La Récolte Philosophique du XXe Siècle : et Autres Recherches Philosophiques
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Genres
كان علم الاجتماع أيضا أحد المكونات الأساسية في مشروع هابرماس الفلسفي؛ لارتباطه بمشكلة العقلانية والمشكلات التي نجمت عن تحديث المجتمع، وأهمية دور النظرية الاجتماعية في تحولات القيم الموجهة لمؤسسات المجتمع من اقتصادية وسياسية واجتماعية. كما أن تأسيس نظرية للمجتمع تطلب منه إعادة بناء تاريخي للنظريات الاجتماعية الكلاسيكية. ومن هنا كان اهتمامه بعلماء الاجتماع أمثال ماكس فيبر ودور كايم وتالكوت بارسونز، والتفاته بوجه خاص لنظرية الفعل عند هذا الأخير الذي اتخذ منه نموذجا وشرع في العمل على صياغة نظريته في الفعل التواصلي. فقد حاول هابرماس تقديم نظرية بها نوع من التداخل بين منطلقات مختلفة، فقام بالتأليف بين النزعة الوظيفية عند تالكوت بارسونز وبين النظرية العقلانية عند ماكس فيبر مستندا إلى التحليل الماركسي من أجل تأسيس نظرية للمجتمع الحديث محاولا كذلك حل أزمة العلوم الاجتماعية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف قام هابرماس بتطوير أفكاره بتناول: «(أ) نظرية دور كايم عن تطور القانون، ووضع التطور القانوني في سياق الأشكال المتغيرة للتكامل الاجتماعي التي انتبه إليها. (ب) منطق هذا التغير في الشكل يمكن أن يتضح من خلال تجربة فكرية تقوم على أساس فكر دور كايم، كما يعتمد تفسيرها أو شرحها - أي التجربة الفكرية - على أفكار ميد حول أخلاق الخطاب، وتشخيص ميد عن التطور الحتمي للفردية سيتيح لنا أن نتوسع في بحث الهوية والتفرد.»
9
وكانت النظرية العقلانية عند ماكس فيبر مرجعا أساسيا في مشروع هابرماس الفلسفي والخلفية التي قام عليها والتي تحددت في إعادة بناء العقلانية الاجتماعية عند ماكس فيبر بعد أن قام بتحليل المفهوم العقلي عنده: «ينظر ماكس فيبر إلى مفهوم العقلانية العملية من ثلاث منظورات: استخدام الوسائل، ووضع الغايات، والتوجه نحو القيم. وتقاس العقلانية الأداتية لفعل ما بالتخطيط الفعال لتطبيق الوسائل في سبيل الوصول إلى أهداف معينة، وتقاس عقلانية اختيار الفعل بالتقدير الصحيح للغايات والأهداف في ضوء قيم محددة ووسائل ممكنة وظروف معينة. وتقاس العقلانية المعيارية للفعل بالقدرة على التوحيد والتنظيم المنهجي والنفاذ إلى مستويات القيمة. والمبادئ التي يخضع لها اختيار الأفعال، ويطلق فيبر على هذه الأفعال التي تحقق شروط عقلانية الوسائل والاختيار اسم «العقلانية الغائية» كما أطلق على تلك الأفعال التي تحقق الشروط المعيارية العقلية اسم «عقلية القيم»، وهذان الجانبان يمكن أن يختلفا بعضهما عن بعض.»
10
هكذا قسم فيبر النشاط العقلي إلى ثلاثة مجالات: مجال الواقعية الموضوعية العلمية أو العلم الوضعي، ومجال المعايير والمشروعية أو المشروعية الأخلاقية، ومجال القيم والدلالات الرمزية أو المعايير الجمالية. وقد فصل فيبر بين المجالات الثلاثة: «فالتقدم الذي نحرزه على مستوى العقلانية الغائية يمكن أن يكون في صالح نموذج عقلاني غائي، وإن كان يحيط به الشك من الناحية الأخلاقية، وبذلك يكون على حساب الفعل المرتبط بعقلانية القيم، والواقع أن الثقافة الغربية العقلانية قد تطورت في هذا الاتجاه، ولكن هناك ما يدل أيضا على الاتجاه المعاكس، فتعقيل الاتجاهات القيمية يمكن أن يقوم على تعطيل الفعل العقلاني الهادف أو الغائي في نفس الوقت، ويضرب فيبر مثلا على ذلك بالبوذية المبكرة التي يعتبر أنها قامت على أسس أخلاقية عقلانية بمعنى أنها مكنت معتنقيها من التحكم في كل الدوافع الغريزية، وإن كانت في الوقت نفسه قد أدت بهم إلى الفشل في السيطرة على العالم بشكل منهجي منظم.»
11
أعاد هابرماس النظر في هذه المجالات الثلاثة من أجل وضع نظرية عقلانية للمجتمع أو من أجل عقلنة العالم المعيش، وذلك بدمج هذه المجالات (العلم-الأخلاق-الفن) التي فصلها ماكس فيبر عن بعضها: إن السلوك العقلاني المنهجي في الحياة يتميز بأنه يقوم ببناء ذلك النموذج من الفعل المركب الذي يهدف إلى العقلانية والاستزادة منها أو تفعيلها في كل الجوانب الثلاثة السابقة الذكر، بحيث يجمع بين هذه البناءات العقلانية ويدمجها بعضها في بعض؛ لكي تتعاون لإحداث نوع من الاستقرار مما يجعل النجاح في أحد هذه المستويات يفترض - وإلى حد ما يشجع على - النجاح في المستويين الآخرين؛ فالسلوك العقلاني المنهجي في الحياة يشجع على نجاح الفعل على النحو التالي: (1)
من زاوية العقلانية الأداتية، وذلك بإيجاد حل لقضايا التقنية وإيجاد الوسائل الفعالة. (2)
من زاوية عقلانية الاختيار، وذلك بالاختيار الصائب بين البدائل المختلفة للفعل (فنحن نتحدث عن العقلانية الاستراتيجية عندما نضع في اعتبارنا القرارات العقلية التي يتخذها الخصوم). (3)
وأخيرا من زاوية العقلانية المعيارية، وذلك بإيجاد حلول للمهام الأخلاقية العلمية داخل إطار أخلاق تقوم على المبادئ.
Page inconnue