ إذْ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا فِي ذِهْنِ الْمُؤَلِّفِ هَكَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الْجِنْسِ أَيْ بِخِلَافِ مُسَمَّى الْعُلُومِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الشَّخْصِ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَعِبَارَته تَنْبِيهُ التَّحْقِيقِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الْجِنْسِ لَا اسْمِهِ وَإِنْ صَحَّ اعْتِبَارُهُ وَلَا عِلْمِ الشَّخْصِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ وَإِنْ أَلَّفَ فِيهِ بِمَا يَحْتَاجُ رَدُّهُ إلَى بَسْطٍ لَيْسَ هَذَا مَحِلَّهُ وَأَنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الشَّخْصِ اهـ بِحُرُوفِهِ.
وَنَازَعَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ فَجَعَلَ الْجَمِيعَ مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الشَّخْصِ اهـ رَحْمَانِيٌّ.
١ -
(قَوْلُهُ مُخْتَصَرٌ فِي الْفِقْهِ) أَيْ أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ قَلِيلَةٌ دَالَّةٌ عَلَى جِنْسِ الْفِقْهِ بِمَعْنَى الْمَسَائِلِ الْمَخْصُوصَةِ بِدَلَالَتِهَا عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَقَوْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَيْ كَائِنًا ذَلِكَ الْفِقْهُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كَيْنُونَةَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَفِي مُسْتَعَارَةٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَشْبِيهِ عُلْقَةِ الدَّالِّ وَالْمَدْلُولِ بِعُلْقَةِ الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ وَقَدْ تُجْعَلُ عَلَى مُتَعَلِّقَةً بِالدَّلَالَةِ أَوْ بِمَعْنَى فِي مُسْتَعَارَةً لَهَا لِيَكُونَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ بَدَلًا مِنْ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ قَبْلَهُ فَإِنْ قُلْت: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُخْتَصَرٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلِمَ زَادَ قَوْلَهُ فِي الْفِقْهِ؟ قُلْت: إشَارَةٌ لِمَدْحِ مُخْتَصَرِهِ مِنْ جِهَتَيْنِ عُمُومِ كَوْنِهِ فِي الْفِقْهِ
1 / 20
مِنْ الِاخْتِصَارِ وَهُوَ تَقْلِيلُ اللَّفْظِ وَتَكْثِيرُ الْمَعْنَى (فِي الْفِقْهِ) وَهُوَ لُغَةً الْفَهْمُ وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ وَمَوْضُوعُهُ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ عُرُوضُ الْأَحْكَامِ لَهَا وَاسْتِمْدَادُهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ
ــ
[حاشية الجمل]
وَخُصُوصِ كَوْنِهِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَلِمَدْحِ عُمُومِ الْفِقْهِ وَخُصُوصِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ قَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ الْفِقْهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ مِنْ الِاخْتِصَارِ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمَزِيدِ فِيهِ فَالْأَخْذُ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ الِاشْتِقَاقِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ الْمُرَادِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ فِي الْفِقْهِ) فِي هَذِهِ الظَّرْفِيَّةِ إشْكَالٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْهَجَ كَغَيْرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْكُتُبِ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ وَالْفِقْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْعُلُومِ اسْمٌ لِلْمَلَكَةِ أَوْ الْإِدْرَاكِ أَوْ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ وَلَا مَعْنَى لِظَرْفِيَّةِ نَحْوِ الْمَسَائِلِ لِلْأَلْفَاظِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ فِي بِمَعْنَى عَلَى فَهُوَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمَدْلُولِ لِلدَّالِّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ فِي الْفِقْهِ) أَيْضًا صِفَةٌ أُولَى لِمُخْتَصَرٍ وَقَوْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لَهُ وَقَوْلُهُ اخْتَصَرْت فِيهِ صِفَةٌ ثَالِثَةٌ وَقَوْلُهُ وَضَمَمْت إلَيْهِ صِفَةٌ رَابِعَةٌ وَقَوْلُهُ وَحَذَفْت مِنْهُ الْخِلَافَ صِفَةٌ خَامِسَةٌ وَقَوْلُهُ وَسَمَّيْتُهُ صِفَةٌ سَادِسَةٌ فَقَدْ وَصَفَ الشَّيْخُ مُخْتَصَرَهُ بِسِتِّ صِفَاتٍ اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ وَهُوَ لُغَةً الْفَهْمُ) وَهُوَ إرْسَامُ صُورَةٍ مَا فِي الْخَارِجِ فِي الذِّهْنِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ إدْرَاكُ الشَّيْءِ وَقِيلَ: هَيْئَةٌ لِلنَّفْسِ تَتَحَقَّقُ بِهَا مَعَانِي مَا يُحَسُّ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْمُغْنِي لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ اهـ ع ش (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً الْفَهْمُ) أَيْضًا قَالَ النَّوَوِيُّ يُقَالُ: فَقِهَ يَفْقَهُ فَقَهًا كَفَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا وَقِيلَ: فِقْهًا بِسُكُونِ الْقَافِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَعَ فَتْحِ الْفَاءِ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ وَغَيْرُهُ: فَقِهَ بِالْكَسْرِ إذَا فَهِمَ وَفَقُهَ بِالضَّمِّ إذَا صَارَ الْفِقْهُ لَهُ سَجِيَّةً وَفَقَهَ بِالْفَتْحِ إذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إلَى الْفَهْمِ اهـ مَلَوِيٌّ (قَوْلُهُ وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ إلَخْ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ مَبَادِئِ هَذَا الْعِلْمِ خَمْسَةً: حَدَّهُ وَمَوْضُوعَهُ وَاسْتِمْدَادَهُ وَفَائِدَتُهُ وَاسْمَهُ وَقَدْ أَوْصَلَهَا السُّيُوطِيّ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِهِ إلَى أَحَدَ عَشَرَ فَقَالَ (السَّادِسُ) وَاضِعُهُ وَهُوَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (السَّابِعُ) حُكْمُهُ وَهُوَ الْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بِقَدْرِ مَا يَعْرِفُ تَصْحِيحَ عِبَادَاتِهِ فَإِنْ زَادَ عَنْ ذَلِكَ صَارَ وَاجِبًا كِفَائِيًّا إلَى بُلُوغِ دَرَجَةِ الْإِفْتَاءِ فَإِنْ زَادَ عَنْ ذَلِكَ إلَى أَنْ بَلَغَ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ صَارَ مَنْدُوبًا.
(الثَّامِنُ) مَسَائِلُهُ وَهِيَ قَضَايَاهُ الَّتِي تُطْلَبُ نِسْبَةُ مَحْمُولَاتِهَا إلَى مَوْضُوعَاتِهَا كَقَوْلِنَا فُرُوضُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ سِتَّةُ أَشْيَاءَ (التَّاسِعُ) فَضْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ فَهُوَ أَفْضَلُهَا لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ وَغَيْرُهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ (الْعَاشِرُ) نِسْبَتُهُ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَنَّهُ يَعْصِمُ الْمُكَلَّفُ عَنْ الْخَطَأِ فِي فِعْلِهِ (الْحَادِيَ عَشَرَ) غَايَتُهُ وَهِيَ الْفَوْزُ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ اهـ وَهَذَا الْأَخِيرُ أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْمُحَصِّلَانِ لِلْفَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي الشَّارِحِ سِتَّةٌ مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ.
(قَوْلُهُ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ) الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الظَّنُّ وَأَلْ فِي الْأَحْكَامِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَالْمُرَادُ بِالظَّنِّ مَلَكَتُهُ أَيْ الْمَلَكَةُ الَّتِي يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى ظَنِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مَجَازٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَجَازٍ وَالْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ النِّسَبُ التَّامَّةُ أَيْ الْفِقْهُ الْعِلْمُ بِجَمِيعِ النِّسَبِ التَّامَّةِ وَخَرَجَ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمُ بِغَيْرِهَا مِنْ الذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ وَالْبَيَاضِ وَقَوْلُهُ الشَّرْعِيَّةِ أَيْ الْمَأْخُوذِ مِنْ الشَّرْعِ الْمَبْعُوثِ بِهِ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ وَخَرَجَ بِهَا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَأَنَّ النَّارَ مُحْرِقَةٌ وَقَوْلُهُ الْعَمَلِيَّةِ أَيْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ قَلْبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبَةٌ وَأَنَّ الْوِتْرَ مَنْدُوبٌ فَقَوْلُنَا النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ مَسْأَلَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مَوْضُوعٍ وَمَحْمُولٍ وَنِسْبَةٍ وَالْفِقْهُ اسْمٌ لِلْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ وَهَذِهِ النِّسْبَةُ عَمَلِيَّةٌ أَيْ مُتَعَلِّقَةٌ بِصِفَةِ عَمَلٍ فَالْعَمَلُ هُوَ النِّيَّةُ وَصِفَتُهُ هِيَ الْوُجُوبُ وَهَذِهِ النِّسْبَةُ تَعَلَّقَتْ بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلنِّيَّةِ الَّتِي هِيَ الْعَمَلُ وَخَرَجَ بِالْعَمَلِيَّةِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمِيَّةِ أَيْ الِاعْتِقَادِيَّةِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ وَأَنَّهُ يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ الْمُكْتَسِبُ أَيْ ذَلِكَ الْعِلْمُ مِنْ أَدِلَّتِهَا أَيْ أَدِلَّةِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ التَّفْصِيلِيَّةِ أَيْ الْمُعَيَّنَةِ أَيْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُكْمٍ مَخْصُوصٍ وَالِاكْتِسَابُ مِنْهَا لَيْسَ بِالِاسْتِقْلَالِ بَلْ بِوَاسِطَةِ ضَمِّ الْإِجْمَالِيَّةِ إلَيْهَا وَخَرَجَ بِالْمُكْتَسَبِ عِلْمُ اللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَجِبْرِيلَ بِمَا ذُكِرَ وَخَرَجَ بِقَيْدِ التَّفْصِيلِيَّةِ الْعِلْمُ بِذَلِكَ أَيْ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إلَخْ الْمُكْتَسَبُ لِلْخِلَافِيِّ أَيْ الشَّخْصِ الَّذِي نَصَبَ نَفْسَهُ لِلْخِلَافِ وَالْجِدَالِ لِيَذُبَّ عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ مِنْ الْمُقْتَضِي وَالنَّافِي الْمُثْبِتِ بِهِمَا مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْفَقِيهِ كَالشَّافِعِيِّ لِيَحْفَظَهُ عَنْ إبْطَالِ خَصْمِهِ كَالْحَنَفِيَّةِ.
فَعِلْمُهُ أَيْ الْخِلَافِيِّ مَثَلًا بِوُجُودِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَبِعَدَمِ
1 / 21