La Récolte Philosophique du XXe Siècle : et Autres Recherches Philosophiques
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Genres
وكما أسلفنا القول، فإن الوعي التاريخي بالحاضر هو الذي يحدد توجهنا إما إلى الماضي أو إلى المستقبل. فإذا كان الحاضر مثمرا ومبدعا وملهما دخل في علاقة جدلية مع المستقبل وفتح الطريق إليه. ودخل كذلك مع الماضي في علاقة جدلية، وأخذ منه ما يدفعه لإغناء الحاضر والتوجه للمستقبل، ولكن إذا كان الحاضر عقيما وبائسا وخاليا من الأفعال المبدعة، فإنه يتخذ من الماضي بديلا عن الحياة في الحاضر. بعبارة أخرى لن يكون هناك أي معنى يمكن إضفاؤه على الحاضر إلا بالرجوع - أو إذا شئنا القول بالهروب - إلى الماضي، أي أن «الماضي يعزز الحاضر بدلا من أن يكون موضوعا للبحث النزيه المجرد عن الهوى.»
9
وبفراغ الحاضر من القيمة يفقد ديناميكيته ويستمد مقوماته من الماضي، وتفقد تجربة الزمن الحاضر معناها. فإذا توقف «أحد وجوه الزمان عن الوجود سيتوقف جريان الزمان. ولن تكون هناك إذن حياة طبيعية، أي يفسد الزمان وتفسد معه الحياة.»
10
وهنا تظهر محاولات استدعاء الماضي، وغرسه في بنية الزمن الحاضر؛ فالشعوب والحضارات «التي لا تعيش حياة أرضية فعالة، ولا تملأ حاضرها بأعمال لها تأثيرها تعيش في مقبرة
Cemetry
أو تعيش في الماضي.»
11
ولكننا سلمنا من قبل أن الزمان في حد ذاته حيادي القيمة، فكيف تم إضفاء المثالية والقيمة على الزمن الماضي لبعثه من جديد ليحيا في الحاضر؟
تحتفظ كل المجتمعات قديمها وحديثها بتصورات محددة عن ماضيها البعيد، ويغلب على هذه التصورات نوع من التقييم الإيجابي، وربما يتضح هذا في أسطورة العصر الذهبي المفقود الذي أضفت عليه المجتمعات الأولى نوعا من المثالية. فما هي العوامل التي ساهمت - سواء بشكل مباشر أو غير مباشر - في وضع الأسس الراسخة لهذه النظرة التي أحاطت العصور الماضية بهالة من القداسة؟ وكيف تم خلع القيمة وإضفاء المثالية على الماضي التاريخي؟
Page inconnue