La Récolte Philosophique du XXe Siècle : et Autres Recherches Philosophiques

Catiyat Abu Sucud d. 1450 AH
133

La Récolte Philosophique du XXe Siècle : et Autres Recherches Philosophiques

الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى

Genres

ومما يؤسف له أن حضارتنا العلمية والتقنية قد دمرت - وما زالت تدمر - توازن البيئة الطبيعية، ونحن لا نقدر حتى الآن حجم الدمار الذي ألحقناه بكوكبنا، ولم ندرك بشكل كاف أن بقاء وحماية محيطنا الحيوي الذي يستند إليه وجودنا البشري يتطلب أن نغير قيمنا، وكما أن تغيير القيم نفسه يتطلب تغييرا جذريا للوعي إذا أردنا إيجاد مخرج لأزمة البيئة التي نتحمل وحدنا المسئولية عنها، كما يجب أن تشمل الأخلاق البيئية ليس فقط موقفنا من كوكب الأرض، بل كذلك موقفنا من الكواكب الأخرى.

ويبدو مما سبق أن هناك نوعا من التناقض والمفارقة بين العلم والأخلاق، ففي الوقت الذي نتحدث فيه عن التقدم العلمي والتقني الهائل الذي وصل إليه العقل البشري في العقود الأخيرة من القرن العشرين، نجد في الجانب الآخر تدنيا في السلوك البشري في التعامل مع منجزات العقل إلى الحد الذي يمكن وصفه بأنه نوع من النكوص في الناحية الأخلاقية، مما يستدعي التوقف لتحليل العلاقة بين التطور المعرفي (العلمي والتقني) وبين التطور الأخلاقي. وقد استطاع لوارنس كولبرج - الأستاذ بجامعة شيكاغو - في دراسته عن الضمير الإنساني،

42

التي قام بها بين عامي 1963-1973م أن يكتشف نوعا من التضايف بين التطور المعرفي والتطور الأخلاقي، وأظهرت العينات التي بحثها أن الأفراد يتقدمون في مراحل سلوكهم الأخلاقي عن طريق الترابط المتبادل بينه وبين مستويات الوعي المعرفي أكثر بكثير من ارتباطه بمستويات الطبقة الاجتماعية أو التقاليد الدينية والتوجهات الثقافية. والشيء المهم بالنسبة لعملية التطور الأخلاقي للضمير المشترك، هو أن العكس من ذلك يبدو صحيحا. فالسلوك الأخلاقي أو غير الأخلاقي المشترك يبدو أنه غير مرتبط ارتباطا أساسيا بالمعرفة العلمية أو التقنية، بدليل أن هناك كثيرا من المؤسسات التي تملك هذا التطور الأخير بدرجات شديدة التعقيد، ومع ذلك فهي تمثل مستويات متدنية للأخلاق المشتركة.

وقد أثبتت دراسات كولبرج أن ضمير الفرد يتشكل من خلال عملية تطور أخلاقي في ست مراحل عبر الزمان. ففي المرحلة الأولى يقوم الفرد بالفعل الأخلاقي بدافع من الخوف من العقوبة، أو المرحلة الثانية فيمكن أن نطلق عليها اسم أخلاق المنفعة أو النسبية الأداتية، بمعنى أن يتصرف الشخص وفق منفعته الخاصة، وهي تمثل مرحلة ما قبل الأخلاق الاصطلاحية أو المتواضع عليها (وهي الأخلاق التي تمارس في دنيا المال والأعمال). في المرحلة الثالثة تكون الأخلاق اجتماعية أي نابعة من قيم متفق عليها اجتماعيا. في المرحلة الرابعة يتصرف الفرد أخلاقيا وفق قواعد ومعايير ينظمها القانون. وتقوم المرحلة الخامسة من تطور الأخلاق على التعاقد القانوني، والسلوك في هذه المرحلة يعكس نوعا من الأخلاقية يقوم على استعداد الإنسان للحفاظ على وعوده كما تنص عليها التعاقدات القانونية . أما المرحلة السادسة والأخيرة فتقوم على المبادئ الأخلاقية الكلية. والأخلاقية في هذه المرحلة متطورة إلى أقصى حد، وتظهر بشكل خلاق عند أولئك الأشخاص الذين يوجهون حياتهم من خلال سلوك منظم وصارم طبقا للمبادئ الكلية للعدل والتعاون المشترك.

43

وينتهي كولبرج من دراسته إلى أن عددا قليلا من الناس هم الذين يصلون إلى هذه المرحلة، بل يندر الوصول إليها ندرة شديدة. (4) نتائج تقييم العلاقة بين الإنسان وبيئته

يتضح لنا من الدراسة السابقة لماذا تتصرف بعض الدول الكبرى بلا مسئولية من منطلق التطور المعرفي العلمي المتقدم، بينما تكتفي من التطور الأخلاقي البيئي بمراحله البدائية، وكيف وصلت البشرية إلى مفترق طرق يحتاج الأمر معه إلى التوقف طويلا للتأمل فيما آلت إليه الحضارة الإنسانية. وهذا يؤكد من جانب آخر الحاجة الملحة إلى نموذج معرفي أخلاقي جديد في مقابل النموذج (الديكارتي-البيكوني) الذي أفضى بنا على مدى ثلاثة قرون إلى عقلانية أداتية خالصة. وربما يكون تغيير النموذج - بالمعنى الذي سبق أن أشرنا إليه عند توماس بيكون - هو المعنى المقصود في هذا الصدد «عندما تتغير النماذج الإرشادية يتغير معها العالم ذاته.» وبهذا المعنى نفسه لا بد أن يأتي النموذج المقترح بنظرة جديدة إلى العالم وقيم أخلاقية مغايرة للقيم المصاحبة للنموذج السابق، نظرة وقيم تعيد التصالح بين الإنسان ومحيطه البيئي، وتستعيد العلاقة الحميمة الآمنة بينهما بعد أن تحولت إلى مجابهة وصراع انتهى بالسيطرة البشرية الكاذبة؛ لأنها سيطرة خادعة ومدمرة لمقومات وجود الإنسان. ويرى بعض الباحثين - تعزيزا للفكرة السابقة - أن هذه الأزمة قد أحدثتها القيم الغربية، وأن أسبابها تعود إلى «الفروض الفلسفية الخاطئة التي سلم بها العالم الغربي الحديث، وتمتد جذورها وخيوطها في فكر كل من فرانسيس بيكون وديكارت وهوبز ولوك وهيوم.»

44

ويتمثل أهم هذه الفروض الفلسفية التي أصبحت موضع شك في العصر الحديث في ستة فروض: (1)

Page inconnue