La Récolte Philosophique du XXe Siècle : et Autres Recherches Philosophiques
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Genres
هم ديوي وفيتجنشتين وهيدجر، لقد بذلوا أقصى جهدهم لكي يجعلوا من الصعب علينا أن نعتبر فكرهم تعبيرا عن المشكلات الفلسفية التقليدية، وأن نتصور خطأ أنهم يقيمون اقتراحات بنائية للفلسفة.»
28
ومحاولة الهداية أو الإرشاد لأنفسنا يمكن أيضا أن تقوم على فعل لغوي يبدع أهدافا جديدة وكلمات جديدة وأنظمة جديدة مخالفة لما هو متبع في المنهج التأويلي، أي محاولة تفسير كل ما يحيط بنا وما هو مألوف لنا من خلال المصطلحات غير المألوفة لابتكاراتنا أو إبداعاتنا الجديدة. وفي الحالتين (أي في حالة الموافقة أو المخالفة مع المنهج التأويلي) تقوم هذه العملية بالهداية أو الإرشاد بغير أن تكون إنشائية، على الأقل إذا كان المقصود بما هو إنشائي أو بنائي هو ذلك النوع من التعاون لإنجاز برامج بحثية على نحو ما يتم في الخطاب العادي أو الكلام العادي. ذلك لأن الخطاب الإرشادي يفترض فيه أن يكون غير مألوف، وأن يأخذنا بعيدا عن ذواتنا القديمة بفضل ما فيه من غرابة شديدة، وأن يساعدنا على أن نصبح كائنات جديدة. فإذا كان الفلاسفة النسقيون العظام - شأنهم شأن العلماء العظام - يبنون نظمهم من أجل الأبدية، فإن الفلاسفة الهداة يقومون بالهدم، أو يمارسون عمليات الهدم لصالح جيلهم الحاضر، وهم يفزعون من تصور أن لغتهم يمكن أن تصبح مؤسسية أو أن كتاباتهم يمكن أن تقاس على الكتابات التراثية : «إن الفلاسفة النسقيين العظام هم فلاسفة إنشائيون ويقدمون حججا وبراهين، أما الفلاسفة الهداة العظام فهم فلاسفة رد فعل، ويقدمون ألوانا من السخرية والتهكم ومن الحكم الموجزة، وهم يعلمون أن أعمالهم ليست أبدية، وأنها قد تنتهي بانتهاء العصر الذي كانوا يقاومونه. إنهم يبدون وكأنهم يتعمدون أن يكونوا فرعيين أو هامشيين ومختلفين عن الفلاسفة النسقيين العظام الذين يبنون للأبدية. إنهم - أي الفلاسفة الهداة - يهدمون من أجل جيلهم الذي يعيشون فيه ولا يهدفون كما يفعل الفلاسفة النسقيون أن يضعوا فلسفاتهم على طريق العلم المأمون. إنهم يريدون أن يفتحوا كل السبل أمام الإحساس بالدهشة الذي يستطيع الشعراء في بعض الأحيان أن يحدثوه. وهي الدهشة أو العجب من أن هناك شيئا جديدا تحت الشمس، شيء ليس مجرد تمثيل دقيق لما كان موجودا من قبل، شيء لا يمكن تفسيره ولا يكاد يوصف وصفا دقيقا.»
29
لم يقرر الفلاسفة الهداة الذين يمجدهم رورتي حقائق نهائية، ولم يسيروا في الفلسفة على طريق العلم الموضوعي المأمون. قد يفهم من هذا أن رورتي ضد الحقيقة الموضوعية، وربما يكون هذا صحيحا إلى حد كبير، ولكن لا بد من توضيح أنه - شأنه شأن بعض الفلاسفة الوجوديين - ليس ضد الحقيقة الموضوعية كما هي في العلوم الطبيعية وفي التاريخ، ولكنه يقر بأنها طريقة واحدة من بين طرق أخرى عديدة يمكن أن توصلنا إلى وصف أنفسنا، وإن كان من الممكن أن تخدعنا وتحول دون إتمام عملية الهداية أو الإرشاد. وتعود أهمية الرأي الذي يقر بأننا لا نملك ماهية ثابتة إلى أنه «يسمح لنا بأن ننظر إلى أوصافنا لأنفسنا كما نجدها في واحد من العلوم الطبيعية أو فيها مجتمعة، كما يسمح لنا بأن نعتبر هذه الأوصاف متكافئة مع الأوصاف البديلة المتعددة التي يقدمها الشعراء والروائيون وعلماء النفس التحليلي والنحاتون وعلماء الأنثروبولوجيا والمتصوفة. والخلاصة أن هذه الأوصاف أو التمثلات لا يصح أن نعتبرها تمثلات تفوق غيرها بحجة أن العلوم يتم الإجماع فيها أكثر مما يتم في الفنون والآداب، فالواقع أنها مجرد أوصاف ضمن رصيد كبير من الأوصاف الذاتية الممكنة.»
30
بهذا المعنى السابق يجب أن ننظر إلى الفلسفة الإرشادية باعتبارها حبا للحكمة، ودعوة للحوار، أو «محاولة للحيلولة دون تحول الحوار إلى بحث. إن الفلاسفة الهداة لا يمكنهم أن ينهوا الفلسفة، ولكنهم يساعدون على منعها من أن تسير على طريق العلم الموضوعي والنهائي.»
31
بهذا المعنى يدخل الفلاسفة الهداة في محادثة، وينظرون للفلسفة على أنها حكمة عملية ضرورية للمشاركة في الحوار، ولا يقرون حقائق نهائية ثابتة. وهذا هو ما يعنيه رورتي على وجه التحديد، فإذا نظرنا إلى عملية المعرفة لا باعتبارها تحصيلا لماهية يمكن أن يصفها العلماء أو الفلاسفة، «فإننا نكون قد وضعنا أنفسنا بذلك على طريق النظر إلى الحوار أو المحادثة باعتبارها السياق النهائي الذي يمكن أن تفهم المعرفة من خلاله. ومن ثم يتحول اهتمامنا من التركيز على العلاقة بين البشر والموضوعات التي يبحثونها إلى التركيز على العلاقة القائمة بين المعايير المختلفة للتبرير، ومن ثم إلى التغيرات الفعلية التي تعتري هذه المعايير التي تصنع التاريخ العقلي.»
32
Page inconnue