La Récolte Philosophique du XXe Siècle : et Autres Recherches Philosophiques
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Genres
وإذا كانت الحداثة قد انتهت بما يسميه هابرماس بالتمايز بين العلم والأخلاق والفن ، فإن قصر مفهوم العقل على فلسفات الوعي مؤكدا أنه - أي الوعي - يمثل جانبا واحدا فقط من النشاط العقلي، وأراد وضع العقل في إطار أشمل؛ لهذا قام بإدخال البعد التواصلي في مفهومه الجديد عن العقلانية. وهذا البعد هو الذي يحقق التفاعل بين الناس من خلال التواصل اللغوي الهادف إلى التفاهم المتبادل وفق قواعد أخلاقية تحكم العملية التواصلية حسب معايير متفق عليها، ومن خلال هذا نصل - في رأيه - إلى العقلانية التواصلية.
ولكن ما هل العقلانية التواصلية التي حاول هابرماس أن يقدم من خلالها تفسيرا لبنية المجتمع المعاصر؟ يجيب الفيلسوف على هذا السؤال بتحديد أبعاد ثلاثة ينطوي عليها مفهوم العقلانية التواصلية: «أولها: علاقة الذات العارفة بعالم الأحداث والوقائع، ثانيها: علاقتها بعالم اجتماعي يتميز بالفاعلية وبالانخراط الشخصي في التفاعل مع الآخرين، وأخيرا علاقة شخص يعاني أو شخص عاطفي - بتعبير فويرباخ - علاقته بطبيعته الباطنة أو بذاتيته وذاتية الآخرين.»
14
تلك هي الأبعاد الثلاثة التي تتضح للمرء عندما يحلل عمليات التواصل.
ويهدف هابرماس من العقلانية التواصلية إلى وضع نظرية نقدية لمجتمع يقوم على أسس عقلانية: «أريد أن أبين أنه من الممكن تطوير نظرية الحداثة باستخدام مفاهيم نظرية تواصلية تملك دقة تحليلية تحتاجها الظاهرة الاجتماعية المرضية التي يسميها التراث الماركسي بالتشيؤ.»
15
ولن يكون هذا إلا بإعادة توظيف أو تحديد دور الفلسفة في المجتمع، عندما تقوم - أي الفلسفة - بدور التفسير أو التأويل، وأيضا عندما تتحول وظيفتها من وظيفة المرشد أو القاضي للعلوم الأخرى إلى الانخراط في المجتمع بإقامة نوع من التعاون والحوار بينها وبين مختلف العلوم. «إن مفهوم العقل التواصلي المتأصل في الممارسة اللغوية والموجه للتفاهم يتطلب من الفلسفة أن تأخذ على عاتقها من جديد إنجاز مهام نسقية، وفي هذه الحالة يمكن للعلوم الاجتماعية الدخول في علاقة تعاونية مع الفلسفة التي تضطلع بمهمة العمل على تأسيس نظرية عقلانية.»
16
على أن تمارس هذه الوظيفة الجديدة في إطار العقلانية والحرية. هذا من جانب، ومن جانب آخر يساهم علم الاجتماع أيضا في تحقيق هذا المفهوم الجديد للعقلانية التواصلية باعتباره - أي علم الاجتماع - العلم الذي يبحث في التحولات التي تطرأ على الحياة الاجتماعية، والأمراض الاجتماعية التي نجمت عن عمليات التحديث والعقلانية.
وقد نظر هابرماس إلى الحياة اليومية على أنها وسيط واعد بإعادة الوحدة المفقودة للعقل، وأن «التفسيرات المعرفية والتوقعات الأخلاقية وأشكال التعبير والتقييم لا تستغني خلال التواصل اليومي عن أن تتداخل وتتفاعل، والوصول إلى فهم العالم المعيش يتطلب تراثا حضاريا يتخلل المنظور كله، ولا يقتصر على ثمار العلم والتكنولوجيا.»
Page inconnue